
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بظهور الصليب المقدس فى اليوم السابع عشر من شهر توت سنة 326م على يد الملكة البارة القديسة هيلانة والدة الإمبراطور قسطنطين الكبير، لأن هذه القديسة وقت أن قبِل ابنها قسطنطين الإيمان بالمسيح، نذرت أن تمضى إلى أورشليم، فأعد ابنها البار كل شىء لإتمام هذه الزيارة.
ولما وصلت أورشليم ومعها عسكر عظيم وسألت عن مكان الصليب، لم يُعلمها به أحد فأخذت شيخًا من اليهود، وضيقت عليه بالجوع والعطش، حتى اضطر إلى الإرشاد عن المكان الذى يحتمل وجود الصليب فيه بمكان الجلجثة، وأمرت بتنظيف الجلجثة، وعندما أزالت الكوم وجدت ثلاثة صلبان. ولما لم يعرفوا الصليب الذى صلب عليه السيد المسيح، أحضروا ميتًا ووضعوا عليه أحد الصلبان فلم يقم، وكذا عملوا فى الآخر، ولكنهم لما وضعوا عليه الثالث قام لوقته. وتأكدوا بذلك أنه صليب السيد المسيح فسجدت له الملكة وكل الشعب المؤمن، وأرسلت جزءًا منه إلى ابنها قسطنطين مع المسامير، وأسرعت فى تشييد كنيسة على اسم الصليب، وذلك سنة 326م.
أما الاحتفال الثانى فتقيمه الكنيسة فى اليوم العاشر من شهر برمهات، وكان على يد الإمبراطور هرقل فى سنة 627م. وذلك أنه لما ارتد الفرس منهزمين من مصر إلى بلادهم أمام هرقل، حدث أنه عند مرورهم على بيت المقدس أن رأى أحد أمراء الفرس كنيسة الصليب التى شيدتها الملكة هيلانة. فلمح ضوءًا ساطعًا يشع من قطعة خشبية موضوعة على مكان محلى بالذهب. فمد الأمير يده إليها، فخرجت منها نار وأحرقت أصابعه. فأعلمه المسيحيون أن هذه قاعدة الصليب المقدس، كما قصوا عليه أيضًا أمر اكتشافه، وأنه لا يستطيع أن يمسها إلا المسيحى. فاحتال على شماسين كانا قائمين بحراستها، وأجزل لهما العطاء على أن يحملا هذه القطعة ويذهبا بها معه إلى بلاده، فأخذاها ووضعاها فى صندوق وذهبا بها معه إلى بلاده مع من سباهم من شعب أورشليم، وسمع هرقل ملك الروم بذلك، فذهب بجيشه إلى بلاد الفرس وحاربهم وخذلهم وقتل منهم كثيرين، وجعل يطوف فى تلك البلاد يبحث عن هذه القطعة فلم يعثر عليها لأن الأمير كان قد حفر فى بستانه حفرة وأمر الشماسين بوضع هذا الصندوق فيها وردمها ثم قتلهما. ورأت ذلك إحدى سباياه -وهى ابنة أحد الكهنة، وكانت تتطلع من نافذة بطريق الصدفة- فأسرعت إلى هرقل الملك وأعلمته بما كانت قد رأته، فقصد ومعه الأساقفة والكهنة والعسكر إلى ذلك الموضع. وحفروا فعثروا على الصندوق بما فيه، فأخرجوا القطعة المقدسة فى سنة 628م، ولفوها فى ثياب فاخرة وأخذها هرقل إلى مدينة القسطنطينية وأودعها هناك.
أول كنيسة تحمل اسم “الصليب” المقدس
جميعنا يعلم »دير الصليب« بنقادة، فهو دير أثرى من القرن السادس الميلادى، لكن نادرًا ما سمعنا عن كنيسة تحمل اسم »الصليب«، فقد نسمع عن مذبح فى كنيسة، أو كنيسة داخل دير مثل »مغارة الصليب والقيامة« بدير الأنبا أنطونيوس بالبحر الأحمر، لذلك تُعد كنيسة الصليب المقدس بثكنات المعادى هى أول كنيسة فى مصر تحمل اسم »الصليب«.
