2025 عام البركة.. الكنيسة القبطية تسير برؤية شاملة بين الجذور والامتداد
30.07.2025 16:35
اخبار الكنيسه في مصر Church news in Egypt
وطني
2025 عام البركة.. الكنيسة القبطية تسير برؤية شاملة بين الجذور والامتداد
Font Size
وطني

-الكنيسة تعزز الانتماء وتعيد وصل الأجيال بجذورهم الروحية
في الوطن الأم

-المجمع المقدس صوت الكنيسة ونبض وحدته ولا فردية في الإدارة فنحن جسد واحد رأسه المسيح نخدم بروح الشركة والمشورة

– لا فصل بين الحياة المادية والروحية والكنيسة تسعى
لتخفيف الأزمات لأنها تهدد السلام الأسرى
وعلاقة الإنسان بالله

– تطويع الذكاء الاصطناعي لخدمة الكنيسة
حتى لا يضيع أولادنا مع خادم بلا روح

استمعنا الأحد الماضي لصوت قداسة البابا تواضروس الثاني وهو يقرأ ملامح العالم بين الحرب والسلام ويفتح نوافذ الفكر على قضايا الإنسان واليوم نفتح مع قداسته صفحات جديدة.

 

يفتح قداسة البابا قلبه؛ ليقودنا في جولة فكرية وروحية تأملية وتحليلية حول الكنيسة القبطية في واقعها الحالي، الممتد بين الأرض الأم ومغتربيها.

يتحدث قداسته كأب يعيش الكنيسة في صميم خدمتها، شهد تحولات المجتمع المصري في عمقها ورافق جاليات المهجر في خطوات نموها وتحديات تكوينها في بيئات جديدة وثقافات ونظم اجتماعية متطورة، بل وأحيانًا معقدة.

س/ شهدت الكنيسة في حبرية قداستكم امتدادًا للكرازة وانتشارًا للآباء الكهنة والرهبان والأساقفة في كل دول العالم رسلاً للإيمان وسفراء للقيم والمحبة.. كما شهدت اهتمامًا بأقباط المهجر وحرصًا على ربطهم بالوطن الأم.. كيف قطعتم قداستكم هذه الخطوات على طريق الرعاية؟

ج/ عدد الأقباط خارج مصر حوالي مليونين منتشرين في كل بلاد العالم.. ورغم التوزيع الجغرافي الواسع لأبناء الكنيسة القبطية فلم تتخل الكنيسة يومًا عن مسئوليتها تجاههم، بل حرصت على أن تكون حاضرة في حياتهم كأم راعية وأب محب تخدمهم وترافقهم أينما وجدوا.. ورغم ما تحمله الهجرة من تحديات اجتماعية وثقافية، فقد شكلت أمام الكنيسة الطريق لتتجذر في قارات جديدة وتؤسس حضورًا روحيًا ومؤسسيًا فعالاً.

اليوم تنتشر الكنيسة القبطية في بلاد المهجر عبر أكثر من 35 إيبارشية تغطي مساحات شاسعة من الكرة الأرضية، وتمتد من مشارق الأرض إلى مغاربها ومن شمالها إلى جنوبها.. ويقوم على رعايتها 39 أبًا مطرانًا وأسقفًا، إلى جانب مئات الكهنة الذين يخدمون أبناء الكنيسة المهاجرين روحيًا ورعويًا واجتماعيًا.

لنا في أمريكا الشمالية وحدها 15 مطرانًا وأسقفًا، وفي أوروبا أيضًا 15 مطرانًا وأسقفًا، والباقي في أمريكا الجنوبية وأستراليا وكندا ودول أفريقيا وآسيا.. وجميعهم يعكفون على خدمة الأجيال الجديدة، والحفاظ على الهوية القبطية، والرب يعطيهم نعمة في
هذا.

لنا في بلاد المهجر 600 كنيسة، والآباء الأساقفة والكهنة يعملون بكل جهد للوصول إلى تجمعات الأقباط، وتشييد كنائس بالقرب من تجمعاتهم وفي المناطق التي يتزايد فيها الحضور القبطي.. وهذا الجهد لا يتوقف عند بناء الكنائس بل يمتد إلى خلاص كل نفس قبطية في أرض الله الواسعة، وبناء الجسور الروحية والوجدانية مع الوطن الأم، ومع تراث كنسي متجذر في التاريخ.

ونحن بقدر ما يعطينا الرب من وقت وجهد نقوم بزيارة إيبارشياتنا بالخارج، وألتقي بأبنائنا المهاجرين، وفي كل زياراتي أقيم قداسات، وأدشن كنائس، وأفتتح مشروعات، وأتابع الخدمة.. وأنا أفرح بارتباط أبنائنا في بلاد المهجر بالكنيسة الأم وجذورهم الروحية. وأشجع باستمرار على تنظيم رحلات إلى مصر لتقوية هذا الرابط العميق، ولإبقاء الذاكرة حية في وجدان أجيال تنشأ في
ثقافات مغايرة.

 

س/ بعد أن وصلت الكنيسة القبطية بطقوسها وروحانياتها إلى أولادها أينما كانوا في أرض الله الواسعة.. نرى اليوم الأديرة تلاحقها بكل ما تحمله من عبق التاريخ وروح التجديد.. ماذا عن الأديرة القبطية في بلاد المهجر؟

ج/ كنيستنا القبطية تفخر أن الأديرة التي تأسست على أرض مصر وصلت بتراثها ومعالمها إلى العديد من دول العالم، وأن الرهبنة انطلقت من هنا بكل ما تحمله من روح الصلاة والنقاوة والتجرد والصمت المملوء حياة إلى كل أبنائها أينما كانوا.. من هنا تنبع رغبة عميقة في قلب الكنيسة أن تمتد الحياة الرهبانية إلى كل بقعة من بقاع الأرض التي يخدم فيها أبناؤها، وأن تكون أديرتنا حاضرة في بلاد المهجر عامرة بالرهبان والراهبات، لأننا نؤمن أن الحياة الرهبانية هي الزاد الحقيقي للخدمة الكنسية في كل زمان ومكان.

