حالة من الخوف والفزع سادت داخل محافظة الرقة شمال سوريا في الأيام القليلة الماضية؛ بسبب تداول تقارير عن قرب انهيار سد الفرات بسبب الاشتباكات المحيطة به، فبعد إعلان تنظيم داعش الإرهابي الذي يسيطر على المدينة عبر مكبرات صوت عن انهيار وشيك للسد، يحاول أهالي الرقة الهروب والنزوح من المنطقة، ما يطرح تساؤلات مهمة: ما حالة السد الحقيقية وهل ينهار قريبًا أم أن الأمر لا يتعدى شائعات يروجها تنظيم داعش لإخلاء المدينة من سكانها.
هل ينهار السد؟
رغم أن التأكيدات الأمريكية بأن ضربات التحالف الدولي الجوية لا تمثل خطورة على السد، إلا أن تقارير خرجت في الفترة الأخيرة من الأمم المتحدة تؤكد أن السد بات على وشك الانهيار، وحذر تقرير أممي من أن هذا سيتسبب في دمار هائل للمنطقة برمتها، مشيرا إلى أن السد يعاني من ضغط هائل مع ارتفاع منسوب المياه التي يختزنها وكادت تطغى عليه.
وبخلاف التقارير الدولية التي تؤكد خطورة وضع السد، لكن ما أثار الكثير من الجدل هو إعلان تنظيم داعش الإرهابي عن الانهيار الوشيك للسد في ذلك الوقت، ما قلل من مصداقية الخبر والحدث أكثر، فشكك الكثير في بدعوة التنظيم للمدنين للهروب محذرًا من قرب انهيار السد مؤكدين أن وراءه أهداف، فدائمًا ما كان يستخدم تنظيم داعش الإرهابي المدنيين في المناطق التي يسيطرون عليها، دروعا بشرية في المعارك التي يخوضها ضد التحالف الدولي أو الجيش السوري، لكن ناشط سوري معارض أكد لصحيفة ذا وول ستريت جورنال، أن داعش يستهدف من خلال هذه الدعوات نقل بعض قادته أو عائلاته من الرقة، ضمن حالة النزوح المدني التي تشهدها المدينة.
من يعمل على تخريب السد؟
أرجع أحد التقارير الأممية التي نشرت فبراير الماضي السبب في إمكانية الانهيار الوشيك إلى أعمال التخريب المتعمد من قبل داعش وغياب أعمال الصيانة الضرورية، بالإضافة إلى غارات التحالف الدولي والاشتباكات بالمنطقة المذكورة، وأشار إلى أنه في حال انهيار السد سيتسبب ذلك في غرق وفيضانات على ضفاف النهر الأكبر بسوريا، وسيخلف ضحايا كثر من المدنيين، مبينا أنه مع ارتفاع منسوب المياه في السد قد تغمر مياه الفرات، إن تدفقت، قطاعات ضخمة من الأراضي الزراعية على طول النهر، وقد يؤدي الى كارثة إنسانية كبيرة عند مصب النهر.
وأفاد تقرير للأمم المتحدة، أن منسوب مياه النهر ارتفع حوالي عشرة أمتار منذ 24 يناير لأسباب من بينها سقوط الأمطار الغزيرة والثلوج الكثيفة، بالإضافة إلى فتح تنظيم داعش ثلاث بوابات للسد، مما غمر المناطق الواقعة على ضفتي النهر باتجاه المصب بالمياه.
وأوضح التقرير الأممي أن عناصر داعش تعمدوا تدمير البنية الأساسية الحيوية، بما في ذلك ثلاث محطات للمياه وخمسة أبراج للمياه في الأسابيع الثلاثة الأولى من يناير، بعد تقهقر التنظيم بالمنطقة، وأضاف التقرير أن التنظيم زرع ألغاما في محطات ضخ المياه على نهر الفرات مما يعيق ضخ المياه، ويجعل السكان يلجأون إلى استعمال مياه غير معالجة من نهر الفرات.
ما الأضرار الناتجة عن انهيار السد؟
انهيار السد يضع حياة أكثر من 3 ملايين شخص في دائرة الخطر؛ حيث ستغرق مدينة الرقة بالكامل بارتفاع مياه تصل نحو 16 مترا، ومدينة دير الزور والبوكمال أيضا بارتفاع 4 أمتار، مع القضاء بالكامل على البنية التحتية لهذه المدن، ويشمل ذلك جميع محطات الكهرباء والمياه والمباني والطرق.
كما يهدد معظم مناطق جنوب شرق سوريا بالغرق، وسيقضي على الثروة الحيوانية والنباتية والبنية التحتية للأراضي التي تم استصلاحها للزراعة المروية في حوض الفرات، والقضاء على 80% من الثروة الإنتاجية النفطية السورية، وسيؤدي انهياره أيضا إلى طمس جميع المعالم الأثرية الواقعة بين مدينة الرقة والحدود العراقية التي يتجاوز عمر بعضها آلاف السنين قبل الميلاد، وأهمها حلبية وزلبية وتل الحريري والصالحية.
والسد يقع على نهر الفرات على بعد نحو 40 كيلومترا من معقل داعش في الرقة ويعد أكبر سد في سوريا، ويبلغ طوله أربعة ونصف كم وارتفاعه أكثر من 60 مترا وتشكلت خلف السد العظيم بحيرة كبيرة هي بحيرة الأسد ويبلغ طولها 800 كم ومتوسط عرضها 8 كم، ويقع سد الفرات بالقرب من مدينة الثورة النموذجية.
تمت المباشرة في بناء السد منذ عام 1968 على نهر الفرات واستمر نحو خمس سنوات تقريبا بجهود وتقنيات عالية، وتم إنجاز مشروع السد العظيم على مراحل، ارتفاع الأبنية الضخمة وجسم السد والمنشآت ومحطات التحويل والمحطة الكهرومائية لتوليد الطاقة الكهربائية وتحويل مجرى النهر والأقسام الثابتة من المولدات الكهربائية ومجموعات التوليد الكهرومائية.
يستفاد من السد في مشاريع زراعية كبيرة في المنطقة وبتوليد الكهرباء عبر محطات التوليد الكهرومائية، وكذلك الاستفادة من طول البحيرة لأكثر من ثمانين كيلو متر وأحياء المناطق المحيطة بالبحيرة، وتخزن بحيرة الأسد ما يزيد على 11,66 مليار متر مكعب من المياه، ويعتبر سد الفرات واحدا من أكبر السدود في في الوطن العربي.