مخالفات قانونية كنسية فى قبول أستقالة أساقفة!!
28.02.2019 06:29
Articles مقالات
الدستور.. د. مينا بديع عبدالملك
مخالفات قانونية كنسية فى قبول أستقالة أساقفة!!
حجم الخط
الدستور.. د. مينا بديع عبدالملك

أثار موضوع قبول أستقالة أسقف مدينة "ملبورن" بإستراليا موجة من الدهشة بين أخوتنا المسلمين الذين ينظرون إلى الكنيسة القبطية على أنها كنيسة تقاليدية عريقة، كما أثار موجة من الحزن بين أبناء الكنيسة المخلصين. هذا بسبب أن أساقفة الجيل الجديد لم يتتلمذوا بصدق على الكتاب المقدس ولم يطالعوا تعاليم الآباء الرسل الموجودة فى كتاب "تعاليم الرسل"، ولم يتتلمذوا على كتاب "بستان الرهبان"!! فماذا نتوقع؟

 

فمثلًا، فى رسالة بولس الرسول إلى أهل "كولوسى": (إن ثبتم على الإيمان متأسيسين وراسخين وغير منتقلين عن رجاء الإنجيل الذى سمعتموه، المكروز به فى كل الخليقة التى تحت السماء الذى صرت أنا بولس خادمًا له. الذى الآن أفرح فى الآمى لأجلكم وأكمّل نقائص شدائد المسيح فى جسمى لأجل جسده الذى هو الكنيسة التى صرتُ أنا خادمًا لها حسب تدبير الله المُعطى لى لأجلكم لتتميم كلمة الله). وفى رسالة بولس الرسول إلى "العبرانيين": (وآخرون عُذبوا ولم يقيلوا النجاة لكى ينالوا قيامة أفضل. وآخرون تجربوا فى هزء وجلد، ثم فى قيود أيضًا وحبس. رُجموا، نُشروا، جُربوا، ماتوا قتلًا بالسيف، طافوا فى جلود غنم، وجلود معزى، معتازين، مكروبين، مُذلين. وهم لم يكن العالم مستحقًا لهم). أبعد هذا الكلام الذى سجله بولس الرسول فى النصف الأول من القرن الأول الميلادى يخشى الأسقف من الشدائد ويتهرب؟ ألم يطالع أو نسى هذا الأسقف ومعه المطارنة والأساقفة الذين أخذوا قرار قبول الأستقالة: (1) فكر آباء الرهبنة الأولين فى الرهبنة نفسها: (نعمة الرهبنة هى تسليم القلب لله وهى أعظم المقتنيات، وأثمن من كنوز الأرض وخيراتها.

 

والراهب الذى افتقر باختياره وجهز نفسه ليكون جنديًا أمينًا للمسيح لهو أعظم من ملوك الأرض وحكامها قوة ومكانة). (2) حديث الرب مع يونان النبى وتوبيخه له: (قال الله لـ"يونان": هل أغتظت بالصواب من أجل الشجرة؟ فقال أغتظت بالصواب حتى الموت. فقال الرب: أنت أشفقت على الشجرة التى لم تتعب فيها ولا ربيتها، التى بنت ليلة كانت وبنت ليلة هلكت!! أفلا أشفق أنا على نينوى المدينة العظيمة التى يوجد فيها أكثر من 12 ربوة من الناس الذين لا يعرفون يمينهم من شمالهم؟). (3) التعهد الذى رددوه يوم إقامتهم أساقفة أمام هيكل الرب فى كنيسته المقدسة وأمام الشعب كله: (أنا الضعيف.. المدعو بنعمة الله لعمل الأسقفية الجليل، أتعهد أمام الرب رأس الكنيسة غير المنظور، بأن أثبُت على الإيمان الأرثوذكسى إلى النفس الأخير، وأن أخدم قوانين الكنيسةالمقدسة التى وضعها الآباء الرسل الأطهار، والتى وضعتها المجامع المسكونية الثلاثة، وكذلك القوانين التى أعتمدتها الكنيسة للمجامع الأقليمية، والآباء الكبار مُعلمى الكنيسة.