وقد صار لنا اليوم 19 ديرًا للرهبان والراهبات خارج مصر.. لنا في
الولايات المتحدة الأمريكية وحدها أربعة أديرة، منها ديران في
كاليفورنيا، والثالث في تكساس، الدير الرابع للراهبات في أوهايو.. ولنا ثلاثة أديرة في أستراليا بهيشكوت، وسيدني، وملبورون.. ولنا ديران في النمسا..وفي إيطاليا لنا دير بميلادنو.. وفي كندا دير في ميسيساجا.. وفي ألمانيا دير كريفلباخ.. ودير في إنجلترا، وفي أيرلندا، وفي جورجيا.. كما لنا دير في جنوب أفريقيا، ودير في
السودان.. كما لنا ديران في القدس، وكلها أديرة عامرة بالرهبان والراهبات.

هذه الأديرة ليست مجرد مبان للرهبنة، بل منارات صلاة وعمل، يعيش فيها الرهبان والراهبات في حياة نسكية مكرسة بالكامل للرب.. وكلما زرت بلدًا من بلاد المهجر يكون في برنامجي قضاء يوم مع الآباء الرهبان أو الأمهات الراهبات في أديرتنا.. لقد عشت الرهبنة في بساطتها ونقاوتها ونذورها، وأتمنى لكل الرهبان والراهبات أن يعيشوا الرهبنة الحقيقية ويتمتعوا بمذاقها وحياة الفرح الحقيقي.. وآمل أن تعيش أديرتنا بالخارج عهدًا جديدًا يستمد أصوله من العتيق، ويجدد مفاهيمه لكي ما يلائم العصر الحديث دون المساس بجذور القرون والأزمان.

ومنذ أن اختارني الرب للمسئولية البابوية وأنا أقوم بإرسال رسالة رهبانية إلى كل الرهبان والراهبات في كل العالم في تذكار نياحة مؤسس الحياة الرهبانية الأنبا أنطونيوس أب جميع الرهبان والذي
يوافق 30 يناير من كل عام، أسوة بالرسائل البابوية لكنائسنا في المهجر في أعياد الميلاد والقيامة، وأحرص أن أسجلها بخطى الشخصى لتكون معبرة عن مشاعري الحقيقية تجاه كل راهب وراهبة، وليحفظهم إلهنا جواهر حية في كنيستنا مشمولين ببركات الفرح والمحبة والسلام، وتظل أديرتنا مضيئة بالصلوات.

وكما صار لنا أديرة في بلاد المهجر، صار لنا أيضًا كليات إكليريكية لإعداد كوادر قبطية أرثوذكسية قادرة على قيادة أبناء الكنيسة للحياة الأبدية من خلال تعاليم الكتاب المقدس والتقليد الكنسي، ومنهم يختار الرعاة.. ولنا ببلاد المهجر ٦ كليات إكليريكية، واحدة في سيدنى بأستراليا، وأخرى في استيفينج ببريطانيا، واثنتان في
أمريكا الأولى في جيرسى سيتي والثانية في لوس أنجلوس.. وتعد هذه الكليات من الدعائم الأساسية في بلاد الغرب للحفاظ على الإيمان الأرثوذكسي والحضارة القبطية.

س/ ليس ببعيد عن ذاكرة التاريخ أن القديس البابا كيرلس السادس كان أول من بدأ بخدمة المهجر عندما عهد لنيافة الأنبا صموئيل أسقف عام الخدمات في عام 1963 برعاية الأقباط في أمريكا الشمالية.. وكان ميلاد أول كنيسة قبطية في تورنتو عام 1964.. واليوم بعد أن اصطحبتنا قداستكم إلى خريطة العالم ورأينا الكنائس القبطية في كل بلاد الدنيا.. كيف تواصلون قداستكم رعايتكم لأبناء الكنيسة في بلاد المهجر؟

ج/ نحن لنا الآن كما قلت من قبل ٥٣ إيبارشية خارج مصر، ولنا ٩٣ أبًا مطرانًا وأسقفًا في بلاد المهجر.. وأنا ألتقي بهم جميعًا كل عام في لجنة المهجر بالمجمع المقدس التي تضم كل أساقفتنا بالخارج، وكان آخر لقاء بهم عند اجتماع المجمع المقدس في يونيو الماضي.. وخلال هذه اللقاءات أتابع الخدمات الكنسية الرعوية والاجتماعية لأبنائنا في كل إيبارشيات المهجر بعد أن صار لكنيستنا انتشار واسع في أمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية وكندا والمكسيك وإنجلترا وفرنسا وكل دول أوروبا، وحضور راسخ في
أفريقيا وآسيا.

ولدينا أيضًا لقاء نصف سنوي منتظم مع أساقفة إيبارشيات أمريكا عبر تقنية »زووم«، ونفكر حاليًا فى تنظيم »سيمينار« عام لأساقفة أمريكا في مصر العام المقبل، وإلى أن يكون هذا اللقاء فإن لنا لقاءات فردية مع بعض الآباء الأساقفة بالخارج كلما سنحت الفرصة لأحدهم للنزول إلى مصر بحسب احتياجات الخدمة.

