تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بذكرى نياحة القديس غريغوريوس الثاؤلوغوس، بهذه المناسبة قال السنكسار الكنسي إنه كان أبوه أسقف نزينز واسمه اغريغوريوس أيضًا، وأمه "نون”، وهما قديسان تكرمهما الكنيسة. استدرت أمه بركات السماء لأسرتها بحسناتها الكثيرة. ولم تحل محبتها للفقراء دون القيام بواجبات البر نحو أولادها، فعرفت كيف تحافظ على أموالهم وأيضا تزيدها بتدبيرها الحكيم. وكانت التداريب التقوية تستغرق جزاء كبيرا من وقتها، ولكنها كانت شديدة الحرص على القيام بواجباتها.
وكان أغريغوريوس زوجها يتبع الخزعبلات الوثنية منذ طفولته. وصار المستشار الأول لمدينة نزينز، وكان يقوم بواجبات وظيفته بأمانة، وكانت له كل الفضائل الأدبية التي يمكن أن يتصف بها شرفاء هذا العالم، ولم يكن ينقصه سوى أن يكون مسيحيا. وكانت "نون" تلجأ إلى الدموع والصلوات إلى الله لكي تفوز بتحوله، واستجيب الدعاء أخيرًا. فأنكر زوجها الديانة الوثنية، واعتمد في "نزينز" حوالي سنة 325. وحرص على الحفاظ على نعمة المعمودية، فاستحق بعد ذلك أن يعتلى كرسي "نزينز" الأسقفي، وحكمها حوالي خمسة وأربعين سنة. ثم تنيح وعمره تسعين سنة. ونقرأ في مؤلفات إنه تفصيل فضائله، لاسيما حماسه وتواضعه.
أبنائه
وأنجب قبل أن يصير أسقفًا ثلاثة أطفال: ابنة تدعى "جورجوني" ، وابنين هما اغريغوريوس و"سيزير" . ولقب القديس اغريغوريوس بالناطق بالإلهيات بسبب معرفته العميقة بالدين، وقد ولد سنة 329 في قرية "أزينز" في منطقة "نزينز" بالقرب من مدينة قيصرية في كبادوكية (تركيا حاليا). وقد ربته كما ربت إخوته أمه التقية "نون" بنفسها في التقوى وعلمتهم قراءة الكتب المقدسة.
ويعد اغريغوريوس ثمرة صلوات أمه، ولذلك كرسوه للرب منذ ولادته. وكان يتجاوب تجاوبا كاملا مع العناية التي يبذلها والداه لتدريبه في الفضيلة. وكانت معرفة الله هدفه الرئيسي من وراء الدراسة. وحتى ينمو أكثر فأكثر في المعرفة، عود نفسه المواظبة على قراءة الكتب التقوية. وقد رأى في شبابه حلما عجيبا رواه لنا بهذه الصورة. قال: "بدا لي إني أرى امرأتين ذات جمال نادر، إحداهما تمثل البتولية، والأخرى ضبط النفس، وكانتا تلاطفاني كابن لهما وتدعواني إلى إتباعهما. قالتا لي: تعال معنا وسوف نرفعك إلى نور الثالوث الأقدس الأزلي".
ومنذ ذلك الحين صارت رغبة اغريغوريوس شديدة في حياة التبتل. ونعرف من مؤلفاته انه كان على الأخص يميل إلى هذه الحالة المقدسة. فوصف امتيازها ومزاياها وصفا مطولا. وهو يتكلم بحماس شديد عن الالتزام بالحفاظ على نذر البتولية، ويدعو الحنث بهذا النذر موتا، وانتهاكات للقديسات، وغدرا.