"إزدراء الأديان".. لا يزال حصارا للتفكير والكلام
16.11.2020 10:35
Articles مقالات
وطني
حجم الخط
وطني

نادر شكرى مادلين نادر

الطريق الى توقيع عقوبة على الشخص قد يبدأ بكلمة أو علامة إعجاب على صفحة بموقع التواصل الاجتماعى فيس بوك أو مشاركة مقال أو فيديو دون قصد وبعدم معرفة، عاودت أزمة قضايا ازدراء الأديان الظهور على السطح مؤخرا بعد تراشق بين فتاة مسلمة وشاب مسيحي، وإساءة كل منهما لمعتقدات الآخر، وما يتبعها من حملة كراهية وتحريض على العنف بمواقع التواصل الاجتماعى، وتراشق بين الجانبين، تم القبض أولا على يوسف هانى بالإسماعيلية وهو ما تابعه من هاشتاج للمطالبة بالعدالة فى محاسبة الطرفين دون تمييز وتم القبض على الفتاة التى أساءت للمسيحية، وفي اليوم التالي أخلت محكمة استئناف سبيلهما بعد الاعتذار والتأكيد على عدم القصد .

 

وتعد تهمة ازدراء الأديان، سيفاً مسلطاً تجاه الأقليات الدينية، وأصحاب الفكر المختلف عن السائد، بل والمواطنين العاديين احيانا، هناك عشرات الأشخاص في مصر قد يتعرضوا لهذه التهمة الفضفاضة، بعضهم يقضي عقوبة السجن، والبعض الآخر عُزل من وظيفته، أو خضع لضغط المجتمع، أو لقرار لجان عرفية، فترك مسكنه مرغمًا على نزوح قسري.

 

بخلاف قضية يوسف هانى، هناك العشرات من القضايا التى لا يعرف عنها المجتمع ولم يكتب عنها الاعلام، خلال السنوات الأربع الأخيرة، ونذكر عدد من القضايا منذ يناير 2020 .

 

و القضية الاولى بمركز المنيا، وتقع بإحدى العزب وتحمل رقم 7502 ادارى المنيا، وضحيتها خفير نظامي يدعى و. ف من أسرة بسيط لديه صفحة على الفيس بوك، وتم اتهامه بازدراء الإسلام لقيامه بالمشاركة تشير بوست وصف انه مسىء، ولا يزال رهن الحبس الاحتياطي منذ 18 أغسطس 2020، وفشلت كافة محاولات لإخلاء سبيله رغم انكاره الواقعة، وعدم وجود دليل مادى. كانت الاجهزة الأمنية فوز الواقعة و البلاغ الذى تقدم به متشددين وضع حراسة بقريته وإجراءات أمنية تحسبا لأي رد فعل .

 

و الواقعة الثانية لطفل يدعى أ .ر. ت 17 عاما ، من مركز ابوقرقاص، فى القضية رقم 126 لسنة 2020، وتم محاكمته أمام محكمة أحداث ابو قرقاص بالمنيا، وسوف تنظر جلسته يوم 18 من الشهر الجارى، وتم توريط هذا الحدث فى قضية أثناء مناقشات تصريحات أحد الدعاة المثيرة للجدل، تخص التحرش والاساءة للفتيات وما كتبه حول المسيحية والإساءة لها، واعتبرت بعض تعليقاته مسيئة للاسلام، وتم حبسه على ذمة القضية منذ 14 يوليو 2020.

 

أما الواقعة الثالثة لقبطى يدعى ه.ع.م 65 عام بمحافظة اسيوط، والذى يحاكم المحكمة الجنائية بأسيوط فى القضية رقم 66 لسنة 2020، وهو طبيب تم اتهامه بازدراء الإسلام لوجود مشاركة شير لمقال وصف بالاساءة، رغم تأكيد الطبيب المسن أن حسابه تم اختراقه بهاكر، وانه لا يعلم شىء عنه، وانه عمره الطويل لا يسمح له أن يقوم بمثل هذه الأمور خاصة انه فى قرية ريفية تابعة لقرية منقباد، حيث تم حبسه منذ 17 أغسطس الماضى، وتم حجز قضيته للحكم فى جلسة 9 ديسمبر المقبل.