ولي لقاء سنوي دوري مع كل أساقفة أوروبا يعقد كل عام في إحدى دول أوروبا، وفي زيارتي لوسط أوروبا في مايو الماضي عقدنا السيمينار في »رومانيا« وكان لقاءً مثمرًا.. المفترض أن لنا 15 أسقفًا في أوروبا لكن بنياحة الأنبا أثناسيوس مطران فرنسا، والأنبا ميشائيل أسقف ألمانيا ولمرض أحد الآباء، فقد كان الحضور قاصرًا على 12 أسقفًا.. ونشكر الرب أنه بعد عودتنا للقاهرة قمنا برسامة نيافة الأنبا ديسقوروس أسقفًا لألمانيا خلفًا للمتنيح الأنبا ميشائيل وصار للكنيسة في أوروبا 14 أسقفًا.

– هذا السيمينار كان له رمزية خاصة فهو أول »سيمينار« لأساقفة أوروبا يعقد في وسط أوروبا، ويأتي في وقت تشهد فيه الكنيسة نموًا ملحوظًا في بلاد المهجر.. وكان فرصة حقيقية لتبادل الخبرات والتجارب الرعوية والاستماع إلى تقارير شاملة قدمها كل أب عن إيبارشيته وما يواجهه من تحديات وما ينجزه من مشروعات وما يتمناه لأولاده في المستقبل.. وقد تنوعت الموضوعات التي نوقشت فقد تباحثنا فى كيفية توصيل التعليم الأرثوذكسي بلغة تناسب الجيل الثاني والثالث من أبناء المهجر الذين نشأوا في ثقافات مختلفة ويحتاجون إلى خطاب رعوي يجمع بين العمق والبساطة.. وبحثنا إشكالية اللغة والهوية وكيف يمكن للكنيسة أن تحفظ أبناءها دون أن تعزلهم عن مجتمعاتهم.. ودرسنا أوضاع الكنائس في أوروبا من حيث التشريعات والاندماج والتحديات القانونية والإدارية لا سيما في ظل تغيير القوانين وتنامي بعض الضغوط الثقافية التي تمس مفاهيم الأسرة والقيم المسيحية.

س/ من خلال لقاءات قداستكم بالآباء أساقفة المهجر وزيارتكم لعدد من إيبارشيات الكنيسة خارج مصر.. كيف ترون قداستكم أقباط المهجر.. وما تقييمكم للدور الذي تقوم به الكنيسة في حياة أبنائها المصريين حول العالم؟

ج/ في البداية أود أن أشير إلى أن تعبير »أقباط المهجر« رغم شيوعه فإنه قد لا يكون التعبير الأدق من الناحية الوجدانية، لأن الإنسان المصري حين يهاجر لا ينفصل عن وطنه بل يحمل معه جزءًا حيًا من مصر في قلبه ووجدانه، ولذلك فالكنيسة القبطية التي ذهبت إلى أبنائها في الخارج لم تكن مجرد امتداد جغرافي أو هيكل تنظيمي، بل كانت لهم ملاذًا روحيًا ومركزًا ثقافيًا وجسرًا نابضًا يربطهم بجذورهم المصرية الأصيلة ويربطهم بقلب الوطن الأم.

الذي أود أن أقوله هنا إنه وسط واقع معقد يفرضه الاغتراب، وتحديات الاندماج داخل مجتمعات وثقافات جديدة، لعبت الكنيسة القبطية دورًا محوريًا في الحفاظ على الهوية، ورفضت أن يذوب أولادها تمامًا في المجتمعات الغربية، بل سعت إلى تمكينهم من التفاعل الإيجابي مع أوطانهم الجديدة دون أن ينفصلوا عن مصر أو يفقدوا ملامحهم القبطية الأصيلة.. وهكذا تحولت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في بلاد العالم إلى نموذج حي لسفارة مصرية ناعمة، لا تتوقف عند حدود الجغرافيا أو السياسة، بل تحمل رسالة المحبة والإنسانية لكل إنسان، وتؤدى دورًا متكاملاً في حياة أبنائها حيثما وجدوا.. وإلى جانب كل هذا فقد عملت الكنيسة على تجسيد نفس الطقوس والأجواء الروحية التي اعتادها أبناؤها في مصر حفاظًا على التراث الليتورجى والهوية الروحية، وتعمل على أن يعيش أبناؤها في المهجر الكنيسة كامتداد حي لكنيستهم في الوطن.

الأهم أن الحضور القبطي في بلاد الغرب لا يتوقف عند جدران الكنائس بل يمتد إلى ميادين أوسع، فقد أنشأت الكنيسة مؤسسات تعليمية ومشروعات خدمية تعكس رسالتها الشاملة، ففي أستراليا وكندا تم تأسيس مراكز رعاية متقدمة تخدم الأسر والمسنين، كما تم إنشاء مدرسة تكنولوجية متخصصة في بوروندي، وتشرف الكنيسة كذلك على مشروعات طبية رائدة في كينيا تعكس حضورًا فاعلاً في المجال الصحي، وتنقل المحبة من مذابح الصلاة إلى ميادين الألم والاحتياج.

وللحقيقة أرى أن هذا النموذج الكنسي المتكامل الذي يتجسد في
الكنيسة القبطية خارج مصر هو ثمرة جهد جماعي من الآباء المطارنة والأساقفة والكهنة والخدام والخادمات في الإيبارشيات المنتشرة حول العالم، وهو كذلك ثمرة ارتباط أبنائنا في الخارج بالكنيسة وتقديرهم العميق لدورها في تشكيل هويتهم الروحية.. وكلما التقيت بآبائنا الأساقفة في الخارج أو زرت إحدى الإيبارشيات في بلاد العالم، أرى بعيني ما تحققه الكنيسة من نمو وامتداد وتنوع في الخدمة وأشكر الله على أن كنيستنا التي بدأت من الإسكندرية، وأديرتنا التي خرجت من البراري أصبحت اليوم حاضرة في العالم كله، تحمل نفس الرسالة، وتغرس في كل مكان شجرة إيمان تسقى بالصلاة وتزهر بالمحبة.

