نظم مركز “بى لمباس” للدرسات القبطية بكنيسة السيدة العذراء مريم بمهمشة، برئاسة وحضور نيافة الحبر الجليل الأنبا مارتيروس أسقف عام كنائس شرق السكة الحديد، اللقاء الشهري المعتاد لشهر” سبتمبر 2023م”
وذلك بمحاضرة للدكتورة نجلاء حمدى بطرس الحاصلة على دكتوراه من جامعة لوفان ببلجيكا، ودكتوراه من جامعة عين شمس وأستاذ بمعهد الدراسات القبطية والمعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية تحت عنوان “حين تحدث الأقباط عن اخوتهم السريان” (لمحات من العلاقات التاريخية وفقا لتاريخ بطاركة كنيسة الإسكندرية) .
وذلك بحضور العديد من الباحثين والدكاترة والمهتمين بالتراث والفنون القبطية والعديد من الآباء الكهنة والخدام .
وقد بدأ اللقاء بصلاة افتتاحية قادها نيافة الأنبا مارتيروس ثم رحب نيافته بالدكتورة نجلاء حمدى و بالحضور الكريم، متمنياً أقصي استفادة بنشاط مركز بى لماس ومحاضراته القيمة، ثم قام الاستاذ اشرف موريس منسق اللقاءات بتقديم الدكتورة نجلاء حمدى فى نبذة مختصرة .
وفي بداية المحاضرة أكدت الدكتورة نجلاء حمدى على إن العلاقات التي جمعت بين الكنيسة القبطية والكنيسة السريانية تضرب بجذورها في القدم كما أنها علاقات محبة وثيقة ومستمرة ومتجددة ليس فقط بين الكنيستين بل وبين الشعبين .
وقد أوضحت الدكتورة نجلاء حمدى من خلال المحاضرة لمحات من تلك العلاقات من خلال ما ذكره مؤرخو «تاريخ بطاركة كنيسة الإسكندرية» من خلال استعراض أهم ماجاء بإحد المخطوطات وقد يتفاجأ البعض حين يقرأ في هذا المخطوط كيف كان الأقباط في معرض حديثهم عن السريان يقولون «أخوتنا السريان».
ثم قامت الدكتورة نجلاء حمدى بتعريف موجز عن «تاريخ بطاركة كنيسة الإسكندرية» والذي يعد أهم مخطوط يؤرخ لتاريخ الأقباط إذ يعتبره بعض الباحثين «التاريخ الرسمي للكنيسة القبطية» حيث كتب بأياد قبطية عديدة كما أنه رصد التاريخ من خلال وجهة نظر الأقباط ورؤيته للأحداث.
ويحوي المخطوط سير بطاركة الكنيسة القبطية ولكن هذه السير ليست سوى إطار تاريخي يرصد فيه كل كاتب من كتاب السير أحداثًا تخص تاريخ مصر بصورة عامة وتاريخ الأقباط بصورة خاصة.
وأكدت الدكتورة نجلاء حمدى أثناء محاضرتها على استنتاج هام ثبت بالبحث والدراسة وهو ارتبط اسم كاتب تاريخ البطاركة لسنوات عديدة باللاهوتي الشهير ساويرس بن المقفع حيث نسب إليه هذا العمل إلى أن قامت الدراسات الحديثة بإثبات أن العديد من الكتاب الأقباط قد قاموا بكتابة هذا النص على فترات متفرقة وأكمل كل منهم ما كتبه سابقوه. وفي القرن الحادي عشر الميلادي قام شماس إسكندراني يدعى موهوب بن منصور بن مفرج بمعاونة آخرين بتجميع كل ما كتب قبله وترجمته من القبطية إلى العربية. ثم كتب باللغة العربية مباشرة سيرة البابا خرسطوذولس (٦٦) والبابا كيرلس الثاني (٦٧) ثم استكمل الكتابة بعده آخرون وصولًا إلى البابا يؤنس التاسع عشر (١١٣). ويرصد كاتبو سير البطاركة كل الظروف الحياتية في مصر الخاصة بالتاريخ الكنسي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي كما يرصد بعض الظواهر الفلكية، الخ.
ولا يقدم تاريخ البطاركة تاريخ كنيسة الإسكندرية فحسب بل يتعرض لكنائس أخرى مثل الكنيسة السريانية والحبشية والملكانية حيث يعرض العلاقات التي كانت تربط هذه الكنائس بكنيسة الإسكندرية. فذكرت على سبيل المثال قصة المرأة الأنطاكية التي أرادت تعميد ولديها وعند هياج البحر جرحت ثديها بسكين وأخذت منه ثلاث نقاط دم ثم صلبت به على جبين ولديها الإثنين باسم الآب والابن والروح القدس وغطستهما في ماء البحر. وعند وصولها بأمان إلى الإسكندرية كان كلما هم الأب البطريرك البابا بطرس (١٧) بتعميد ولديها، يتجمد الماء كالحجر، وحدث هكذا ثلاث مرات. وعندما علم قصة المرأة قال لها أن الله قبل معمودية ولديها وأن لا يقدر أحد أن يعتمد دفعتين لأنها معمودية واحدة. وقد استشهدت هذه المرأة وولديها عند رجوعها لأنطاكية. فتلك القصة مشهورة جدًا لدى جموع الأقباط ولكن لا يعلم غالبيتهم أن المرأة أنطاكية وأنها استشهدت مع ولديها.
وأشارت الدكتورة نجلاء حمدى خلال محاضرتها إلى أهمية رسائل السنوديقا وهي الرسائل المجمعية المتبادلة بين باباوات كرسي الإسكندرية وبطاركة السريان الأرثوذكس بأنطاكية.
وعرفت فى البداية معنى كلمة “سنوديقا” بقولها هى كلمة يونانية كُتبت بحروف عربية حسب النطق اليوناني. وهي الرسائل التي اعتاد كل من باباوات كرسى الإسكندرية وبطاركة السريان الأرثوذكس بأنطاكية تبادلها عند سيامة أحدهم بطريركًا في كنيسته، ولوصف الردود على هذه الرسائل.
كما تناولت الدكتورة نجلاء حمدى سيرة الآباء السريان الذين اعتلوا السدة المرقسية وكانوا بطاركة للكنيسة القبطية وظروف اختيار كل بطريرك ورد فعل الشعب القبطي تجاه هذا الاختيار.
وعرضت لمحات مما ذكره تاريخ البطاركة عن سيرة اثنين من البطاركة السريان وكم التقدير والمحبة اللذان أعربا عنهما المؤرخون الأقباط في معرض ذكرهما لهما. حيث يذكر عن ساويرس الأنطاكي أنه «اللابس النور الذي صار قرن خلاص للبيعة الأرثذكسية» وعن يوحنا بن عبدون أنه «ضاها الآباء القديسين الأولين».
وفي النهاية أكدت الدكتورة نجلاء حمدى على أهمية دراسة تراث الكنيسة السريانية لأنه يحوي جزء هام جدًا من تراث الأقباط. كما أكدت على أهمية دراسة تاريخ العلاقات التي تربط الكنيسة القبطية بالكنائس الأخرى
واختتم اللقاء ببعض المداخلات الهامة من الباحثين والسادة الحضور، كما أجابت الدكتورة نجلاء حمدى على العديد من الأسئلة والتعليقات والاستفسارات والمداخلات من الحضور، في جو من الحب والود ثم قدم نيافة الأنبا مارتيروس الشكر للحضور الكريم وللدكتورة نجلاء حمدى على هذه المحاضرة الهامة .