الربان مسرحية موسيقية غنائية متميزة.. تبدأ في الجنة.. لتبحث في فكرة عدل ورحمة الله مع البشر.. فتنقلك المناظر العميقة من حالة إلى حالة.. من خلفية لعمق أشجار الجنة المثمرة.. وزقزقة العصافير والموسيقى الحالمة والجو المبهج.. حيث كان آدم وحواء يعيشان بفرح.. إلى حالة أخرى يسودها الظلام حيث العصيان والطرد إلى خارج الجنة ونور وبهجة الفرح.
وتبدأ التساؤلات.. من خلال الراوي.. وحوارات الناس في عصرنا الحديث – خارج سينوغرافيا مكان وزمان آدم وحواء _ لماذا لم يسامحهم الله؟ هل خلقنا الله ليعذبنا؟
وينبه الراوي الحكيم.. ربنا خلق ناس من أجل أن يحبهم ويحبوه.. يعيشوا معه هو شخصياً.. وليس طمعاً في شيء.. ولكن عندما سقط آدم وحواء.. سقطت طبيعة الإنسان النقية معهما.. الناس قدمت ذبائح وعادات وطقوس.. ليس هذا ما يريده الله. لقد أصبح الإنسان في احتياج لطبيعة جديدة.. ومن سيكون أعظم ليعطيهم طبيعته النقية، من خلال التجسد في طبيعتهم البشرية التي فسدت وأعوزها مجد الله.. سوى شخص رب المجد يسوع.. ويعبر العرض عن مجيئه بتابلو استعراضي موسيقي جميل.. تتلألأ فيه النجوم … وتتهادي فيه الملائكة فرحين.. مستخدمين فن جمالي آخر يضاف لجمال بقية الفنون بالعرض.. فن التحليق في سماء الحرية والبهجة.. “فن الباليه”.
ويستكمل العرض فكرة التجسد وأهميته من خلال تقديم حياة وأعمال وآلام السيد المسيح في صورة غنائية موسيقية تتخلل الأجزاء الروائية والتمثيلية فيه.
مشاهد مميزة بالعرض
–من التابلوهات الجميلة جدا في التصور والتنفيذ والأداء.. التابلو الراقص للدبكة اللبناني مع احتفال الشعب بدخول المسيح أورشليم.. باعتبار أن مكان الاحتفال متعلق بثقافة الاحتفال في منطقة الشام.. وكان توزيع الراقصين ما بين خشبة المسرح ووسط الجمهور.. المصاحب لترتيل وموسيقى “أوصنا يا ابن داوود” أكثر من مميز ومفرح وجميل.
–الأطفال كانوا أكثر من رائعين. مندمجون بالعرض وكأنهم منتمون لنفس المكان والزمان الذي يقدموه.. غير منشغلين سوى بشخص وأبوة يسوع الذي يلعب معهم بشكل بسيط.. ويفيض وجوهم وأداؤهم بالمرح والفرح من حوله.. غير مكترثين أو قلقين من هذا الكم الكبير من الجمهور الذي يشاهدهم.. لم يخطئ أو يتلعثم أحد أو يشت بعيداُ عن المساحة المخصصة له.. مما يعكس التدريبات المكثفة والتعب ومجهود الإدارة المنظمة الكبير الذي قام به قائد العمل “ريمون أمير”.
ندم بطرس المصاحب لصوت الكمان الشجي الحزين
–إدخال الراوي لبعض مصطلحات العصر ليوصل بها الفكرة.. مثل (“يسوع كان خطر على تجار الدين”.. وحناَّن كان مسيطر على سوق الربح والتجارة لدرجة أنه كان معين أقاربه ومنهم قيافا جوز ابنته – كانوا يستخدمون الدين “سبوبة”)
–صوت الجماهير في الخلفية ورؤساء اليهود يتشاورون على يسوع.. مع موسيقى قوية تتصاعد مع مطالبهم (اصلبه.. اصلبه)..
–إخراج جيد جدا… مشهد أخذ يسوع للصلب… فتُقفل الستارة… ليعود من وسط الناس وخلفه الجموع… حامل صليبه.. والجندي الروماني يضربه بسوط كرباج مسموع ومؤثر جدا..
–الاهتمام بتفاصيل الملابس كان متميز وواضح جداً الجهد فيه.. ومنها الشباشب البدائية وصنادل الجنود الرومان المصنوعة من السيور وملابسهم وخوذاتهم.
–الفنان الذي أدى شخصية المسيح كان متفوقاً ببراعة.. واختياره كان موفقاً جداً.. من حيث الملامح، والقامة، والتحرك بوقار، والصوت. حتى سيره بين الناس خلال مشهد الاحتفال به بالسعف مع موسيقى وترانيم (أوصنا..) تفاعل معه الحضور بالتصفيق والفرح.. لقوة ووداعة الأداء من جانب الممثل الذي تشعر أنه أقرب للحقيقة.
