عقار فيصل «المحترق».. قصة «شرارة» الأوجاع واستعادة الماضي الأليم
05.02.2021 08:02
اهم اخبار مصر Egypt News
الدستور
عقار فيصل «المحترق».. قصة «شرارة» الأوجاع واستعادة الماضي الأليم
حجم الخط
الدستور

«بخطوات واثقة وعيون طامحة للمستقبل.. وعلى ظهره المحني جوال به أحذية يجاوب به شوارع المحروسة من ها إلى مغاربها.. ساعيًا للرزق الحلال آتيًا من مكان مجهول ليختار مصدر رزقه محل سكن له ولآسرته ».. هذا هو الحاج سمير حمودة في ريعان شبابه الذي أتي من قريته في «الصعيد الجواني» - المنيا- إلى شوارع القاهرة والمحروسة للعمل.

 


ولم يكن في تجارته أي شبهة للحرام بل ظل أعوامًا يسعي ويدور حتى نجح في تكوين ما يساعده على فتح محل في وسط المدينة أحذية، والمحل أصبح له فروع وتضخمت تجارته إلى مصانع، وكل هذه الأمور تخصه وحده ولم يكن مشاع للأنظار حتى قبل أسبوع ماضي عندما تردد أسمه كثيرًا لبنائه عقار على مقربة من الطريق الدائري بفيصل فأصبح حديث الجميع عقب استمرار اشتعال النيران فيه لأكثر من أسبوع حتى الآن.

إنشاء العقار
البداية، عندما فكر الحاج سمير حمودة، 44 عامًا، - متزوج ولديه 4 أبناء بينهم فتاة، في إنشاء عقار ضخم أو برج سكني يناطح السحاب، وبالفعل بدأ في تنفيذ فكرته في العام عندما أنشأ العقار عام 2013، وتم بنائه على مساحة 1000 متر، مكون من بدروم وطابق للمصنع و12 طابق سكني مقسم لـ 108 شقة، مأهوله منها 15 شقة بالسكان.

وتبين أن بدروم العقار كائن به مخزن أحذية - مصدر الحريق- يعلوه طابقين «ميزان» بهما منفذًا لبيع الأحذية الرياضية، وخصص مالك العقار مكتبًا له في العقار، يدير من خلاله أنشطته التجارية وشركته للأحذية الرياضية التي تحمل أول حرفين من اسمه باللغة الإنجليزية «S H».

اشتعال النيران
كان الجميع منذ ما يقرب من 10 أيام على قدر وموعد مع الحريق الذي كان حتمي، وذلك عندما حدث عطل في لوحة الكهرباء الخاصة بالمخزن والبدروم العقاري، ولكن نجح مالك العقار في بداية الأمر في تفادي العطل بإصلاحه ولكن عقب ثلاثة أيام من العطل شب ماس كهربائي تسبب في حريق مخزن الأحذية في العقار وامتد للمصنع وباقي الطوابق التي يقطنها السكان، واستمر الحريق لمدة أسبوع وما زالت الأدخنة تتصاعد منه.

خسائر العقار
وتبين من إخطار النيابة العامة لخسائر العقار أن الحريق مصدره مخزن أحذية ببدروم العقار وطابقه الأرضي، ما أسفر عن احتراق كافة الأحذية واحتراق العقار دون وقوع إصابات أو وفيات.

وأسفرت معاينة النيابة عن اشتعال النار بالعقار مما يحول دون دخوله، وتساقط أجزاء من جوانبه، وسبب استمرار اندلاع النيران وجود كمية هائلة من الأحذية الجلدية في البدروم والطابقين الأرضي والأول مصنوعة من مواد قابلة ومعجلة للاشتغال أدت لاستمرار الحريق، وأنه تسبب في تآكل أعمدة العقار الرئيسة مما أدى إلى السقوط.

وقررت النيابة ندب المعمل الجنائي؛ لمعاينته وحسر الخسائر والتلفيات، وإعداد بيانًا لمدى توافر سبل الوقاية من مخاطر الحرائق بالمخزن، وندبت لجنة من مكتب السلامة المهنية بمكتب القوى العاملة، ولجنة من الإدارة المختصة بالمحافظة، وأخرى من الإدارة الهندسية بمركز كرداسة لمعاينة العقار بيانًا لطبيعة النشاط بالمخزن ومدى صدور ترخيص بمزاولته وتوافر سبل الوقاية من المخاطر فيه، ومدى صدور ترخيص ببناء العقار والمخالفات التي تشوبه، وحجم تأثره بالحريق وسلامته من بعده، وطلبت تحريات الشرطة حول الواقعة.

