العنف ضد المرأة أحد أكثر انتهاكات حقوقها على مستوى العالم، فالسيدات اللاتي يتعرضن للعنف لا يدفعن ثمن الإيذاء الجسدي فقط، بل يتعرضن لانتكاسات نفسية مضاعفة تترك أثر كبير لا ينتهي، منها الاكتئاب والانتحار وغيرها.
ومن هذا المنطلق، جاء اهتمام وزارة التضامن بهذه القضية التي أصبحت ناقوس خطر يدق حياة كل سيدة تدفع ثمناً لهذه الظاهرة التي يجب التصدي لها بكل قوة.
وفي هذا الصدد أجرت "الدستور" لقاء مع نجلاء فتحي أحد فتيات دار الأيتام.
وقالت: أبلغ من العمر 26 عاما، تخرجت من قسم الصحافة من أكاديمية أخبار اليوم، وادرس حاليا في السنة التمهيدية للماجستير، وأعمل في الجمعية الوطنية لرعاية وتطوير دور الأيتام".
وتضيف: أنا من فتيات الأيتام، تربيت في دار أيتام، تجربتي مختلفة، لأني عشت في ظروف مختلفة، مثل فتيات وأطفال كثيرون، لم يختاروا أن يعيشوا هذه الظروف، والكثير منهم لا يستطيعون تقبل هذه الظروف، لأن المجتمع لم يتقبلها، لكني تقبلتها لأنه أمر واقع.
وتستكمل: وأنا طالبة في المدرسة اتعرضت للتنمر من أقرب أصدقائي، وهو يقول: "أنتِ تربية دار أيتام"، تخيل ماذا يمكن أن تفعل فيك هذه الجملة، وتخيل لما مقدمي الرعاية بدار الأيتام، يطلبون منك فى عمر 3 سنين ترتب دولابك، وتكون مقتنعا أن التربية بالضرب، لأن المشرفة في الدار تقول لك: "أكثر حد بحبه هو أكثر واحد بضربه"، وأن كل من في الدار يضربون وكل الأطفال يُضربون، لأن هناك قناعة في المجتمع أن اليتيم مش وراه حد، لكن وراه ربنا".
تتذكر نجلاء طفولتها في دار الأيتام: "كنت أنا وأخواتي في الدار نعتقد أن الضرب معناه الحب والاهتمام، فنسعى له، الآن تغير تفكيري، وعرفت أني لم أخطىء إلا لكي أعرف الصحيح، وأني لم أقع إلا لكى أقف مرة اخرى".
وتتابع: "أنا وأخواتي وكل الأيتام عايزين بس الفرصة اللى نستحقها، مش أكثر، نفسي أشتغل في الوظيفة اللي أستحقها، وأتجوز من شخص لأني أستحقه، مش أترفض من أسرته عشان يتيمة، زى ما حصل مع كثير من إخواتي، كنت بفكر لما يبقى عندى 24 سنة والدار تقول لى لازم تخرجي حسب القوانين هعيش إزاي، والناس هتبص ازاي لبنت عايشة لوحدها، الحمد لله ربنا بيوهب لنا ناس تساعدنا، زي جمعية وطنية، ووزارة التضامن الاجتماعي، وفرصة إنكم تسمعوني".
بحماس تتحدث نجلاء عما أنجزت، "وزارة التضامن الاجتماعي تدفعنا للاندماج في المجتمع، أنا عضو في كورال أطفال مصر، مع المايسترو سليم سحاب، ومن خلال الكورال تعرفت على أيتام آخرين من دور أخرى، اهتم بهم وبما يحتاجونه، وأكتشف نفسي، والجمعية ساعدتني أن أتعرف على كل المواهب التي أمتلكها، فأنا أكتب الشعر وأغني، أنا أيضا عضو بملتقى الشباب في جمعية وطنية، وهذا علمني أن يكون لدي رأى، وعلمني أن أنجح من أجل نفسي، وليس فقط لكي يتقبلني الناس، فلو لم يتقبلونني، سأكون قد أرضيت نفسي".
تصمت نجلاء ثم تعترف: تأتيني لحظات ضعف، خاصة في الليل، لكنى في صباح اليوم التالي أجد نفسي على ما يرام، وأفكر في الميزة التى منحني الله إياها، ولا يتمتع بها كثيرون، وهي أن بإمكاني أن أختار أسرتي، وأختار اخواتي، وبإمكاني أن أعطي لنفسي الدفعة التى تعطيها الأسر لأبنائها، وأني أستطيع أن أحافظ على نفسي وكياني وشخصيتي.
تتذكر نجلاء أنها كانت تتعرض للتنمر بسبب بشرتها السمراء، لكنها بعد أن قرأت مذكرات نيلسون مانديلا، قالت لنفسها "أنت متميزة وقد التحدي"، لكنها تؤكد أن الهم الأكبر الذي أزاحته من على كتفيها وغيّر حياتها وحياة الكثير من أخواتها، كان يوم أن أعلنت هويتها بصراحة ودون خوف، وقالت "أنا يتيمة" أمام جمع كبير من أناس لا تعرفهم، وقد حضر أخواتها اللقاء، وتعجبوا من صراحتها وعدم خوفها، ومن وقتها تشجّع بعضهم واستطاعوا أن يزيلوا هذا الهم من قلوبهم أيضا مثلها.
تتمنى نجلاء أن تتضمن رسالتها للحصول على الماجستير، قصص الأيتام، وتوضح فيها أنهم بالفعل "قادرون باختلاف"، "نفسي كل إخواتي يعلنوا هويتهم من غير ما يخافوا، ويكون ليهم أصحاب من غير ما يخافوا، وإن المجتمع يكون واعي بإن المرأة ممكن تعيش عشان نفسها، أنا عايشة عشان نفسي، وبحافظ على نفسي وصورتى وأخلاقي ومبادئى ودينى، وبقول لنفسي ربنا عايزني أكون كده".