أصعب ما أمر به أن أعلم أن حجم المتاح أقل كثيرًا مما هو مطلوب
- الناس خرجوا فى 2011 لشعورهم بأن الدولة لا تقدم لهم المطلوب لكن لم ينتبهوا أن قدراتها لا تستطيع تلبية ذلك
الخسائر التى لحقت بمصر فى 2011 بلغت 400 مليار دولار والدولة أحوج ما يكون لكل دولار
- تكلفة البنية الأساسية فى خطة الدولة خلال الـ8 أعوام الماضية بلغت 10 تريليونات جنيه
شهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، افتتاح فعاليات المؤتمر العالمى للسكان والصحة والتنمية ٢٠٢٣، الذى يعقد فى العاصمة الإدارية الجديدة تحت شعار «سكان أصحاء من أجل تنمية مستدامة»، بمشاركة أكثر من ٨ آلاف شخص من مصر ودول العالم.
حضر المؤتمر الدكتور خالد عبدالغفار، وزير الصحة والسكان، وعدد من الوزراء وكبار رجال الدولة، كما يشارك فيه كل المعنيين بقضايا الصحة والسكان والتنمية على المستوى العالمى والإقليمى والوطنى، وممثلون عن المنظمات الأممية والمجتمع المدنى والقطاع الخاص ورواد الأعمال.
بدأت فعاليات المؤتمر بعرض استطلاع لآراء المواطنين فى المشكلة السكانية، الذين أكدوا ضرورة مواجهة الزيادة السكانية من أجل توفير جودة الحياة للأجيال المقبلة، وأضافوا أنها تؤثر على الخدمات المقدمة للمواطنين من صحة وتعليم وغيرهما.
لا يمكن تحقيق منظومة جيدة للتعليم بتكاليف مرتفعة فى ظل عدد السكان الضخم والموارد القليلة
نبه الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى المخاطر التى تتسبب فيها الزيادة السكانية فى مصر والقارة الإفريقية والعالم، قائلًا «إن الزيادة السكانية من أخطر القضايا التى تواجه مصر، وإن عدد سكان القارة السمراء سيصل إلى نحو ١٫٦ مليار نسمة خلال سنوات قليلة، ورغم الموارد الكبيرة للقارة فإنها ستكون غير كافية مستقبلًا».
ووجه الرئيس، فى مداخلة له عقب كلمة وزير الصحة والسكان الدكتور خالد عبدالغفار، بتنظيم المؤتمر العالمى للسكان والصحة والتنمية بشكل سنوى، لما يمثله من فرصة كبيرة ومنصة مهمة لطرح وتناول المشكلة السكانية.
ورحب الرئيس بالضيوف المشاركين فى المؤتمر، الذى يعقد تحت شعار «سكان أصحاء من أجل تنمية مستدامة»، قائلًا: «أشكركم على وجودكم، ويسعدنا أن ننظم هذا المؤتمر بشكل سنوى، لأنه فرصة كبيرة ومنصة مهمة لطرح وتناول هذه القضية الكبيرة».
وأشار الرئيس السيسى إلى ما جاء فى كلمة الدكتور خالد عبدالغفار، والتى تحدث فيها عن تعداد سكان العالم، وبنظرة شاملة وسريعة عن موارد العالم، وهل ستصبح كافية لتلبية هذا العدد ليس فقط فى مصر، وأن ما يحدث فى مصر هو شكل آخر لما يحدث فى العالم.
وقال إن بعض الدول استطاع أن يسيطر وينظم عملية النمو السكانى، ودول كثيرة لم تستطع ذلك، وعلى سبيل المثال فى القارة الإفريقية خلال سنوات قليلة سنصل إلى أكثر من مليار و٦٠٠ مليون شخص، والموارد الموجودة فى إفريقيا ضخمة، ولكن لا تستطيع أن تسهم فى ذلك.
وأضاف أن تنظيم هذا المؤتمر بشكل سنوى يعد أمرًا فى منتهى الأهمية فى ضوء هذا الموضوع المهم للغاية، قائلًا: «اسمحوا لى أن أتحدث عن مصر التى يبلغ تعداد سكانها ١٠٥ ملايين نسمة، إضافة إلى تسعة ملايين موجودين كضيوف على الدولة المصرية، وهى قادرة بمواردها على أن تتعايش مع ذلك».
وأشار الرئيس إلى ما جاء فى كلمة لإحدى السيدات، خلال عرض الفيلم التسجيلى، التى أكدت فيها أن أصعب شىء أن تكون هناك مطالب للأسرة غير قادرة على تلبيتها.
