على مدار عام كامل من العدوان الإسرائيلي المستمر حتى اللحظة، يعاني أطفال قطاع غزة من مأساة كبيرة في جميع مناحي الحياة، بداية من البحث عن الطعام والمياه الصالحة للشرب، وصولًا للبحث عن مناطق آمنة، وزاد الأمر سوءًا تدمير الاحتلال بشكل ممنهج للمؤسسات التعليمية والمدارس والجامعات، ما يؤثر على مستقبل الأطفال وحرمانهم من التعليم.
كذلك أثرت الحرب، نفسيًا وجسديًا، على أطفال قطاع غزة، فالآلاف منهم يعانون من أمراض نفسية وعصبية من هول المشاهد التي عاشوها على مدار عام كامل، بجانب إصابتهم بالأمراض المزمنة.
تواصلنا من خلال "الدستور" بمجموعة من الإخصائيين النفسيين والتربويين النازحين في غزة، وأيضًا أطفال وأمهات لرصد المعاناة ونقلها بصورة واقعية وحقيقية.
كشفت هدى أبوصبرة، معلمة فلسطينية من قطاع غزة، شاركت في مبادرات تعليم الأطفال بالخيام، عن معاناة وصعوبات ما يواجه الأطفال في قطاع غزة.
وقالت أبوصبرة، إنه مر عام كامل على الإبادة الجماعية المستمرة في غزة وهناك الكثير من المشاكل التي تواجه بعض الأطفال الذين فقدوا أهاليهم وأقاربهم وأصدقاءهم وبيوتهم، والبعض تشرد وضاع عن أهله أو فقد أهله وأصبحوا مفقودين وهناك من يهرب من الموت أو القصف من حوله أو الصواريخ أو الكواد كابتر تطلق الرصاص عليهم ويحاولون النجاة من الموت المحتم والذي ينجو من القصف تنتظره مشاكل صحية مزمنة.
وأضافت أبوصبرة في شهادة خاصة لـ"الدستور"، بعد عام من العدوان، أى من وقت نزوح الطفل من مكان إلى آخر وهو يعيش وضعًا كارثيًا مأساويًا، فالجسد الصغير تحمل أعباءً كبيرة على عاتقه، وكل يوم يستيقظ ليكون معيلًا لأهله يحمل زجاجات الماء ليبحث عن الماء من مسافات بعيدة للاستعمال اليومي وبعدها يبحث عن طعام من التكيات المتوفرة في قليل من المناطق القريبة أو البعيدة عنه.
وأشارت أبوصبرة إلى أن الحال وصل ببعض الأطفال يبحثون عن الطعام في حاويات القمامة من شدة الجوع وشدة الفقر، ويبحث عن كل شيء ممكن أن يحترق لإشعال النار للطهي، إن توفر ما يتم طهيه أو للتدفئة، لافتة إلى أنه انتشرت حالة من التسول بين الأطفال الذين فقدوا أهاليهم.
وتابعت أبوصبرة: “أباد الاحتلال براءة الأطفال الذين حرموا من جميع حقوقهم الإنسانية، يلاحق أطفال غزة الجوع ونقص التغذية الصحية السليمة الذي أثر على صحته الجسدية، فقد انتشرت الأمراض الكثيرة منها الإسهال والمغص الكلوي والكبد الوبائي وشلل الأطفال وغيرها وحرم الأطفال من العلاج والرعاية الصحية الطبية اللازمة بسبب تدمير الاحتلال المستشفيات والعيادات”.
وواصلت: “كما يواجه الأطفال كابوسًا مرعبًا وخلقت هذه الحرب حالات وأمراضًا نفسية صعبة للأطفال منها الخوف الشديد من الموت أو الفقد والقلق والتوتر والتشنجات والتبول اللا إرادى والعصبية الزائدة والسلوك العدواني وصعوبات في النوم والانطواء وكوابيس ومعاناة لم يشهدها أطفال العالم كله من واقع مأساوي لا يتصوره العقل وجميع أطفال غزة بحاجة لدعم نفسي وصحي مكثف ومستمر”.
طفلة من قطاع غزة: شاهدنا الكلاب تأكل جثث الشهداء ونحن بطريق النزوح
من جانبها، قالت الطفلة نور مسعود، من معسكر جباليا، لم تتجاوز الـ11 عامًا، "نزحنا من بيتنا لمنزل بيت عمتي في منطقة التوبة بقينا خمسة أيام بعدها قصفوا مسجد جنب بيتهم الزجاج طار علينا وشوفنا الكلاب تأكل جثث الشهداء بالطريق، ثم نزحنا إلى مدرسة أبوحسين في منطقة التوبة تواجدنا بها لثلاثة أسابيع وكنا ننام بالحمام الموجود بالمدرسة".
