
تواصل «الدستور» نشر نص التحقيقات فى القضية رقم 857 لسنة 2014 حصر أمن دولة عليا، المعروفة إعلاميا بـ«قضية أنصار بيت المقدس الثالثة»، التى ضمت 156 متهمًا أحيلوا إلى القضاء العسكرى.
وكشفت القضية عن تكوين المتهم الهارب هشام عشماوى، الملقب بـ«المقنع» خلية تحت مسمى «أنصار بيت المقدس الثالثة»، نفذت عددا من العمليات الإرهابية ضد قوات الجيش والشرطة فى عدد من المحافظات، وكانت تستعد لتنفيذ عشرات من العمليات الأخرى ضد منشآت وأماكن حيوية، وشخصيات مسئولة بالدولة. كان القضاء المدنى قد ضم قضيتى أنصار بيت المقدس 1، 2، وقدم المتهمين إلى المحاكمة، بينما تمت إحالة القضية الثالثة التى ننشر تفاصيلها للقضاء العسكرى للاختصاص.
ويواجه المتهمون فى القضية تهم ارتكاب جرائم الانضمام لجماعة إرهابية، والقتل العمد، والشروع فى القتل، واستهداف رجال الجيش والشرطة، وتخريب المنشآت العامة والخاصة، وحيازة أسلحة وذخائر، وحيازة متفجرات لاستخدامها فى تكدير الأمن العام وتهديد السلم الاجتماعى.
الأولى فى الصالحية على حدود الإسماعيلية.. والثانية بالشرقية
روى المتهم محمد سالم خليل، الذى يحمل الاسم الحركى «عمر»، عن بداية انضمامه إلى جماعة أنصار بيت المقدس، وقال إنه بدأ التزامه الدينى عام 2008، بحضور دروس دينية لشيخ سلفى يدعى الشيخ محمود حسن، بقرية أبوخليفة، بمنطقة القنطرة محافظة الإسماعيلية، وكان يشرح كتابى «الوجيز فى شرح السنة»، و«المنة.. شرح اعتقاد أهل السنة»، للداعية السلفى ياسر برهامى.
يحكى خليل أن تلك الدروس شجعته على اعتناق الفكر السلفى، ولكن والده غضب منه، وطلب منه حلق لحيته وارتداء ملابس عادية، مما اضطره للاستجابة إليه شكليا، لكنه تعرف على شخص يدعى سليمان عودة، كان يعمل فى مشتل بطريق الإسماعيلية- بورسعيد، وطلب منه الرجوع للمظهر الإسلامى، وسرد له من التراث ما يقنعه بأن أباه كافر، ولا تجوز طاعته، حسب قوله فى التحقيقات.
ويضيف خليل: «بعد الثورة السورية وفتح الجهاد المسلح فى 2012 طلب عودة منى الجهاد، لأنه أقرب طريق إلى الجنة، وقال لى إن الرئيس السورى بشار الأسد وجيشه من الشيعة ويعتدون على المسلمين، وأقنعنى بأن ما يحدث حرب على الإسلام، ويجب الانضمام للمسلمين فى سوريا للجهاد ضد بشار، وبدأ يطلعنى على فيديوهات عن عمليات ناجحة قام بها الإخوة فى سوريا، وبدأ يحببنى فى الجهاد، وذلك من خلال إعطائى دروسا فى منزله، وكان يحضر معى ثلاثة أشخاص، هم مبارك عواد، وسيد سالم، وأحمد أنور، وكانوا ملتزمين فى حضور الحلقات الدينية».
وتابع خليل: «عرفت بعد ذلك أن سيد سافر إلى سوريا عن طريق تركيا، وانضم لتنظيم داعش فى منتصف 2013، وكنت أتمنى أن أسافر لمعاونته، لكن الإخوة طلبوا منى الانتظار، وبعد فض رابعة، رجع سيد من سوريا علشان عايز يشتغل فى مصر فى العمليات ضد الجيش والشرطة، واتفق مع سليمان عودة على الجهاد فى مجموعات، وعرض علىّ عودة الانضمام لمجموعته، وقال لى إن الجهاد فى مصر فرض وأولى من الجهاد فى الخارج لنشر الخلافة».
