برئاسة وحضور صاحب النيافة الأنبا مارتيروس، أسقف شرق السكة الحديد وتوابعها ورئيس مركز “بي لمباس”، استضاف المركز المهندس المعماري رضا زكي إبراهيم مهندس بالمعاش وباحث دكتوراة في موضوع من تقديمه بمعهد الدراسات القبطية بالقاهرة،والذي ألقى المحاضرة الشهرية لشهر مايو 2023 بمركز “بي لمباس” تحت عنوان “وصف مكان المؤمنين في البازيليكات المبكرة”مفهوم كنائس القرون الأولى”.
بحضور العديد من الباحثين والدكاترة والمهتمين بالتراث والفنون والآثار القبطية والعديد من الآباء الكهنة والخدام.
بدأ اللقاء بصلاة افتتاحية قادها نيافة الأنبا مارتيروس، ثم رحب نيافته بالحضور الكريم ، وقام المهندس أشرف موريس منسق اللقاءات بالمركز بالتنويه عن المحاضرة، وتقديم المهندس رضا زكي إبراهيم، والذي قال في بداية كلمته:
مكان المؤمنين بالكنائس في أصله المعماري وفىدي مفهومه التاريخي «مكان الجمهور في المبانى العامة اليونانية والرومانية»، لأن مبنى البازيليكا الرومانية أطلق عليه كنيسة، المبنى المختار لاستخدام المسيحيين في عبادتهم في الإمبراطورية الرومانية؛ فكان مبنى يجري فيه العدل وتنفيذ القوانين المدنية، وهذا التعريف من تاريخ العمارة، والإستخدام ثابت فب القرون الأولى بدءًا من السماح حتى الاعتراف بالمسيحية.
وأضاف المهندس رضا زكي كانت المساحة الكبرى في المبنى العام للجمهور، وأصبحت مكان وقوف المؤمنين في الكنائس البازيليكية.
كما كان الوضع في الكنائس التي كان يملكها مجموعة منهم فيما قبل مرسوم ميلانو، وكانوا يفصلون مكان وقوفهم حول مائدة الإفخارستيا عن الوثنيين حتى من أقاربهم اللذين كانوا يبحثون عنهم فلايسمحون لهم بالوصول إلى هذه المساحة، مما نتج عنه بعد صدور المرسوم في 313م من ملامح وردت في كنائس تفصل المعمدين عن الوثنيين ففصلوا بين المساحة الكبرى، والجناحين المضافين تاريخياً لجسم البازيليكا الأصلي.
ذات المساحة للمؤمنين لها وصف بعد انتشار المسيحية، فتم فيه التغاضي عن فرق المنسوب المذكور في الأرضية، لكن تم فيه الاحتفاظ بفارق المنسوب في السقف، ويُعتبر هذا الوصف ما نعاينه اليوم في كنائسنا وكنائس شعوب عديدة، ومما لاشك فيه أن الكلمات التي وصفت مساحة المؤمنين في وصف الكنيسة في الدسقولية فهي محل بحث حاليًا.
وقد قمت بإنجاز بحث بعنوان “البيما وأصول معانيها” في 2010 مؤيد للتغيير الحادث في الملامح، وكان مؤيد لغوياً من المرحوم الدكتور موريس تاوضروس، وتناقشت فية مع أ.د.د.د رشدى واصف بهنام في نقطة تحققت ليتورجياً ووضحت على الواقع الأثري في بعض أمثلة بازيليكات مسيحية مبكرة في الغرب المسيحى وهى نقطة خروج الموعوظين أثناء الصلاة قبل بداية قداس المؤمنين، بالإضافة إلى تأييد من الواقع الأثري في بعض أمثلة لكنائس تعبر عن مرحلة دامت عدة سنين بعد المرسوم، لأنها توصف بتصرف المسيحيين الأوائل، ظهرت فؤ آثار مسيحية.
