منذ اليوم الأول لاعتلاء البابا تواضروس، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، الكرسى البابوى، ساق الله أمامه مجموعة من «الاختبارات»، التى تمكن من النجاح فيها والعبور منها بسلام، واضعًا نصب عينيه مصلحة الوطن ووحدته وتماسكه الاجتماعى بين أبنائه فوق أى اعتبار.
وبعد أن اتخذ القرار التاريخى والأهم فى تاريخ الكنيسة كلها، المتمثل فى المشاركة بقوة وتأييد ومباركة ثورة «٣٠ يونيو»، تعرض الأقباط لحرق الكنائس والاستهداف على أساس الهوية وأحداث إرهابية أخرى، دفعت مواطنين للانتقال من منازلهم، فلم يتراجع ومضى فى طريق «استعادة الدولة».
أحداث جسام مر بها الأقباط فى ولايته، احتاجت رجلًا يملك من الحكمة والسياسة ما يُمكنه من مواجهتها وتفادى تبعاتها وآثارها، فنجح فى ذلك بجدارة، وقالها بكل شجاعة: «وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن»، تلك العبارة التى عمل بها فى كل خطواته، وأثبت من خلالها وطنيته الكبيرة.
«الدستور» التقته فى حوار تحدث فيه عن كل شىء: «حالته الصحية وآلام العمود الفقرى، الرهبنة وكيف يراها، أوضاع الكنيسة، رؤيته للأوضاع التى يعيشها الأقباط حاليًا»، وغيرها من الملفات التى يحملها «البطريرك».
■ بداية.. نريد الاطمئنان على صحة قداستك وتطورات آلام ظهرك التى تعاودك من حين لآخر؟
- آلام ظهرى تلازمنى منذ ٣٠ عامًا، وبين فترة وأخرى تظهر بشكل كبير ومؤلم، ونشكر الله على اختفائها بالعلاج والراحة.
■ تردد أنك ستجرى عملية جراحية فى بريطانيا.. ما صحة ذلك؟
- هذا الكلام عار تمامًا من الصحة، هذه شائعة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى.
■ هل تشعر بأن العالم أخذ منك روح الرهبنة بعد عودتك بطريركًا؟
- دخلت الدير منذ ٣١ عامًا، وأتذكر أنه كان يوم الأربعاء، واترهبنت بعد عامين من «الاختبار الرهبانى»، وبعدها خدمت ٤ سنوات ككاهن فى دمنهور، ثم تمت سيامتى أسقفًا عامًا، وخدمت سنوات عديدة فى «كينج مريوط».
الرهبنة لم تنسحب من وجدانى على الإطلاق، ومازلت أواظب على الذهاب إلى الدير بشكل مستمر، لأننى «مقدرش استغنى عن الدير والخلوة».
■ أترغب فى العودة من جديد إلى التعبد والنسك بعيدًا عن خدمة العالم؟
- الرهبنة علمتنى الطاعة، وأنه إذا ما تم تكليفى بخدمة أقول «حاضر»، فيقولون لى اذهب فى مكان ما أقول «حاضر»، اخدم الشباب أقول «حاضر»، سنرسمك أسقفًا أقول «كما تريدون»، رشحونى للبطريركية قلت لهم: «لن أعارض خطة الله ولن أهرب من المسئولية إطلاقًا».
■ كيف ترى الرهبنة فى العصر الحديث مع التطور التكنولوجى؟
- بلا شك التطور التكنولوجى أثر على الحياة الرهبانية، لأن الأديرة فى القرون الأولى والقديمة لم يكن فيها كل ما نشهده الآن، وأتذكر من ٤٠ عامًا حينما ذهبنا إلى دير «البراموس» أخذنا معنا «لمبة جاز»، ولما وصلنا للدير قدمناها لرئيس الدير وقتها فكان منبهرًا بهذه الهدية، وقال للرهبان: «أحلى هدية جاتلنا»، أما الآن فالحال تغيرت تمامًا.
