![محللة سياسية: بوتين يسعى للحصول على ضمانات أمنية مقابل عدم غزو أوكرانيا محللة سياسية: بوتين يسعى للحصول على ضمانات أمنية مقابل عدم غزو أوكرانيا](https://www.dostor.org/UploadCache/libfiles/343/4/600x338o/950.jpg)
قالت الباحثة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية داليا يسري، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرغب في الحصول على ضمانات أمنية من الغرب تضمن لموسكو عدم مساس حلف “الناتو” بالنطاق الذي تعتبره جزء لا يتجزأ من أمنها القومي، ولهذا السبب حرك جيشًا بأكمله على الحدود الأوكرانية، لتأخذ الأزمة مسارًا تصاعديًا.
وأشارت داليا يسري في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، إلى إن سيناريو الاجتياح الروسي يُمثل أحد أكثر السيناريوهات توقعًا للحدوث في الوقت الراهن والذي تتفرع عنه عددًا من الاحتمالات.
وتابعت: لا خلاف على أن موسكو متواجدة بالفعل بشكل رسمي أو غير رسمي على الأرض في إقليم دونباس، الذي يشهد قتالات يومية منذ العام 2014 بين القوات الانفصالية المدعومة بشكل مباشر من موسكو وبين القوات النظامية الأوكرانية وطوال تلك السنوات، لم يكن بوسع القوات المسلحة الأوكرانية أن تحشد سوى بضعة آلاف من جنودها الجاهزون للقتال مما اضطرها للدفع بالمجتمع المدني الأوكراني بغرض إنشاء تحالف من كتائب المتطوعين المدنيين.
وأضافت “أدت الجهود الشعبية في نهاية المطاف إلى إطالة أمد الحرب في الإقليم غير أن مجموع هذه الجهود لن يكون مجديا أمام هجوم روسي شامل وممنهج، من شأنه أن يحسم المعركة منذ الساعات الأولى لصالح روسيا، التي لطالما سعت بأن يحذو هذا الإقليم حذو شبه جزيرة القرم، كي يسير بعد ذلك على نفس الخطى".
وأوضحت داليا يسري أن الاعتراف بالاستقلالية، ومن ثم استفتاء على الحق في الانزواء تحت العلم الروسي، يؤول في النهاية بالموافقة الشعبية والدخول الرسمي تحت القبضة الروسية، لذلك قد تكتفي روسيا باجتياح إقليم دونباس، وتوسعة المساحة العازلة التي تفصل بين روسيا من جهة، وسائر القارة الأوروبية من جهة أخرى، لكن تظل هناك معوقات محتملة تحول دون تحقيقه، وتلك تتمثل في أن موسكو بالفعل متواجدة هناك، وأنها بالفعل هي الكفة الغالبة لذلك فهي عاجلاً أم آجلاً ستحقق مبتغاها، ولن يوفر لها هذا السيناريو سوى اختصار الوقت والمجهود لإتمام رؤيتها لمستقبل هذا الإقليم الذي سيصبح، عاجلاً أو آجلاً، جزء من الأراضي الروسية".
وتابعت يسري، أما "السيناريو الثاني" هو الاجتياح الكامل للأراضي الأوكرانية، وتمتلك موسكو بالفعل، بشهادة خبراء عسكريون، القوة العسكرية والتفوق اللازم لتحقيق توغل كامل في الأراضي الأوكرانية، وهو احتمال بالفعل مطروح بسبب طول أمد الأزمة التي لم يتضح بعد أن كل التطورات والجهود التي تطرأ عليها لا تفعل شيئًا سوى أنها تزيد من حدة لغة التصعيد بين كافة الأطراف.
وأضافت “بالأمس، خرجت حشود شعبية أوكرانية مؤيدة للقيادة الأوكرانية تؤكد على عزمها النهوض لتنظيم المقاومة الشعبية ضد القوات الروسية حال حدوث غزو لكن السؤال هنا، في حالة وقوع غزو روسي، هل تفلح إجمالي هذه الجهود في التسبب بردع قوات نظامية تقوم بتنفيذ هجوم عسكري شامل بالتأكيد، ستكون الإجابة لا، لكن هذا لا يعني أن مقاومة شعبية لن تندلع، غير أن احتمالات نجاحها في صد التوغل الروسي ضئيلة”.