(مثال في آسيا الصغرى ملامح أساسية في كنيسة ألادجا، ومثال آخرا لكنيسة الكبرى في مقاطعة كارامان جنوب تركيا)؛ فالمثالان أرشدوا الباحث للملامح التي كانت وتطورت
واكد المهندس رضا زكى على أن معاني البيما المتعددة ارتبطت بهذه المساحة وفراغها “مساحة المؤمنين” سواء لاعتبارات إنشائية أو اعتبارات فنية، لكن كان لها فى الأساس إعتبار ليتورجي (فصل الوثنيين عن المؤمنين الواقفين بجوار المائدة)، ومسمياتها اتصفت بالابتهاج والفرح والسعادة، فالإشارة إلى المكان ومن يقف عليه بالبيما أصبح لغوياً صحيحاً؛ فكانوا مبتهجين ومرنمين فأصبح المرنمون يسميهم المجتمع “البيما”.
وتعني كورس المرنمين بالفرح والسعادة والإبتهاج، كما أصبح الأثريون يشيرون إلى تطور هذه المساحة وتقلصها إلى الشرق في الكنائس بكلمة “الخورس”.
ويشير المهندس رضا زكي، إلى أن التسمية بكلمة خورس تنطبق على العرض للرواق الأوسط، وليس كل عرض الكنيسة شاملاً الحجرتين الجانبيتين؛ لأن هذا العرض لمساحة تطورت فتقدمت إلى الشرق لسبب وظيفي ومنطقي أيضاً وهو أن جميع الداخلين مسيحيون معمدون وليس فيهم من هو وثني أو موعوظ.
فهذه المساحة كان قديماً يقف عليها المؤمنين، وقد رسم المسيحيون في فراغها وجوه الشهداء والقديسين مابين وأعلى باكيات الأعمدة، وعلى حوائط المبنى رسومات جدارية تعبر عن تعاليم وأقوال السيد المسيح، وأحداث من الكتاب المقدس بكل الطرق الفنية آنذاك في زمان الإمبراطورية الرومانية؛ ففراغها بتكويناته الفنية من رسوم جدارية، وموزاييك، وأسقف سواء جمالون أو باكيات مزخرفة كما في الغرب، أو قباب وقبوات كما في الشرق، وعُرفت بأسماء متعددة أهمها “مكان المنيرين”، “المبتهجين” لذلك ظهر في النص اللاتينى في وصف الكنيسة المترجم عن نص باللغة العربية بيد صاحب اللغة كلمة “Photisterium” ، والكلمة عن اليونانية “φωτιστήριον” ارتبط المعنى برسم الرسل والقديسين والشهداء في هذا الفراغ بأنهم مستحقي السماء، والأحياء منهم يرجون استحقاقهم على مثال من رسموهم ووضعوا صورهم فى هذا الفراغ، وبعد انتهاء مرحلة البيما منطقياً.
انتقلت الفنون إلى حوائط الأجنحة، فمنسوب الأجنحة مع منسوب مساحة المؤمنين واحد. عرفت الكلمة أيضاً أن لها معاني متعددة بسبب أنه كانت عناصر معمارية عليها ثبتت في كنائس أنطاكية وكنيسة كليمنت في روما كمثال وليس حصر؛ فلأن المساحة المرتفعة طولية من الغرب إلى الشرق (في كنائس الغرب المسيحى توجه البناء بدون جناح غربى) فكانت الإشارة إلى البيما تعني كل من عليها وكل ماعليها، ، وشرقاً الثرونوس، وكرسي الوعظ(الإنبل)، وأماكن القراءة، والمذبح أيضاً إرتبط بالكلمة لأنه مقام على البيما.
وعن استخدام الأقباط كلمة البيما أوضح المهندس رضا زكي أنه من الثابت أنهم استخدموا معناها الأصلي “منصة الحكم” التي كان يجلس عليها القاضي أو الحاكم، كما ظهر في مخطوط سيرة أبانوب النهيسي الذي كتبه القديس يوليوس الأقفهصي.
أما الواقع الأثري في مصر، فعمارته المبكرة عمارة أنماطها عديدة يصعب فيها تحديد الإستخدام الوظيفى لكن حتى تأريخ بازيليكا الأشمونين في ملوى المتوقع استخدام البيما في مصر وربما أبعد زمنياً، والموقف تحت الدراسة والفحص من الأقباط أنفسهم الآن.