■ صرحت عقب توليك البطريركية بأنك تريد ترتيب البيت من الدخل.. هل لا يزال البيت يحتاج إلى ترتيب؟
- نعم.. ما زال البيت فى حاجة إلى ترتيب، فالكنيسة القبطية لديها الآن ١٢٦ أسقفًا، وهناك إيبارشيات عديدة، وبالتالى نحتاج إلى ترتيبها وتنظيمها، وهو الأمر المطالبون به، وهو شىء إيجابى.
■ ما نوع هذا الترتيب؟
- ترتيب العمل الإدارى داخل الكنيسة.
■ حزن الأقباط من وجود بعض الدعوات التحريضية ضدهم.. كيف تنظر إلى هذا الأمر؟
- لابد من الاعتراف بأن هناك عناصر داخل مصر تتملكها مظاهر التعصب والجهل والكراهية، وكل هذه المظاهر مرضية، وأطالب دائمًا بتنفيذ القانون والدستور على جميع المصريين دون استثناء، وحينما يتم تطبيق القانون مع نشر الوعى، سيمكننا التخلص من هذه الأفعال الكريهة، و«كل واحد ياخد حقه».
■ هل لديك أمل فى تطبيق القانون على الجميع دون استثناء؟
- بكل تأكيد، وإلا لن تنهض مصر، لأن القانون إذا لم يطبق على الجميع سيكون هناك ظلم، والله لن يرضى بالظلم.
■ متى يغضب البابا؟
- هناك مواقف تجعلنى أغضب وتحتاج إلى غضب، لكن القائد يجب أن يحتفظ بهدوئه حتى لا يتخذ قرارًا خاطئًا.
■ وحينما تغضب كثيرًا ماذا يكون رد فعلك؟
- فى حالة الغضب لا بد أن يكون هناك «سيلف كنترول»، وإلا الموقف سيتأزم ونسير فى طريق مظلم، و«الدنيا ممكن تولع أو تغرق بينا»، كل كلمة أو إشارة محسوبة، وبالتالى أضع أمامى سلامة الوطن وسلامة الكنيسة وسلامة الأفراد، وهذه الثلاثية هى معايير التفكير لدىَّ، ودائمًا ألجأ إلى الهدوء والصلاة والخلوة حتى أتخذ القرار الحكيم.
■ كيف ترى توافد عدد كبير من الأقباط على السفارات الأجنبية طالبين الهجرة؟
- الهجرة قرار شخصى، وهناك تقديرات شخصية لكل من يريد أن يهاجر، لكن لدىَّ الثقة فى أن مستقبل مصر سيكون مشرقًا وأفضل مما سبق، وهناك مؤشرات تؤكد كلامى.
الذى يهاجر يعتقد أنه سيذهب إلى مكان سيريحه، لكن بالعكس، فهو يهاجر إلى المجهول، وإلى مكان قد يتعب فيه كثيرًا.
■ لكن الشباب لديهم طموحات؟
- الشاب المصرى إذا فكر إنه يشتغل بجد وإصرار فى بلده، سيحقق النجاح الذى يبتغيه، مستقبل الشباب فى مصر جيد إذا ما أعطى لنفسه فرصة للعمل، وأقول للشباب المصرى: أقيموا مشروعات صغيرة فتكبر مع الوقت، أفضل من الذهاب إلى دولة لا تعرف مصيرك فيها.
■ يتداول بعض الشباب مقولة «نار الخارج ولا جنة مصر».. ما رأيك؟
- عبارة مرفوضة، من يقول هذه الجملة لا يعى تمامًا ما النار وما الجنة.
■ كيف تتلقى رسائل التهديد باغتيالك وسماعك بأنك على قوائم الاغتيال؟
- أؤمن بأن الحياة فى يد الله، ولا أفكر فى شىء آخر.
■ هل تخشى الاغتيال؟
- لا.. ولن أخشى شيئًا، لأننى كما قلت: «حياتى فى يد الله».
■ بعد ترديد المتطرفين بأن الكنائس والأديرة بها أسلحة.. أصبحت هذه الكنائس محمية من قبل رجال الأمن بالأسلحة وهو الأمر غير المعتاد بالنسبة للأقباط.. ما رأيك؟
- الكنيسة مكان عبادة وصلوات، ولا وجود لأى أسلحة نهائيًا فيها كما يدعى البعض، وهذه الادعاءات والافتراءات الكل كشفها.