وأضافت مسعود في تصريحاتها لـ"الدستور"، "الاحتلال رمى علينا فسفور، ونسمع أصوات القصف بالقرب منا، نزحنا مرة ثالثة إلى الجنوب في مدينة خان يونس عند عمارة جاسر عند بيت ناس لا نعرفهم بقينا 10 أيام وبعدها انتقلنا لمدرسة في خان يونس مقابل مستشفى ناصر".
وتابعت مسعود: “كنا نعاني من عدم وجود أي شيء معنا وننتظر أي مساعدة من أونروا وبعدها نزحنا برفح بخيمة بقينا 3 شهور وبعدها أجبرونا على الإخلاء والنزوح من رفح ونزحنا إلى دير البلح في خيمة حتى الآن فيها وكنا نعاني من قلة الملابس والأكل والشرب”، قائلة: "أكلنا الخبز الناشف وأحيانًا ما نلاقيه، وكان أخوي يمشي مسافات بعيدة حتى يحصل على المياه".
واستدركت مسعود: "في الشتاء غرقنا ودخلت المياه خيمتنا وتبهدلت الفرشات التي حصلنا عليها بصعوبة، أنا وأمي وأختي كنا ننام على فرشة واحدة وعشنا أيام لم يعشها أحد بالعالم، نفسنا تخلص الحرب ونرجع على غزة عند جدي وأخوالي، فهم بقوا في الشمال محاصرين حتى الآن".
أم لخمسة أطفال: أعاني حتى أحصل على حليب لطفلتي الرضيعة
فيما قالت رماح فرج الله، أم لـ5 أطفال، من النصيرات المخيم الجديد، ولدت في مستشفى العودة طفلتها الأخيرة أول الحرب، عانيت أنا وأطفالي أصعب الظروف من قصف شديد وتدمير ما حولنا من بيوت وكنت بصعوبة بالغة أستطيع توفير الحليب والحفاضات لطفلتي ولباقي أطفالي الأكل وجميع احتياجاتهم الأساسية.
وتابعت فرج الله في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، “نزحت إلى دير البلح بقيت فيها ٩ شهور، ورجعت مرة أخرى للنصيرات وتم قصف منزل بجوارنا دمر منزلنا وأدى لاستشهاد والد زوجي وأخيه وإصابة أمه وأخواته، وعقب ذلك عدنا مرة أخرى إلى دير البلح، كنت حينها أبحث عن خبز لإطعام أطفالي من الجيران لعدم توفر الدقيق”، لافتة إلى أن هناك صعوبة في الحصول على الطعام من التكيات، مؤكدة أن زوجها كان يذهب مسافات بعيدة للحصول على القليل من الطعام والماء.
النباهين: الأطفال يعانون من أمراض نفسية وعصبية ستستمر معهم لسنوات طويلة
من جانبها، قالت الدكتورة ميسون محمد النباهين، استشارية نفسية وتربوية نازحة بقطاع غزة، إن تأثير الحرب على الأطفال من الناحية النفسية والجسدية والعقلية، لم يكن وليد الحرب الأخيرة عقب عملية طوفان الأقصى، ولكن هناك تراكمات منذ حرب الفرقان في 2008 وحتى الحرب الأخيرة، فقطاع غزة كل عامين تقريبًا يعيش حرب كبيرة، فأطفال الأمس هم شباب اليوم.
وأضاف النباهين في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن الأبجديات والمعطيات في الحرب الأخيرة في السابع من أكتوبر، تختلف عن الحروب السابقة في شدتها وكيفيتها ومدى الوجع النفسي الذى خلفه الاحتلال الصهيوني على الناس جميعًا في قطاع غزة على الكبار قبل الصغار.
