
من كان يصدق أن فيروسا ضئيلا يمكن أن يحدث فينا كل هذا.. تتباعد المسافات بيننا.. تغلق أبواب الكنائس أمامنا.. تنطفئ أضواء القناديل المعلقة فوق المذابح.. يختبئ وهج الشموع من صور الأيقونات.. تنحصر صلوات البصخة الجماعية وتسابيح كيهك خلف جدران البيوت.. لم تكن كورونا محنة فرد أو أسرة أو كنيسة أو إيبارشية أو وطن لكنها كانت طوفانا من الآلام والأحزان, كانت كارثة هبطت علي البشر في كل مكان.. مضي عام كامل وبيانات الكنيسة تتوالي ما بين الغلق والفتح التدريجي, وما بين وقف الخدمات وعودتها علي حياء وبإجراءات حذرة, مع دعوة الجميع لرفع صلوات وتضرعات في كل موضع ومكان لتصل إلي مسامع الرب القدير فيرفع عنا الموت والوباء ويعطينا سلاما وطمأنينة.. وكانت عين الرب بحنوه ورأفته علي شعبه المحب.. استمع إلي صلواتهم التي ارتفعت داخل المنازل, وإلي تسابيحهم التي خرجت من النوافذ.. وعندما قارب زيت الميرون علي النفاد وهو السر الثاني في عداد الأسرار الكنسية السبعة, هيأ الرب في قلب وفكر رأس الكنيسة البابا البطريرك الأنبا تواضروس الثاني لدعوة أحبار الكنيسة لعمل الميرون للمرة الأربعين في تاريخ الكنيسة القبطية.. ولما كان المجمع المقدس لم ينعقد منذ يونية 2019 مع استمرار انتشار الجائحة, فقد رأي قداسته أن في حضور كل أحبار الكنيسة لعمل الميرون تدبيرا من الرب ليعقد المجمع المقدس اجتماعه الذي تأخر ما يقرب من عامين.. وأيضا لرسامة آباء أساقفة لكراسي الإيبارشيات والأديرة الشاغرة.. وفي تسلسل رأينا فيه تدبير الرب وحكمة البابا تتوالي الأحداث الثلاثة مع بدايات شهر مارس القادم من عام 2021.. ومرة أخري تأكد لي أن أمور الكنيسة كلها هي في عين الرب وتدبير البابا البطريرك.. وعندما ذهبت لقداسته بكل الشغف لمعرفة التفاصيل, ولنسجل للأحداث الثلاثة الأهم في تاريخ الكنيسة المعاصر.. استقبلنا قداسته بترحاب, ومن عمق قلبه المحب وفكره المرتب خرجت الكلمات فياضة بالمعلومات غنية بعمل الرب, وأخذنا معه في الحديث وفقا للترتيب الزمني.. من المجمع المقدس.. إلي السيامات.. إلي الميرون.. ومضت الساعات ونحن في حوار مع البطريرك الجالس علي السدة المرقسية.. وها هي السطور القادمة تنقل ما قاله عطية الله البابا تواضروس الثاني.
من ترتيب البيت..
إلي زمن الوباء
* عندما تتجمع ثلاثة أحداث بهذا القدر من الأهمية يصعب أن أحدد من أين أبدأ حواري.. قداسة البابا سهل لي المهمة عندما بادرني نتحدث وفقا للترتيب الزمني.. عن المجمع المقدس قال قداسته..
** كنيستنا القبطية كنيسة مجمعية كل قراراتها تأخذ باجماع كل آبائها المطارنة والأساقفة, من هنا كانت أهمية المجمع المقدس, وضرورة انعقاده في جلسات ثابتة وكلما دعت الحاجة لاتخاذ قرار يتعلق بالعقيدة أو الطقوس أو تنظيم العمل, فهو السلطة العليا في الكنيسة والسلطة التشريعية التي تسن قوانينها وتصدق علي قراراتها, وفي أول اجتماع لي بالمجمع المقدس, وكان ذلك في 22 نوفمبر 2012, ولم يكن قد مضي ثلاثة أسابيع علي اختيار العناية الإلهية لضعفي بطريركا, دعوت كل أحبار الكنيسة لانتخاب سكرتارية المجمع وتشكيل اللجان التي يناط بها إعداد الدراسات كلا في مجاله.. من بعدها شهدت الكنيسة حراكا كبيرا, وأعدت دراسات, عديدة, ودارت مناقشات مستفيضة, وبدأنا نخطو في منظومة متطورة تناسب حجم الكنيسة وتاريخها ودورها الروحي والمجتمعي, وصارت للرهبنة لائحة وللكاهن لائحة, وللأسقف لائحة, ولمجالس الكنائس لائحة, وللتربية الكنسية لائحة.. هكذا انضبطت كل الأمور والأعمال في إطار من النظم والقوانين, وشهد المجمع المقدس عام 2013 اجتماعين في يونية ونوفمبر وفي عام 2014 اجتماعين أيضا في ويونية ونوفمبر.