
وصف ألكسندر زاسبكين، دبلوماسى روسى سابق، زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى موسكو للمشاركة فى «عيد النصر»، بالخطوة المدروسة التى تعكس متانة العلاقات الاستراتيجية بين القاهرة وموسكو، وتُجسد فى الوقت ذاته مستوى العلاقة الشخصية التى تربط الرئيس السيسى بنظيره الروسى فلاديمير بوتين، وهى علاقة لطالما حظيت بتقدير كبير من جانب القيادة الروسية.
قال «زاسبكين»، لـ«الدستور»: «مشاركة الرئيس السيسى فى هذه المناسبة الوطنية الروسية لا تقتصر على طابعها البروتوكولى، بل تحمل فى طياتها رسائل سياسية واضحة تعبر عن موقف تضامنى مع روسيا، خاصة فى ظل المناخ العدائى الذى تسود فيه الأجواء الغربية تجاهها، بما فى ذلك الحملات الدعائية المحمومة التى تستهدف تشويه صورة روسيا والتاريخ المرتبط بها».
وأضاف الدبلوماسى الروسى السابق: «حضور الرئيس السيسى احتفال التاسع من مايو فى العاصمة الروسية يحمل دلالة بالغة، خاصة أن مصر تُعد من الدول العربية الرائدة فى المنطقة، فضلًا عما يبرزه من تأييد القاهرة لموسكو فى وقت تتصاعد فيه محاولات القوى الغربية لعزل روسيا دبلوماسيًا وسياسيًا على الصعيد الدولى».
وواصل: «وجود الرئيس السيسى فى موسكو خلال هذه المناسبة الوطنية له بعد رمزى عميق، فى ظل ما يعكسه من دعم لروسيا، ومشاركتها فى أحد أهم الأحداث التاريخية فى ذاكرتها الجماعية، متوقعًا أن تسهم الزيارة فى دفع الحوار الثنائى إلى مستويات أكثر تقدمًا، إلى جانب فتح آفاق جديدة للتعاون بين البلدين فى ميادين السياسة والاقتصاد والثقافة.
وبشأن برنامج الزيارة، قال «زاسبكين»: «زيارة الرئيس السيسى إلى موسكو لا تقتصر على الحضور الرمزى للاحتفالات، بل تتضمن جوانب عملية مهمة، على رأسها عقد لقاءات على أعلى مستوى بين الرئيسين المصرى والروسى، وهذه اللقاءات تشكل فرصة ثمينة لتبادل الآراء بشأن المستجدات الإقليمية والدولية، إلى جانب مراجعة الخطط والمشاريع التى تم الاتفاق عليها خلال السنوات الأخيرة».
وأضاف الدبلوماسى الروسى: «هناك عدد من المشاريع التى تم التخطيط لها فى الفترات الماضية ولم تُستكمل بعد، ومن المتوقع أن تُسهم هذه الزيارة فى تقييم ما تحقق منها وتحديد ملامح المرحلة المقبلة من التعاون»، مؤكدًا أن «هناك بالفعل نتائج ملموسة على أرض الواقع، غير أن الإمكانات تظل مفتوحة لتحقيق المزيد من الإنجازات المشتركة».
واستعرض «زاسبكين» أبرز المحاور التى تُشكل أولويات التعاون الثنائى فى المرحلة المقبلة، مشيرًا إلى ٥ مجالات رئيسية من شأنها تعزيز العلاقات الروسية المصرية والتى من بينها انضمام مصر مؤخرًا كعضو عامل فى مجموعة «بريكس» الذى يُعد تطورًا محوريًا، ويفتح الباب أمام شراكات جديدة على الصعيد الدولى. هذه الخطوة تُمثل فرصة لتعزيز التنسيق بين القاهرة وموسكو فى البرامج السياسية والاقتصادية والمالية التى تُطلقها المجموعة، وهو ما ينسجم مع التوجهات الاستراتيجية للبلدين.