وأوضحت الباحثة بالمركز المصري، أن احتمالات قدرة الجيش الأوكراني على مواجهة الجيش الروسي رغم المساعدات العسكرية الأخيرة التي وصلت إليه من الغرب تظل لا تذهب إلى أكثر من مجرد التسبب بمضايقات وبعض الخسائر الغير مؤذية لروسيا، وهذا يقود إلى الإجابة عن سؤال آخر، هل ترغب موسكو في احتلال أوكرانيا وضمها بالكامل؟ الإجابة عن هذا السؤال، تشير في أغلب الأحوال، إلى "لا" ولا شك أن موسكو تمتلك بالفعل دوافع تمددية نحو إقليم "دونباس"، لكن ليس نحو أوكرانيا بالكامل نظرًا لأن احتلالها الفعلي سيكلف موسكو الكثير من الخسائر لذلك ربما تتمثل رغبة موسكو فقط، وفقًا لهذا السيناريو، في ضربات سريعة لإسقاط النظام والاستيلاء على مخزون السلاح لدى أوكرانيا، وإرساء أسس لإجراء انتخابات رئاسية جديدة تضمن لموسكو ألا يصعد إلى سدة الحكم إلا هؤلاء الموالين لموسكو ومتعهدون على الحفاظ على مصالحها، ثم الانسحاب السريع إلى الأراضي الروسية.
وتابعت يسري "يحصل إقليم دونباس على حقه في الاستقلال وفقًا لهذا السيناريو أيضًا. فكما ذكرنا آنفًا، إن مهمة "ترويس" دونباس، عبارة عن مجرد مسألة وقت ليس أكثر. لكن يظل هذا السيناريو مستبعد لأسباب كثيرة على رأسها العقوبات المؤلمة التي قد تكون موسكو في غنى عنها، بالنظر إلى وجود مخارج أخرى للأزمة. ويعد في الوقت نفسه، سيناريو مرجح، استنادًا إلى شيء واحد فقط، وهو الطبيعة الشخصية للرئيس الروسي نفسها، باعتباره شخصية استباقية بطبيعتها لا يمكن لأحد أن يتوقع ردود أفعاله أو يتنبأ بخطواته القادمة.
واوضحت أن هناك السيناريو الحلول المؤقتة الهدنة، ويطالب "بوتين" باستمرار من الغرب تقديم الضمانات الأمنية المطلوبة للحفاظ على عمق الأمن القومي الروسي من جهة، ويطالب أوكرانيا بالالتزام ببنود اتفاقية "مينسك 2015" من جهة أخرى.
ووفقًا لهذا السيناريو، بحسب داليا يسري لا يوافق الغرب على تقديم الضمانات الروسية المطلوبة، ويكتفي بتعديل رد فعله عليها من الرفض إلى رفع هذه الضمانات إلى مستوى المناقشة والتداول. بينما تقوم كييف باحتواء الموقف والتعهد بالالتزام ببنود معاهدة "مينسك"، تنفيذًا للمطلب الروسي، والتي يأتي على رأس بنودها وقف إطلاق النار في "دانيتسك ولوغانسك"، وسحب الأسلحة الثقيلة من الإقليم على مسافة متساوية من الجانبين بهدف إنشاء منطقة عازلة بينهم، بالإضافة الى عددً من البنود الأخرى.
وأضافت “علاوة على ذلك، يتم توقيع معاهدة للهدنة بين الجانبين قد تشتمل على بنود بشأن عدم المساس بالأمن القومي الروسي، دون التعهد الصريح المباشر من كييف بعدم الانضمام إلى حلف الناتو أو السماح بنشر أي قوات تابعة لها على أراضيها”.
وقالت الباحثة في الشأن السياسي، في هذه الحالة، قد يتم نزع فتيل الأزمة بشكل مؤقت، وقد يقوم بوتين بالفعل بسحب جزء كبير من قواته، لكن هذا لا يعني أنه سيكون هناك نوع من السلام المنزوع السلاح فعليًا، بمعنى أن موسكو ستظل محتفظة ببعض أوراق الضغط في يدها مثال على ذلك، أن الأسطول الروسي بالفعل يهيمن على بحر آزوف محققًا تفوق كبير على نظيره الأوكراني، بالشكل الذي يسمح لموسكو بفرض سيطرتها على كييف وتقييد حركة السفن التابعة لها أو المتجهة إليها في هذا النطاق البحري.
