ولد البابا مرقس الثامن في طما وكان يسمى يوحنا ،ترهب بدير أنبا أنطونيوس، واستدعاه البابا يوحنا الثامن عشر ليساعده في أمور الخدمة.
وبعد نياحته اجتمع الآباء والشعب بحارة الروم وهي مقر البطريركية وعملوا قرعة هيكلية لبعض الآباء، وأختار الرب أن يكون هو البابا المائة والثمانية وجلس على الكرسي بطريركًا عام 1797م.
وكان عصره من أصعب الفترات التي مرت على الكنيسة والأقباط فقد كانت مصر تحت الحكم العثماني من عام 1517م، وتوالى الولاة العثمانيين على البلاد.
وفي تلك الفترة أصبح المماليك لهم السيطرة على الحكم، وكان يعين الوالي من الباب العالي العثماني بتركيا. وسيطر على البلاد في هذا الوقت إبراهيم بك ومراد بك، وكانت الفتن والمؤامرات السياسية بين المماليك كبيرة جدًا مما عرض البلاد لحالة من فقدان الأمن وتفشى الوباء والأمراض بجانب الجهل والتعصب. فقد صدرت أوامر في تلك الأيام بزيادة الجزية على الأقباط وكان يدفعها أيضًا الرهبان والآباء الأساقفة والكهنة.
في تلك الظروف زحف نابليون على مصر وظن الأتراك ومن يناصرهم من الرعاع في مصر أن الأقباط سيناصرون الفرنسيين لأنهم مسيحيون مثلهم. فما أن دخل جيش نابليون الإسكندرية حتى سارت إشاعة بأن الأقباط لديهم أسلحة في الكنائس والأديرة والبيوت، فدخل الأتراك والرعاع بيوت الأقباط ونهبوها وحرقوها وهدموا الكنائس ونهبوها. ومن ضمن ما حرق كنيسة السيدة العذراء بحارة الروم التي كانت مقرًا للبابا وحرقوا الكنيسة العليا والسفلى حتى أن البابا مرقس صلى البصخة المقدسة وعيد القيامة في فناء الكنيسة لأن القاهرة وقتها كانت في حرب بين نابليون والمماليك لمدة ثلاثة وأربعون يومًا.
وكان هذا بالرغم من أن نابليون منذ أن دخل مصر وهو يعلن أنه مع المسلمين وليس المسيحيون. وبالطبع لم يكن نابليون له دين أصلًا فقد كان ملحدًا، فحين أراد الفرنسيين أن ينصبوه إمبراطورًا كان من التقاليد هناك أن ينصب في الكاتدرائية ويأتي البطريرك ويضع التاج على رأسه أما هو فلم يقبل واختطف من يده التاج ووضعه هو فوق رأسه وقد قال يومًا: "ما المصلحة إلا مفتاح للأعمال المبتذلة".
وعلى هذا النحو لا يظن أحد أنه كان صادقًا في نواياه نحو المسلمين، بل أن المصريون أنفسهم لم تنطوي عليهم هذه الحيلة، ولكنه ما أن دخل إلى القاهرة في 25 يوليو 1798م حتى أعلن في منشور وزعه على مشايخ الأزهر: "قولوا لأمتكم أن الفرنساوية هم مسلمون خالصين، وإثبات لذلك فهم قد حاربوا روما التي فيها الكرسي البابوي".
وكان يتجول في الشارع وهو يلبس جلباب وعمامة ويذهب للجامع يوم الجمعة، ومع هذا لم يتمكن من خداع المصريين ويقاومون الاستعمار.
ولم يكن بالطبع نابليون يهتم بالإسلام ولا المسلمين فقد كان وقت حصاره لعكا عام 1799م يجهز لإعلان دولة اليهود، وكان هذا قبل وعد بلفور، ولكنه هزم هناك قبل أن يعلن هذا.
وفي السنة الثانية للحملة الفرنسية طالبوا الأقباط بدفع 150 ألف ريال فرنسي فأضطر الأقباط أن يجمعوها من الأراخنة نيابة عن الشعب والكنيسة.
وحينما لم يستطع أن يخدع المصريين بأنه جاء لينصر الإسلام شكل ديوانًا للحكم وضع نصفه من المشايخ ونصفه من الأقباط، فهاج بعض الرعاع على تعيين الأقباط في الحكم وأخذوا يهدمون الكنائس ويحرقون بيوت الأقباط لإظهار قوتهم في الشارع.
وحدثت حركات تمرد بعد هزيمة نابليون في حروبه وقبضوا عليه ونفوه إلى جزيرة سانت هيلانة. وبعد جلاء الفرنسيين عن مصر جاء الأتراك وبدأوا في اضطهاد الأقباط وحدثت مذابح في الشوارع، ولم تقف إلا بعد أن أصدر الباب العالي أمرًا بعدم التعرض للأقباط.
وهدأت الأوضاع فنقل البابا مقر الكاتدرائية إلى المرقسية الأزبكية التي كان قد بناها المعلم إبراهيم وجرجس الجوهري. وانتقال البابا مرقس الثامن في نهاية العام الثاني لجلاء الحملة الفرنسية.
عزيزي القارئ أنها صفحة من تاريخ الأقباط المكتوب بالدماء ولكنه أيضًا يشع بنور الإيمان وقوة الجهاد. لقد حاول إبليس أن يستخدم كل ظروف تمر بها بلادنا كي يهدم الكنائس ويضعف إيمان الأقباط.
ولكننا اعتدنا أن نصلي في كل مكان حتى في كنائسنا بعد أن تحرق، وأن نقف رافعين الأيادي إلى السماء شاكرين حتى في وقت الضيق طالبين فقط أن يثبتنا على إيماننا إلى النفس الأخير.
ونحن نعيش ما قاله لنا السيد المسيح: "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد" (مت 10: 28) فلم نخف من أي سلطة أو من أي سلاح يقتلنا لأننا لنا الوطن السمائي والملك الحقيقي الذي قال لنا: "وتكونون مبغضين من الجميع من أجل اسمي ولكن شعرة من رؤوسكم لا تهلك" (لو 21: 17، 18)