تشهد كواليس الاستعدادات الأخيرة لانطلاق معركة سرت بين قوات حكومة الوفاق الليبية التي تريد استعادة المدينة الاستراتيجية من قوات اللواء خليفة حفتر، تحركات سياسية مكثفة لتجنب صدام عنيف، يهدد بتحول الصراع في ليبيا من حرب بالوكالة، إلى صراع مباشر بين الحلفاء الإقليميين للفرقاء في ليبيا.
وكشفت صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية أن اللواء خليفة حفتر التقى بمقره في الرجمة، أمس الأربعاء، وفدا عسكريا وسياسيا أمريكيا رفيع المستوى، وصفته مصادر مقربة من حفتر بوفد "الفرصة الأخيرة" للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وسط معلومات غير رسمية عن "مقترح أمريكي لإخلاء منطقة الهلال النفطي الحيوية من أي قوات عسكرية، وإشراف قوات أوروبية عليها برعاية الأمم المتحدة".
ونقلت الصحيفة عن مصادر ليبية مطلعة أن مفاوضات سرية تجري حالياً بين عدة أطراف إقليمية ودولية لإقناع حفتر، ومن وصفتهم بحلفائه الروس، بالتراجع عن سرت إلى مدينة أجدابيا، مقابل عدم إقدام قوات حكومة "الوفاق"، التي تدعمها تركيا، على شن هجوم تتحضر له منذ بضعة أسابيع للسيطرة على منطقتي سرت والجفرة.
ومما يعزز تلك التقارير، ما كشفته مصادر ليبية لوسائل إعلام عربية، من أن مسلحي شركة فاغنر الروسية انسحبوا الثلاثاء من سرت في اتجاه موانئ الهلال النفطي التي تقع شرقا، وتخضع لسيطرة قوات حفتر. وقالت مصادر عسكرية ليبية، إن مرتزقة فاغنر قاموا بتفكيك رادارات دفاع جوي من إحدى المناطق في سرت.
ووفق المصدر الليبي، فإن المسلحين الروس أعادوا انتشارهم في منطقة الجفرة، وسط ليبيا، والتي تضم قاعدة جوية نشرت فيها روسيا طائرات حربية دعما لحفتر. انسحاب فاغنر، إذا ما حدث، فربما يكون بسبب تفاهمات وتقسيم مصالح بين تركيا وروسيا على الأرض الليبية، كما أنه ربما يعني قرب اقتحام الوفاق لسرت، مثلما حصل في ضواحي طرابلس الجنوبية، حيث انهارت قوات حفتر بعد مغادرة الروس نحو وسط ليبيا.
يأتي ذلك، فيما اتهمت القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) عناصر شركة "فاغنر" الروسية بزرع الألغام في العاصمة الليبية، وقالت إنها "تملك أدلة واضحة على أن مجموعة (فاغنر)، العاملة للدولة الروسية والمدعومة من قبلها، زرعت ألغاماً أرضية، وعبوات ناسفة في طرابلس وحولها".
وأكدت "أفريكوم"» في بيان، أمس الثلاثاء، أن فاغنر "انتهكت الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة على الأسلحة، معرِّضة حياة الليبيين الأبرياء للخطر"، نشرت بعض الصور، التي قالت إنها "أدلة تم التحقق منها، تظهر وجود فخاخ متفجرة وحقول ألغام موضوعة بشكل عشوائي من ضواحي طرابلس إلى مدينة سرت، منذ منتصف يونيو... وقد أظهر التقييم أن هذه الأسلحة جُلبت إلى ليبيا من قبل مجموعة (فاغنر)".
وكان تقرير سري للأمم المتحدة أفاد بأن مجموعة «فاغنر» العسكرية الروسية الخاصة نشرت نحو 1200 فرد في ليبيا لتعزيز قوات حفتر، وجاء في التقرير المؤلف من 57 صفحة، والذي أعده مراقبو العقوبات المستقلون، وقُدّم للجنة العقوبات الخاصة بليبيا، التابعة لمجلس الأمن الدولي، أن "الشركة الروسية المتعاقدة نشرت قوات في مهام عسكرية متخصصة تشمل فرق قناصة".
ووسط تهديدات أمريكية معلنة لحفتر بمواجهة العزلة والتعرض لعقوبات أمريكية ودولية في حال استمرار موقفه الرافض لاستئناف إنتاج النفط مجددا، كشفت مصادر لصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية النقاب عن تهديد تركي جديد باستهداف مقر حفتر بالرجمة (شرق)، حال اندلاع مواجهة عسكرية مع قوات "الوفاق".
وقالت المصادر، التي طلبت عدم تعريفها، إن "طائرات حربية تركية أجرت مؤخراً سلسلة مناورات عسكرية قبالة السواحل الليبية، من بينها محاكاة استهداف مقر حفتر، بهدف توجيه ضربة استباقية، تستهدف مركز اتصالاته ببقية غرف العمليات العسكرية التابعة له". فيما أكد مسؤول عسكري بالجيش الوطني، رفض ذكر اسمه، أن "المخطط التركي استدعى تعزيز الحماية من أي ضربات جوية محتملة"، لكنه رفض الإفصاح عن المزيد من التفاصيل.
في المقابل، أكد اللواء أحمد المسماري، المتحدث باسم قوات حفتر، أن الساعات المقبلة ستشهد معركة كبرى في محيط سرت والجفرة. وأشار المسماري إلى وجود ما وصفها بـ"تحركات كبيرة لميليشيات الوفاق وتركيا" في محيط المنطقتين. ورأى المسماري أن المعركة القادمة "لن تكون ليبية فقط، وإنما ستدخل فيها أطراف عربية وأجنبية، لأن مخطط تركيا يهدد الأمن والسلم في المنطقة".
وفي الشأن ذاته، وصف مدير التوجيه المعنوي في الجيش الوطني الليبي، العميد خالد المحجوب، مصر بأنها "الشريك الحقيقي في الأمن بالنسبة لليبيا"، ولها تبعاً لذلك الحق في التدخل. وأوضح المحجوب، أن "الطبيعة الجغرافية لمنطقتي سرت والجفرة، تجعل الهجوم عليها يتطلب غطاءً جوياً، وهذا يجعلها عملية معقدة جداً بالنسبة للقوات التركية".
وتعيش ليبيا حالة من الفوضى منذ الإطاحة بالرئيس السابق معمر القذافي في 2011، وأصبح شرقها تحت سيطرة قوات حفتر، وغربها في أيدي حكومة الوفاق الوطني.
ولم ينجح الهجوم الذي شنته قوات حفتر للسيطرة على طرابلس في تحقيق الغرض منه، حيث تراجعت قوات الجنرال الليبي في الآونة الأخيرة، بعدما خسرت العديد من المناطق الحيوية، لعل أهمها قاعدة الوطية العسكرية، ومدينة ترهونة وبعض المناطق الأخرى.
NCzTSvVbpOYtaG
DJdLNuHw