يعد دير الأنبا بيجول والأنبا بشاي -الدير الأحمر- من أهم الأديرة الأثرية في مصر الذى يقع غرب سوهاج بحوالي 12 كيلو متر تقريبًا في منطقة جبلية، تبعد عن دير الأنبا شنودة الشهير بـ”الدير الأبيض”، نحو 4 كيلو مترات تقريبًا ، ويرجع بناؤه إلى القرن الرابع الميلادي ويرجع اسمه بالدير الاحمر لأن تم بناءه بنوع من الطوب يدعى الطب الأحمر.
والدير الأحمر، كان يشكل مع الدير الأبيض، ودير ثالث مندثر حاليًا ويصعب تحديد موقعه، اتحاد الأديرة الشنودية التي ترأسها الأنبا شنودة رئيس المتوحدين في القرن الخامس ، حيث يتميز الديرين الأبيض والأحمر ببناء متقن وزخارف رائعة كانت مخفية عن العيان لقرون طويلة إلى أن تم ترميم الدير الأحمر منذ عدة سنوات بواسطة فريق دولي متميز.
وقد تم اختيار دير الأنبا بجول والأنبا بشاي – الدير الأحمر- في الترتيب الثاني بعد مدينة القدس من ضمن أهم عشر أماكن حسب ترتيب منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة أو الإيسيسكو.
وفي عام 2014 اجتمع المجمع المقدس للكنيسة القبطية الارثوذكسية برئاسة قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية وتم الاعتراف بعودة الحياة الرهبانية بدير الأنبا بيجول والأنبا بشاى سوهاج “الدير الأحمر “.
وبُني الدير على النظام الباخومي، أي نظام الشركة الرهبانية، على شكل بازيليكا ذات صحن طويل، ينتهي بجنبات الهيكل الثلاث، وهي تركيبة معقَّدة من الطاقات الحائطية والأعمدة والنحت وجميع أسطح وحوائط الدير مغطاة بالرسومات، التي يتضح من خلالها عظمة الفن القبطي في ذلك الوقت.
مكونات الدير الأحمر
يتكون الدير الأحمر من مبنيين، الأول يضم الكنيسة الرئيسية “كنيسة الأنبا بيجول والأنبا بشاي”، وهى عبارة عن مساحة مستطيلة مقسمة إلى صحن يتكون من 3 أجنحة، بالإضافة إلى كنيسة القديسة العذراء مريم الأثرية وكنيسة القديس الأنبا كاراس السائح وكنيسة الأنبا بيجول والأنبا بشاي وكنيسة الرهبان وكنيسة الشهيد أبسخيرون القلينى وكنيسة القديسين مكسيموس ودوماديوس.
أما المبنى، فهو الحصن والذي يُرجّح أنه يرجع إلى عصر الإمبراطورة هيلانة، وهو عبارة عن مبنى مربع تقريبًا، ويضم مجموعة من الوحدات التى تمكن الرهبان من العيش فيها لفترة طويلة، ويقع بداخله كنيسة والقلالي والمخازن ومصادر المياه.
تعرض الدير الأحمر للحريق مرتين، الأولى أثناء الحكم الروماني والثانية بفعل البربر، ولم يتبق منه سوى الكنيسة والحصن الذي يقع فى الجهة الجنوبية من الكنيسة، كما توجد بقايا أجزاء معمارية إلى الشمال من الكنيسة، ويعتقد أنها أجزاء من مدينة صناعية.
تاريخ بناء الكنيسة
تم بناء كنيسة الدير الأحمر بشكل عام من الطوب الأحمر ولكن هناك العديد من عناصر الحجر الباقية من مراحل مختلفة للبناء وهذا يشمل البوابتين الشمالية والجنوبية المزخرفتين بشدة واللتين تعودان إلى حوالي عام 500 ميلادية .
وقد تم إعادة استخدام العديد من القطع المعمارية من مباني أقدم أثناء تشييد الكنيسة وهذا يشتمل على كتل حجرية فرعونية عليها زخارف فرعونية .
والكتل الحجرية هى جزء من صحن الكنيسة المتهدم وتشتمل على قواعد للعمدان وجذوعها والتيجان الكورنيثية للعمدان ، بجانب الزخارف البارزة أعلى الحوائط والمزينة بزخارف وردية وصلبان .