وأشار زاسبكين إلى أنه من بين أبرز المشاريع المشتركة التى تُمثل نموذجًا ناجحًا للتعاون الثنائى، مشروع بناء محطة الطاقة النووية فى الضبعة، الذى تنفذه شركة «روساتوم» الروسية، بالإضافة إلى مشروع إنشاء المنطقة الصناعية الروسية قرب قناة السويس، الذى يُعد أحد أبرز الأمثلة على التكامل الصناعى بين البلدين.
موضحًا أنه من المهم المضى قدمًا فى اتفاقية التجارة الحرة بين مصر والاتحاد الاقتصادى الأوراسى، التى من شأنها إزالة العوائق التجارية وتعزيز حركة السلع والخدمات، ما يُسهم فى تنشيط العلاقات الاقتصادية بشكل واسع.
وأشار الدبلوماسى الروسى إلى أنه من الضرورى توسيع نطاق الاستثمارات الثنائية، وزيادة حجم التبادل التجارى، خاصة فى قطاعات التكنولوجيا المتقدمة والبنية التحتية والنقل والطاقة، وسط جهود مبذولة من الجانبين لتشجيع استخدام العملات الوطنية فى المبادلات التجارية، كخطوة للحد من الاعتماد على العملات الغربية مثل الدولار واليورو.
وأكد أن التعليم والتبادل الأكاديمى يمثلان ركيزة أساسية فى تعزيز الفهم المتبادل بين الشعبين. فمن المهم زيادة عدد الطلاب المصريين فى الجامعات الروسية، لما لذلك من دور فى إعداد كوادر مصرية مؤهلة ومدربة داخل المؤسسات التعليمية الروسية.
وفيما يتعلق بالقضايا الإقليمية والدولية، قال «زاسبكين»: «روسيا تُثمن الموقف المصرى المتوازن حيال الأزمة فى أوكرانيا، الذى يتسم بعدم الانحياز وحماية المصالح الوطنية المصرية بعيدًا عن الضغوط الغربية»، معتبرًا أن «الحوار المصرى- الروسى يوفر منصة فعّالة لتبادل وجهات النظر حول مختلف الأزمات، ومنها النزاع الأوكرانى، فضلًا عن الأوضاع فى الشرق الأوسط، على رأسها النزاعات الجارية فى غزة وسوريا وليبيا».
وأشاد الدبلوماسى الروسى بدور مصر فى تهدئة التوترات الإقليمية، ومبادراتها الهادفة إلى إيجاد حلول سياسية قائمة على احترام سيادة الدول وحقوق الشعوب، مضيفًا: «موسكو تنظر إلى القاهرة كشريك إقليمى مهم، وتُقدّر جهودها فى الملفات الحساسة، خاصة فيما يتعلق بالصراع الفلسطينى- الإسرائيلى».
وواصل: «روسيا تعتبر الدور المصرى محوريًا فى المرحلة الراهنة، خاصة فى ظل التصعيد الإسرائيلى المستمر ضد الشعب الفلسطينى. التنسيق بين موسكو والقاهرة فى هذا الملف يجرى بشكل دائم وعلى أعلى المستويات، من أجل تجنب المزيد من التصعيد فى المنطقة.
وانتقل للحديث عن التواصل المباشر بين الرئيسين المصرى والروسى، قائلًا: «التواصل المباشر والمتكرر بين الرئيسين عبدالفتاح السيسى وفلاديمير بوتين يمثل عنصرًا جوهريًا فى تطور العلاقات بين البلدين، واللقاءات الشخصية بين الزعيمين تُسهم فى تجاوز العقبات وتسريع وتيرة التعاون، بما يضمن تحقيق الأهداف المشتركة للجانبين».
واختتم الدبلوماسى الروسى السابق حديثه بتأكيد أن «هذه الزيارة تدفع بالعلاقات بين موسكو والقاهرة نحو آفاق جديدة، وتُعزز من التفاهم والتقارب فى مختلف المجالات، فى ظل علاقات حالية تتسم بطابع استراتيجى فريد، وتنسيق دائم على أعلى مستوى لاستمرار هذا النهج البناء والمثمر».