
في خطوة مفاجئة أثارت الكثير من الجدل، أعلنت الحكومة الفرنسية تعليق جميع عمليات الإجلاء من قطاع غزة، بعد اكتشاف منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي لطالبة فلسطينية اعتُبرت "معادية للسامية".
القرار، الذي جاء في ظل توتر متزايد بشأن الحساسية من الخطاب المعادي لليهود في فرنسا، فتح الباب أمام تساؤلات واسعة حول آليات التدقيق في ملفات الإجلاء ومدى تأثرها بالسجالات السياسية الداخلية، حسب صحيفة "ذا إندبندنت" البريطانية.
قال وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، الخميس الماضي: إن بلاده قررت "وقف إصدار أي تأشيرات جديدة للفلسطينيين من غزة، وتعليق استقبال أي طلبات لجوء جديدة"، وذلك على خلفية الجدل المرتبط بإحدى الطالبات التي دخلت فرنسا مؤخرًا.
وأوضح بارو، في مقابلة مع إذاعة "فرانس إنفو"، أن الطالبة المعنية "يجب أن تغادر البلاد، ولا مكان لها في فرنسا"، دون أن يذكر اسمها مباشرة، مؤكدًا أن تعليق الإجلاء سيستمر لحين الانتهاء من تحقيق شامل.
من هي نور عطا الله؟ وما فحوى الاتهامات ضدها؟
الطالبة المعنية هي نور عطا الله، شابة فلسطينية تبلغ من العمر 25 عامًا، حصلت على منحة دراسية للالتحاق بـمعهد العلوم السياسية في مدينة ليل الفرنسية.
لكن سرعان ما تفجرت أزمة كبيرة بعدما كُشف عن منشورات قديمة لها على وسائل التواصل الاجتماعي، تتضمن بحسب السلطات الفرنسية، خطابًا معاديًا للسامية ومديحًا لأدولف هتلر.
وذكرت "ذا إندبندنت" أن السلطات فتحت تحقيقًا جنائيًا بحقها بتهم تتعلق بـ"تبرير الإرهاب والجرائم ضد الإنسانية".
ردود الفعل السياسية والجامعية
أصدر معهد العلوم السياسية في ليل بيانًا، أعلن فيه سحب اعتماد الطالبة، مؤكدًا أن محتوى منشوراتها "يتعارض تمامًا مع القيم الأساسية للمؤسسة، التي تحارب جميع أشكال العنصرية ومعاداة السامية والدعوة إلى الكراهية".
كما كتب وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتيلو على منصة X: "طلبت اتخاذ إجراءات قانونية ضدها، لا مكان لدعاة حماس في بلدنا".
الجدل أثار ردود فعل غاضبة داخل الطيف السياسي الفرنسي، حيث وصف كثيرون الحادثة بأنها "فضيحة كان يجب منعها منذ البداية"، وطالبوا بتشديد تدقيق ملفات الإجلاء والتأشيرات الإنسانية.
أكثر من 500 تم إجلاؤهم من غزة سابقًا
كانت فرنسا قد بدأت منذ أكتوبر الماضي عمليات إنسانية لإجلاء العالقين من قطاع غزة، شملت أكثر من 500 شخص بينهم أطفال، صحفيون، فنانون ومرضى.
وتتم هذه العمليات بالتنسيق مع سلطات الاحتلال الإسرائيلية، وتشمل إجراءات تدقيق أمني صارمة، إلا أن حادثة نور عطا الله دفعت باريس إلى مراجعة شاملة لجميع الملفات السابقة، وسط تعهدات بإعادة النظر في البروتوكولات المعتمدة قبل استئناف عمليات الإجلاء.
لا موعد محدد لاستئناف الإجلاء من غزة
وحتى الآن، لم تُعلن الحكومة الفرنسية عن موعد محدد لاستئناف عمليات الإجلاء من غزة، مشددة على أنها لن تقبل أي طلبات جديدة قبل الانتهاء من التحقيق الجاري، وتحديث الإجراءات الأمنية والإدارية لضمان "عدم تكرار ما حدث".
ويأتي هذا التوتر وسط انقسامات داخلية في فرنسا حول التمييز بين معاداة السامية والنقد السياسي لدولة الاحتلال الإسرائيلي، خاصة في أوساط اليسار والناشطين المناصرين للقضية الفلسطينية.
وتُعد فرنسا واحدة من الدول الأوروبية الأكثر حساسية تجاه أي خطابات تُصنف ضمن "معاداة السامية"، نظرًا لتاريخها المعقد مع هذا الملف، واحتضانها لأكبر جالية يهودية في أوروبا.
وقد مرت البلاد خلال العقد الأخير بعدة فضائح سياسية وأمنية مرتبطة بخطابات الكراهية، مما دفع الحكومات المتعاقبة إلى تبنّي سياسات صارمة تجاه أي تصريح أو منشور يتضمن تحريضًا أو تمجيدًا لجرائم ضد اليهود، خصوصًا في ظل تصاعد التوترات المتعلقة بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.