واعتبرت داليا يسري أن سيناريو الهدنة يُعد من السيناريوهات المرجحة بشدة، نظرًا لأن السلام في دونباس سيكون صفقة مربحة للجميع من جهة، ومن جهة أخرى، سيوفر هذا الحل المؤقت الفرصة للغرب للرجوع للخلف وإعادة ترتيب الأوراق وتقييم الأوضاع الحقيقية فيما يتعلق بتعاملاتها مع موسكو.
وكما ذكرنا آنفًا، فإن هذه حرب لا يرغب بها أحد، غير أن أوروبا تأبى منح الضمانات الأمنية لموسكو، لذلك قد يتيح لها هذا السيناريو المزيد من الوقت للتشاور وصولاً إلى الحل الأمثل.
وتساءلت يسري قائلة "ما هي تكلفة الحرب الشاملة؟ "، عند هذه النقطة، يبقى السؤال عن عواقب ما بعد الاجتياح الكامل للأراضي الأوكرانية؟، إذ يظل سيناريو الاجتياح الروسي الكامل هو الأكثر كارثية لكافة الأطراف، خاصة الشعب الأوكراني نفسه من جهة، والبلدان الأوروبية المتاخمة لأوكرانيا من جهة أخرى.
وأوضحت الباحثة السياسية أن احتمالات الغزو الروسي، في حقيقة الأمر، قد وضعت الشعب الأوكراني في وضع لا يُحسد عليه. فبغض النظر عن العواقب النفسية لحالة التأهب المستمر لتلقي ضربة عسكرية لا يعرف أحد توقيتها الحقيقي من خصم قوي مثل روسيا، والتي وجد الشعب الأوكراني نفسه حبيسًا فيها لفترة طويلة لا يُعرف لها نهاية بعد.
كما توجد هناك عواقب أخرى، من ناحية يُنادي الرئيس الأوكراني الشعب بالانضمام لتنظيم المقاومة الشعبية، وهي استراتيجية لاقت استجابة شعبية بالفعل. ومن ناحية أخرى، لازالت شريحة كبيرة من الشعب الأوكراني لم يحدد موقفه القلق من طبيعة الاستجابة للضربات العسكرية، هل سيغادر فراشه الدافئ في الشتاء القارس ويضع نفسه في موقف اللاجئ المُلقى به في العراء على حدود دولة أوروبية أخرى، إما تقبله أو ترفضه؟ أم يبقى دائما حبيس الملاجئ التي تقول السلطات أنها ستوفرها للهرب من الموت المحتم على يد الضربات الجوية الروسية المحتملة؟! وقبل هذا وذاك، ماذا عن هؤلاء المدنيون اللذين يعرفون سلفًا أنه من المرجح ألا يكون هناك أي شيء آخر سوى الموت بانتظارهم بعد إعلانهم الانضمام للمقاومة الشعبية.
وعلاوة على كل ذلك، يُعاني الشعب الأوكراني من أوضاع اقتصادية متردية ومؤلمة بالفعل منذ لحظة انفصال شبه جزيرة القرم في 2014، التي تلاها انهماك القوات المسلحة لبلادهم في حرب مستمرة وليس لها نهاية، شكلت نزيف اقتصادي عانى منه الجميع، حكومة وشعبًا.
ونوهت يسري إلى أن احتمالات اندلاع أي حرب أو نزاع مسلح على نطاق واسع في أوروبا من شأنه أن يشكل تهديد حقيقي ومخاوف كبيرة لهذه البلدان التي تعرف سلفًا أنها ستتلقى عددًا لا نهائيًا من اللاجئين إذا اندلعت الحرب أو طال أمدها.
وإلى جانب الأزمة الإنسانية، تظل هناك أزمة غذائية بحسب الباحثة بالمركز المصري، تُلوح في الأفق أمام سوق القمح العالمي، ويعود ذلك بالطبع إلى أن أوكرانيا تعد واحدة من أكبر موردي القمح في العالم إلى الحد الذي باتت تعرف معه في أوروبا باسم سلة الخبز باعتبارها مسؤولة عن 10% من صادرات القمح حول العالم.