وقال: «الحقيقة رغم بساطة الكلمة، ولكنها عكست إحساسًا، وهنا أتحدث بمنتهى الصدق لكم وللمصريين أن أصعب ما أمر به أن أعلم أن حجم المتاح أقل كثيرًا مما هو مطلوب، وبالتالى سينعكس ذلك على الجودة فى كل شىء».
وأكد الرئيس أنه لا يمكن تحقيق منظومة جيدة للتعليم بتكاليف مرتفعة فى ظل الحجم الضخم من السكان والموارد القليلة.
وأشار إلى أنه خلال الخمسينيات من القرن الماضى كانت الفجوة ما بين موارد الدولة والنمو السكانى نسبتها تقريبًا ما بين ١٠-١٢٪، لافتًا إلى أن تعداد السكان فى مصر آنذاك تراوح ما بين ١٩ و٢٠ مليون نسمة، وبالتالى لم تكن الفجوة كبيرة.
وأضاف أن هذه الفجوة كانت لها تراكمات على مدى ٧٥ عامًا مضت، وانعكست على جودة المنتج التعليمى والصحى المقدم للمواطنين.
ولفت إلى أهمية قضية السكان فى مصر ودول العالم التى تعانى من مشكلات زيادة السكان، قائلًا: «مصر حدث بها عدة حروب حرب ١٩٥٦، وحرب اليمن، ١٩٦٧، و١٩٧٣، والحرب على الإرهاب، والتى استمرت ١٠ سنوات خلال الفترة من ٢٠١١ لـ٢٠٢٢، والتى كانت تكلفتها وعبئها على الدولة ضخم جدًا».
الإنجاب حرية كاملة لكن إذا لم يتم تنظيمه قد يتسبب فى كارثة للدولة
قال الرئيس إن حالة الاستقرار والأمن جزء مهم وأصيل فى تطوير وتنمية الدولة، وأحد العناصر المهمة فى معالجة النمو السكانى.
ونوه بأن النمو السكانى مشكلة كبيرة ستواجه الدولة ونموها واستقرارها، وتساءل: «نحن لم ننجح خلال ٦٠ سنة مضت، فهل معنى ذلك أنه لم تكن هناك استراتيجيات وإرادة سياسية وتفهم ووعى من القائمين على الدولة آنذاك؟».
وتابع: «هذا الأمر كان واضحًا ومعروفًا، ولكن هل كانت المحافظة على الهدف وآليات العمل المطلوبة لتنفيذ الاستراتيجيات قوية وراسخة ومستقرة لتحقيق المستهدف؟».
وقال: «الإنجاب حرية كاملة، ولكن إذا لم يتم تنظيم هذه الحرية، قد تتسبب فى كارثة للدولة، وإن الحرية المطلقة فى عملية الإنجاب لأشخاص قد لا يكونون مدركين حجم التحدى تدفع ثمنه فى النهاية الدولة والمجتمع».
ولفت إلى أن معدل الإنجاب الكلى بلغت نسبته ٢.١٪، قائلًا: «سبق أن تحدثت عن الحاجة إلى أن نخفض نسبة معدل الإنجاب إلى ١.٥٪ ليصل إلى ما يعادل ٤٠٠ ألف مولود سنويًا لفترة زمنية قد تصل إلى ٢٠ سنة، من أجل تعويض ما نشأ من عجز خلال عشرات السنين الماضية، ليتم السماح بعدها للنمو أن يكون بنسبة أكبر»، مشيرًا إلى أن إيران وتركيا والصين حققت ذلك.
وتابع الرئيس أنه عندما نفذت الصين منظومة الإنجاب من عام ١٩٦٨، أطلقت فى عام ٢٠١٧ منظومة إنجاب أكثر من طفل مرة ثانية، ولكن بعد تحقيق النجاح وتحديد النمو السكانى.
وأردف أنه لأول مرة فى تاريخ الصين الحديث يحدث تراجع خلال عام ٢٠٢٢ فى عدد السكان، موضحًا أنه فى نفس التوقيت الذى أطلقت مصر فيه المشروع أطلقته الصين واستطاعت تنفيذ البرنامج، مضيفًا: «نحن بحاجة إلى ذلك وهو ليس وعيًا فقط، أنا لا أتحدث عنى كدولة ولكن على المواطن الذى يسمعنى، لأنه ليس لديه الإرادة لأنه لا يرى تأثيرها على أسرته الصغيرة وعلى أسرته الكبيرة على مستوى الدولة».
