نكسة 8 يونيو .. بقلم خالد منتصر
09.06.2020 11:50
Articles مقالات
الوطن
نكسة 8 يونيو .. بقلم خالد منتصر
حجم الخط
الوطن

فى الثامن من يونيو عام 1992 كان الخبر الصادم والمفجع، اغتيال فرج فودة أمام مكتبه، كانت تلك أول حادثة اغتيال لمفكر مصرى لم يكن يملك إلا قلمه يواجه به الفكر الفاشى للمتطرفين الإسلاميين، كل الاغتيالات السابقة كانت من نصيب أهل السياسة، لكن أن يواجَه القلم بالرشاش كانت تلك هى الصدمة والنكسة، نعم أطلقت عليها فى ذلك الوقت نكسة 8 يونيو، فكما كانت هناك نكسة وهزيمة 5 يونيو على مستوى الحرب، كانت هناك نكسة وهزيمة 8 يونيو على مستوى الفكر، عناصر النكسة والهزيمة كانت كارثية وكثيرة، فالضحية كاتب ومفكر قاتل من أجل الدولة المدنية، وكانت قضيته هى الدفاع عن الدين الضمير أمام التدين التجارة، جوهر الدين الحب أمام مظاهر التدين الذى بات يكره الآخر، الدين الذى هو علاقة خاصة ورأسية ما بين الإنسان وربه ضد التدين السياسى الذى يستغل سذاجة البسطاء ويبتز مشاعرهم ويستخدمهم فى تحقيق مصالح عصابة أو جماعة أو تنظيم.

 

كانت هذه هى جريمته العظمى، كان يمثل عائقاً أمام بيزنس وبوتيكات وبازارات تجار الدين، كان يمثل شوكة فى حلوق هؤلاء، خاصة أنه نذر نفسه لتلك القضية، وكان حديثه منظماً وعذباً ورشيقاً، وكان قارئاً ممتازاً للتاريخ الإسلامى، وفوق هذا وذاك خفيف الدم وابن بلد ولديه كاريزما تكتسح ثقل ظل الإسلاميين الذين كانوا يتساقطون فى حلبة المناظرات أمامه الواحد تلو الآخر بالضربة القاضية الفنية. كان الحل الوحيد هو التخلص منه، فهو قد لخبط لهم الغزل الذى سيصنعون منه شبكة الصيد للقتلة الجدد الذين يجندونهم فى جماعاتهم وتنظيماتهم. عنصر نكسة آخر فى تفاصيل قصة الاغتيال، وهو أن من كتبوا بيان التكفير والتحريض وتسليم فودة إلى القتلة كانوا مشايخ أزهر، مسئولين وأساتذة وحاصلين على دكتوراهات، النكسة الأكبر أن الشيخ الغزالى عندما طُلبت شهادته فى المحكمة قال قولته الشهيرة إن فودة يستحق القتل ولكن الخطأ أن القتلة افتأتوا على الدولة!! انفتح باب جهنم، وصار أى فرمان من أى شيخ هو حكم ردة ومسوغ قتل ومبرر اغتيال.

 

عنصر نكسة آخر وهو أن القاتل لم يقرأ حرفاً لفرج فودة، وهو ما تكرر فيما بعد مع من طعن نجيب محفوظ، مما يشير إلى صناعة جيل من الروبوتات الموجهة من عرائس الماريونيت مزيفة الوعى التى تتحرك بالريموت كنترول، أما الكارثة الأكبر فقد كانت أن زعماء التنظيم الذى حرَّض على قتل فودة ومحفوظ والمحجوب، كوَّنوا حزباً سياسياً فيما بعد لم يتم حله إلا منذ أيام قليلة فى 2020!!! نكسة 8 يونيو كانت فى أن هذا المفكر الذى يحارب نفس حرب الدولة دفاعاً عن كيانها، عارى الصدر إلا من الحجة وقوة المنطق، تركته الدولة حينذاك فى هجير صحراء الوحدة، يخوض المعركة الفكرية نيابة عنها، بينما ترفض الاعتراف بحزبه المستقبل، تأمر التليفزيون بألا يستضيفه وتضعه على القائمة السوداء، بل تحاربه حين نزل انتخابات دائرة شبرا، ثم تتركه بلا حراسة يقتله راكب موتوسيكل، ويتلقى الرصاص وينزف حتى يموت، فرج فودة كان بمثابة سيزيف بطل الأسطورة الإغريقية الذى كان يحمل الحجر حتى أعلى الجبل ثم عند القمة يتدحرج الحجر ويهبط ليبدأ الرحلة من جديد، لكن سيزيف المصرى سقط مع الحجر عند سفح الجبل، واكتفينا نحن بالفرجة حتى ميعاد الحصاد الجديد، حصاد مشتل صبار الإرهاب المر.

اترك تعليقا
تعليقات
Comments not found for this news.