وحسب اعترافات خليل، شكل عودة مجموعة من تسعة أفراد للقيام بعمليات ضد الجيش والشرطة، ويقول: «حصلت على خط تليفون للتواصل مع أعضاء المجموعة فقط، وكنا نتقابل فى أيام ومواعيد مختلفة، وطلب منى عبدالفتاح عياد، واسمه الحركى الخال، البحث عن منزل فى مكان هادئ يصلح كمقر، فاستأجرنا منزلًا بمنطقة الروضة فى القنطرة غرب، وكنت أتولى إمدادهم بالطعام، وبعد شهرين تركنا المنزل، للتأكد من عدم الرصد والانتقال لمرحلة أخرى بدأت بتحركنا إلى الصحراء الغربية، للانضمام إلى جماعة أنصار بيت المقدس، وتولى تدريبنا على استخدام السلاح وتجهيز المتفجرات شخص يدعى أبوعمر وعرفت فيما بعد أن اسمه الحقيقى هشام عشماوى».
ويكمل خليل: «تقابلنا فى مزرعة بقرية سامى سعيد فى منطقة الصالحية على حدود الإسماعيلية، وانضمت إلينا مجموعة أخرى قادمة من الصحراء الغربية، وبعد شهرين فوجئنا بهجوم من الشرطة قتل خلاله أحد الإخوة وأصيب الآخر برصاصة فى ذراعه اليمنى، وتمكنت من الهروب مع زملائى، وعرفت فيما بعد أن الشرطة قبضت على المجموعة وضبطت الأسلحة والمتفجرات الموجودة بالمزرعة».
ويواصل خليل: «بعدها استأجرنا مزرعة أخرى بمنطقة نادى الصيد بمحافظة الشرقية، بإيجار 4 آلاف فى السنة، وقلنا لأصحابها حنزرعها بالباذنجان، لكننا كنا نواصل فيها التدريب على السلاح، ويوميا، كنا نجد عنصرا جديدا ينضم إلينا، دون أن يخبرنا عن طريقة قدومه، حتى أتممنا البيعة لزعيم أنصار بيت المقدس، وكان قائد المجموعة يدفن صناديق السلاح داخل المزرعة».
إخفاء أسلحة فى مزارع على الطرق الصحراوية بعد «هجوم الفرافرة»
يكمل خليل اعترافاته قائلا: «تركنا المزرعة بعد علمنا أن الأمن رصدها، وبدأ فى مراقبتها، وتوجهنا إلى الصحراء الغربية. ضمت الرحلة بجانب مجموعة المزرعة، شخصين اسمهما أبوعبدالله، وزياد، حيث سارت السيارة فوق الطريق الدائرى، حتى وصلنا منطقة صحراوية، حيث التقينا بمجموعة ثانية بقيادة شخص يدعى (الخال)، وقضينا ليلتنا فى الجبل حتى الصباح».
فى الصباح، كما يحكى خليل فى التحقيقات، انضمت إليهم مجموعة من 4 أفراد، وشاركوهم رحلتهم إلى منطقة تسمى «جمادة» فى الصحراء الغربية، حيث التقوا شخصا يدعى حسن بحيرى، واسمه الحركى بن لادن، ومعه مجموعة من 90 شخصا، أعدوا لهم خياما مغطاة بالرمال، كنوع من التمويه، حتى لا تستطيع طائرات الجيش كشف مواقعهم.
طوال فترة المعسكر التدريبى، كانت المجموعة تتلقى محاضرات دينية، تركز على أهمية «تغيير المنكر، والجهاد ضد الجيش والشرطة لأنهم كفار ولا يطبقون الشريعة»، حسب قول خليل فى التحقيقات.
كان البرنامج اليومى للمجموعة خلال المعسكر التدريبى يبدأ بالتدريبات البدنية، والتى تولاها «أخ يدعى سيد»، حيث يأمرهم بالجرى لمسافات طويلة حتى العاشرة صباحا، ثم تبدأ تدريبات أخرى على فك وتركيب السلاح الآلى، وطرق التصويب نائما ومنبطحا أرضا ومرتكزا، وكيفية إعداد السواتر للحماية من النيران.
يحكى خليل: «استمررنا على ذلك عدة أيام، ثم بدأت تدريبات على التصويب، وكانت الأهداف عبارة عن جراكن، وبعدها تم تدريبنا على تصنيع القنابل والمفرقعات».