ليس هناك أي لحظات رتابة بالعرض، فثوانٍ قليلة ليبدأ أي مشهد جديد مع تغيير كامل للخلفيات.. وسرعة متزامنة في تغيير الملابس والديكور المصاحب.. مما يعكس الجهد الرهيب والملموس المبذول من فريق العمل خلف الكواليس.
ملحوظات بسيطة على العرض
استخدام الإضاءات المختلفة كان جميل وموفق جدا بالعرض، وبخاصة مشهد الصلب. وإن كانت الإضاءة تحتاج – برأيي- إلى توظيف أكثر في مشهدين مهمين.. هما.. مشهد القيامة بنهاية العرض والذي تخلله نور أحمر جانبي.. وكان ينبغي أن يكون أبيض ومبهر.. ومسلط بشكل خاص على المسيح القائم من الأموات.. ليكون الضوء المنير خارج منه هو باعتباره نور العالم.. ومشهد قتل هيرودس لأطفال بيت لحم.. والذي صاحبه غناء وموسيقى متميزة.. وكان يحتاج فقط لتقليل الإضاءة.. مع تعميق استخدام الإضاءة الحمراء القاتمة فقط في الأرضية.. لتحقيق التأثير المطلوب.
-تقديم أهم المعجزات التي قام بها السيد المسيح كان مهم في إطار تقديم تعاليمه وأعماله على الأرض للإنسان الذي أكسبه المسيح طبيعة جديدة من خلال طبيعته هو السماوية.. ولكن.. بدلاً من تجميع معجزات المسيح لتقدم دفعة واحدة بنفس المشهد.. الأمر الذي لم يحقق لها نفس قوة وجمال المشاهد الأخرى بالعرض، كان الأجمل برأيي أن تعرض كمجرد أداء على المسرح بين السيد المسيح وبين الذي يقدم لهم المعجزات ومن حوله.. على أن يصاحب ذلك موسيقى قوية مع نظم الأحداث غنائيا لتسرد معجزات المسيح بنفس كلمات الإنجيل وليس بلهجة عامية لتكون أقوى في التأثير..
-الأصوات الأوبرالية الرئيسية “الرجالي والحريمي” جميلة وقوية جداً.. وهما مع الفريق الغنائي والموسيقى يعتبرون أهم وأقوى أركان الفريق.. والذي يميزه عن أي فرق مسرحية دينية أخرى
-تحية خاصة للمؤلف الموسيقي الموهوب للعرض، وللمغني الرئيسي بالعمل.. صاحب الصوت القوي والمميز والموهوب، الذي هو أقرب لصوت الحجار.. وأتمنى أن يستفيد الفريق من موهبته لأقصى درجة بأعمال عديدة قادمة.
بشكل عام، يعتبر العرض جرعة فنية جميلة ومتميزة، وأتمنى أن يتحول إلى عرض أكثر تفردا وتميزا في إطار تحويله إلى عمل موسيقى غنائي بالكامل، وأتصور أنه مع تحويل كافة الأجزاء التمثيلية إلى دراما غنائية موسيقية.. لا يتخللها سوى النقلات التي يقدمها الراعي ومن يتحاورون معه.. أن يكون أفضل فريق مسرحي ديني غنائي على الإطلاق.
قالوا عن العرض
كان من بين حضور العرض عدد من الشخصيات المرموقة والذين عبروا عن رأيهم بصراحة فيه، ومنهم:
الفنان عاصم سامي، والذي عبر عن إعجابه الشديد بالعرض قائلاً: سينوغرافيا العرض من ديكور وملابس وموسيقى ممتاز.. القصة والورق جميل جداً.. يناقش الموضوع بشكل بسيط وجميل وعميق في نفس الوقت. الإضاءة، والميك آب والديكور رائع وموحي وصادق ومعبر عن موقع الحدث.. حتى المنطقة أمام المسرح مجهزة بشكل جميل جداً.. اختيار الشخصيات، بخاصة اختيار من أدى دور المسيح.. موفق جدا (من حيث الطول والملامح).. باروكات الشعر عفوية من داخل الشخصية.. شكلها صادق.. حركة المسرح وظهور الممثلين.. النقل من حالة إلى حالة.. الراوي رائع.. أحداث ورقصات العرض جميلة جداً وموجودة داخل العمل بشياكة.
-مستشار عصام موريس، نائب رئيس قضايا الدولة، أشاد بالعرض وبالجهد الكبير المبذول فيه وعبر عن استمتاعه الشديد به.
-اللواء عوني عزيز: المسرحية أنجزت فأوجزت.. تخيل الكاتب من أول قصة الخليقة وسقوط آدم وحواء، والحاجة إلى الخلاص، لأن أجرة الخطية هي موت، بالإضافة إلى رؤية المخرج.. أخرج في النهاية عمل رائع ومتكامل.
وختاما.. تحية تقدير لكل القائمين على العرض المتميز جداً وكل المشاركين فيه ولقائده المتميز “ريمون أمير” والذي قام أيضاً بدور الراوي.