تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، برئاسة قدلسة البابا تواضروس الثاني، بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بفترة صوم أهل نينوى المعروف شعبويا باسم صوم يونان.
وخلال مدة الصوم ينقطع المدخنين عن التدخين تماما، لان الصائم لايدخل جوفه اي شئ لحين الافطار، وبهذه المناشبة نشرت صفحة ايماننا الارثوذكسي القويم، منذ قليل نشرة تعريفية للباحثة أندرولا كونستنتينيدو عن رأي الكنيسة الأرثوذكسية والآباء القديسين في التدخين.
وقالت: تناول العديد من آباء الكنيسة القديسين موضوع التدخين، فمثلاً القديس نكتاريوس أسقف المدن الخمس كان يُسمي التدخين بـ "زنى الفم" أو "بغاء الفم" أو "دعارة الفم".
كما تناول القديس نيقوديموس الآثوسي موضوع التدخين في كل من عمليه "كتاب التمارين الروحيّة" و"كتاب النصائح الطيبّة" وأطلق عليه "بخور الشيطان". ويؤكد في كلا العملين على مدى خطورة التدخين، مُعتبراً إياه مسؤولاً ليس فقط عن صحة الشخص الجسدية والعقلية، ولكن أيضًا عن موقف الانسان فيما يخص واجباته كمسيحي. ويؤكد، من بين أمور أخرى، أن جميع رجال الكنيسة دون استثناء لا ينبغي أن يدخنوا لأن استخدام التبغ هو مُخالف للحشمة التي هي من أهم فضائل الأخلاق ويتعارض مع سمعة الكهنوت وضد صحة الجسد.
ويذكر الشيخ صفرونيوس ساخاروف في كتابه عن القديس سلوان الآثوسي قصة جديرة بالذكر، وهي أنه في عام 1905، مر الأب سلوان عبر روسيا لزيارة بعض الأديرة، وفي إحدى رحلاته بالقطار، كان يجلس قبالته راكب آخر قام بفتح صندوق التبغ الخاص به وقدم للقديس سيجارة... شكره الأب سلوان ورفض بأدب. فسأله الراكب إذا كان قد رفض السيجارة لأنه يعتبر أن التدخين خطيئة، مُضيفاً أن التدخين يساعده كثيراً في حياته المزدحمة فهو بمثابة استراحة من عبء الحياة اليومية، كما أنه يسهل تفاعلاته الاجتماعية واستمر في سرد مزايا التدخين حسب رأيه. فسأله الأب سلوان عما إذا كان عادةً يقول صلاة "أبانا الذي في السماوات" قبل أن يدخن السيجارة، فأجابه الراكب بأنه لا يفعل هذا لأنه يبدو غير لائق. فقال له القديس سلوان "أي عمل لا يليق بالصلاة فالأولى عدم القيام به وتركه" لأنه يجب أن يكون ذهن الإنسان وقلبه دائمًا أحرارًا للصلاة. ولا ينبغي القيام بأي عمل لا يليق بالصلاة.
إذن، كل ما لا يصمد أمام الصلاة الطاهرة فالأولى تركه، لأن متعة الخطيئة لا تُقهر بالحرمان والصراعات الصعبة، بل بالعودة إلى الشركة بين الله والإنسان وفي المكان الذي يتم التعبير عنه فيه بأفضل شكل، أي بالصلاة وهذا ما يؤكده كتاب التقليد الكنسي (اليورنديكو) حيث يقول أنه من أجل إخراج الشياطين، يجب على المرء أولاً أن يُسيطر على عواطفه لكي يتمكن من إبعاد الشياطين عنه وكما أن الشياطين لا تخرج من الإنسان إلا بالصلاة والصوم، بحسب قول الرب، كذلك أيضًا هذا الشغف والتعلق بالسيجارة لا يخرج إلا بالصلاة والصوم الحاران اللذين يجلبان التدبير الذي يقوي المحبة لدى الإنسان، وبالصلاة والصوم يهرب الشر الذي يستعبد ويتسلط على الإنسان.
ولا بد من الإشارة إلى أن الكتاب المقدس لا يشير بشكل مباشر إلى التدخين، ولكن بشكل غير مباشر من خلال بعض المبادئ التي يمكن أن نجدها متطابقة مع التدخين وبالطبع مع غيره من العادات السيئة المتسلطة على الانسان. فيوصينا الكتاب المقدس ألا ندع أجسادنا "يسيطر عليها" أي شيء، فيقول الرسول بولس في رسالته إلى أهل كورِنثوسَ الأولَى 6: 12، وفقاً للترجمة المشتركة مع الكتب اليونانية:
"«كُلّ شَيءٍ يحِلّ لي»، ولكِنْ ما كُلّ شَيءٍ يَنفَعُ. «كُلّ شَيءٍ يَحِلّ لي»، ولكِنّي لا أرضى بأنْ يَستَعبِدَني أيّ شيءٍ."