 

وتأتي الواقعة الرابعة لشاب بسيط يدعى ا. ك . و بقرية تابعة لمركز دير مواس بالمنيا، وهو لا يجيد القراءة أو الكتابة، تم اتهامه بازدراء الاسلام فى القضية رقم 12140 ادارى دير مواس لسنه 2020، وتم حبسه منذ 15 مارس الماضى، وتم إخلاء سبيله فى 14 يونيو الماضى بعد ورود التقرير الفني الذي أكد على عدم حدوث الواقعة، وأن الشخص المتهم يجهل التعامل مع الفيس بوك ولا يجيد الكتابة.

 

أما الواقعة الخامسة اتهام قبطيين، هما ا . ر و م.س بمركز السنبلاوين بالدقهلية بازدراء الأديان فى مقطع حواري تمثيلى بينهما لم يكن معلن وتم تسريبه، وتم حجزها للحكم فى محكمة جنح أمن الدولة.

 

وجائت الواقعة السادسة، ر.ع، المدرس بالمعهد الأزهري بكفر صقر بمحافظة الشرقية، قرآني ألقت قوات الأمن القبض عليه في 22 أغسطس 2020، ولا يزال محبوسًا.

 

و فى يوليو الماضى، حكمت محكمة جنح أمن الدولة بمشتول السوق بمحافظة الشرقية في القضية رقم 154 لسنة 2019 بالحبس سنة واحدة على مصطفى الرملي ومحمود يوسف بتهمة ترويج أفكار تنتمي إلى المذهب الشيعي. كانت قوات الأمن قد ألقت القبض على المتهمين في 16 مايو 2019 وتم إخفاؤها في مكان غير معلوم حتى تم عرضهما على نيابة مشتول وتم عرضهم ومحاكمتهم بالحبس سنة .

 

و قررت النيابة حبس شاب يدعى، محمد شرف، بتهمة السخرية من مذيعي إذاعة القرآن الكريم، لمدة 15 يوم على ذمة بتهمة ازدراء الإسلام ، بعد ان قدمت الشؤون القانونية في الهيئة الوطنية للإعلام ببلاغ ضد الشخص صاحب فيديو السخرية من إذاعة القرآن الكريم ورموزها، والمتداول على مواقع التواصل الاجتماعي إلى النائب العام لإتخاذ الإجراءات القانونية ضد المتهم. وكان الفيديو فقرة ستاند اب كوميدي، والتي سخر خلالها من أسلوب وطريقة إلقاء مذيعي إذاعة القرآن الكريم.

 

خلفية تاريخية حول ازدراء الأديان فى القانون المصرى

 

المشرع المصري خصص فى قانون العقوبات بابًا من مادتين هما: 160 و161، تحت مسمى الجنح المتعلقة بالأديان في الكتاب الثاني: الجنايات والجنح المضرة بالمصلحة العامة، بقانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937، ثم أضيفت المادة 98 (و) لقانون العقوبات في الثمانينات من القرن الماضى، والتي عرفت بمادة ازدراء الأديان. ومن مواد قانون العقوبات التي يُحاكم على أساسها المتهمين في قضايا ازدراء الأديان.

 

وتنص المادة 98 الفقرة (و): يعاقب كل من استغل الدين في الترويج أو التحبيذ بالقول أو بالكتابة أو بأي وسيلة أخرى لأفكار متطرفة، بقصد إثارة الفتنة أو التحقير، أو ازدراء أحد الأديان السماوية، أو الطوائف المنتمية إليها أو الضرر بالوحدة الوطنية أو بالسلم الاجتماعي، بغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تتجاوز 1000 جنيه، أو بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تجاوز 5 سنوات.

 

وفي قراءة سريعة لهذه المواد وفقا لتقرير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية يتضح أن البيئة السياسية التي نشأ فيها النص القانوني والخلفية الدينية للمشرع لعبتا دورا واضحا في صياغة النص، فقد أضيفت المادة 98(و) وعدلت المادة 160 عقب أحداث الزاوية الحمراء الطائفية، والتي راح ضحيتها عشرات القتلى والمصابين، كما جاءت بعد أقل من عام من بداية حكم الرئيس السابق حسني مبارك وعقب اغتيال السادات بيد التيارات الإسلامية.