ولفت إلى أن هذه المشكلة من المشاكل الكبيرة فى مصر، التى كانت سببًا كبيرًا من أسباب التحديات التى واجهناها عام ٢٠١١، قائلًا: «الناس خرجت عام ٢٠١١ لشعورها بأن الدولة لا تستطيع أن تقدم لهم المطلوب، ولكن لم ينتبهوا إلى أن الدولة لم تستطع تقديم المطلوب، لأن قدراتها لا تستطيع تلبية ذلك لهم».
وقال: «تكلفة البنية الأساسية فى خطة الدولة خلال الـ٧ لـ٨ أعوام الماضية، بلغت ١٠ تريليونات جنيه، ويعتقد الكثير أن هذا المبلغ كان من المفترض عدم إنفاقه على البنية الأساسية التى لا تستوعب النمو السكانى، والناس عاشت على هذا أعوام كثيرة، وهى لا تعرف أن ما نحن فيه وضع غير طبيعى».
التغيير سيتحقق بالسعى والعمل المشترك بين المواطنين والحكومة
قال الرئيس السيسى إن التغيير فى مصر سيتحقق من خلال السعى والعمل المشترك، ما بين المواطنين والحكومة وقيادة تعمل بفهم ووعى من أجل الموازنة ما بين قدرة الدولة وتعداد سكانها، حتى لا يتكرر ما حدث فى ٢٠١١، لافتًا إلى أن الخسائر التى لحقت بالدولة بلغت آنذاك ٤٠٠ مليار دولار وهى أحوج ما يكون لكل دولار.
وربط الرئيس بين المشكلة السكانية وما حدث من شعور الناس بعدم وجود خدمات صحية وتعليمية وتشغيلية جيدة، مؤكدًا أن الدولة لم تكن قادرة على تقديم الرعاية الحقيقية لمواطنيها، مطالبًا بالتوازن ما بين الحرية المطلقة فى الإنجاب وضرورة توفير الخدمات اللازمة للمواطنين.
وأكد الرئيس قدرة الدولة المصرية على الصمود رغم كل التحديات والأزمات مثل «كورونا» والحرب الروسية الأوكرانية، وما ترتب عنها من ارتفاع للأسعار وتعقد سلاسل الإمداد فى النهاية.
وقال: «هناك عدد من الدول النمو الديمغرافى بها أقل من المستهدف، وعدد آخر من الدول لديه نمو ديمغرافى أكثر مما يسبب عبئًا على الدولة، وتأثيرات وتداعيات كبيرة على جودة الخدمات وقدرة الدولة».
وأضاف: «بالمناسبة الدكتور خالد عبدالغفار تحدث عن التعليم الجيد، فلو لم أقدم تعليمًا جيدًا فلن تكون هناك فرص جيدة متاحة للتشغيل، ولو لم أقدم خدمة صحية جيدة للمواطن لن يستطيع العيش بشكل جيد، ولو لم يكن لدى تشغيل جيد للمواطن سيضطر لأن يعمل بأى مجال لتلبية احتياجاته الأساسية».
ورأى الرئيس أن المجلس القومى للسكان يحتاج لتوفير قوة دفع أكبر له لتعزيز دوره فى المرحة القادمة، حتى يتم تحقيق شكل من أشكال النجاح فى مهمته، قائلا: «أكلف دولة رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى بأن يكون مسئولًا عن المجلس فى هذه المرحلة».
وأضاف: «الدولة كلها مدعوة والإعلام ورجال الدين فى المسجد والكنيسة والمثقفين للمشاركة، فى مواجهة مشكلة السكان، وهى من كبرى المشكلات التى تواجهنا، فالمواطن فى خمسينيات القرن الماضى كان يتقاضى شهريًا جنيهات قليلة، وسعيد بها، والآن يتقاضى آلاف الجنيهات وليس سعيدًا».
ويؤكد: بذلنا جهدًا كبيرًا كدولة وشعب.. وعملنا بشكل متسارع فى كل المجالات
أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى قدرة الدولة المصرية على مواجهة وتجاوز التحديات التى تواجهها، مضيفًا أن الدولة حريصة على بناء احتياطيات لمواجهة كل التحديات.