 

وأحاول أن أكون أنا نفسى قدوة للشعب فى كل عمل صالح.. وأتعهد أن أحب الرعية وأعاملها بالرفق والحكمة، ولا تكون لى فيها جماعة مختارة، على أن أهتم بالكل.. وأرعى بكل حرص هذه الرعية التى بين يدى سيطلب الرب دمها..). (4) رسالة الشهيد أغناطيوس الإنطاكى (94 – 108) إلى الرومان: (أكتب إلى جميع الكنائس وأخبرها إننى ذاهب بملء رضاى إلى الموت لأجل الله، راجيًا ألا تقفوا عائقًا فى سبيلى. دعوا الوحوش تأكلنى لأنى عن طريقها سأصل إلى الله، أنا حنطة الله، اُطحن تحت أنيابها لأصبح خبزًا نقيًا للمسيح).

 

والذى وصلنا من أستراليا أن على هذا الأسقف مخالفات مالية!! أسقف يقع فى مخالفات مالية!! وتصلنا من أستراليا أيضًا أن أسقف مدينة "سيدنى" يقع فى مخالفات مالية أشد، وكان البابا شنوده الثالث قد أستدعاه للبقاء فى القاهرة وكانً قرار البابا شنوده: (أن هذا الأسقف لن يغادر القاهرة طالما البابا شنوده على قيد الحياة). ولكن للأسف الشديد أنه بعد رحيل البابا شنوده ببضعة أسابيع قام قائمقام البطريرك بتكليف 3 من الأساقفة من بينهم البطريرك الحالى بإصطحاب هذا الأسقف إلى "سيدنى" مرة أخرى وكأن لم تكن هناك أية مخالفات!! ليس هذين الأسقفين فقط لكن هناك العديد من الأساقفة بالخارج فى باريس وأمريكا وأيضًا داخل مصر يعاملون الشعب بقساوة قلب وعليهم جميعًا العديد من المخالفات المالية. واضح أنه بسبب غياب الهدف من الرهبنة الصادقة وتكالب الكثيرون منهم على المناصب الكنسية، ضعُفت الرهبنة فى وقتنا الحالى. ولتصحيح مسار الرهبنة يجب فصل الرهبنة عن الرتب الكنسية فصلًا تامًا.

 

لكن الشئ الأخطر أن القرار الذى تم أتخاذه هو قبول الأستقالة وأن يسافر إلى "لوس أنجلوس" الأمريكية ليكون مساعدًا للمطران هناك، وهذه كارثة كنسية فى حد ذاتها!! لأن هذا معناه أن هذا الأسقف تخلى عن قيادة الله له فى رعاية شعبه وفضّل أن يكون تحت قيادة مطران آخر!! وهنا العقوبة الكنسية تقع على هذا الأسقف وعلى من أتخذ القرار وعلى من قبل هذا القرار!! فهذا الأسقف يجب أن يُحاسب على مخالفاته المالية (إن كانت حقيقية) وأن يقضى بقية حياته فى الدير لتهربه من مسئولية الرعاية، وتظل أسقفيته شاغرة إلى وقت رحيله لأن الأسقف يُعتبر متزوج إيبارشيته ولا يتخلى عنها، أما الذين أتخذوا قرار قبول الأستقالة فيجب محاكمتهم من مجمع الكنيسة القبطية الذي يضم مجموعة من الأساقفة القانونيين فى قوانين الكنيسة ولو أنهم قلة قليلة جدًا.

 

أيها الأسقف ومعك بقية الأساقفة، طالعوا بتمعن قوانين الرسل: (الباب 4) يجب على الأساقفة أن يقبلوا التائبين ببشاشة وفرح. (الباب 8) يجب على الأسقف أن يتأمل كل قول له وينظر فيه بالحق والعدل ويدبره بمخافة الله ولا يتعجل فيه. (الباب 10) يجب على الأساقفة أن يكونوا محبين للسلام رحومين غفورين لما لديهم، قابلين التأبين، وإذا لم يفعلوا هذا فلا يُسمون أساقفة بل متآمرين.

 

القديس يوحنا الإنجيلى يحذر كل أسقف وكل كاهن وكل راهب وكل شخص: (تمسك بما عندك لئلا يأخذ أحد أكليلك)، وما هو هذا الذى عند الأسقف والراهب: الفقر الأختيارى، التواضع، البعد عن المتكاءات الأولى، العبادة الصادقة غير المزيفة. فليكن كل واحد منا ناظر إلى أبديته السمائية، لأنه ليس لنا هنا مدينة باقية بل نطلب العتيدة. ما أسهل الوعظ فى هذه الأيام.

اترك تعليقا
تعليقات
Comments not found for this news.