فى يوم الأحد ٧٢/٧/٤١٠٢م، تم افتتاح كنيسة الصليب المقدس بمنشية المصرى بثكنات المعادى بيد نيافة الحبر الجليل الأنبا دانيال مطران المعادى، وبحضور القمص رويس رويس والقس أنجيلوس فؤاد، وعهد نيافته إلى القمص رويس رويس كاهن كنيسة الشهيد مارمرقس بالمعادى برعايتها. وبعد فترة من خدمته بالكنيسة، جاء القس يونان سمير والقس بطرس سامى لرعاية الكنيسة لحين سيامة كاهن عليها.
وفى يوم السبت ٤١ فبراير ٥١٠٢ تم سيامة 3 خدام من إيبارشية المعادى برتبة دياكون، منهم الخادم ريمون عادل، والذى صار كاهنًا عليها باسم القس لوكاس عادل يوم الأحد ٥١ فبراير من العام ذاته ليصبح أول كاهن على كنيسة الصليب، حيث قام بصلاة أول قداس إلهى له على مذبح الكنيسة يوم الأحد 22 مارس ٥١٠٢.
وامتدت يد الرب فى الإنشاءات والأعمال الخرسانية التى تم الانتهاء منها فى يوليو 2015، حيث يتكون مبنى الكنيسة من طابقين: السفلى يحتوى على الكنيسة الحالية التى تقام فيها القداسات الإلهية، أما العلوى ففيه الكنيسة الكبرى، والتى أقيم أول قداس بها يوم جمعة ختام الصوم الكبير الموافق 26 أبريل 2024. وكذلك تحتوى الكنيسة على مبنى تقام فيه الخدمات، وفصول التربية الكنسية، ومبنيين آخرين ملاصقين للكنيسة.
تصميم الكنيسة
تأتى كنيسة الصليب المقدس بتصميم بيزنطى، فيراها البعض على شكل صليب، والبعض الآخر يراها أنها على شكل سفينة، ولكنها تميل أكثر لشكل »الصليب«، حيث إن سقفها مُشكل من تقاطع عقدين متعامدين، ينتج عنه أربعة عقود تُكوَّن أربعة أضلاع الصليب، ويتوسطها تكوين أشبه بقلب الصليب، ففى الصليب يتحد المؤمنون. وأيضًا تتفرع منهه أربعة أضلاع، فى إشارة إلى انتشار المسيحية فى جميع أرجاء المسكونة.
وتحتوى كل كنيسة من الكنيستين على مذبح واحد فقط، ونظرًا لكون الكنيسة تسمت على اسم »الصليب«، فكان لابد من اختيار شفعاء لمذابح الكنيستين، السفلية والعلوية، تحاكى مشهد صلب السيد المسيح، فنجد أن مذبح الكنيسة السفلية يحمل اسم »السيدة العذراء مريم«، أما مذبح الكنيسة العلوية فيحمل اسم »الصليب«، وهذا تمامًا ما حدث وقت الصلب، فكانت القديسة العذراء مريم واقفة تحت الصليب.
وهكذا تنتهى جولتنا داخل كنيسة الصليب المقدس بثكنات المعادى، تلك التحفة المعمارية التى جمعت بين الروحانية والابتكار الفنى. بين جدرانها وسقفها المهيب يتجلى سر الخلاص فى رمزية واضحة، تربط الماضى بالحاضر. لم تعد الكنيسة مجرد مبنى، بل صارت موضع صلاة وخدمة وتعليم لجيل جديد من أبناء المعادى. وفى كل ركن منها، يظل الصليب شاهدًا حيًا على قوة الإيمان التى وحدت القلوب وأشرقت بنور المسيح فى هذه البقعة المباركة.