بقلم فاطمة ناعوت
- مريم: «بعشقك.. ويومًا ما هبقى زيك.. أنتي مثلي الأعلى.. جميلة أووووى شكلا وموضوعااا».
- أنا: «ستكونين أفضل مني يا مريم بإذن الله».
- مريم: «مفيش في الدنيا حد هيكون أحسن منك يا أستاذة.. بتمنى أشوفك ولو صدفة عشان نفسي أتصور معاكى.. أنا من الناس اللى لو شافت أعظم فنان مبتجريش عليه وتقوله أتصور معاك. مش تناكة منى، بس مش لاقية لها تفسير.. إنتى بس اللى لو شوفتك ممكن أخطفك من كتر حبي ليكى».
- أنا: «يبقي هاتبقي زيي يا مريم. عشان وأنا صغيرة مكنتش برضو باجري ورا الفنانين لكن ورا الكتّاب والمفكرين».
***
ومرّت أيامٌ بعد هذا الحوار الدافئ بين إحدى قارئاتي الجميلات، وبيني، في صندوق رسائل صفحتي الرسمية على فيس بوك. اسمها مريم توفيق. ثم وجدتُ رسالةً منها تقول:
- مريم: «حلمت بيكى حلم جميييل يا أستاذة فاطمة!»
ومرّت أيام أخرى أخذتني فيها الحياةُ ومشاغلُها عن متابعة رسائلي. ووجدت بعدها تلك الرسائل من مريم.
- «طيب احكي لك الحلم؟».
- «حلمت.. إني شوفتك في جامعة القاهرة وفرحت أوووى لما شوفتك. سلمت عليكي واتصورت معاكي .. وانتي ماشية مشيت وراكي.. فجأة خلعتي الشوز بتاعك.. عشان أول حد تلاقيه محتاج له تديهوله.. والشوارع كانت مليانة بالغلابة.. وأنا عشان متأثرة بيكي عايزة أكون زيك.. عملت زيك وخلعت الشوز بتاعى عشان أديه لأكتر حد محتاج. وانتى ماشية قابلك ناس بتبيع سمك والأرض مبهدلة قشور جمبري وسمك ومياه. قلت في سري: أكيد هتلبس الشوز ومش هتعدي على القرف ده. بس لقيتك مشيتي ع الشوك والقشور وكملتي.. وبردو أنا عملت زيك.. لما لاقيتينى متابعاكى قولتي لى تعالي معايا.. خدتينى بيتك وطلعتي كتابك المفضل لونه قريب للأصفر والكلام فيه بخط كبير شوية.. وقريتيلي منه شوية.. ومش فاكرة الباقي».
انتهى الحلم السوريالي العجيب الذي حلمت به مريم بشأني. ولم أعلّق واكتفيتُ بأن أجبتها بالعبارة التالية:
- “الحمد لله. الجميل يأتي منك يا مريم.”
***
لم أفكّر في معنى الحُلم كثيرًا، لأنني مؤمنة بأن الأحلام ليست تحمل دلالة أو رموز «ما سيحدث» لنا في مقبل الأيام، بل يحمل بقايا وهوامش «ما حدث» لنا بالفعل، وما استقرّ في ذاكرتنا من أحداث أثّرت فينا. لم أفتح كتاب «تفسير الأحلام» لابن سيرين الأندلسي لأعرف ماذا يعني هذا الحلم، لكنني فتحتُ قلبي لأتأكد أن حبَّ الناس للناس هو الكنزُ الأكبر الذي يمكن أن يحوزه إنسان. وأنا بهذا المنطق من أغنى أغنياء العالم، وإن كنتُ لا أملك عقارًا أو فدّان طمي أو حتى شجرة.
أخبرتني أمّي الروحية أن «السمك» في الحلم خيرٌ وفير. وحين سألتُها: “طيب وماذا عن «الشوك» الذي سأسيرُ فوقه حافية القدمين؟ «أطرقتْ وصمتت ولم تُجب. ثم قالت: “الشوك الذي سرتِ عليه العام الماضي.
هل نسيتِ غُربتك وشعورك بالظلم؟” لم تنتبه أمي «آنجيل» الجميلة بأنها فسّرت الحلم على منهجين لا يمكن أن يلتقيا. «الخير» في السمك، في المستقبل، و«الألم» في الشوك، في الماضي. أمي طيبة ورحيمة تخشى عليّ الخوف من القادم، وتريد أن تعطيني الأمل بأن غدًا أجمل من اليوم وأكثر رحمةً من الأمس. هي لا تعرفُ أنني لا أتطيّر من الأحلام ولا أرجفُ من توقعات الُمنجمين، وإن صدقوا.
لكنني أعرفُ كيف أبحث عن اللآلئ بين الأشواك. واللؤلؤ في هذا الحُلم هو أن فتاةً طيبة لا أعرفها ولا تعرفني، تحملني في فكرها وصحوهِا وفي نومِها، حتى حلمت بي تسير ورائي وتتبعُ خطاي وتفعل ما أفعل، ثم تبعتني حتى باب بيتي وإلى رفوف مكتبتي لتحصل على كتاب من كتبي. هذا هو الحب. ذاك هو الثراء. وهو ما لم يذكره ابن سيرين في كتابه. شكرًا لك يا ربّي على كل هذا الغِنى.