ويتابع خليل قائلا: إن هشام عشماوى كان قائد التنظيم والمسئول عن المعسكر بجبال جمادة بالصحراء الغربية، وكان ينوب عنه شخص اسمه الحركى حاتم، ثم شخص اسمه أكرم، ينادونه بـ«هندسة»، كان يتولى مسئولية التنظيم الداخلى للمعسكر وإعداد السيارات، وكانت مسئولية التدريب العسكرى ملقاة على عاتق شخص اسمه محمود، و«نور» مسئول لجنة الكيمياء، وكانت توجد مجموعة خاصة بصيانة السيارات وإصلاح أعطالها.
أهم التعليمات التى صدرت للمجموعة خلال المعسكر، من القيادى هشام عشماوى مباشرة، حسبما روى خليل فى التحقيقات، كانت عدم استخدام التليفونات، واختيار أسماء حركية، وألا يتحدث اثنان على انفراد، والالتزام بتعليمات مسئول المعسكر.
وتابع المتهم فى اعترفاته أن «الخال» كان يجيد السير فى دروب الصحراء عن طريق النجوم، ولديه خبرة بالدروب الصحراوية، وهو ما مكنه من إخراج المجموعة من معسكر الصحراء الغربية.
ويكشف خليل أنه بعد عملية كمين الفرافرة، غادر الكثيرون من أعضاء المعسكر إلى ليبيا، وبعضهم عاد إلى بيته، وآخرون اختبأوا فى مزارع على الطرق الصحراوية، بعد إخفاء ما معهم من أسلحة.
الأباتشى تقصف المعسكر.. وأبوعمر يخطط لشراء مضادات للطائرات
حكى خليل، خلال التحقيقات، أنه وأثناء تواجدهم فى معسكر الصحراء الغربية، خرجت مجموعة الإعاشة وغاب أعضاؤها يومين، ثم رجعوا بـ12 ألف دولار، وقالوا إنهم نهبوها من محل صرافة مملوك لرجل سويسرى، ووزعوا الحصيلة على الموجودين، بعد تخصيص 300 ألف جنيه منها لتوزيعها على أسر القتلى من أعضاء التنظيم.
وأضاف أنه أثناء تواجدهم فى أحد الجبال بمدينة العين السخنة، هاجمتهم الطائرات الحربية، فلم يتمكن من الفرار سوى 3 أشخاص اختبأوا فى أحد الكهوف، ولقى 7 مصرعهم. وبعد مغادرة الطائرات الحربية خرج المختبئون وساروا فى طريق الإسماعيلية فى الصحراء لمسافة 70 كيلومترا، كان معهم شخص من بدو المنطقة يعرف كل المدقات الجبلية.
هجمات الطائرات تكررت، حسب رواية خليل، طوال فترة مشاركته فى معسكرات التدريبات فى الصحراء الغربية، وكانت تضطرهم لتغيير المكان كل فترة، ويحكى أن قوات من حرس الحدود هجمت عليهم فى إحدى المرات فـتمكنا من الهرب، مضيفًا: «ثم اتصلنا بأبو عمر وقلنا له إننا لن نستمر فى الصحراء الغربية، لأن وجودنا أصبح فى خطر». كان رد أبوعمر، حسب رواية خليل، أنه قال لقائد المجموعة: «اتصرف وامشى من عندك بمعرفتك»، وكان من ضمن حديثه إليه خلال المكالمة نفسها: «أنا مش شامم ريحة دم، إنتوا مش بتشتغلوا ليه؟». ساعتها، كما يحكى خليل، قرر أكرم، أحد أفراد المجموعة الباقية، أن يتحركوا إلى أسيوط، فساروا فى دروب الصحراء الغربية فى 6 سيارات دفع رباعى، تتحرك القافلة ليلا، وتهدأ نهارا، حتى استقرت فى أسيوط لمدة 20 يوما. بعدها قال لهم أكرم إنه لابد من تنفيذ عملية كبيرة فى الصعيد خلال مدة أقصاها شهران، وسألهم: «مازهقتوش م القعدة؟»، فاتفقوا على النزول لرصد الأماكن الحيوية واختيار الأهداف، وإرسالها إلى عشماوى، حتى صدور تكليفات محددة.
يكمل خليل: أثناء تلك الفترة حدثت مشادة بينى وبين قائد المجموعة، وقلت له: «نحن فشلة، ونتسبب فى ضياع المجموعة التى معنا، وصلتنا 120 ألف دولار، ولم نشتر أسلحة مضادة للطائرات، فرد علىّ مؤكدا أن السلاح فى طريقه إليهم بمعرفة أبوعمر».