س/ ونحن نجول مع قداستك حول الخدمة في المهجر حملت لنا الصورة تنظيمًا دقيقًا وإدارة علمية ومنهجًا مدروسًا ومنضبطًا.. إذا كان هذا على مستوى كنائس المهجر فماذا عن الكنيسة الأم.. كيف تدار؟

ج/ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كنيسة »مجمعية« تحمل طابعًا مجمعيًا أصيلاً منذ نشأتها يعود إلى أقدم التقاليد الآبائية في القرون الأولى.. فنحن لا نؤمن بإدارة فرد بل بجسد واحد له رأس هو المسيح، ويعمل فيه الجميع بروح المشاركة والمشورة.. لهذا فالمجمع المقدس هو السلطة العليا فى الكنيسة، ويضم في عضويته معى جميع الآباء المطارنة والأساقفة داخل مصر وخارجها، فكل قرار لكنيستنا يتخذ داخل المجمع بعد نقاش عميق وتشاور أخوي، فلا يتخذ أي قرار رعوى أو عقيدي أو طقسي إلا بعد المرور على اللجان المتخصصة التي تدرسه وتحلله، ثم يعرض على اللجنة الدائمة، وأخيرًا يطرح في الجلسة العامة للمناقشة والتصويت عليه.

ولأن المجمع المقدس لكنيستنا هو السلطة العليا فى الكنيسة، والسلطة التشريعية التي تسن قوانينها وتصدق على قراراتها، كما أوضحت، لهذا بادرت بعد أيام من تنصيبي بطريركًا، بعقد اجتماع للمجمع المقدس، ولأن المجمع يعمل وفقًا للائحة تنظيمية دقيقة، فقد شهدت هذه الجلسة رغبة في تنظيم العمل المجمعي بشكل أكثر دقة وفاعلية بما يتماشى مع تحديات العصر واتساع رقعة الكنيسة، وفي هذه الجلسة دعوت كل أحبار الكنيسة لانتخاب سكرتارية المجمع فهي المحرك لكل أنشطته.. ودعوت أيضًا إلى تشكيل اللجان التي يناط بها إعداد الدراسات كلا في مجاله.

من هنا بدأ العمل في الكنيسة وفق منهجية مجمعية، وكان الاختيار الأول في منصب سكرتير المجمع لنيافة الأنبا رافائيل أسقف عام كنائس وسط القاهرة، ولأن مدة دورة السكرتارية ثلاث سنوات بالانتخاب وبما لا يتجاوز دورتين فقد تولى نيافته هذا المنصب بكل جهد وإخلاص من عام 2012 إلى 2018.. وبعدها انتخب نيافة الأنبا دانيال مطران المعادى لهذا المنصب لدورتين بدأت عام 2018 وانتهت هذا العام، وفى الجلسة الأخيرة للمجمع فى 5 يونيو 2025 انتخب الأنبا يوأنس أسقف أسيوط سكرتيرًا جديدًا.. ونحن ندعو الله أن يبقى المجمع المقدس نبض الكنيسة الأرثوذكسية، ومرآتها المجمعية، وضمانة ثباتها عبر الأجيال، فكل قرار فيه هو صلاة ومشورة ونعمة جماعية تعكس وحدة الكنيسة وعراقتها وحكمتها حيث يتشارك الآباء بقيادة الروح القدس في
حفظ الإيمان وتدبير الرعاية وتفعيل رسالة الكنيسة في العالم المعاصر.

س/ قداستك أشرت في بداية حديثك أن الاحتفالات الخمسة التي ستشهدها الكنيسة في نوفمبر المقبل احتفالاً بذكرى مرور 17 قرنًا على مجمع نيقية ستتضمن صلاة قداس بالكاتدرائية يشهد ترقية خمسة أساقفة لرتبة مطران.. ماذا يعني هذا من منظور كنسي وقد شاهدنا حرص قداستكم على إتمامها مرات خلال سنوات حبريتكم؟

ج/ رسامة الآباء إلى رتبة مطران هي لحظة كنسية عميقة تحمل في جوهرها اعترافًا من الكنيسة بخدمة أمينة وثابتة امتدت عبر سنوات من الرعاية، بل هي تثبيت كنسي لشهادة حية عاشها الأب الأسقف بين شعبه وأثمرت خدمة متجذرة في الرعاية.. والكنيسة عندما ترسم مطرانًا فهي تقول لهذا الأب: »لقد خدمت بأمانة، واستقرت إيبارشيتك، ونما شعبك، وثبت التعليم الأرثوذكسي تحت رعايتك«. من هنا فالرسامة ليست ترقية كما يتصور البعض لكنها شكر وتشجيع وتعميق لمسئولية الأب نحو الإيبارشية التى أوكلها له الله والكنيسة، وشاهدًا أكثر نضجًا في جسد الكنيسة، ومشاركًا أكبر في العمل المجتمعي والمشورة الكنسية.

ج/ عند نياحة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث كان لكنيستنا 6 آباء مطارنة (الأنبا أبراهام مطران الكرسي الأورشليمي، الأنبا باخوميوس مطران البحيرة، الأنبا بيشوي مطران دمياط، الأنبا هدرا مطران أسوان، الأنبا ويصا مطران البلينا، الأنبا أرسانيوس مطران المنيا)، وعند نياحة الأنبا أبراهام في نوفمبر 2015 كان على الكنيسة أن تسيم مطرانًا لهذا الكرسي الذي يأتى في بروتوكول الكنيسة الثانى مباشرة لبابا الإسكندرية، باعتباره أسقف كرسى أورشليم مدينة السيد المسيح.. وأرشدنا الرب إلى القمص ثيئودور من دير الأنبا أنطونيوس.. وفي احتفال تاريخي في 28 فبراير 2016 بالكنيسة المرقسية بكلوت بك رسمناه أسقفًا على إيبارشية أورشليم وحمل اسم »أنبا أنطونيوس« وفي ذات اليوم أخذ رتبة مطران كونه سيجلس على الكرسي الأورشليمي والشرق الأدنى.. وعاد لمجمعنا المقدس ستة مطارنة.. ولأن المطران لا يجلسه إلا مطارنة، فقد رأيت وقتها ترقية ستة من الآباء أساقفة الكنيسة إلى رتبة مطران (الأنبا بفنوتيوس مطران سمالوط، الأنبا بنيامين مطران المنوفية، الأنبا تادرس مطران بورسعيد، الأنبا سيرابيون مطران لوس أنجيلوس، الأنبا كيرلس مطران أوروبا، الأنبا أثناسيوس مطران فرنسا)، وكانت رسامة سبعة أساقفة فى هذا اليوم إضافة مباركة، وصار لمجمعنا المقدس 12 مطرانًا، صاحبوا مطران الكرسي الأورشليمي في يوم تجليسه.