وتابعت النباهين: “لا يخفي على الجميع ما عاشه القطاع على مدار عام كامل في الحرب الأخيرة من تدمير وتجويع”، لافتة إلى أن الحرب تركت أبعاد نفسية على الكبير قبل الصغير، إذا تحدثنا على تأثير الحرب على أطفال النزوح والخيام لعل من أبرز هذه الأبعاد اضطراب ما بعد الصدمة يجعل الطفل يعيش التجربة مرارا وتكرارا في ذهنه، يعيش ما يراه وما يشاهده في حياته اليومية على مدار عام كامل في أي مكان خارج نطاق هذه الحرب، لافتة إلى أن الطفل في هذه المرحلة يعيش التجربة أكثر من مرة، بجانب هلع وخوف الطفل من أي أصوات عالية، بسبب استمرار تحليق الطيران والقصف في سماء غزة، فولد عند الطفل خوف من أى صوت عالى، بجانب المكان والمحيط المتواجد به الطفل يذكره بمشاهد الحرب والنزوح المستمر".
وأكدت النباهين، أن الحرب الأخيرة، خلقت جيلا من الأطفال أكثر عدوانية وأكثر تمرد على الواقع الذى يعيش به يصعب استيعاب الأشخاص المتواجدين معه، يتعامل مع أى مشكلة بعدوانية شديدة، قائلة: "نحن نعلم أن الحروب لا تبني وإنما تدمر وتقتل وتشتت وتفتت تنزع أي شيء جميل بداخلنا تحاول تقتل روح الحياة الذي ولد بها الطفل وعاش بها، وأصبحت كل أمنياته في الحياة أن يعيش مثله مثل أى طفل في العالم.
ولفتت إلى أن الحرب حولت الطفل لشخص آخر، أصبح الطفل غير قادر على التعبير عن مشاعره وما يمر به، المرور بصدمات متتالية جعلته لا يستطيع التعبير عما بداخله ويفضل الصمت، الحرب صنعت منه شخص غير قادر على التعبير عن مشاعره، ومن هنا أهمية احتواء هذه الحالات ومساعدتها على التخطي من خلال الأخصائيين النفسيين والجلسات النفسية والتعاون بين أفراد الأسرة التي هي أيضا بحاجة إلى رعاية نفسية".
وأضاف أن من الأعراض النفسية والمرضية أيضا صعوبة التنفس من شدة ما رآه الطفل عدم القدرة على التنفس، بجانب القلق المستمر، العدائية في السلوك، تغير في عادات الأكل والنوم، فأطفال الخيام يعانون بشدة من كل شيء، لافتة إلى أن مشاهد الحرب أصبحت متواجدة في لعب الأطفال الحالية في قطاع غزة، والأطفال يقوموا بتمثيل القصف وعمليات النزوح خلال اللعب مع بعضهم البعض، أصبحت هناك لعبة أطلق عليها الأطفال "لعبة اليهود والعرب"، وبرسم الأطفال الحرب حاضرة بقوة من خلال رسم الطفل لما شاهده ورآه على مدار عام كامل.
الحرب نشرت حالات الكآبة والحزن، وأصبحت الحاجة المزمنة للعاطفة فأطفال الخيام في الحرب الحالية يحتاجون إلى الاحتواء والحب إلى العاطفة.
وأكدت أن تعرض الأطفال لتجارب الدمار والخسارة البشرية يؤدى إلى آثار طويلة الأمد، الحرب الحالية ستترك مشاعر نفسية صعبة طويلة الأمد مع الأطفال مع كل غارة جوية يتم إسقاطها على الناس في البيوت والخيام يتقلص شعور الأطفال بالأمان تدريجيا كما تؤثر هذه الأحداث على فقدان العائلة الأمان وتحول المدارس إلى أنقاض والحرمان من المساعدات والغذاء والدواء وانتزاعهم من حياتهم تؤثر على صحتهم النفسية والعقلية والجسدية وفي محاولاتهم للعيش من جديد والنزوح الصواريخ تنزل عليهم وهم يبحثون عن الأمان كي يعيشوا فيه من جديد.
وتساءلت: "بعد مرور أول شهر على حرب 7 أكتوبر قال الأمين العام للأمم المتحدة "غزة أصبحت مقبرة للأطفال"، فبعد مرور عام كامل ماذا سيقول هذا الأمين تجاه ما ذكر في السابق، ففي غزة حاليا يحتاج أكثر من مليون طفل إلى خدمات نفسية وعقلية بعد توقف روتينهم اليومي وحرمانهم من الأنشطة التعليمية والذهاب إلى المدارس صباحا بدأت الدراسة وأطفال غزة ما زالوا في الخيام يصطفون في التكيات للحصول على الأرز والفاصوليا بدلا من الاصطفاف في طابور المدرسة هم يطصفون على التكيات والمياه حتى يبرهنون قدرتهم على الحياة من جديد".
y4dr1l