كتاب "حوارات".. ١٣ سنة في رحلة مع البابا تواضروس؛ يأتي هذا الكتاب ليشكل إضافة توثيقية نادرة في سجل التاريخ المصري الحديث، فهو ليس مجرد عمل صحفي أو مجموعة حوارات، بل شهادة حية ترصد أدق ما عاشته مصر خلال أكثر العقود تحولًا سياسيًا واجتماعيًا، سنوات الاضطرابات الكبرى، وصولًا إلى تأسيس "الجمهورية الجديدة"، برؤيتها التنموية الشاملة. هنا تتداخل السردية الوطنية مع السردية الكنسية في نسيج واحد، يكشف عمق العلاقة بين الوطن والكنيسة، ودور الكنيسة في تثبيت الوعي العام وقت الأزمات، وصناعة الأمل وسط التغيرات السريعة.
تتجلى ملامح الكنيسة القبطية
أهمية هذا الكتاب تنبع من أنه يؤرخ لهذه الفترة من موقع قريب من الحدث، وبعين شاهدة، وقلم محترف عاصر التفاصيل لحظة بلحظة. ففي صفحاته تتجلى ملامح الكنيسة القبطية في عصرها الحديث، وتتضح مواقفها الوطنية الثابتة، بما فيها محطات دقيقة تتعلق بالأقباط، من أحداث ماسبيرو، والاعتداءات الطائفية، وملفات الهجرة، والمشهد السياسي بعد عام ٢٠١١، واجتماعات الكنيسة الرسمية في الداخل والخارج، وصولًا إلى جهود الدولة في بناء أسس المواطنة خلال مرحلة الجمهورية الجديدة. بذلك يشبه الكتاب رحلة "ذاكرة وطن"، يقدمها كاتب وثق بحس تاريخي ومسؤولية وطنية نادرة؛ في سلسلة حوارات مع قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية؛ حيث أنفرد الكاتب الكبير فيكتور سلامة بخمسة عشر حوارًا مع قداسته خلال الثلاث عشر عام الماضية.
وقد صدر هذا العمل التوثيقي، في 333 صفحة تجمع بين السرد الصحفي والتحليل التاريخي والرؤية الوطنية الممتدة عبر أكثر من عقد من الأحداث. وقد طبع الكتاب في مطابع مؤسسة الأهرام، بما يعكس أهمية المحتوى وقيمته التوثيقية، ويمنحه حضورًا مهنيًا يليق بما يتضمنه من شهادات ووقائع تؤرخ لتحولات الوطن والكنيسة في واحدة من أدق مراحل تاريخ مصر الحديث.
مسيرة الكاتب ورحلته مع الكنيسة والوطن
يمثل الكاتب الكبير فيكتور سلامة حالة فريدة في التاريخ الكنسي المعاصر؛ فهو لم يكن يومًا مؤرخًا بالقرار، بل بالمصادفة التي رسمت مسار قلمه. لقد أرخ للكنيسة القبطية عبر رحلة تمتد لعقود طويلة، بدأت مع لحظة نياحة البابا كيرلس السادس، التي جعلته يدرك بقوة أن الكنيسة تحتاج إلى من يحفظ تاريخها للأجيال. ثم شاءت العناية أن يعيش أربعين عامًا كاملة من حبرية مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث، فصار شاهدًا على أعمق تحولات الكنيسة في الداخل والخارج، وراصدًا أمينًا لمواقفها الوطنية وللملفات الشائكة التي تخص الأقباط.
وقد تابع فيكتور سلامة عبر مسيرته الصحفية أقوى وأدق الملفات القبطية، فوثق أحداث الخانكة، وسجل وقائع الزوايا الحمراء، وتابع الاعتداءات الطائفية في الثمانينيات والتسعينيات، وتتبع تطور العلاقة بين الدولة والكنيسة في مراحل شديدة الحساسية، كما رصد بعمق أحداث ماسبيرو، وما تلاها من تحولات سياسية ومجتمعية أثرت على الوجود القبطي في مصر.
هذا التكوين الاستثنائي مد بجناحين جديدين مع عهد قداسة البابا تواضروس الثاني، ليواصل الكاتب مهمته كمؤرخ للكنيسة القبطية المعاصرة، يسجل بحياد وعمق وتحليل دقيق كل تفصيلة تعبر بها الكنيسة، منذ يومها الأول وحتى محطات الإصلاح، والانفتاح، والتحول الفكري والإداري، ورؤية القداسة في بناء الإنسان والوعي الروحي.. وصار بتاريخه أرخن بالكنيسة.
لقد أصبح الكاتب، عبر تجربته المتصلة، أحد أبرز من حفظوا أرشيف الكنيسة الحديث، وواحدًا من الأصوات القليلة القادرة على الربط بين مسارات الوطن والكنيسة في آن واحد. وهذا الكتاب هو خلاصة هذه الرحلة التي امتدت لعقود، ليقدم للقارئ سجلًا توثيقيًا محكمًا، ويضع بين يديه مرجعًا أساسيًا لفهم ما عاشته مصر والكنيسة في واحدة من أدق مراحل تاريخها في حبرية قداسة البابا تواضروس الثاني.