 

واتسمت صياغة هذه المواد بأنها:

 

تجرم الفكر، فالمواطنون عرضة للمحاكمة بسبب أفكارهم الدينية حتى ولو لم يترتب عليها فعلً.

 

غياب التحديد والوضوح اللازمين للنصوص العقابية، إذ تضمنت هذه المواد كلمات مطاطة غير محكمة أدت إلى غموض النص، منها: الأفكار المتطرفة، استغلال، ازدراء، تحقير، التشويش. وهذا الغموض يعطي مساحة كبيرة للقاضي في تفسير المعنى، والتوسع في السلطة التقديرية الممنوحة له، ما يترتب عليه صدور أحكام متفاوتة في قضايا تبدو متشابهة، كما يتيح محاكمة المتهم على أساس القيم وليس على أساس النماذج الإجرامية.

 

انتهكت هذه النصوص حقوقا دستورية راسخة واضحة، خصوصا المادة 98(و) التي أخلت بقواعد المساواة في الحماية القانونية، وافتقرت إلى الضوابط الدستورية اللازمة للتجريم، وقيدت من الحقوق والحريات.

 

هنرى تقدم طلب إحاطة بالنواب

 

كانت قد قدمت نادية هنري عضوة مجلس النواب طلب إحاطة، وقالت فيه إنه من غير المنطق التعامل فى تطبيق قانون العقوبات بمعايير مزدوجة، فلا ينبغي أن يطبق قانون العقوبات على فئة بسبب الدين دون أخرى.

 

واستطردت أن المادة نسبية وغير محددة، من الممكن أن تصدر محكمة حكمًا بالإدانة ومحكمة أخرى تصدر حكمًا بالبراءة عن نفس الفعل، وهو ما حدث مع الفنان عادل إمام عندما تمت إدانته من محكمة الهرم في حين برأئته محكمة العجوزة عن عدد من أفلامه.

 

كما طالب من قبل العديد من أعضاء مجلس النواب في عام 2016 بإلغاء المواد المتعلقة بإزدراء الأديان من القانون أو تعديلها ولكن بعد عدة مناقشات بلجان البرلمان، ظلت كما هى بالرغم من أن الدستور وهو أبو القوانين ينص على حرية الفكر والتعبير وكانت هناك اقتراحات بتعديلها بحيث توضع فى باب أخر فى قانون العقوبات وليست ضمن الجرائم الماسة بأمن الدولة من الداخل كما هو وضعها الأن. كأن يتم وضع ضوابط لحرية الرأي والتعبير فيما يخص الأديان .وأن يكون ذلك فى نطاق محدد معروف واضح.

 

تحذير من حسابات مزيفة

 

حذر ماجد طلعت الناشط الحقوقى من محاولة إثارة الفتنة بمصر عن طريق حسابات مزيفة يتم انشائها للاساءة للأديان لاثارة.

 

وتابع: أكونتات كتير مزيفة تم استخدمها خلال الأيام الماضية للإساءة والازدراء للاديان في محاولة من جماعات الشر لاستغلال حدث عارض يستنكره جميع المصريين.

 

معا لوطن واحد

 

أطلق عدد من الكتاب والنشطاء بيان للتوقيع عليه تحت شعار معاً لوطن واحد فى 12 نوفمبر الجارى على خلفية أزمة الجدل الطائفي الذي دار بين فتاة مسلمة وشاب مسيحى، تبادلا فيه الإساءة كل إلى معتقدات ومقدسات الأخر الدينية، ولقد وقع على البيان ما يقرب من 250 شخص حتى كتابة هذه السطور.

 

وأكدوا فى بيانهم على: أن الأزمة وما تم حيالها تكشف عن حاجتنا كمجتمع ودولة إلى إعادة النظر في الحلول التقليدية التي درجت عليها الجهات المعنية، والتي لم تعد مجدية مع التغيرات الجوهرية التى فرضت نفسها على واقعنا، وعلى الأجيال الجديدة التى تشكل القوة الفاعلة فى المجتمع والدولة، وفى مقدمتها معطيات وآليات الثورة الرقمية والتفاعل اللحظى مع ما تحمله وتبثه وتتناقله. ونجد أنفسنا فى مواجهة أزمة تتجدد وتأخذنا إلى حافة المصادمة على خلفيات طائفية، بشكل متواتر ومتكرر تحت مسمى ازدراء الأديان، وهى أزمة قانونية وسياسية سبق وتعرض لها بالتحليل الفقهي القانوني حمدى الأسيوطى فى كتابه الوثائقى إزدراء الأديان فى مصر الصادر فى يناير 2015 .

