المختل عقلياً والكاهن
14.10.2017 08:14
Articles مقالات
عبد الناصر سلامة المصري اليوم
المختل عقلياً والكاهن
حجم الخط
عبد الناصر سلامة المصري اليوم

بقلم عبد الناصر سلامة

لا أستطيع استيعاب ذلك الادعاء السريع، الذى يؤكد أن قاتل كاهن الكنيسة فى المرج، القس سمعان شحاتة، مختل عقلياً، حتى لو ظهرت تقارير طبية تفيد هذا المعنى، ذلك أن القاتل ترك كل من يسيرون فى الشارع واستهدف الكاهن تحديداً، يطارده ركضاً فى عز الظهيرة، كما هو واضح من الفيديو المتداول، إلا أننا لا نستطيع الخوض فى الملابسات دون معلومات حول هذه القضية التى سوف تعرف طريقها إلى القضاء كما يجب أن يكون، لكن ما هو معلن أنه كان متهماً فى قضية إشعال حريق قبل ذلك، وبالتالى كان يجب أن يكون مكانه الطبيعى إما السجن وإما مستشفى الأمراض العقلية.

 

ما أود التأكيد عليه هو أنه حتى لو ثبت بالدليل القاطع أن القاتل مختل، فإن هناك جُناة يجب محاكمتهم فى هذه الواقعة، وهم المسؤولون عن وجود ذلك المختل طليقاً فى الشوارع خارج مستشفى الأمراض العقلية، قد يكون المسؤولون فى هذه الحالة تحديداً أهله وذويه الذين لم يبادروا إلى ذلك، وقد نكتشف أنهم فعلوا ذلك، إلا أن المستشفى لم يقبله لكونه ليس مختلاً، وقد يكون وهو الأغلب الأعم فى الحالة المصرية عموماً أن يكون دخل المستشفى الذى بادر بطرده منه بعد ذلك لمجرد أن أهله توقفوا عن سداد المبالغ الشهرية المفترض سدادها، وهى الكارثة التى يعانى منها ذوو معظم المجانين فى بر مصر.

 

أستطيع الزعم أن المختلين الذين يسيرون بيننا فى الشوارع أعدادهم أكبر بكثير ممن هم داخل المصحات النفسية والعقلية، ذلك أن مستشفيات الأمراض العقلية العامة، أى التابعة للدولة، تسعى دائماً إلى الخلاص من مرضاها، لإفساح المجال لآخرين، فى الوقت الذى لم يصبح العلاج فيها مجانيا إلا فى نطاق ضيق جداً، وهو ما يصعب معه على ذوى المرضى الوفاء بالمتطلبات المالية الشهرية، فتكون النتيجة خطابات متتالية بضرورة تسلم المريض، الذى سوف يجدونه ملقى على رصيف المستشفى مع تقرير يؤكد أنه قد برئ من المرض، أو لم يعد يشكل خطراً على المجتمع.

 

ربما تكون قضية ذلك الكاهن، الذى كان كل ذنبه أنه يسير فى الشارع، فرصة لفتح هذا الملف من أوسع الأبواب، ذلك أنها على قدر من الخطورة يتطلب رصد كل الإمكانيات لتداركها، وإذا جاز لأحد مدراء هذه النوعية من المصحات أن يتحدث صراحةً دون فوبيا من أى نوع، فسوف نكتشف أننا أمام كارثة، تبدأ من ضعف الإمكانيات المادية السنوية المتاحة، أو التى تتضمنها موازنات وزارة الصحة، وهى إمكانيات أو موازنات هزيلة مقارنةً بالدور الذى تقدمه هذه المصحات لخدمة المجتمع، ناهيك عن أن نوعية العلاج لدينا لا تتطور مع التطور العالمى فى هذا الشأن نتيجة ضعف الإمكانيات أيضاً، مع الأخذ فى الاعتبار أن كل مستشفيات هذا النوع من الأمراض من القرون السابقة، أى أنها لم تجد إضافة خلال العقود الماضية.

 

ما تجدر الإشارة إليه هو أنه فى الأغلب الأعم يصيب الملل والتعب الأسرة المصرية، نظراً لشظف الحياة، فيضطرون إلى إهمال هذا النوع من المرضى، خاصة أننا أمام نوع مكلف جداً من العلاج، وهو ما كان يستوجب اهتماماً أكبر من الدولة، وذلك بإلغاء الأقسام غير المجانية بهذه المصحات من جهة، والتوسع فى إنشائها من جهة أخرى، مع الأخذ فى الاعتبار تلك الزيادة السكانية الرهيبة، وأيضاً الزيادة الكبيرة فى أعداد هذا النوع من المرضى، نتيجة الحياة المادية اللاأخلاقية التى طغت على المجتمع خلال السنوات الأخيرة.

 

ليس معقولاً أن يبذل ذوو المرضى جهداً كبيراً للحصول على وساطة من هنا أو هناك لمجرد قبول المستشفى الحكومى هذا المريض أو ذاك، وليس مقبولاً أن يتم خروجه من المستشفى لمجرد أنه حصل على كورس متخلف من العلاج بالكهرباء أو ما شابه ذلك، وهو ما كنا نعتبره مجرد كوميديا يتناولها الإنتاج السينمائى أو التليفزيونى، إلا أنه بالمتابعة سوف نكتشف أن هذه الكوميديا مجرد جزء من الحقيقة، كما ليس مقبولاً أن تكون هناك صعوبة أصلاً فى الحصول على سرير أو مكان لمتخلف عقلياً قد يرتكب من الجرائم ما لا يمكن توقعه.

 

أعتقد أن مجرد إخطار قسم الشرطة بوجود متخلف عقلياً يجب أن يسارع المسؤولون بالقسم بالاهتمام، كما هو الحال إذا تم إبلاغ المستشفى المتخصص، كما هو الحال إذا تم إبلاغ رئيس الحى أو عمدة القرية، أو شيخ الحارة، أو حتى عضو مجلس النواب عن الدائرة المقيم بها المريض، نحن هنا لا نتحدث عمن يسيرون فى الشوارع يتحدثون مع أنفسهم، أو يشيحون بأيديهم، أو من يتشاجرون مع الذباب على وجوههم، فمعظم أفراد المجتمع أصبحوا يفعلون ذلك، وبصفة خاصة مع الارتفاع الصارخ فى الأسعار وضنك الحياة بصفة عامة، نحن هنا نتحدث عمن يقفون عرايا فى الشوارع وما أكثرهم!، ومن يطيحون بأى شىء وكل شىء وما أكثرهم!، ويكفى أن نعى أن النسبة الأكبر ممن يقضون فترة عقوبة بالسجون يحتاجون إلى إعادة تأهيل نفسى قد تستغرق طويلاً، وما أكثر السجون والمساجين فى بلادنا أيضاً!، وهو ما كان يتطلب بناء مزيد من المستشفيات وليس مزيدا من السجون.

اترك تعليقا
تعليقات
Comments not found for this news.