وأضاف الرئيس السيسى فى مداخلة خلال جلسة «السكان ومستقبل الرعاية الصحية» ضمن أعمال المؤتمر العالمى للسكان والصحة والتنمية ٢٠٢٣ بالعاصمة الإدارية الجديدة، أن الكثير كان يتصور أن فرص مصر فى مواجهة التحديات ليست كبيرة، ولكن لدينا فرص كبيرة فى التغلب على كل التحديات.
وتابع: «رغم كل التحديات التى مرت على مصر فى السنوات العشر الماضية، فإننا بذلنا جهدًا كبيرًا كدولة وشعب، حيث إننا كنا ندرك ونقدر التحديات الموجودة، وعملنا خلال السنوات الماضية بشكل متسارع فى كل المجالات، للتغلب على الفجوة الكبيرة بين النمو السكانى ومعدلات التنمية التى نريد أن نصل إليه».
وقال: «نحن موجودون اليوم فى العاصمة الإدارية، التى هى جزء من فكرة متكاملة للدولة المصرية للاستعداد للانطلاق إلى مستقبل أفضل لصالح مجتمعها»، موضحًا أن الـ٢٤ مدينة الجديدة التى تحدث عنها وزير الصحة والسكان الدكتور خالد عبدالغفار كانت عبارة عن تقدير لموقف النمو السكانى فى الدولة المصرية، وللخروج من النطاق الضيق للدلتا التى نعيش فيها.
وفيما يتعلق بقواعد البيانات، قال الرئيس السيسى إن مصر استطاعت خلال ٥ سنوات مضت بناء قواعد بيانات حقيقية، مكنتنا من رؤية الدولة المصرية بشكل متكامل وفق منظومة رقمية.
ولفت إلى أن الحكومة المصرية تعمل بالنظام الذكى داخل العاصمة الإدارية الجديدة، وهى ليست مبانى جميلة الشكل فقط، ولكن بها أيضًا منظومة ذكية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، مضيفًا: «الهدف من كل ما سبق هو التحرك بآليات دولة لمواجهة التحديات الصعبة».
وتابع: «النقطة الثانية التى أرغب فى التحدث فيها هى ما تم إنجازه فى مجالات الخدمات بالدولة المصرية»، لافتًا إلى أن الدولة بذلت جهودًا كبيرة فى قطاعات التعليم والصحة والزراعة والكهرباء، وهذه الجهود تفوق القدرات المتاحة للدولة، وهى محاولة من الدولة لمجابهة تحديات النمو السكانى.
ووجه الرئيس حديثه لوزير المالية الدكتور محمد معيط قائلًا: «إن كل جنيه يتم إنفاقه لمجابهة النمو السكانى سيوفر على الدولة أرقامًا كبيرة على المديين المتوسط والبعيد»، مؤكدًا ضرورة انطلاق المرحلة الثانية لمواجهة تلك التحديات فى أقرب وقت ممكن.
وشدد على حرص الدولة من أجل بناء احتياطيات لمواجهة كل التحديات، مثلما تفعل كل الدول من خلال وضع السياسات وآليات التنفيذ التى تضع فى الاعتبار قدرة ومدى نسب النجاح التى يمكن أن تتحقق بالاستراتيجية والسياسات وآليات العمل، وتضع خططًا احتياطية، مثلما يتم من توفير احتياطيات لتمويل منظومة التأمين الصحى الشامل، الأمر الذى يؤدى بدوره إلى مجابهة الاحتمالات التى قد تسبب إخفاقًا خلال تنفيذ المنظومة، مستفيدين من الخبرات التى تراكمت خلال السنوات الماضية.
وأكد الرئيس ضرورة تنظيم الهجرة الشرعية من أجل تحقيق الفائدة المشتركة، قائلًا: «أوجه حديثى لأصدقائنا فى دولة صربيا ودول أوروبا، عن موضوع المشكلة الديموجرافية، من أجل تنظيم الهجرة الشرعية، بهدف أن تحقق طاقة العمل الموجودة عوائد اقتصادية لهذه الدول، وتسهم فى توفير موارد مالية للنظام الصحى، وهى فرصة كبيرة فى دولنا».
وقال: «تنظيم الهجرة الشرعية يعد فرصة لدولنا بالتنسيق مع الدول المستقبلة، لتوفير العمالة التى تحتاجها الدول الأوروبية خلال مدة زمنية محددة»، مجددًا ترحيبه بالمشاركين فى المؤتمر، داعيًا القائمين على تنظيمه إلى إتاحة زيارات للوفود المشاركة للتعرف على مصر بشكل أكبر.