تغير المناخ هو أحد أكبر التحديات التي تواجه البشرية في القرن الحادي والعشرين، حيث يؤثر على العديد من جوانب الحياة على كوكب الأرض. ومن بين آثار تغير المناخ، يبرز ظاهرة الجفاف، التي تعاني نقص الماء في منطقة معينة بسبب انخفاض كمية الأمطار أو ارتفاع درجة الحرارة أو تغير في نظام المناخ.
وتشهد العديد من الدول حول العالم حالات جفاف متزايدة ومتطرفة بسبب تغير المناخ، مما يهدد الأمن الغذائي والمائي والصحي لملايين الناس.
إفريقيا.. قارة تحت التهديد
تُعد إفريقيا من أكثر القارات تضررا من الجفاف، حسب تقرير صادر عن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، ومن بين 134 حالة جفاف في القارة بين عامي 2000 و2019، كانت هناك 70 حالة في منطقة شرق إفريقيا.
وأدى عدم سقوط الأمطار لأربعة مواسم متتالية في المنطقة إلى "أسوأ جفاف منذ 40 عاما"، مشيرًا إلى أن هذا كان له تداعيات على الأمن الغذائي لنحو 50 مليون شخص، كما تضررت دول أخرى في إفريقيا من الجفاف، مثل جنوب إفريقيا وزامبيا وزيمبابوي ومدغشقر.
وتسعى هذه الدول إلى اتخاذ إجراءات للحد من استهلاك الماء وزيادة كفاءة استخدامه، بالإضافة إلى دعم المزارعين والمجتمعات المحلية للتكيف مع التغيرات المناخية.
أوروبا.. رقم قياسي في انخفاض هطول الأمطار
شهدت أوروبا رقمًا قياسًيًا في انخفاض هطول الأمطار في عام 2020، حسب خدمة كوبرنيكوس لمراقبة التغير المناخي، وأدى ذلك إلى جفاف الأراضي والمحاصيل والغابات في عدة دول، مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال وألمانيا.
وتوقع خبراء أن تزداد حالات الجفاف في أوروبا في المستقبل بسبب ارتفاع درجات الحرارة وتقلب الأنماط المطرية، وتعمل الاتحاد الأوروبي على تطوير استراتيجية للتعامل مع الجفاف، تشمل تحسين مراقبة وتقييم وتنبؤ الجفاف، وزيادة الوعي والتوعية بالمشكلة، ودعم التكنولوجيا والابتكار لزيادة كفاءة استخدام الماء.
أمريكا.. حرائق غابات هائلة
تشهد أمريكا الشمالية حالات جفاف شديدة تؤثر على أجزاء كبيرة من كندا والولايات المتحدة والمكسيك، وأدى الجفاف إلى اندلاع حرائق غابات هائلة في كاليفورنيا وأوريغون وواشنطن، مما تسبب في خسائر بشرية ومادية كبيرة.
كما أثر الجفاف على إنتاج الطاقة الكهرومائية في سد هوفر، أكبر سد في الولايات المتحدة، حيث انخفض مستوى الماء فيه إلى أدنى مستوى له منذ بنائه، وتحاول الحكومات المحلية والفدرالية اتخاذ إجراءات للحيلولة دون تفاقم الأزمة، مثل فرض قيود على استخدام الماء وإعلان حالات الطوارئ وتخصيص موارد لإطفاء الحرائق.
آسيا.. ظروف قاسية في منطقة آسيا الوسطى
تعاني منطقة آسيا الوسطى من ظروف جفاف قاسية منذ أكثر من عام، بسبب انخفاض كمية الثلوج في جبال هملايا والألبورز، التي تغذي نهري أمو داريا وسير داريا، اللذين يشكلان حوض آرال.
وتضررت دول مثل أفغانستان وإيران وطاجيكستان وأوزبكستان من نقص الماء للشرب والزراعة، مما أثار مخاوف من تهديد للأمن الغذائي والصحة، كما تسبب الجفاف في تدهور بحيرة آرال، التي انخفض مستوى الماء فيها بشكل كبير خلال العقود الماضية.
الصومال.. تهديد للأمن والإنسانية
أما عن أكثر الدول تضررًا بشكل خاص فتعاني الصومال من جفاف مستمر منذ عام 2016، مما أثر على حوالي 6.7 مليون شخص، أو نصف سكانها. وتسبب الجفاف في نقص الماء والغذاء والمراعي، وزيادة الأمراض والمجاعة والنزوح.