خلال رحلتنا لمجد الكنيسة استرد الرب وديعته الأمينة وفتحت السماء أبوابها لتحتضن مثلث الرحمات الأنبا كيرلس مطران أوروبا في أغسطس 2017 ، والأنبا أرسانيوس مطران المنيا في أغسطس 2018، والأنبا بيشوي مطران دمياط في أكتوبر من نفس العام، وصار لمجمعنا المقدس »تسعة آباء مطارنة«.. وفي عام 2019 وهو العام الذي ترأست فيه مصر الاتحاد الأفريقي رأينا أن نؤسس مطرانية في جنوب أفريقيا، ولما كان نيافة الأنبا أنطونيوس مرقس قد خدم لأكثر من 40 عامًا بمناطق كثيرة في أفريقيا، وصار لنا كنائس وآباء كهنة ودير قبطي وآباء رهبان برعايته، فقد دعوناه بعد صلاة رفع بخور عشية بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية مساء السبت ٨ يونيو 2019 ليكون مطرانًا على إيبارشية جنوب أفريقيا وبهذا صار للمجمع المقدس عشرة مطارنة، وبنياحة نيافة الأنبا هدرا في سبتمبر 2012 صار للمجمع المقدس تسعة مطارنة.

مع اتساع الكنيسة في الداخل وانتشارها في الخارج، صارت الرعاية والخدمة في احتياج لكثير من التدبير، وبنعمة الرب وإرشاده قمنا في نوفمبر 2022 برسامة 11 مطرانًا بينهم ثمانية من أساقفة الوجه القبلي واثنان من أساقفة إيبارشيات القاهرة الكبرى، وأسقف من إيبارشيات الولايات المتحدة الأمريكية، وجميعهم لهم أكثر من ثلاثين عامًا في درجة الأسقفية.. تعبوا كثيرًا لكننا دعوناهم للترقية لمزيد من الخدمة، فالترقية في الكنيسة معناها مزيدً من الخدمة والمحبة والاتضاع والوداعة، وأرقى درجة في الخدمة الكنسية هي غسل الأرجل وفقًا للنموذج الذي قدمه السيد المسيح يوم خميس العهد.. وبهذه الترقيات صار بالمجمع المقدس 20 مطرانًا، غير أنه بنياحة الأنبا أثناسيوس مطران فرنسا في أكتوبر 2023 ومثلث الرحمات الأنبا باخوميوس مطران البحيرة فى مارس هذا العام -2025- أصبح بالمجمع المقدس 18 مطرانًا.

مرة أخرى وبعد سيامة عدد كبير من الأساقفة لاتساع الخدمة وتقسيم الإيبارشيات الكبيرة، وصل عدد الآباء الأساقفة أعضاء المجمع المقدس 121 أسقفًا، فيما وقف عدد الآباء المطارنة عند 18 مطرانًا، لهذا رأينا ترقية خمسة من الآباء الأساقفة إلى رتبة مطران لتتناسب أعداد الآباء المطارنة بكل ما يحملونه من خبرات وحكمة مع عدد الآباء الأساقفة داخل المجمع المقدس.. ورأينا أن يكون هذا مع احتفالات الكنيسة في نوفمبر القادم بذكرى مرور 17 قرنًا على مجمع نيقية، فهي مناسبة مفرحة سيشارك فيها كل أحبار الكنيسة، وسوف يسبقها في عشية هذا اليوم المبارك تطييب جسد القديس أثناسيوس بطل مجمع نيقية وحامي الإيمان.

س/ قداستكم كأب وراع ما أكثر ما يشغلك على المستوى الإنساني من معاناة أبناء الكنيسة في هذا الزمن؟

ج/ هناك أشياء كثيرة تشغل قلبي كأب تجاه أبنائه.. لكني إن أردت أن أختصرها في قضايا تمس الحياة اليومية والروحية والإنسانية، فأستطيع أن أقول إن أول ما يقلقني حاليًا هو حدة الأزمة الاقتصادية العالمية.. والنقطة الثانية التي تشغلنى جدًا هي قضية التعليم.. والثالثة هي قضية الصحة.. ثلاث قضايا، أو هي ثلاثية تشغلني لأنها تمس واقع الناس، وتؤثر على مستقبل الكنيسة التي تهتم بأبنائها، فكنيستنا كنيسة حية تسير إلى الأمام وفي قلبها محبة كل إنسان.