حماية الكنائس من الخارج من قبل الأمن أمر مقبول، وسيكون لفترة مؤقتة لصالح أمن الأقباط، والإجراءات الأمنية بصفة عامة شىء إيجابى من أجل حماية المصريين، وأعتقد أنها لن تطول كثيرا، وعلينا جميعا أن نتحمل حتى تزول مخططات «أهل الشر».
■ هل يسمح للكاهن بحمل السلاح للدفاع عن نفسه؟
- غير مسموح إطلاقا وهذا الأمر مرفوض تماما عندنا.
■ فى سيناء يقدم الجيش المصرى نموذجا رائعا فى التضحية من خلال شهدائه.. كيف ترى الصورة هناك؟
- جنودنا فى سيناء أبطال بمعنى الكلمة، خاصة أنهم قدموا دماءهم وحياتهم فى سبيل حياة مصر، وفى سبيل حمايتنا جميعا، هؤلاء الجنود يقدمون لنا كل يوم دروسا فى الوطنية والتضحية والإخلاص والتفانى، إنهم بحق أبطال.
■ لكن كثيرا ما نقلق على جنودنا هناك.. ما رأيك؟
- طبيعى أننا نخاف عليهم لأنهم أولادنا، لكن أؤكد أن أعمالهم البطولية ستظل فى ذاكرتنا، ونثق فى قدرة أبناء مصر على الحفاظ على حدودنا والأرض التى حررناها فى ١٩٧٣.
■ كيف ترى التعدى الإسرائيلى على المسجد الأقصى؟
- نرفض تماما ككنيسة التعدى على المسجد الأقصى من قبل قوات الأمن الإسرائيلية، وهو أمر غير مقبول سياسيا وإنسانيا، ونندهش من هذه التصرفات السياسية التى من شأنها بث التعصب والكراهية والحقد لأصحاب الديانات.
■ ما الحل لهذه الأفعال الإسرائيلية؟
- الكل يعلم أن إسرائيل تحاول استفزاز الفلسطينيين، وتريد السيطرة على كل الأمور الحياتية هناك، لذلك على الحكومات العربية والمجتمع الدولى وقف هذه التصرفات الاستفزازية، والتدخل من أجل حماية المسجد الأقصى والمدنيين الفلسطينيين.
■ هل تخشى على كنيسة القيامة والممتلكات القبطية من إسرائيل؟
- كنيسة القيامة فى حماية الله، ولا نخشى من إسرائيل.
■ هل عرضت إسرائيل بالفعل على الكنيسة المصرية شراء أملاكها فى «القدس»؟
- لا لم يحدث إطلاقا، لأن أملاك الكنيسة القبطية المصرية محدودة وعامرة بالخدمة هناك بوجود رهبان وراهبات وكهنة، فضلا عن المطران الأنبا أنطونيوس.
■ لكن هناك «مضايقات» تحدث بين فترة وأخرى؟
- هذه «مضايقات» طبيعية وقديمة وليست وليدة اليوم.
■ لماذا لا تصرح الكنيسة علنا بالسماح للأقباط بالسفر إلى «القدس»؟
- لن نصرح رسميا بذهاب الأقباط إلى «القدس»، والذهاب إلى الأراضى المقدسة يستوجب شروطا معينة.
■ وما هى؟
- مهمة عمل كهنوتية أو رهبانية من أجل خدمة رعايا الكنيسة المتواجدين فى «القدس»، ويمكننا أن نسمح لكبار السن والمرضى بالذهاب هناك للتبرك فقط.
■ لكن هناك من يسألك بقوله: «هل نترك حقوقنا المسلوبة منا فى القدس؟»
- يوجد قرار من «المجمع المقدس» منذ أيام البابا كيرلس السادس بمنع الأقباط من الذهاب إلى «القدس» بعد عدوان ١٩٦٧، واستمر هذا القرار أيام البابا شنودة، ومازال ساريا حتى الآن.
■ هناك من يشكك فى معجزة «النور المقدس» فى «سبت النور».. ما تعليقك؟
- لا طبعا. هذه معجزة حقيقية، ولا أحد يستطيع التشكيك فيها، واسألوا الذين ذهبوا ورأوا بأعينهم، و«اللى يشكك هو حر».