ثابت ترجمة مصادر الأقباط من القبطية إلى العربية، ونسخ أجيال من الرهبان ووصف الكنيسة في الدسقولية، كما ورد عن مكان المؤمنين الصور الآتية بحروف اللغة العربية لأنه لايوجد في اللغة ما يقابلها.
وتعبر هاتان الكلمتان في النصين لابن كبر وفي نشر المتنيح مرقس داوود عن التسمية المعلومة في الشرق:”…ويكون في بحري الوندسترين موضع للمعمودية للموعوظين…”، وفي نص المتنيح القمص مرقس داوود: “…كذا سترين إلى الشرق…”.
أما في نص المتنيح القمص صليب سوريال ورد “…مجلس إلى الشرق…”، ما يعبر عن تأخير في ترجمة النص من استخدام كلمة “مجلس” لأن كلمة “كاثيستيريون” يشار إليها في اليونانية الحديثة بمعنى كرسى منفرد، بينما البحث اللغوى أوضح أن كلمة “Cathist” في اللاتينية تعنى “القطيع” أو “السرب”، والمعنى العام في تاريخ العمارة: “موضع الجماهير” – “موضع الحشد”.
إذن احتفظ النساخ الأقباط بصوت الكلمة كما هي في زمن انتهى فيه استخدام اليونانية؛ لأنهم وضعوا الكلمة بحروف اللغة العربية.
والمعنى الذي اُسند الى صوت هذه الحروف باللغة العربية في مصر معنى آخر، حيث وُضع في هامش توضيحاً لها (مثنى ستر)؛ بينما الصوت للكلمة اليونانية Καθιστήριον”“ المعبرة عن كلمة “Cathisterium” اللاتينية ويعنى المقطع الرئيسى للكلمة “القطيع” أو “الحشد” كلمة مفرد لكن مضمون معناها الجمع، وبالبحث اتضح لي أن المصطلح اليوناني المعتمد عليه وعلى صوته في استخدام كلمة “Cathisterium”:
المصطلح يعني واحد تلو الآخر يحقق معنى السرب أو معنى القطيع.
وعن التداخل الصوتي المتوقع، أضاف المهندس رضا زكي وُجدت الكلمة في نص وصف الكنيسة الوارد في أهم المصادر القبطية باللغة العربية “تعاليم الرسل” وتعني استنتاجاً بعد طول بحث فى تطابق الصوت لمعنى “مكان القطيع” المؤكد في اللاتينية
«Cathisterium»وجدت الكلمة اليونانية “Καθιστήριον” بحروف باللغة العربية في نص الوصف بمصر، بينما تعنى الكلمة “مقعد” (مكان جلوس فرد واحد في اليونانية الحديثة)، لذلك يُحمِّلها الباحث معنى “مكان القطيع” في الوصف لكنيسة باللغة العربية كأهم نتيجة بالرجوع إلى معنى السرب أو القطيع في اليونانية بالرغم أن الإشارة لصوت الكلمة اليونانية حالياً تعنى «كرسي» واحد، فربما يبدوا التداخل الصوتى بين كلمة ” Cathedra” وكلمة “Cathist” ، فكلاهما معناه كرسي أحدهما كرسى أسقف، والثاني كرسي واحد من القطيع لأنه وضعت كراسي في المساحة المحددة للمنيرين، كتطور منطقي، فأصبحت الإشارة إلى “مكان القطيع” والكراسي التي فيه متداخلة، ثم تدريجياً بعد ذلك أصبحت الإشارة للكراسي فقط، بل اليونانية الحديثة تشير إلى الكلمة اليوم بمعنى «الكرسى» المفرد لا بمعنى القطيع، لكن لا يقع من حسبان الباحث المعماري والأثري إجراءات التجليس للأسقف، ولا يقع أيضاً أن كرسي الأسقف تقدم إلى الشعب للإحتفال بتجليسه، فتجليس الأسقف لم يعد في الثرونوس بل إقترب من كراسى الرعية التي هي في مساحة الكاثيستيريوم أيضاً.