ومن المرجح أن العديد من تلك الكتل الحجرية المزخرفة كانت مطلية بألوان زاهية ولاحقا استخدمت بعض هذه القطع في القرن التاسع عشر كرحايا -حجارة للطحن – أو كهاون ومطرقة.
صحن الكنيسة
أعيد بناء جدران صحن الكنيسة من الطوب في العصور الوسطى عقب انهيار هيكلي وتم زخرفته بالصلبان و صور القديسين الفرسان ، وقد كتب الزوار الأوروبيين الذين جاءوا إلى الدير الأحمر من القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر وصفا للكنيسة الأمر الذي ساعد على فهم تاريخ الكنيسة المعماري في وقت لاحق .
وقد كان سقف الصحن في حالة انهيار بالفعل في عام 1673 عندما تمت كتابة أول تاريخ للكنيسة وقد تم فصل الهيكل عن صحن الكنيسة بواسطة جدار بحلول عام 1737 .
وفي القرن التاسع عشر امتلأ الصحن بالكامل بمنازل القرية التي أذيلت خلال القرن ال20 وفي عام 1912 تم بناء جدار آخر في الطرف الشرقي من صحن الكنيسة لحماية الهيكل حيث تم إدراج المدخل المركزي المقوس بالجدار القديم ففي الأصل كان المدخل الرئيسي للصحن عبارة عن قاعة ضيقة طويلة تقع إلى اتجاه الجنوب.
الهيكل
يرجع تاريخ هيكل الكنيسة لحوالي عام 500 ميلادية وهو متصل بمنصة حجرية مرتفعة وتم فصلها من صحن الكنيسة بواسطة أنواع مختلفة من الفواصل في فترات مختلفة من التاريخ ، من المرجح إن الفواصل الأولى كانت عبارة عن درابزين منخفض يسمح برؤية المذبح من صحن الكنيسة وفي وقت لاحق أخفت هذه الفواصل مذبح الكنيسة .
يحتوي الهيكل على ثلاثة حنايات مقوسة تتقدمها الأعمدة ، والحنيات تتوجها قباب نصفية وتوفر النوافذ الضوء الطبيعي وربما غطت المنطقة في الأصل بقبة على غرار القبة الحديثة التي تغطي المكان اليوم .
تم طلاء جميع أسطح الهيكل بألوان متعددة على الجص في عدة طبقات ، وأقدم اللوحات تعاصر تاريخ تأسيس الكنيسة في حين إن أحدث تاريخ يرجع للقرون الوسطى ، وتعود حالة الإعجاز الحقيقية في حماية هذه اللوحات إلى حقيقة بناء حوائط من الطوب في القرن الثامن عشر لمنع انهيار الحنيات وتمت إزالة هذه الجدران في أعقاب عملية ترميم كبيرة حدثت للكنيسة في عام 1909.
اللوحات الفنية في الكنيسة
ثم رسم هيكل كنيسة الدير الأحمر أربع مرات في أواخر القرن الخامس والسادس عندما كانت مصر جزء من الإمبراطورية البيزنطية ، والتقنيات المستخدمة هي الرسم على الجص الجاف وكذلك تقنية الأ صباغ المذابة في روابط شمعية ولا يمكن الآن رؤية أي شيء من المرحلة الأولى من العمل ويرجع تاريخ معظم الأنماط الزخرفية التي تزين جدار الهيكل وجدار الواجهة إلى المرحلة الثانية .
صور السيد المسيح والسيدة العظيم مريم العذراء والملائكة والأنبياء والقدسين والتى تظهر الآن في أنصاف القباب وفي حنايات الهيكل يعود تاريخها إلى المرحلة الثالثة ، وتضم صور الآباء مؤسسي الدير الأبيض والأحمر والتى رسمت على المحراب في الجزء الشمالي، كذلك شخصية والدة الإله التي ترضع المسيح الطفل في نصف القبة الشمالى والتي تنتمي أيضا إلى المرحلة الثالثة.
يوجد أربعة أنبياء يحملون مخطوطات مع نصوص العهد القديم التي تنبىء بولادة السيدة العذراء للسيد المسيح.على الجانب الآخر فى جنوب نصف القبة، وهى مرحلة ثالثة من اللوحة السيد المسيح يحيط به الانجيليين الأربعة. أنصاف القباب الثلاثة معا يمثلوا السيد المسيح كإله (الشرق)، المسيح المتجسد (شمال) والمسيح المخلص ( جنوب).