■ هل ستدعم الرئيس عبدالفتاح السيسى حال ترشحه للرئاسة؟
- الانتخابات الرئاسية لم تأت بعد، ولا نعرف متى ستعقد، ولا نعلم من سيترشح ضد الرئيس السيسى، وبالتالى قرار الدعم من عدمه غير موجود حاليا، وموقفنا سيتحدد فى وقته.
■ هل تتوقع وجود مرشحين أقوياء ضد الرئيس السيسى؟
- لابد أن يكون هناك مرشحون لهم ثقل سياسى، ولعلنا نتذكر فى الانتخابات الرئاسية السابقة كان هناك مرشحون أقوياء وقتها وفاز الرئيس السيسى بها، وفى النهاية دعنا لا نستبق الأحداث.
■ ما الذى اكتشفته فى شخصيته؟
- وجدت أمرين، الأول أنه يضع الله أمامه فى كل قرار، وفى كل موضع مسئولية، والمسئول الذى يضع الله أمام عينيه يصبح مسئولا ناجحا، أما الأمر الثانى فإن السيسى يعمل بجد وإصرار، ويفكر فى مستقبل بلادنا، وهو «مش بتاع كلام.. بتاع أفعال».
■ عدد الأقباط غير ثابت فى مصر.. هل لدى قداستك الرقم الصحيح؟
- عدد الأقباط تجاوز ١٥ مليون نسمة داخل مصر فقط.
■ هل لديكم إحصائية ثابتة وموثقة بذلك الرقم؟
- نعم لدينا إحصائية تقريبية من خلال تفقدنا رعايا الكنائس فى كل محافظات مصر، وأحب أن أقول إن هذا العدد فى تغير مستمر وكل يوم توجد وفيات ومواليد حديثة، وبالتالى فإن العدد متغير بين وقت وآخر.
■ ما سبب تأجيلك زيارة الولايات المتحدة الأمريكية؟
- جاءتنى دعوة من أسقف «ملبورن» لزيارة أستراليا فى مناسبة هامة، وهى مرور ٥٠ عاما على تأسيس الكنيسة المصرية هناك، إلى جانب دعوة من أسقف «سيدنى» لتدشين أول كنيسة قبطية مصرية فى اليابان، وهذا الأمر هام جدا للغاية ويعد حدثًا تاريخيًا، فضلًا عن تلقى دعوة لحضور مؤتمر كبير فى ألمانيا عن مسيحيى الشرق الأوسط، لذلك وجدت أن زيارة أمريكا أصبحت محصورة بين ٣ دول فأجلتها لشهرين أو أكثر.
■ كنت تحلم بزيارة روسيا.. هل ذلك لأنها دولة مسيحية أرثوذكسية؟
- ليس لهذا السبب بكل تأكيد، لكن لتأثرى بالأدب الروسى منذ صغرى، حيث كنت أقرأ قصصا أدبية روسية، وتحديدًا لعملاق الأدب الروسى «تولستوى»، وكنت أشاهد فى التليفزيون حضور رؤساء الاتحاد السوفييتى، وتأثرت بما تعلمناه وقرأناه عن «لايكا»، أول كلبة تذهب للفضاء، ورائد الفضاء «جاجارين».. كل هذه الأشياء جعلتنى متشوقا للذهاب إلى روسيا والتعرف عليها.
■ خلال زيارتك روسيا تقابلت مع الرئيس بوتين.. ماذا قال لك عن مصر؟
- لقائى به كان طيبا للغاية، لأن الرئيس بوتين من الشخصيات القوية والسياسية الرفيعة، وتحدث معى عن مصر بكل خير، وقال لى إنه يحبها كثيرا، ويدعو الروسيين إلى زيارتها باستمرار، وأكد لى أن مصر ستنجح فى القضاء على الإرهاب بقيادة الرئيس السيسى، الذى يكنّ له كل احترام وتقدير.
