وجه 4 من رؤساء المحكمة العليا في إسرائيل، الحالي و3 من السابقين، تحذيرات جدية وصريحة من "تدهور ديمقراطي غير مسبوق".
وأشار رؤساء المحكمة العليا إلى أن إسرائيل تسير بخطى سريعة نحو "نظام استبدادي قائم على الحكم الفردي"، واصفين واقع المؤسسات بأنه في "دوامة اهتزازية خطيرة".
وفي كلمة ألقاها خلال مؤتمر جمعية القانون العام، وصف إسحاق عميت، الرئيس الحالي للمحكمة العليا، الوضع بأنه "انحدار ديمقراطي لم نخرج منه بعد"، محذرًا من "محاولات منظمة ومخطط لها لمقاطعة جلسات المحكمة وتعطيل عملها"، وهو ما دفع المحكمة إلى اتخاذ قرارات استثنائية بمنع دخول الجمهور عند حدوث اضطرابات.
وأشار عميت إلى أن "الهجمات الشخصية على القضاة لم تعد تقتصر على انتقاد الأحكام، بل وصلت إلى التشكيك في هوياتهم وأصولهم ومعتقداتهم"، مؤكدًا أن "مقاطعة وزير العدل لي ليست شخصية، بل هي مقاطعة للنظام القضائي بأكمله".
من جهته، وصف أهارون باراك، رئيس المحكمة العليا السابق والمعروف بقيادته "الثورة الدستورية" في التسعينيات، الوضع بأنه "أسوأ مما يبدو"، موضحًا أن "فصل السلطات قد انهار تمامًا"، وأن "رئيس الوزراء يسيطر على الحكومة والكنيست، وحكم البلاد بات فعليًا حكمًا فرديًا".
وأضاف باراك: "نحن لم نعد مواطنين، بل رعايا"، محذرًا من أن "الديمقراطية لا تتحول إلى ديكتاتورية بين عشية وضحاها، بل تتداعى تدريجيًا"، مشيرًا إلى محاولات الحكومة تعيين "قضاة مثلنا" عبر إصلاحات تخضع تعيين القضاة للسلطة السياسية، ما يفقد القضاء استقلاليته.
بدورها، حذرت إستر حايوت، أول امرأة تتولى رئاسة المحكمة العليا في إسرائيل، من "تراجع خطير في قواعد اللعبة الديمقراطية"، مشيرة إلى "حملة ممنهجة لنزع الشرعية عن السلطة القضائية".
أما عوزي فوغلمان، الرئيس السابق للمحكمة العليا، فركز على "التآكل المستمر لمكانة الموظفين العموميين"، منتقدًا الخطاب الحكومي الذي يصف المؤسسات المستقلة بـ"الدولة العميقة".
وأشار إلى أن "الإصلاحات التشريعية الأخيرة تهدف إلى تقليص صلاحيات النائب العام وجعل النظام القضائي أداة في يد السلطة التنفيذية".
وفي رد سريع، اكتفى وزير العدل ياريف ليفين بالهجوم الشخصي على عميت، متهمًا إياه بالانحياز العرقي، قائلًا: "أنت تدافع عن بهاراف ميارا، لكن بيتون وباكشي وبن حمو غير مقبولين لديك"، في إشارة إلى شخصيات يمينية ودينية ترى أن النظام القضائي منحاز ضدها.
التصريحات المدوية لرؤساء المحكمة العليا تأتي وسط تصاعد حدة الأزمة السياسية والدستورية في إسرائيل، في ظل حكومة تسعى إلى إعادة هندسة النظام السياسي دون رقيب أو حسيب، بحسب مراقبين إسرائيليين.
ولا تعد تحذيرات رؤساء المحكمة العليا حدثًا معزولًا، بل تأتي ضمن سلسلة تحذيرات سابقة أطلقها مسئولون إسرائيليون كبار خلال العامين الأخيرين من خطر تحول إسرائيل إلى نظام استبدادي يدار بقبضة رجل واحد.
فقد حذر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق دان حالوتس في أكثر من مناسبة من أن إسرائيل "تسير في اتجاه خطير نحو تفكيك الديمقراطية"، معتبرًا أن تركيز السلطة بيد رئيس الوزراء وتهميش المؤسسات الرقابية "يمثل تهديدًا مباشرًا لطابع الدولة".
كما حذر رئيس جهاز الموساد الأسبق تامير باردو من أن سلوك الحكومة الحالية "يقوض أسس النظام الديمقراطي"، مؤكدًا أن محاولات إخضاع القضاء وتشويه خصوم السلطة تمهد الطريق لحكم فردي لا يخضع للمساءلة.
بدوره، قال رئيس الشاباك الأسبق نداف أرغمان إن "الهجوم المنهجي على القضاء وشيطنة مؤسسات الدولة الأمنية والقضائية يهدف إلى تأمين بقاء سياسي بأي ثمن"، محذرًا من أن ذلك يقود إسرائيل إلى نموذج حكم "أقرب إلى الأنظمة السلطوية".
أما رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت، فقد وصف حكومة نتنياهو بأنها "الأكثر خطورة في تاريخ إسرائيل"، وقال علنًا إن ما يجري هو "تفكيك متعمد للديمقراطية ومحاولة للانفراد بالسلطة"، مضيفًا أن إسرائيل "لم تعد تدار بمنطق المؤسسات بل بمنطق الولاء الشخصي".
وتتقاطع هذه التحذيرات مع تقييمات أكاديمية وإعلامية داخل إسرائيل، ترى أن محاولات السيطرة على تعيين القضاة، وإضعاف دور المستشارين القانونيين، وتشويه المتظاهرين والمعارضين، كلها مؤشرات واضحة على نمط حكم فردي يتغذى على الاستقطاب والخوف وإسكات الرقابة.