 

وأشار البيان إلى انه يجب العمل على عدة محاور منها:

 

ـ المحور التشريعى المنوط بمجلس النواب بالغاء هذه المادة الملتبسة المشار إليها.

 

ـ المحور التعليمى والثقافى؛ وتتحمله وزارات التعليم، والثقافة، والإعلام، وآليات تشكيل العقل الجمعى، ودعم الفنون والآداب والإبداع والحوار الموضوعى، التى تصب فى الارتقاء بالعقل المصرى، والمحور السياسى وتتحمله القوى والأحزاب السياسية والمجتمع المدنى

 

الدكتورة سامية قدرى أستاذة علم الاجتماع السياسى بجامعة عين شمس، وعضو لجنة الثقافة الأسرية ببيت العائلة- قالت: حينما تم تداول بعض الرسائل الإعلامية من قبل قيادات بالدولة بعد ما أثير حول الرسوم المسيئة فى فرنسا، وكانت الرسالة مفادها كفى إساءة إلينا هذه الرسالة بشكل أو بأخر يمكن أن يتم تأويلها خاصة من قبل بعض الفئات العمرية الأصغر والذين مازالوا فى مرحلة المراهقة فكثير منهم لا يدرك حرية الفكروالتعبير، والرأي الأخر وكيف نقبل الآخر، ففى العالم كله الأجيال الأصغر سنا خرجت عن المألوف فهم جيل الإنترنت لا يستطيع أحد أن يتحكم فيه و فى ارائه و ما يقوله أو يعبر عنه.

 

وعلى الجانب الاجتماعى للأسف هناك نسبة من الأسر المصرية لم تربي ابنائها على قبول الآخر واحترامه، ولكن فى المقابل فى السنوات القليلة الماضية بدأت حركة مجتمعية فى الظهور تهتم ببث قيم الحوار وقبول الآخر والتسامح والسلام الاجتماعى حيث تعمل الكثير من مؤسسات المجتمع المدنى على قضايا العيش المشترك وقبول الآخر.

 

وأضافت الدكتورة سامية قدرى قائله: القضية شائكة وتحتاج لرفع الوعى لدى المجتمع بداية من المدارس والجامعات ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية المختلفة وكافة مؤسسات الدولة المعنية.

 

و عن تجارب الدول الأخرى قالت الدكتورة سامية: قدمت دولة الإمارات العربية المتحدة تجربة مهمة فى التسامح الاجتماعي بكل صوره دينيا واجتماعيا و ثقافيا و على مختلف الأصعدة حتى لو كان الهدف اقتصادي بالأساس، لكن المهم هو وجود مجتمع التسامح فهي تجربة يحتذى بها الدولة تضم التسامح على مستوى الدين والعرق والتسامح الاجتماعى والثقافى ..إلخ..

 

فيما يتعلق بتجديد الخطاب الدينى قالت الدكتورة سامية: الخطاب الدينى دوره أساسي لاننا فى مصر على مدار أكثر من 4 عقود كان الخطاب الدينى فيها اقصائى و ضد الآخر ، لذلك علينا الاهتمام باعادة بناء ما قد هدم ، وفي هذا الشأن الأمر لا يتعلق فقط بالمؤسسات الدينية لكن على المؤسسات المختلفة دورا في المؤسسات التعليمية والتثقيفية عليها دور و المجتمع المدنى ورجال الدين من الأديان المختلفة و المثقفين حتى ينخرط الناس في المجال العام.

 

وأؤكد على ضرورة تعليم النشء أن يقبل الآخر المختلف عنه ، فهذا الأمر هو الذى يدعم تفعيل مبدأ المواطنة في المجتمع للجميع اى أن كانت اختلافاتهم ليست الدينية فحسب و لكن اى ان كانت اختلافاتهم. 

اترك تعليقا
تعليقات
Comments not found for this news.