■ بين الكنيستين المصرية والكاثوليكية فى الفاتيكان حوارات لاهوتية وعقائدية على مدار ٣٣ عاما.. لكن لم يتم حتى الآن الاتفاق على شىء.. لماذا؟
- أتفق معك على أن الفترة طويلة جدا، وكانت هناك فجوة بين الكنيستين منذ سنوات عديدة مضت، لكن الحوار تجدد منذ ١٥ عاما فقط، وبعدها بدأ الحوار يتخذ طريقا آخر ويشتد وتم تفعيله بشكل دورى، وأعتقد أن هذه الحوارات والنقاشات ستنتج عنها عوامل مشتركة لأننا جادون فى هذا الأمر.
■ ملايين المسيحيين فى العالم يحلمون بوحدة الكنيسة.. هل تحلم معهم؟
- كلنا نرفع أيدينا فى صلواتنا ونقول: «لنصل إلى اتحاد الإيمان وإلى معرفة مجدك غير محسوس وغير محدود»، وبالتالى لابد أن يكون لدينا رجاء وأمل فى تحقيق الوحدة الكنسية.
■ تحاول التواصل مع الشباب عبر وسائل التواصل الاجتماعى مؤخرًا.. كيف تقيم تلك التجربة؟
- التواصل مع الشباب عبر وسائل التواصل الاجتماعى، خاصة «فيس بوك»، أمر إيجابى للغاية، وأحببته كثيرا، رغم أن تواصلى معهم بتلك «الطريقة الإلكترونية» لم أخطط له، وجاء عن طريق الصدفة.
■ وما تلك الصدفة؟
- لدىّ حساب شخصى على موقع «فيس بوك» منذ ٢٠٠٩، وانشغلت عنه بسبب مسئولياتى الكثيرة، وأهملته طوال السنوات الماضية، ومنذ شهرين بدأت أنشطه، وأحرص كل يوم على تصفحه، وكتابة ما أجده صالحا أو مفيدا، حسب ظروف اليوم.
وجدت ردود فعل جيدة للغاية، وتواصلت مع عدد من الشباب من خلال «فيس بوك»، لم أكن أعرفهم على الإطلاق، وسأستمر فى هذه الطريقة، لأنها جيدة للتواصل بينى وبين الشباب، والذين أحرص على الاستماع إلى مشاكلهم وأحلامهم.
■ يسأل الشباب كثيرا حول رأى المسيحية فى مشاهدة الأفلام السينمائية والمسلسلات والأغانى؟
- اختر الشىء الذى يبنيك ويفيدك ولا يتعارض فى نفس الوقت مع كلام ووصايا ربنا.
واسمع وشاهد ما لم يبرد علاقتك مع الله، لأن هناك ما يطرد محبة الله من القلب، كما أن «صاحب بالين كداب»، إما تحب ربنا وتتأثر بيه وتدمنه أو تتأثر بكلام الأفلام والأغانى التى يمكنها أن تنسيك علاقتك بالله وبوصاياه.
■ وماذا عن الأغانى الوطنية؟
- مفيش مشكلة خالص فى سماع الأغانى الوطنية، بالعكس، لأنها تبنى لدينا الإحساس بالانتماء للوطن، ويمكن أن نشاهد فيلما يعلمنا المحبة والتفانى والإخلاص وحب الخير ومساعدة الغير.
أنا شخصيا أسمع أغنية «يا حبيبتى يا مصر» للمطربة شادية، و«مصر هى أمى» لعفاف راضى و«تسلم الأيادى» الحماسية لجيشنا العظيم.
■ إذًا نبتعد عن مشاهدة الأفلام والأغانى سيئة المذاق التى تتعارض مع المسيحية؟
- هناك للأسف أفلام وأغان تولد العنف والكراهية والانتقام والخراب، وكل ذلك يتعارض مع المسيحية، وليست مفيدة على الإطلاق، بل ضارة فى بناء الشخصية.
■ تلقى المجلس الإكليريكى للأحوال الشخصية حالات لخيانات زوجية عبر «السوشيال ميديا».. هل ذلك يعتبر «زنا حكمى» يستوجب الطلاق؟
- وقوع الطلاق بسبب الخيانة الزوجية إذا ما تم إثباتها أمر منته تمامًا، وبالطبع فإن أى مؤشرات على خيانة الزوج أو الزوجة عن طريق وسائل الاتصال الحديثة نعتبره تحت بند «الخطية الكبرى».