تقرير الإدارة الهندسية
وجاء في تقرير الإدارة الهندسية بمركز ومدينة كرداسة" أن مالك العقار استغل البدروم والطابق الأرضي والميزانين بالعقار في نشاط تجاري هو تخزين الأحذية، مما أدى لوجود مواد معجلة للاشتعال في هذه الأماكن، وذلك على الرغم من أن هيئة العقار من الخارج لا توحي بوجود مثل هذا النشاط أو أي نشاط آخر، وأنه تحرر عن ذلك جنحة إدارة منشأة بدون ترخيص ضد مالك العقار.

كما تبين أنه غير صادر له ترخيص بالبناء ولا يمكن صدوره لوقوعه خارج الحيز العمراني وبنائه على أرض زراعية في حرم الطريق الدائري.

وتبين عدم اتخاذ بعض المهندسين بمركز ومدينة كرداسة الإجراءات القانونية قِبَل القائمين بأعمال تلك المخالفات مما تسبب في تحقق أضرار تمثلت في عدم تحرير محاضر بتلك المخالفات والتقاعس عن المتابعة وعدم احتساب الغرامات وتحصيلها من المخالفين والبناء على أرض خارجة عن الحيز العمراني، وإثبات اسم مغاير لمرتكب المخالفات الحقيقي.

هدم وإزالة العقار
وأن من ضمن الإجراءات المتخذة حيال الواقعة صدور قرار من إدارة الشئون القانونية بالمركز بإخلاء العقار، وقرار من "لجنة المنشآت الآيلة للسقوط" بإخلاء العقارات المجاورة واتخاذ إجراءات هدم العقار طبقًا للمواصفات الهندسية التي تضمن عدم حدوث ضرر للمارة والعقارات المجاورة والطريق الدائري؛ لما يمثله العقار من خطورة الآن، على أن تبدأ تلك الإجراءات فور إخماد الحريق.

<iframe id="postbid_if_1612533172357" style="box-sizing: border-box; max-width: 100%;" width="0" height="0" frameborder="0" marginwidth="0" marginheight="0" scrolling="no"></iframe>

وبناءً على ذلك اتخذت النيابة العامة إجراءاتها نحو حصر المخالفات التي شابت العقار والقائم بها والمسئول عنها والإجراءات القانونية التي اتخذت قِبَلها وما شاب تلك الإجراءات من أخطاء ومخالفات، وتحديد المسئول عنها من الموظفين العموميين لاتخاذ ما يلزم قانونًا معهم.

أزمة قلبية لمالك العقار
وبمجرد أن علم الحاج سمير حمودة، مالك العقار، بنبأ الحريق سقط صريعًا على الأرض، وتم نقله إلى المستشفى ؛ لإسعافه، وتبين أنه يعاني من أزمة قلبية، وتم تداركها وملاحقتها، حتى تمكن من الاستجواب والذهاب إلى النيابة العامة بناءًا على طلب قرار الضبط والإحضار، وقررت حبسه احتياطيًا على ذمة التحقيقات؛ لاتهامه ببناء عقار مخالف وبدون ترخيص والبناء في حيز عمراني.

وقال في تحقيقات النيابة العامة وقال المتهم ودفاعه إنه دفع 550 ألف جنيه جدية تصالح في مخالفات بناء العقار، التي قٌدرت بمليون و200 ألف جنيه، ولكن صدر له قرار إزالة والمصالحة رفضت، مضيفًا أنه قبل الحريق تعاقد مع شركة لاشتراطات السلامة الآمنية بالعقار، وتم تفعيل السلامة من حيث وجود طفايات وإنذار للحريق بالعقار بنسبة ٧٠ %، وكان من المقرر إنهاء كافة إجراءات السلامة حتى وصول النسبة كاملة في هذه الفترة قبل نشوب الحريق.
و حجم الخسائر التي لحقت بالعقار كبيرة فخسائر مخزن الأحذية فقط تصل لـ٤ ملايين جنيه، وخسائر تلفيات العقار تصل لحوالي مليوني جنيه، بإجمالي 6 ملايين جنيه، أما بهدم العقار فهذه كارثة وخسائر فادحة بحد ذاتها.