وعمل فنانو المرحلة الرابعة بشكل شبه حصري في نصف القبة الشرقي وتم توظيفهم لإعادة رسم لوحة كبيرة ترمز إلى لاهوت السيد المسيح بعد أن تم فصل طبقات الطلاء والجص في وقت سابق في أنصاف القباب وعلى مر السنين انفصل وسقط الكثير من الدهانات الأولية التأسيسية التي أستخدمها فنان المرحلة الرابعة وتم الكشف عن أجزاء من المراحل الثلاث السابقة في هذه المنطقة .
كما أضيفت بعض اللوحات في العصور الوسطى في صحن الكنيسة مثل اللوحات البيزنطية والتي نفذت بتقنية الرسم على الجص الجاف وكذلك تقنية الأصباغ المذابة في روابط شمعية.
للوحات الجدارية داخل صحن الكنيسة
هي لوحات للصلبان هائلة ورسومات دائرية مزخرفة وقديسين على أظهر أحصنتهم ورجال دين تزين الجدران التي بنيت في العصور الوسطى ولصحن الكنيسة هياكل صغيرة أسفل مستوى الرواق الأصلي للكنيسة تم تنفيذها بدرجات ألوان تنوعت ما بين الأصفر والأسود والأحمر والأزرق ويمكن رؤيتهم على حائطين الغربي والشمالي .
وتمتد زخارف الحائط الشمالي حتى الساحة المصورة الحديثة داخل هيكل الكنيسة والموجودة في الركن الشرقي لصحن الكنيسة وبينما يختلفون في مدى جودتهم وتراثهم فإن تكوينهم الفني يدل على مراحل منظمة بشكل جيد ولكن غير مكتملة ،ومن المناهج الزخرفية ومراحل الرسم المتعددة يظهر محتوى مشابه لهذه اللوحات ( في جنبات تجويف نصف دائري مغطى بقبو نصق دائرى ) هياكل صغيرة في كنائس العصور الوسطى في محيط حوض البحر الأبيض المتوسط وافريقيا .
تقاليد الكنيسة وحياة الأديرة
وفقا لتقاليد الكنيسة اسست القديسة هيلانة الدير الأحمر في الربع الأول من القرن الرابع الميلادي ، في هذا الوقت كان القديس بيجول يعيش كذاهد في الصحراء المجاورة حيث انضم إليه في رحلته الروحية القديس بيشاي .
وأسس القديس بيجول مجتمعا رهبانيا تقريبا في عام 350 بعد الميلاد وفي وقت لاحق انضم القديس شنودة إبن أخته إلى هذا المجتمع ، وأصبح القديس شنودة رئيس الدير الأحمر في عام 385 ميلادية واستمر في إنشاء اتحاد للأديرة في هذه المنطقة مع أكثر من 5000 راهب وراهبة .
وشمل ذلك دير للنساء في اتريبس (الشيخ حمد الحديث ) والدير الذي يحمل اسم القديس شنودة هو الدير الأبيض الذي بني في عام 4150 م .
وعاشت كتابات القديس شنودة في شكل شرائع تسجل قواعد صارمة للحياة اليومية للرهبان والراهبات في اتحاد الرهباني في القرن الخامس ،وكانت مجموعات من الرهبان أو الراهبات تعيش في منازل للصلاة والأكل معا ،وكانت الأديرة أيضا مؤسسات خيرية تدعم المجتمعات الفقيرة وتقدم الرعاية الطبية بالإضافة إلى الصلوات اليومية مرتين في الكنيسة .
كما شارك الرهبان في أنشطة تعبدية أخرى مثل صنع السلال والحصر أثناء قراءة المزامير وكانت الراهبات مشغولات بنسج وصباغة المنسوجات ودعمت منتجات هذه الأنشطة إقتصاد هذا المجتمع .
كنيسة الدير الأحمر والترميم
بين عامي 2003 و2018 قام مركز البحوث الأمريكي بمصر بتمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وبالتعاون مع وزارة الآثار المصرية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية بحفظ وترميم هيكل وصحن وبرج وجدران الكنيسة الأثرية .
تضمن المشروع تنظيف السناج والاتساخات التي نتجت عن التقادم الطبيعي بفعل الأزمنة على اللوحات الجدارية التي تزين المبنى وإعادة البناء الجزئي للصحن المنهار.