اللأزمة الاقتصادية ليست أزمتنا فقط، هي أزمة طالت الجميع وفي كل البلاد خصوصًا بعد الأحداث الصعبة التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة بدءًا من جائحة كورونا إلى الحرب في أوكرانيا وفي فلسطين، والاضطرابات في السودان وسوريا، وما صاحب هذا من ارتفاع التضخم وتزايد أعباء المعيشة على كل أسرة في مصر وفي الخارج على السواء.. والكنيسة تشارك أبناءها في هذا الألم وتسعى بكل طاقتها لتخفيف حدة هذه الأزمات سواء عبر دعم الأسر المحتاجة أو تقديم برامج تنموية أو من خلال تشجيع مبادرات اقتصادية صغيرة، أو حتى عبر الكلمة التي تمنح الرجاء وتعيد ترتيب الأولويات، فالكنيسة لا تستطيع أن تفصل الحياة المادية عن الروحية، بل تؤمن أن الراعي الحقيقي يهتم بكليهما ولذلك فإن الجانب الاقتصادي يشغلني كثيرًا لأن له تأثيرًا مباشرًا على السلام الأسري، وعلى حياة الشباب، وحتى على تركيز الإنسان في علاقته مع الله.

والكنيسة تشارك أبناءها في هذا الألم وتسعى بكل طاقتها لتخفيف حدة هذه الأزمات سواء عبر دعم الأسر المحتاجة، أو تقديم برامج تنموية، أو من خلال تشجيع مبادرات اقتصادية بتفعيل مشروعات صغيرة أو متوسطة، ومساندة العاطلين عن العمل من خلال برامج تدريبية وتأهيلية.. نحن نؤمن أن الكرامة الإنسانية لا تستعاد إلا من خلال العمل والعطاء، ولذلك فإن مشروعات الكنيسة ليست إحسانًا لحظيًا بل تمكينًا طويل الأمد.

القضية الثانية التي تشغلني جدًا هي قضية التعليم، سواء التعليم المدرسي أو الجامعي وأيضًا التعليم الكنسي، فالعالم اليوم يمر بتغييرات سريعة، والنظم التعليمية أصبحت مشوشة.. والكنيسة في رؤيتها لقضية التعليم تضع الإنسان -عقلاً وروحًا- فى المرتبة الأولى، فبناء العقول يبدأ من فصول المدرسة، واللغات تفتح الأبواب أمام الفرص لهذا أطلقت الكنيسة مبادة تعليم اللغات الحية (الإنجليزية، الفرنسية، الإيطالية) في عدة مواقع منها الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وحلوان، وبيت كرمة بكينج مريوط، ونقادة.. هذا المشروع يخدم ما يقرب من 700 طالب وطالبة مجانًا، ويقوم بالتدريس فيه شباب مصريون درسوا هذه اللغات بالخارج، وتستمر كل دورة حوالى خمسة أسابيع فى مناخ تعليمى متكامل يرفع مستوى الطلاب ويحفزهم لسوق العمل أو الدراسات العليا.. وامتدادًا لهذا الدور فإن المكتب البابوي للمشروعات يعد سنويًا برنامجًا صيفيًا لتعليم اللغات يقام هذا العام للمرة التاسعة بمشاركة مدرسين متطوعين من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا إلى جانب مصر، ويهدف البرنامج إلى تطوير المهارات اللغوية للشباب من مختلف المحافظات.

أما على صعيد التعليم الفني فقد قطعنا خطوة رائدة بافتتاح فصل لتعليم مهنة لحام المعادن داخل الكاتدرائية، وذلك بالتعاون مع وزارة الإنتاج الحربى، حيث يحصل الشباب على تدريب نظرى ثم يواصل التدريب العملي داخل مصنع 200 الحربى، وتنتهي الدورة بتأهيل مباشر لسوق العمل فى المصانع الوطنية، مما يعد نموذجًا حقيقيًا لتمكين الشباب وربط الكنيسة بنبض الحياة اليومية.

واهتمام الكنيسة بقضية التعليم ليس وليد اليوم، وتعد المدارس القبطية المنتشرة في ربوع مصر علامة مضيئة في مسيرة التعليم بما تحمله من إرث تاريخى عريق يمتد إلى بدايات النهضة التعليمية في القرن التاسع عشر.. وهي اليوم تواصل رسالتها التربوية والتنويرية من خلال تعليم جيد وتربية إنسانية تزرع في نفوس التلاميذ قيم المحبة والانتماء والرحمة، وتسهم في تعزيز التنوع داخل المجتمع، حيث تستقبل طلابًا من أبناء الوطن مسيحيين ومسلمين في أجواء من الاحترام والاحتضان، وتمتد هذه المدارس من القاهرة إلى الإسكندرية، ومن مدن الصعيد إلى قرى الدلتا بإشراف مباشر من المطرانيات والإيبارشيات وبدعم متواصل من الكنيسة الأم.

إذا انتقلنا إلى قضية الصحة، فنحن في الكنيسة نؤمن أن الخدمة الحقيقية لا تقتصر على المذبح وحده فقط، بل تمتد لتشمل الإنسان في ضعفه وألمه، إيمانًا بأن المحبة لا تعلن بالكلمات فحسب بل تترجم إلى عمل ملموس يداوى الجراح ويرفع الكرامة.. من هنا فإن قضية صحة الإنسان من أهم القضايا التي تشغلني، وللمكتب البابوي للمشروعات رؤية وخطة وبرنامج عمل واضح إزاء هذه القضية، فأطلق مشروع العيادات الطبية المتنقلة »كيمى« وهي قافلة طبية متكاملة تضم عيادات (رمد، أسنان، باطنة، عظام، أطفال، ونساء) وتتحرك من مكان إلى آخر لتصل إلى المرضى والمتألمين في المناطق المحرومة من الرعاية الصحية، وتقدم خدماتها للجميع مسيحيين ومسلمين، كبارًا وصغارًا، بمحبة مسيحية صادقة، وقد شاركت وزارة الصحة بدعم هذه القوافل من خلال سيارات »الماموجرام« للكشف المبكر عن أورام الثدي وسيارات تنظيم الأسرة مما يعكس روح التعاون بين الكنيسة ومؤسسات الدولة لخدمة الإنسان.