وتحاول الحكومة والمنظمات الدولية تقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين، ولكنها تواجه صعوبات بسبب الأمن والتمويل، وتشير التقارير إلى أن الجفاف في الصومال يرتبط بظاهرة “النينيو”، التي تؤثر على درجة حرارة سطح المحيطات، ويؤدي إلى تغير في نظام المناخ.
إيران.. أزمة مائية خانقة
في السياق ذاته، تشهد إيران حالة جفاف حادة منذ عام 1998، مما أدى إلى انخفاض مستوى المياه الجوفية والسطحية، وتدهور الأراضي الزراعية والغابات، وانتشار التصحر، وأثر الجفاف على حوالي 37 مليون شخص، أو نحو نصف سكان إيران.
وتسعى الحكومة إلى اتخاذ إجراءات للحد من استهلاك الماء وزيادة كفاءة استخدامه، بالإضافة إلى تطوير التكنولوجيا والابتكار لزيادة موارد الماء.
وترى الحكومة الإيرانية أن أسباب الجفاف تعود إلى عوامل طبيعية وبشرية، مثل التغيرات في نظام المناخ والزيادة السكانية والتوسع الزراعي والصناعي.
تقول وزارة الطاقة الإيرانية إن "الجفاف في إيران هو نتيجة للتغيرات المناخية العالمية، ولكن أيضا للإدارة غير السليمة للموارد المائية".
المكسيك.. حرائق غابات وانخفاض في الإنتاج
تعاني المكسيك من جفاف شديد منذ عام 2020، مما أثر على 85% من أراضيها، وتسبب الجفاف في انخفاض مستوى المياه في بعض البحيرات والخزانات، واندلاع حرائق غابات في عدة مناطق، وتضرر قطاعات الزراعة والثروة الحيوانية.
وأعلنت الحكومة حالة طوارئ في 31 من 32 ولاية، وأطلقت خططا للتخفيف من آثار الجفاف، مثل توزيع المساعدات للمزارعين والمجتمعات المحلية، وإصلاح شبكات الماء.
وتشير التقارير إلى أن الجفاف في المكسيك يرتبط بظاهرة "النينيا"، التي تؤثر على درجة حرارة سطح المحيطات، وتؤدي إلى تغير في نظام المناخ. وتقول هيئة الأرصاد الجوية المكسيكية إن الجفاف في المكسيك هو نتيجة لظروف مناخية استثنائية، تؤدي إلى انخفاض كمية الأمطار بشكل كبير.
أستراليا.. تأثير على البيئة والاقتصاد
تشهد أستراليا حالات جفاف متكررة وطويلة، بسبب التغيرات في نظام المناخ، وأثر الجفاف على إنتاج الزراعة والثروة الحيوانية، وجودة الماء والصحة، والتنوع البيولوجي والبيئة.
كما تسبب الجفاف في انخفاض مستوى الماء في بعض خزانات التخزين، مثل خزان سد هورس دام في سيدني.
وتعمل الحكومة على تطوير استراتيجية وطنية للتعامل مع الجفاف، تشمل تحسين مراقبة وتقييم وتنبؤ الجفاف، وزيادة الوعي والتوعية بالمشكلة.
تركيا.. أزمة مائية خانقة
تواجه تركيا أزمة مائية خانقة بسبب الجفاف المستمر الذي يضرب البلاد منذ عام 2019. وأدى الجفاف إلى انخفاض مستوى الماء في بعض البحيرات والخزانات، مثل بحيرة فان، أكبر بحيرة في تركيا، وخزان سد أليسو، أحد أكبر السدود في البلاد.
وتأثرت قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة بشدة بسبب نقص الماء، مما أثار مخاوف من تهديد للأمن الغذائي والصحي والاقتصادي، وتحاول الحكومة اتخاذ إجراءات للحد من استهلاك الماء وزيادة كفاءة استخدامه، بالإضافة إلى تشجيع المواطنين على ترشيد استخدام الماء. كما تصّر تركيا على توسيع إمدادات المياه من خلال بناء المزيد من السدود، مثل سد إليسو، الذي يثير اعتراضات من دول جارة مثل سوريا والعراق.