من هنا أدعو الزوجين ألا ينخدعا بالكلام المعسول أو الإغراءات التى يستقبلونها من أشخاص غير أسوياء عن طريق مواقع التواصل الاجتماعى أو وسائل الاتصال الحديثة، وينبغى عليهما «مخافة الله».
■ ماذا تقول لكل زوجين متخاصمين؟
- أقول لهما: أنتما جسد واحد والروح القدس حل عليكما، وما جمعه الله لا يفرقه إنسان، اختار كل منكما الآخر بقرار مشترك، وحينما وقفتما أمام المذبح وتم الإكليل أصبح السيد المسيح فى وسطكما وبداخلكما ومسئول عنكما.
لذلك ابحثا عن «الخطية»، التى جعلتكما تبتعدان عن بعضكما البعض، أو الخطأ الذى سبب الخصام، وعالجاه بهدوء وحكمة دون عناد أو انتقام، لأن الله لا يحب المتخاصمين.
لا تجعلوا الشيطان يضحك عليكما فيجركما لطرق لا يوجد فيها السيد المسيح، وقدما التوبة واقرآ الإنجيل كل يوم، ودائما تذكرا وصايا ربنا لكما، وأنا متأكد أنكما سترجعان لبعضكما على طول.
■ هل شاهدت قداستكم مثل هذه الحالات؟
- نعم قصة رأيتها بنفسى.. أسرة غنية جاتلنا وقالت لنا ابعتونا لأسرة فقيرة جدا علشان نساعدها، الأسرة دى مكونة من راجل بسيط على باب الله، وزوجته و٣ أولاد، والبيت لا يوجد فيه أى شىء، إلا حصيرة وبطانيتان، وكل حياتهم على الأرض.
الأسرة الغنية راحت للبيت لقيت الزوجة قالولها عندك تلاجة ردت: «جوزى هايجبهالى»، وفضلت تقول الجملة دى على كل حاجة ناقصاها رغم أنها متأكدة إن جوزها مش قادر يجيب كل ده.
ولأن الزوجة تعلم وصية ربنا والمسيح فى داخلها فهى أصيلة وأمينة واحترمت جوزها فى غيابه رغم احتياجها الشديد، وبعدها هذا البيت أصبح فيه كل شىء.
ومن هنا الأمانة والإخلاص داخل البيت يجعلانه يقوى ويستمر، والله يرسل إليه الخير والبركة، أقول للزوجين فكرا فى حياتكما وأولادكما، وقبل كل ذلك فكرا فى السماء، لأنكما جسد واحد، ولابد أن تذهبا معا بروح واحدة.
■ بماذا تنصح الشباب؟
- أنصح الشباب بالتمسك بالمؤسسة الكنسية، وأن يعيش بالوصية ويفهم الكيان الأسرى ويحفظ نفسه داخل الأسرة، فنحن تسلمنا المبادئ العظيمة من أسرنا، والأسرة هى أساس المجتمع.
■ يوجد كهنة كبار فى السن وتمت سيامتهم منذ فترة ولم يحصلوا حتى الآن على رتبة «القمص».. هل ستتخذ قرارًا بشأنهم؟
- كل فترة نرقى مجموعة من الكهنة من رتبة «القس» إلى رتبة «القمص»، ونحن الآن نراجع بعض الأسماء المطروحة، وسنقدم لهم الرتبة المنتظرة لإسعادهم وإدخال الفرحة على قلوبهم.
■ هل هناك خلافات أو اختلاف فى وجهات النظر بينك وبعض أعضاء «المجمع المقدس»؟
- طبيعى أن يكون هناك اختلاف فى وجهات النظر، وهذا الاختلاف يكون داخل جلسات «المجمع المقدس» فقط.
■ وهل توجد خلافات؟
- لا توجد خلافات على الإطلاق، أستطيع القول إن هناك تنوعا فى الأفكار والرؤى، لكن لم يصل الأمر إلى الخلاف، ونشكر الله على أن المحبة سائدة بين جميع الأساقفة.