ولخص المهندس رضا زكي في نهاية كلمته عن الكلمة اليونانية واللاتينية بان الكلمة اليونانية واللاتينية صوتهما مطابق للصوت الوارد في النص المترجم بمصر عن اليونانية ووضع الأقباط للصوت حروف باللغة العربية، وتكرار النسخ سبب ضياع حرف أو حروف منها
معمارياً ولغوياً هذه المساحة يشار إليها بكلمة Navis الإنجليزية،
وتعنؤ باللاتينية «مركب» أو «سفينة»، ومنها كلمة «Nave» تترجم في اللغة العربية إلى «صالة» أو «صحن»، ودائماً تستخدم رمزية السفينة أو المركب في الكنائس بالرجوع إلى ملامح أصلية تاريخية يتدخل في شرحها المنسوب للأرضية أيضاً
لذلك أطلق عليها المهندس رضا زكي “مكان القطيع” في الوصف لكنيسة باللغة العربية كأهم نتيجة بالرجوع إلى معنى السرب أو القطيع في اليونانية بالرغم أن الإشارة لصوت الكلمة اليونانية حالياً تعنى «كرسي»
بمراجعة صوت الكلمة اليونانية مع كلمة في النص بحروف باللغة العربية في وصف الكنيسة؛ تبين أنها كلمة تعبر عن المعنى المقصود باللاتينية لكن حروفها باللغة العربية تثبت أنها كُتبت عن نطق وصوت اليونانية.
النتيجة الموثوق فيها «…كذا سترين إلى الشرق…» في باب35 تعنى «مكان القطيع» Cathisterium باللاتينية، والحروف العربية قُصد بها الكلمة اليونانية «καθιστήριον» ذات صوت الكلمة اللاتينية لكن تستخدم حديثاً بمعنى «كرسي»، ورمزية السفينة تأصلت في الكنيسة مرجوعها كلمة «Navis» التي تعنى «سفينة».
وحدد المهندس رضا زكى ثلاثة نصوص لوصف الكنيسة عن معنى مكان المؤمنيني وهى
كذا سترين إلى الشرق…» فى نص المتنيح مرقس داوود نقلاً قُصد بكتابتها ”
“Καθιστήριليونانية إلى الشرق اى
كذا سترين إلى الشرق…» في نص المتنيح مرقس داوود نقلاً قُصد بكتابتها … »
أي تتجه إلى الشرق، أو القطيع يتجه بوجهه إلى الشرق، أو بلغة حديثة بكراسى تتجه إلى الشرق، لذلك وجدت في نص نشر المتنيح صليب سوريال «مجلس إلى الشرق» لكن الأصل معنى القطيع والسرب لأنهما الحقيقتان اللتان نعاينهما على الأرض وفى السماء والسيد قصد التعبير عن التلاميذ كالقطيع
أما فى نص بن كبر (التجميع الأقدم لنصوص مخطوطات أقدم)، ربما
النقل عن كلمة “φωτ-ιστήριον”
لأنها كُتبت «… وندسترين»، فوجود حرف الواو ربما دليل على نطق الأصل؛
وعموماً فى اليونانية أواللاتينية معناهما فراغ واحد فقط ألا وهو
فراغ المبتهجين – المؤمنين – المعمدين – المنيرين – الفرحين – السعداء – مستحقى السماء، وقد دعا السيد المسيح أناس تلاميذ، ثم أرسلهم ليدعوا بهم أناس أخرين على إسمه، لذا المؤمنون كانوا بالفعل مدعوون كما كان قبلاً فى الدولة اليونانية؛ مدعوون لإجتماع للتشريع أو لحل مشكلة إجتماعية، وإستمرت هذه الدعوة في الدولة الرومانية، وهذا الشرح يوضح أساس مفهوم كلمة “إكليسيا” باللغة اليونانية البيما.
واختتم اللقاء بمداخلة هامة من نيافة الانبا مارتيروس عن المؤمنين في البازيليكات المبكرة كما تم الاستماع لبعض المداخلات الهامة من الباحثين والسادة الحضور، وأجاب المهندس رضا زكي على العديد من الأسئلة والتعليقات والاستفسارات والمداخلات من الحضور، في جو من الاهتمام والود، ثم قدم نيافة الأنبا مارتيروس الشكر للحضور الكريم وللمهندس رضا زكي.