على حدود بلد أنهكته الحرب وارتوت أرضه بدماء الشهداء، وقفا ينظران إلى مستقبل رسما ملامحه في خيالهما معًا، ليمون يافا مثمرُ وأشجار الزيتون مخضرة أغصانه، وأطفال يدوي صوت مرحهم، ونساء ضاحكات في الحقول يداعب شعاع الشمس وجوههن، لا مكان في خيالهم لملامح الحرب التي نالت من أهل غزة، يتكئ كل منهما على الآخر وكأنهما جسدين من نسل واحد، الأيسر يستمد قوته -رغم الأزمة- من طاقة الأيمن، يطمئن به وتسكن روحه المضطربة من عثرات الطريق قليلًا، وكأن المصري يهمس في أذن الفلسطيني «أنا هنا من أجلك».
الساعة الخامسة والنصف مساءً على معبر رفح
عقارب الساعة تشير إلى الخامسة والنصف مساءً في نهاية يوم مزدحم تفاصيله، ومع تسليم آخر«كرتونة» مساعدات متجهة في طريقها لأهل غزة عبر معبر رفح البري في الشحنة المخصصة لذلك اليوم، اختلس الصديقان الجديدان «وليد أحمد» المتطوع بالهلال الأحمر المصري فرع شمال سيناء، و«جهاد» المتطوع بالهلال الأحمر الفلسطيني، ثوان قليلة لتوثيق مشهد تجسدت فيه معنى العروبة وارتفعت فيه راية الإنسانية، عبر صورة شخصية تجمعهما، وضع الفلسطيني يده اليمنى على كتف الشاب المصري وابتسما في وجه الكاميرا ابتسامة تشي بما وراءها من إصرار على النصر.
«الصورة دي من 3 أيام، وقفنا نتصور أنا والأستاذ جهاد سيلفي واتفاجئنا بالصورة دي اتصورت لينا من ضهرنا»، يقول المتطوع المصري البالغ من العمر 22 عاما، في بداية حديثه لـ«الوطن» عن كواليس الصورة التي نشرتها الصفحة الرسمية للهلال الأحمر المصري وأشاد جمهور وسائل التواصل الاجتماعي بما تحمله من دلالات على وحدة الشعبين المصري والفلسطيني.
صورة صدفة
أواصر صداقة قوية باتت تجري في عروق الشابين المتطوعين، لا تقاس متانتها بالوقت وإنما بالشدة والمحنة، اجتمعا سويًا باسم الإنسانية على أمل أن يتجدد اللقاء في حال أفضل لشعب اكتفى حزنًا، نجح في توثيقها قائدهم الذي أدهشه المشهد العفوي دون ترتيب مسبق: «كانوا واقفين يتصوروا في نهاية اليوم حبيت أوثق اللحظة وصورتهم مكانوش واخدين بالهم»، يقول لطفي غيث، مدير غرفة العمليات المركزية بالهلال الأحمر المصري في حديثه لـ«الوطن» عن الصورة التي التقطها بنفسه وباتت رمزًا للاتحاد والقوة بين الشعبين المصري والفلسطيني.
بحسب قوانين وآليات التطوع بمؤسسة الهلال الأحمر عندما يلتقي متطوعوه في الأزمات والإغاثات الدولية تذوب معهم فوارق الجنسيات من أجل مهمة إنسانية اجتمعوا من أجلها،«مش أول مرة نشتغل مع الهلال الفلسطيني وكلنا بنكون أصدقاء في وقت الأزمات» ومن أجل ذلك حرص «غيث» على توثيق لحظات الوحدة المصرية والفلسطينية التي سيشهد التاريخ عليها.