ولدينا مشروع متكامل لتجهيز مستشفيات، ونسعى حاليًا لتطوير أكثر من 24 مستشفى تضم ألف سرير، بعضها بدأ في العمل بالفعل، والبعض في مرحلة التجهيز، وذلك من خلال شراكات حقيقية بين الكنيسة ومؤسسات المجتمع المدني والدولة، فضلاً عن مستشفيات ومستوصفات الكنائس بالقاهرة والإسكندرية التى تقدم خدماتها الطبية بأسعار رمزية وتخدم يوميًا مئات المرضى.

كل هذه القضايا من الأزمة الاقتصادية إلى التعليم إلى الصحة تشغلنى كثيرًا لأنها ليست ملفات نظرية بل هي قضايا تمس واقع الناس، وتؤثر على مستقبل الكنيسة كلها.. والكنيسة لا تألوا جهدًا في مشاركة الناس همومهم في هذه القضايا، فرسالتنا أن نحب وأن نعمل وأن نكون سبب بركة وسلام وراحة في حياة كل من نقابله.

س/ يواجه أبناء الكنيسة تحديات ثقافية واجتماعية غير مسبوقة في ظل عالم متغير تتسارع فيه الأحداث والتشريعات وتتسارع فيه الفجوة بين القيم الروحية والمجتمعية.. كيف تنظرون
قداستكم إلى هذه التحديات.. وكيف تتعامل معها الكنيسة؟

ج/ نعم نحن نعيش في عالم لم يعد كما كان.. عالم مفتوح ومتسارع يطرح على الإنسان تحديات لم يكن يعرفها من قبل.. تحديات تمس فكر الإنسان وهويته وإيمانه وحتى ثقته في نفسه.. والكنيسة وهي الأم والمعلمة حريصة أن تكون حاضرة تقدم لأولادها نورًا يرشدهم وسط ضباب هذا الزمن.. من أكثر هذه التحديات.. الإلحاد.. المثلية.. الحروب.. اللغة.. السوشيال ميديا.. وأخيرًا القوانين التي تصدرها بعض الدول وتتعارض مع القيم المسيحية .. عن هذه التحديات الستة سأحدثك.

الإلحاد.. هناك نمو في الخطاب الإلحادي خاصة بين الشباب ولا سيما عبر الإنترنت حيث تبث أفكارًا تشكك في الإيمان.. والكنيسة لا تقابل هذه الظاهرة بالهجوم بل بالعقل والفهم، لدينا محاضرات متخصصة في الإيمان والعقل تقدم بأسلوب علمى وهادئ ويشارك فيها أساتذة جامعيون وأطباء وعلماء مؤمنون من مصر ومن خارج مصر.. نحن لا نخاف من الأسئلة بل نشجع أبناءنا أن يسألوا وأن يجدوا إجابة عقلانية وروحية معا.. نحن نريد أن نقول لكل الشباب»الإيمان ليس ضد العقل بل هو كمال العقل«.

المثلية.. أمام موجات إعلامية وقانونية تدعم المثليين يجد أبناؤنا خاصة فى بلاد المهجر أنفسهم في صراع بين ما يتعلمونه في الكنيسة وبين ما تفرضه عليهم بيئة اجتماعية وقانونية مختلفة.. والكنيسة لاتدين الإنسان لكنها لا تساوم على الحق.. نحن نعلم أن الله خلق الإنسان ذكرًا وأنثى وأن الزواج المسيحى هو اتحاد مقدس بين رجل وامرأة.. وتقوم كنائسنا خاصة في أوربا وأمريكا بعمل برامج توعية وشرح لهذه المفاهيم.. نتحدث مع الأطفال والشباب بلغة صريحة ونوضح أن الحرية لا تعني الانفصال عن الحق، وأن الحب لا يختصر في الغريزة.. نحن نربي أبناءنا على الفهم والتمييز والثبات في الحق بمحبة.

الحروب.. تشهد الإنسانية موجة من الحروب بدايتها الحرب الروسية الأوكرانية.. هذه الحروب أثرت على الاقتصاد العالمي، وفقد الناس وظائفهم، وتقلصت الدخول، وارتفعت الأسعار..وهذا أثر على الجميع، وعلى الأقباط في مصر والمهجر وأصبح يشكل تحديًا أمام الشعب والكنيسة.. وأمام هذا التحدي تسعى الكنيسة جاهدة لتوفير الرعاية الاجتماعية وتقديم المساعدات، وتفعيل مشروعات صغيرة ومتوسطة للأسر، ومساندة العاطلين عن العمل من خلال برامج تدريبية وتأهيلية.. نحن نؤمن أن الكرامة الإنسانية لا تستعاد إلا من خلال العمل والعطاء.

اللغة.. اللغة ليست وسيلة اتصال بل هي وعاء الهوية وفي بعض البلاد مثل أمريكا وأوربا يعانى أولادنا من ضياع لغوي حتى في اللغة الإنجليزية نفسها بسبب تنوع اللهجات والمصطلحات، وهذا الضياع اللغوي يؤدي إلى ضعف في الارتباط بالكنيسة والتراث القبطى والهوية المصرية.. والكنيسة تواجه هذا التحدي من خلال إنشاء فصول لتعليم اللغة العربية والقبطية وتنظيم مؤتمرات للشباب في المهجر تربطهم بجذورهم وإصدار كتب ومواد مرئية تناسب أبناء الجيلين الثاني والثالث بلغتهم وأساليبهم، وتشجيع الزيارات إلى مصر ليعيشوا إيمانهم الأرثوذكسي في موطنهم الأصلى.