■ يقول كثير من الشباب إن «الايبارشيات ليست فى حاجة إلى أسقف بل راع أمين» وإن «الكنائس ليست فى حاجة إلى كهنة بل آباء أمناء».. كيف ترى ذلك؟
- هذه العبارة بها نوع من «التورية»، فبالطبع لابد أن يكون الأسقف راعيا صالحا، والكاهن لابد أن يكون أبا صالحا، لأن عمل الأسقف والكاهن فى الأساس هو الرعاية والأبوة، والكنيسة تنادى بهذا الأمر دائما.
■ ما الذى يبعد الناس عن الكنيسة؟
- الخطيئة وإغراء العالم وشهواته وضعف الإرادة، إلى جانب بعض الظروف الاقتصادية، ووجود عثرة داخل الكنيسة.
■ وكيف نسترد هؤلاء؟
- بترك كل ما ذكرته لك.
■ من يقوم بهذا الدور؟
- جميعنا، الأسرة لها دور، والأسقف له دور، والكاهن له دور.
■ قلت إن «الكذب أصبح الأكثر انتشارا الآن».. هل ذلك معناه أن نفقد الثقة فيما بيننا؟
- الكذب مأساة هذا الزمان، وعلماء الاجتماع قالوا منذ اختراع «الموبايل»، إن عصر الصدق والإنسانية انتهى، وصار العالم كله يعيش فى كذب وعدم صدق وإعلام موجه وافتراء واحتيال.
التجارب العلمية أظهرت امتلاك البشر موهبة خداع الآخرين، وأيضا قابلية البشر للخداع بسهولة على نحو واسع جدا، خاصة فى زمن مواقع التواصل الاجتماعى.
■ كيف نتعامل مع الإنسان الكاذب؟
- نتعامل معه بحرص وحكمة وانتباه، لكن الأهم أن نصلى من أجله، وندعو أن يعيش الإنسان صادقًا فى كل مجالات حياته، ولا يستسهل الكذب الذى يمكن أن يطيح به بعيدا عن الخاتمة الحسنة لحياته.
■ هناك شكاوى من شباب بوجود كهنة غير قادرين على حل المشاكل واحتواء المواقف.. ما تعليقك؟
- بدأنا ننظم دورات كثيرة لهم فى المشورة والتنمية البشرية، وهى دورات مكثفة للآباء بقيادة كهنة مميزين، وتتم دعوة جميع الآباء لحضورها، لتغيير الأفكار العجوزة واستبدالها بأفكار شبابية تلبى احتياجات الشباب.
■ هناك اهتمام ودعم لافت للنظر من قبل الكنيسة لمستشفى سرطان الأطفال.. لماذا؟
- نحن ككنيسة ندعم ونهتم بمستشفى سرطان الأطفال، لأننا رأينا إصرار المقيمين عليها وكل الأطباء فيها على مساعدة وعلاج الأطفال من هذا المرض اللعين.
كل العاملين فى هذه المؤسسة هم أبطال بلا شك، وسيباركهم الله على ما يفعلونه لملائكة صغار يتألمون من الأوجاع، ونتمنى من الشعب المصرى كله أن يقدم العون لهذه المؤسسة الكبيرة.
■ فى نهاية حديثنا.. ما رسالتك التى تحب أن تقدمها للشعب؟
- أفتخر بأنى بطريرك مصرى وأجلس على كرسى مارمرقس، وأفتخر أيضا بأنى أعيش على أرض النيل والحضارة ومهد الأديان، ونحن شعب لديه الخبرة وتعلمنا الهدوء والوسطية من نهر النيل، وتعلمنا الصبر والاحتمال، لأننا دولة زراعية.
لا أحد يستطيع أن يقف أمام الشعب المصرى الأصيل، الذى لن تهزمه حروب أو مواجهات أو إرهاب، فضلا عن افتخارنا وانتمائنا للجيش المصرى وبسالته منذ أيام الفراعنة.
وأثق تماما فى أن الأرض التى زارها السيد المسيح وباركتها العائلة المقدسة لن يحدث لها شىء مكروه، وسيحفظها الله وسيباركها على الدوام، وأنا لدى كلمة شهيرة أقول فيها: «كل البلاد فى يد الله ولكن مصر فى قلب الله».