سكان العقار
«احنا بلوتنا أكبر.. شقى عمرنا ضاع.. لبسنا اتحرق.. إحنا نفدنا بعمرنا في الليلة دي كلها.. هنعيش فين».. أما سكان العقار انهيارهم غير محتمل فكل ما كافحوا لبنائه انهار واحترق.. فمنهم من كان يجهز عش الزوجية ويشطب شقته للتأهل فيها حياة جديدة، وعقب أن صرف كل ما لديه في تشطيب الشقة التهمتها النيران بكل برود.
وآخرين بمجرد أن سمعوا وشموا رائحة الدخان فروا بأنفسهم وتركوا كل ممتلكاتهم في الشقة، تمكنوا من الفرار بعمرهم فقط وبأولادهم تاركين ورائهم حتى ملابسهم وهذا ما أكده أحد المتضررين قائلًا: «إحنا ما صدقنا ريحنا بالنا واشترينا شقة نعيش فيها عمرنا وموقعها متميز، ولكن اتحرقت هي وهدومنا وفلوسنا وعفشنا حتى كتب المدراس بتاعت الأولاد.. إحنا لازم نتعوض عن اللي حصل وعن شقى عمرنا اللي ضاع.. ولازم يكون في بديل هعيش انا وأسرتي في الشارع مين هيستحملنا نعيش عنده.. اللي هيضايفنا هيكون يوم واتنين مش شهر.. إحنا في مصيبة».

عمال مصنع الأحذية
أما من فقدوا رزقهم وانحرق عمرهم في العمل في المصنع لا يعرفون إين يأتون برزقهم ورزق أولادهم ففي لحظة انهارت كل أحلامهم فقالت سيدة من العاملين بالمصنع: «نروح فين ونيجي منين بقالنا سنين شغالين مع الحاج سمير حمودة عمره ما عملنا وحش.. اتعودنا على الشغل معاه وكيفنا نفسنا هنشتغل فين بعد كده.. وهنعمل ايه بعد ما اتحبس طب السكان هيتعوضوا علشان يتنازلوا عن الأضرار اللي حصلت ليهم علشان في مشروع عمل في عقار سكني.. وهيعرفوا يأخدوا حقهم.. إحنا إيه مصيرنا».

حي الجيزة وكرداسة
قال مصدر مسؤول بمحافظة الجيزة، إن أجهزة المحافظة بالتنسيق مع قوات الشرطة، أخلت 3 عقارات ملاصقة للعقار الذي تجددت فية النيران بمخزن كاوتش بجوار حي الهرم حفاظا على حياة السكان.

تعدي على حرم الطريق
شكلت النيابة الإدارية لجنة متخصصة لفحص واقعة توصيل الكهرباء، بخصوص حريق العقار المقام أعلى الدائري بمنطقة فيصل ومدى مطابقة ذلك للقانون مع تحديد المتسبب.

وأوضح المصدر أن لجنة الفحص تتكون من المهندسين والقانونيين بالجهاز، وذلك لفحص الإجراءات المتخذة حيال العقار وفقًا للقانون 119 لسنة 2008 ولائحته التنفيذية، على أن يتضمن الفحص المخالفات التي شابت إنشاء العقار إجرائيًا وفنيًا، وتحديد المسئول عنها وتحديد تاريخ بناء العقار وبيان وصف العقار وعدد الأدوار والاضرار المترتبة على المخالفات.

وقال المستشار محمد سمير المتحدث باسم النيابة الإدارية، إن الدولة تتخذ إجراءات حاسمة وموسعة فيما يتعلق بالبناء المخالف، والظاهرة ليست وليدة اليوم ولكنها تراكمية منذ فترة من الزمن، والبعض استغل غياب سلطة الدولة حتى أصبحنا أمام عقارات بنيت وبيعت وحدات بها.

ولفت إلى أن عقار فيصل المحترق جرى بناؤه عام 2013 بدون ترخيص، وفتح التحقيق لتحديد أسباب الحريق، مشيرًا إلى أن العقار مبني خارج الحيز العمراني، كما أنه يتعدى على حرم الطريق الدائري.

اترك تعليقا
تعليقات
Comments not found for this news.