إذن يجب ألا نرضى أو نوافق على القيام بأعمال قد نجد أنفسنا مع مرور الوقت مُستعبدين لها، وبحسب المصطلح الطبي مدمين عليها فالتدخين يسبب الإدمان بلا شك وهنا تسيطر وتتسلط علينا هذه السيجارة ونصبح بلا وعي عبيداً لها، لدرجة أن هناك البعض يستيقظون في منتصف الليل من أجل التدخين بينما لا يستطيعون بأي شكل أن يقوموا في ذلك الوقت من أجل صلاة منتصف الليل تجدهم يرغبون في الصيام في فترة الصوم لكن لا يستطيعون لأنه لا يمكنهم ترك السيجارة أكثر من ساعتين ولو تأملنا هنا في كلتا الصفتين ("بخور الشيطان" أو "زنى الفم")، نجد أن التدخين يعطي الانسان لذة جسدية ومتعة مثل الزنى وغيره من الخطايا المتعلقة بالجسد وأي محبة للجسد أو العالم هي خيانة لله، يقول يَعقوبَ الرسول في رسالته (يَعقوبَ 4: 4) "'أيُّها الزُّناةُ والزَّواني، أما تعلَمونَ أنَّ مَحَبَّةَ العالَمِ عَداوَةٌ للهِ؟ فمَنْ أرادَ أنْ يكونَ مُحِبًّا للعالَمِ، فقد صارَ عَدوًّا للهِ."
وكما أن صلاتنا تصعد كالبخور أمام الرب، هكذا أيضاً يكون التدخين كالبخور أمام الشيطان الذي لا يريد خلاص البشر وقد يزني الإنسان في الخفاء لكن المُدخن يُشعل سيجارته في أي وقت وفي أي مكان، فالتدخين يجعل المُدخن إنسان أناني لا يهمه سوى نفسه، فتجده يُدخن دون مراعاة لمن حوله، وقد يكون حوله أشخاص أصحاب أمراض صدرية، أو أطفال أو كبار في السن.. كما أنه لكي يستمتع بالتدخين يقوم بدعوة الآخرين للتدخين معه، ما لم يجعل أبنائه يرغبون في تقليده ويبدأ التدخين لدى المراهقين في سن مُبكر وهكذا فإن التدخين ضار للمدخن ولمن حوله ناهيك عن الذين يضعون مخدر القنب في سجائرهم وهذا موضوع آخر سوف نقوم بتناوله في موضوع آخر.
يتابع الرسول بولس قوله في نفس الإصحاح (كورِنثوسَ الأولَى 6 :19-20):
"أم لَستُمْ تعلَمونَ أنَّ جَسَدَكُمْ هو هَيكلٌ للرّوحِ القُدُسِ الّذي فيكُمُ، الّذي لكُمْ مِنَ اللهِ، وأنَّكُمْ لَستُمْ لأنفُسِكُمْ؟ لأنَّكُمْ قد اشتُريتُمْ بثَمَنٍ. فمَجِّدوا اللهَ في أجسادِكُمْ وفي أرواحِكُمُ الّتي هي للهِ."
وفي نفس الرسالة (رسالة كورنثوس الأولى 10 :31) يقول:
"فإذا أكَلتُم أو شَرِبتُم، أو مَهما عَمِلتُم، فاَعمَلوا كُلّ شيءٍ لِمَجدِ اللهِ."
وهنا لا بد من طرح الأسئلة التالية بناءً على هذه الآيات:
هل يمكن اعتبار أن التدخين "ينفع صحيًا" (1 كورنثوس 6: 12)؟
هل يمكن أن نقول إن المُدخنين "يمجدون الله في أجسادهم" (1 كورنثوس 6 :20)؟
هل يستطيع المرء أن يدخن من أجل "مجد الله" (1 كورنثوس 10 :31)؟
الإجابة على هذه الأسئلة الثلاثة هي واحدة - "لا".
قد يُعارض البعض من خلال الاستشهاد بحقيقة أن الكثير من الناس يتناولون أطعمة غير صحية، وهذا أيضاً إدمان ويؤثر على أجسامهم بنفس القدر من السوء. فالكثير من الناس مدمنون بشكل ميؤوس منه على الكافيين لدرجة أنهم ببساطة لا يستطيعون العمل بشكل صحيح بدون فنجان قهوة الصباح... نعم، هذا صحيح وكل ما يضر بصحة الإنسان يقع تحت بند الخطيئة ومرة أخرى كل ما يتسلط علينا من عادات معروفة بديهياً أنها سيئة هو خطيئة، ويجب على المسيحيين أن يتجنبوها، حتى الشراهة في الطعام ومُعاقرة الخمور.
وهناك حجة أخرى وهي حقيقة أن العديد من رجال الكنيسة أو الكهنة يُدخّنون ونحن نسأل:
هل بعض هؤلاء الكهنة أتقياء ومعلمين ممتازين لكلمة الله؟ نعم، بالتأكيد
وهل هذا يجعل كل أفعالهم وعاداتهم تمجد الرب؟ كلا
إذن، نتيجة لما تقدم، فإن التدخين هو مرض للروح وهو استعباد للنفس البشرية، ويُعتبر خطيئة بالنسبة لكنيستنا الأرثوذكسية وبالتالي لا ينبغي أن يمارسه أتباع المسيح الحقيقيين. وبالقول إن التدخين خطيئة، فإن الكنيسة لا تقول إن المدخنين لن يخلصوا. لأن كثير من المؤمنين بيسوع المسيح يدخنون أو سبق وتسلطت عليهم هذه العادة قبل إيمانهم.
وبالتالي فإن التدخين لا يمنع الشخص من أن بخلص، كما أن التدخين يُغفر تمامًا مثل باقي الخطايا الأخرى إن اعترفنا أنه خطيئة وعملنا جاهدين على التخلص منه، ولكن إذا كان المُدخن مُتكبر ولا يعتبر أن التدخين خطأ فسيستمر في خطيئته