السوشيال ميديا.. يعيش الشباب اليوم داخل عالم افتراضي ممتد حيث يمكنه أن يتصفح آلاف القصص والمعلومات والصور في لحظات منها الصحيح ومنها الباطل، فالمنصات تروج لأفكار مشوهة وتبث مفاهيم خاطئة عن الكنيسة.. ونحن نواجه هذا التحدي بتوعية أبنائنا بالفرق بين المعلومة والحقيقة، بين ما ينشر وما هو موثق ونعلمهم أن الإيمان لا يبنى على»تريند« أو»فيديو« بل على حياة كاملة تعاش.. وفي المقابل نحن نعمل على تطوير الإعلام الكنسي من خلال برامج عصرية وقنوات تخاطب الشباب بلغتهم وبرامج على »يوتيوب« و»تيك توك« ليس لتقليد العالم بل لتقديم البديل الحقيقي.

القوانين.. أحيانا تصدر في بعض الدول الغربية قوانين تشريعية تتعارض مع القيم الإنسانية والمسيحية، سواء ما يتعلق باستقبال المهاجرين على نحو ما صدر قريبا في إحدى الدول بمنع استقبال 12 جنسية مما يعبر عن ضيق الأفق الإنساني وانغلاقا ضد الآخر، أو ما يصدر من قوانين تتعلق بمفاهيم الأسرة أو حرية التعليم الدينى.. ونحن نرفض أي تشريع يحمل في داخله تمييزًا أو إقصاء أو عنصرية، ونعلم أولادنا أن المسيحية هي دعوة للقبول والانفتاح دون أن نفرط في إيماننا.. والكنيسة تشجيع أبناءها على أن يكونوا مواطنين صالحين يشاركون في الشأن العام ويكون لهم رأى أخلاقى وإنساني مؤثر في المجتمع.

التحديات كثيرة ولكن الرجاء أعظم.. ونحن نؤمن أن أبناء الكنيسة حين يتسلحون بالإيمان والمعرفة يمكنهم أن يواجهوا هذا العالم لا بالخوف بل الثبات والشهادة والمحبة.. ولا نرهب أولادنا بل نعلمهم أن يكونوا نورًا وسط ظلام وملحا لايفقد طعمه، وغصنًا حيًا في جسد المسيح.

س/ وماذا عن الذكاء الاصطناعي الذي بات يدخل في تفاصيل الحياة اليومية ويؤثر في الفكر والسلوك والمعلومات.. كيف تنظر الكنيسة إلى هذا التطور؟

ج/ بلاشك نحن أمام تحد كبير وجديد، وما كان قبل سنوات يبدو كخيال علمي أصبح اليوم واقعًا يعيشه الناس في حياتهم اليومية من أبسط التطبيقات حتى أعقد البرمجيات..وصار للشباب أن يسألوا أي سؤال فتصلهم آلاف الإجابات فى لحظة بعضها صحيح وكثير منها مضلل أو يحمل توجهات فكرية غير دقيقة.. وهنا تكمن خطورة الذكاء الاصطناعي إذا ترك دون توجيه، ومن جهة أخرى فأنه يمكن أن يكون فرصة عظيمة إذا أحسن استخدامه.

الكنيسة لا تخاف من التقدم بل تحتضنه وتوجهه.. نحن لا نرفض التكنولوجيا بل نحاول استخدامها لما يخدم الإنسان ويحفظ روحه، فقد أصبح اليوم متاحًا لأي شاب أن يطلب من تطبيق ذكاء اصطناعى أن يشرح له معنى»الثالوث« أو»فكر لاهوت التجسد« أو أية مفاهيم دينية أخرى.. لكن التحدي الذى نواجهه عندما تصله إجابات مشوهة أو غير دقيقة لا تمثل روح الكنيسة ولا إيمانها القويم.. وهنا شعرت الكنيسة بالخطر، وبضرورة أن تكون حاضرة لا غائبة.

وبمعونة الرب بدأت بعض الإيبارشيات فى مصر وأوروبا خطوات عملية جادة لإنشاء نماذج ذكاء اصطناعي تحمل الروح الأرثوذكسية وتقدم إجابات موثقة ودقيقة مستندة إلى مصادر الكنيسة ومراجعها المعتمدة.. ولم يقف الأمر عند هذا، ففي الإيبارشيات الأوروبية بدأت تجربة جديدة في الإجابة على الأسئلة العقيدية واللاهوتية بطريقة مبسطة وصحيحة بحيث يتاح للشاب أو الطفل أو الخادم الحصول على إجابة لسؤاله دون أن يضطر للجوء إلى مصادر غير أمينة.. وهذا ما بدأته أيضًا بعض التجارب المحلية، فضلاً عن أنه يجرى الآن تجميع مكتبات رقمية وتعليمية من عظات الآباء لتستخدم لاحقًا كقاعدة بيانات لتدريب أدوات ذكاء اصطناعي تخدم التعليم الكنسي.

الفكرة مازالت في بدايتها لكنها فكرة واعدة وجادة.. ليست رفاهية تقنية، بل ضرورة رعوية لأننا مازلنا نعيش اليوم في زمن فيه المعلومات محفوظة في الكتب فقط لكن علينا أن نسعى لتقدم لأولادنا المصدر السليم والشرح الأرثوذكسي الموثق بلغة العصر الذي يعيشونه.. وأرى أنه بالرغم من أهمية هذه المبادرات فأننا لا نعتبر الذكاء الاصطناعي بديلاً عن الأب الكاهن أو المعلم أو الخادم، بل نراه أداة معينة تساعده، فالكنيسة بطبيعتها كيان حي يقوم على العلاقات واللمسة الشخصية والرعاية والاعتراف والنعمة التي تمنح من خلال الأسرار المقدسة وليس من خلال شاشة.. نريد أن يكون الذكاء الاصطناعي خادمًا في الكنيسة لا سيدًا على أبنائها.. نريد أن ندخل هذه الأداة إلى حضن الكنيسة لا أن نترك أولادنا يضيعون مع خادم بلا روح.

 

Leave Comment
Comments
Comments not found for this news.