
في إحدى قاعات المحكمة الفيدرالية بمدينة الإسكندرية بولاية فرجينيا، مثل بول مانافورت الرئيس السابق للحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الثلاثاء الماضي، أمام القاضي، حيث اتهمه ممثلو الادعاء بأنه بنى ثروته الشخصية بالكذب على السلطات الضريبية والبنوك على مدار سنوات.
المحاكمة هي الأولى التي أسفرت عنها التحقيقات التي أجراها المحقق الخاص روبرت مولر، في التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأمريكية. وأشارت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، إلى أن مانافورت يواجه 18 اتهاما بالتزوير المالي، حيث يقول ممثلو الادعاء إنه تهرب من دفع ضرائب على ملايين الدولارات التي حصل عليها من خلال عمله كمحلل استراتيجي لحزب سياسي في أوكرانيا، كما كذب على البنوك للحصول على قروض عندما توقف عن الحصول على أموال من أوكرانيا.
وعلى الرغم من أن القضية قد انبثقت عن تحقيق مولر، إلا أن المحاكمة لن تتعمق في القضايا المحيطة بالتدخل الروسي في انتخابات عام 2016، وأنما ستدور حول الذمة المالية لمانافورت. ويبدو أن هذه المحاكمة أثارت غضب ترامب، أو ربما خوفه، حيث شن هجومًا على مولر وتحقيقه الأربعاء الماضي، في سلسلة من التغريدات. حيث قال إن "هذا وضع مزر، وعلى وزير العدل، جيف سيشنز، أن يوقف هذه الحملة المبنية على التزوير فورا، قبل أن تتمادى في تلويث بلادنا"، واصفًا مولر بـ"المتضارب".
وأضاف "عمل بول مانافورت لحساب رونالد ريجان وبوب دول وكثير من الزعماء السياسيين البارزين، وعمل لحسابي لفترة قليلة، لماذا لم تخبرني الحكومة أنه محل تحقيق، تلك الاتهامات القديمة لا علاقة لها بمسألة التواطؤ، إنها خدعة".
وعلى الرغم من تأكيد المدافعين عن ترامب بأن محاكمة مانافورت لا علاقة لها بالرئيس الأمريكي، تتسائل "واشنطن بوست"، لماذا كان ترامب مستاءًا للغاية، وبدا راغبًا في إنهاء تحقيق مولر؟ ترى الصحيفة الأمريكية، أن هناك عدد كبير من الأسباب التي من شأنها أن تجعل ترامب راغبًا في وقف محاكمة مانافورت، ومن ضمنها احتمالية إدانة الرئيس السابق لحملته الانتخابية، والتي من الممكن أن تلقي به في السجن مدى الحياة. حيث سيضعف ذلك جهود ترامب الرامية إلى إقناع الأمريكيين بأن التحقيق في التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، مجرد "خدعة".
وأضافت أنه هذه المحاكمة ليست الأمر الوحيد الذي يتعين على مانافورت أن يقلق بشأنه، فهناك قضية منفصلة في واشنطن بخصوص تهربه من التسجيل كوكيل أجنبي، وإدعاءات التلاعب في الشهود، المقرر النظر فيها في سبتمبر المقبل، حيث من المتوقع أن تزداد دوافع مانافورت للتعاون مع مولر، في حالة إدانته في أي من هاتين القضيتين.
وأشارت "واشنطن بوست" إلى أن هذه المحاكمة ترتبط بترامب بطرق أخرى.
حيث نقلت الصحيفة عن المدعي الفيدرالي الأمريكي أوزو أسوني، قوله إنه مانافورت جمع أكثر من 60 مليون دولار بين عامي 2010 و2014 من خلال عمله في أوكرانيا، حيث كان الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، وهو حليف للكرملين، بمثابة "أوزة ذهبية لمانافورت".
وأضاف أوسني أنه عندما اضطر يانوكوفيتش إلى الفرار من أوكرانيا إلى روسيا في عام 2014، أُغلقت "حنفية الأموال" أمام مانافورت، وهو ما دفعه لجمع الأموال عن طريق الحصول على قروض من البنوك من خلال الكذب. وبعدها عمل مانافورت في حملة ترامب "دون مقابل"، وعمل على تغيير برنامج اللجنة الوطنية الجمهورية، لصالح روسيا، مثل وقف تسليح أوكرانيا، كما تعاون مع أوليج ديليباسكا، وهو رجل أعمال روسي مرتبط بالكرملين.
وهو ما يؤكد أن المحاكمة في جوهرها، ما هي إلا بداية النظر في الاتصالات المتعددة لحملة ترامب مع روسيا. حيث يقول ماكس بيرجمان الباحث في "مشروع موسكو"، وهي مبادرة خاصة للتحقيق في تورط ترامب في التواطؤ مع الروس، إن "مانافورت ما هو إلا انعكاس لترامب"، مضيفًا "إنه رجل أغرته ثروة رجال الأعمال الروس، وفضل الأموال على المبادئ، وانتهى به الأمر كأداة للمصالح الروسية".
وأشار إلى أن المحاكمة ما هي إلا نبذة عما سيحدث مستقبلًا، قائلًا إن "المحاكمة ستساعدنا على فهم سبب تآمر حملة ترامب مع روسيا، حيث ستوضح دوافع مانافورت، وتظهر أنه كان لديه علاقات عميقة مع روسيا، وكان مفلسًا، قبل الانضمام إلى حملة ترامب".
وتؤكد الصحيفة أن وجود شخص مثل مانافورت، ارتكب جرائم مالية وله علاقة مع الروس، على رأس حملة ترامب، سيقضي على نفي الرئيس الأمريكي القاطع حول وجود أي اتصالات أو علاقات مع روسيا. اقرأ المزيد: اتهام مساعد ترامب السابق مانافورت بدفع أموال لساسة أوروبيين باختصار، إن إثبات أن مانافورت الذي كان رئيسًا لحملة ترامب، كان له علاقات مع شخصيات مقربة من الكرملين، قد لا يثبت وجود تواطؤ بين الحملة والروس أثناء الانتخابات، ولكنه بالتأكيد يعزز من مصداقية المحققين، ويُكذّب نفي ترامب وحملته حول عدم وجود أي اتصالات مع روسيا.
ومن المؤكد أن عمل مانافورت في حملة ترامب دون مقابل على الرغم من تعثره ماديًا خلال تلك الفترة، يوضح جهود مانافورت "لتحويل" علاقاته مع الروس إلى أموال. ويرى بيرجمان أن "هذه المحاكمة سوف تسلط الضوء على العديد من الأسئلة المعلقة، ولكن لن تجيب عليها، مثل: كيف عمل مانافورت في الحملة؟ ولماذا قام بعمله دون مقابل؟ وماذا فعل ليتواطؤ مع روسيا خلال عمله في الحملة؟".