احتجاجًا على تردى الأوضاع الصحية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية فى البلاد، خرج التونسيون إلى الشوارع، أمس الأحد، مردّدين هتافات تحمل اتهامات واضحة وتحذيرات صريحة، من عينة: «يا غنوشى يا سفاح.. يا قتال الأرواح».. و«الشوارع والصدام.. حتى يسقط النظام». وعلى مواقع التواصل الاجتماعى جرى تداول مقاطع فيديو لاقتحام مقر «حركة النهضة» فى مدينة توزر، جنوب تونس. كما أظهرت مقاطع أخرى محاولة عدد من المحتجين اقتحام مقر الحركة الإخوانية فى القيروان، قبل أن تتمكن قوات الأمن من منعهم.
قبل فوات الأوان بقليل، أدرك التونسيون أن «حركة النهضة» تعمل لصالح أجندة التنظيم الدولى للإخوان، وليس وفق أجندة وطنية، وعرفوا أن مفهوم الدولة غائب عن أدبياتها. وطوال شهر كامل، جرى الإعداد لمظاهرات «عيد الجمهورية»، التى تهدف إلى إسقاط الطبقة الحاكمة وحل الحركة الإخوانية، وعزل زعيمها راشد الغنوشى من رئاسة البرلمان. ومع احتشاد المحتجين فى ميدان باردو، حيث يقع مقر البرلمان، قامت قوات الأمن بنصب الحواجز الحديدية وتمديد الأسلاك الشائكة. وأرجعت مصادر أمنية هذه الإجراءات إلى وجود مخاوف من اقتحام المحتجين المبنى، كما بررت إغلاق شوارع العاصمة، بخشيتها من حدوث فوضى واشتباكات!.
فى «عيد الجمهورية» أو فى الذكرى الرابعة والستين لإلغاء الملكية وإعلان قيام الجمهورية التونسية، اشتعلت أيضًا محافظات سوسة الساحلية وصفاقس الجنوبية، والكاف، شمالى غرب العاصمة، و... و... وردد المتظاهرون الهتافات نفسها مع شعارات أخرى تتهم إخوان تونس باحتلال البلاد. وكنا قد انتهينا، أمس، إلى أننا ننتظر، أو نتمنى، أن يتمكن التونسيون، من إعلان وفاة «جماعة الإخوان» المسئولة، بشكل أساسى، عن حالة الانهيار العام، التى يعيشها البلد الشقيق، سياسيًا واقتصاديًا وصحيًا واجتماعيًا وأخلاقيًا.
مع وباء «الإخوان»، الذى ضرب تونس منذ عشر سنوات تقريبًا، وأفسد غالبية مؤسساتها، وقام بتسميم مناخها السياسى، يواصل فيروس «كورونا المستجد» انتشاره، وسجلت الدولة الشقيقة أمس الأول، السبت، زيادة يومية قياسية جديدة فى عدد الإصابات والوفيات. وتعقيبًا على هذا الوضع المتردى، اتهم الرئيس التونسى أطرافًا داخلية بالتلاعب بالملفات من أجل إفساد الدولة، فى إشارة واضحة إلى حركة النهضة الإخوانية، وشدّد على ضرورة القيام بـ«قراءة نقدية لما تم فعله فى الأشهر الماضية، ومعرفة لماذا تردت تونس إلى هذا الوضع؟».
الداعون إلى التظاهرات، كما أشرنا أمس، يتبنون موقف رئيس الجمهورية، قيس سعيد، الذى يرى أن منظومة الحكم، بعد ٢٠١١، مسئولة عن الانهيار شبه الكلى فى كل المجالات. وتأكيدًا لذلك، طالب محسن مرزوق، رئيس حزب مشروع تونس، بضرورة إجراء استفتاء على نظام سياسى جديد والذهاب إلى جمهورية ثالثة، مؤكدًا أن «النظام السياسى الحالى يخدم مصالح الإخوان، ولا بد من تغييره إذا أراد التونسيون الخروج من هذا المأزق»، كما أكد النائب منجى الرحوى أن «تونس أصبحت رهينة عند منظومة الإخوان القاتلة»، وحمّل الغنوشى مسئولية تأزم الأوضاع.
منذ سنة بالضبط، قال الرئيس التونسى إن «مَن يتآمر على الدولة ليس له مكان فى تونس». وتعهّد باستخدام القوة فى مواجهة «كل من يتعدى على الدولة التونسية، ومن يفكر بأن يتعدى بشكل من الأشكال على الشرعية من الخارج أو الداخل». وأدخل «المؤسسة العسكرية» طرفًا فى الموضوع، وأعرب عن ثقته الكاملة فى تصديها للمؤامرات. وشدّد على أنه لن يقبل أن تكون بلاده مرتعًا للإرهابيين أو للعملاء المتآمرين مع الخارج.
وقتها، كان سعيد يقوم بمشاورات مع الأحزاب السياسية والكتل النيابة، للاتفاق على مرشح لرئاسة الحكومة، بعد استقالة إلياس الفخفاخ، الذى اتهم «حركة النهضة» و«لوبيات فساد» بالوقوف خلف إسقاط حكومته. وأكد، أيضًا، أن المتآمرين مع الخارج يتربصون بتونس، وحذّر من الأوضاع الاقتصادية الصعبة، التى تمر بها البلاد، ومن خطر الإفلاس الذى يهددها.
تغليب الإخوان، كعادتهم، مصلحة الجماعة على مصلحة الدولة، التى يحملون جنسيتها، جعل «حركة النهضة» التونسية، تضبط توجهاتها، مواقفها وقراراتها، على بوصلة التنظيم الدولى للجماعة الإرهابية. وهناك اتهامات واضحة لتلك الحركة بتسهيل تدفق الإرهابيين إلى ليبيا، والعكس. ولعلك تعرف أن تونس شهدت موجة من الاغتيالات، كان أبرز ضحاياها شكرى بلعيد ومحمد البراهمى. وطبقًا لما أعلنته هيئة الدفاع عن الشهيدين، فقد أثبتت التحقيقات أن حركة النهضة كانت تقف وراء تلك الاغتيالات، ثم ظهرت، مؤخرًا، شبهات حول استغلال تلك الحركة مؤسسة القضاء، أو إفسادها، للتلاعب بملفات التقاضى الخاصة بها، وفى قضايا إرهابية عديدة.
نهاية إخوان تونس، تقترب. وعاجلًا، أو آجلًا، سيسقط زعيمهم السفاح، قاتل الأرواح، آخذًا فى ذيله جماعته الإرهابية وأتباعها، وكل مَن جعلتهم قوى إقليمية أو دولية فاعلين سياسيين وجزءًا من تركيبة الحكم الساقطة، أو وشيكة السقوط.