فى ذلك الوقت، كما يضيف خليل، صدر قرار من عشماوى بتنفيذ عملية كبيرة، وقسم المجموعة إلى 4 فرق، فى الإسماعيلية والجيزة والصعيد والشرقية، تتكون الواحدة من 17 جهاديا، لكن خلال تلك الفترة وصلت إلى خليل أنباء عن مقتل ابنه أثناء مداهمة قوات الأمن مكان اختبائه فى منطقة السلام، وهو ما جعله يعقد العزم على العودة إلى القاهرة، واللقاء بأسرته فى ميدان رمسيس، لكن قوات الشرطة ألقت القبض عليه قبل لقائهم، وصادرت هاتفه المحمول، وعليه جميع الأرقام التى توصله بأعضاء مجموعته.
قصة «المقنع»
الاسم بالكامل هشام على عشماوى مسعد إبراهيم، أما الأسماء الحركية فهى «شريف»، و«أبومهند»، و«العمر»- وفق أوراقه الموجودة فى قضية تنظيم أنصار بيت المقدس الكبرى- 34 عامًا، ومحل السكن البلوك رقم 9 عمارة 18 شارع على عشماوى بالمنطقة العاشرة فى حى مدينة نصر، والوظيفة ضابط سابق بالقوات المسلحة.
وهناك روايتان لخروج هشام عشماوى من الجيش، الأولى تبدأ قصتها من التفات الأجهزة المختصة بمتابعة عناصر القوات المسلحة إلى ضابط الصاعقة عندما وبخ قارئ القرآن فى أحد المساجد التى كان يصلى فيها، لأنه أخطأ فى التلاوة.
ثارت شبهات حول «هشام»، ووُضع تحت المتابعة من قبل المخابرات الحربية، فجرى التحقيق معه على خلفية واقعة توبيخ قارئ القرآن، ونقل على إثر ذلك إلى أعمال إدارية داخل الجيش.
ووفق هذه الرواية، فقد استمر فى نشر أفكاره المتشددة من خلال عقد لقاءات مع الضباط والجنود، وتوزيع كتب للفكر الجهادى سرًا، وأخذ فى ترديد عبارات مخالفة لتقاليد المؤسسة العسكرية مثل «التحية والسلام لله فقط»، و«الحكام فى أى بلد كفرة».
جرى تحذيره من ترديد هذه التعبيرات غير أنه لم ينصع، فحوكم عسكريًا عام 2007، قبل أن يُستبعد من الجيش عام 2011 بحكم من القضاء العسكرى.
بعد فصله من القوات المسلحة عمل فى الاستيراد والتصدير، وخلال هذه الفترة بدأ فى لقاء مجموعة من معتنقى «الفكر الجهادى» فى مسجد بحى المطرية، ثم انتقل نشاطه إلى مدينة نصر، حيث استغل مسجدًا بناه والده فى لقاء عدد من العناصر التكفيرية، فشكل «خلية إرهابية» تابعة لتنظيم أنصار بيت المقدس، وكانت مهمته مع عماد عبدالحميد الإشراف على لجنة التدريب العسكرى.
أما الرواية الثانية، التى تبنتها مصادر أمنية فتقول: إن «هشام» تعرض لأزمة نفسية بعد وفاة والده، حيث كان يعمل فى سيناء وقتها ولم يستطع العودة إلى القاهرة لرؤيته، فأصيب بـ«اكتئاب».
من هذه النقطة دخل «مساحة التشدد»، فتعرف على إسلاميين متشددين، حاولوا إقناعه بأن عمله فى سيناء حال بينه وبين رؤية أبيه، وأن إهماله كان السبب فى الوفاة، فكَرِه العمل، وبعد أن انكشف أمر علاقته بالمتشددين فُصل من الجيش، وذلك عام 2009.
بحسب هذه الرواية، فإن «هشام» شكّل «خلية إرهابية» تضم مجموعة من «التكفيريين»، بينهم 4 ضباط شرطة مفصولون من الخدمة.
فى «مساحة التواريخ» أيضًا كان لافتًا أن تتحدث كل التقارير المنشورة حول هشام عشماوى عن انضمامه إلى القوات الخاصة كفرد تأمين عام 1996، ووفق هذا التاريخ يكون قد انضم وعمره 15 عامًا، وهى سن غير معقولة.