قال الشيخ سلطان بن أحمد بن سلطان القاسمي، نائب حاكم الشارقة، رئيس مجلس الشارقة للإعلام، إنّ عملية بناء الإنسان لا تتحقق بتوفير الشروط المادية للعيش فحسب، بل بغرس الفكر النبيل وصقل العقل والوجدان، مشيرا إلى أنّ إمارة الشارقة وفقا لرؤية الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي أرسى ركائز مشروع الإمارة التنموي، ووضع الثقافة في موقع القيادة لهذا المشروع، ورسخ بنيةً اجتماعيةً ومؤسساتيةً، تحقق التوازن بين التطور المادي والفكري والوجداني.
بناء الإنسان قيمة نبيلة
وأضاف القاسمي، خلال كلمته اليوم، في افتتاح الدورة العاشرة من المنتدى الدولي للاتصال الحكومي، الذي ينظمه المركز الدولي للاتصال الحكومي، التابع للمكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، في مركز إكسبو الشارقة، على مدار يومين تحت شعار «دروس الماضي.. تطلعات المستقبل»، أنّ بناء الإنسان قيمة نبيلة، لا تتحقق بتوفير الشروط المادية للعيش فحسب، بل بتكريس الفكر المستنير وصقل العقل والوجدان.
الإنسان هو أولا وثانيا وثالثا
وتابع أنّ إمارة الشارقة تبنّت هذا النهج منذ ثمانينيات القرن الماضي، عندما كانت المنطقة تمر بمرحلة ما بعد اكتشاف النفط، والاندفاع الشديد نحو البناء والمعمار، أطلق حينها حاكم الشارقة عبارته الشهيرة: «كفانا من ثورة الكونكريت، ولنبدأ في بناء الإنسان»، ومنذ ذاك الحين وإلى يومنا هذا، والشارقة تسير على ذات النهج الذي يؤسس لفكرة أنّ الإنسان هو أولا وثانيا وثالثا.
وأوضح نائب حاكم الشارقة، أنَه انطلاقا من هذه الرؤية التي أرساها قائدٌ مثقف حكيم، تتحرك الشارقة في مسارات متعددة ومتناغمة تكمل بعضها البعض، لصياغة مكونات الفرد الواعي الذي يسعى لبناء ذاته ووطنه، وها نحن بعد مضي عقد من الزمان على انطلاق المنتدى، الذي كان شاهدا على إثرائنا بالعديد من التجارب والخبرات العلمية والعملية، استفدنا منها في تطوير منظومة العمل والاتصال الحكومي في إمارة الشارقة، اعتقد البعض بأننا وصلنا مرحلة من الخبرة تشعرنا بالاكتفاء، إلا أننا بحضوركم والاستماع إلى تجاربكم وممارساتكم المتنوعة حتما، سنستفيد من دروس الماضي، ونتطلع إلى المستقبل.
وأكد رئيس مجلس الشارقة للإعلام، أنّ المنتدى الدولي للاتصال الحكومي، حدث يتجاوز في وظيفته مجرد البحث في الخطاب الرسمي الموجه للجمهور، ليغوص عميقا في أصل العلاقات البشرية، حيث فكرة التواصل والاتصال، من خلال الاتصال تتوثق العلاقات، وتصان القيم، وتحمى المبادئ، وتنهض الأمم.
كلمة رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
وتحدّث الأمير تركي الفيصل بن عبدالعزيز آل سعود، رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، ضيف شرف المنتدى، خلال كلمته التي ألقاها في مراسم الافتتاح، عن تجربة إمارة الشارقة الحضارية وما يقوده الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، من مشروع تنموي شامل.
وقال ضيف شرف المنتدى: «لا يفوتني أن أعبر عن مدى التقدير الذي أكنه لسموه، لما امتاز به من علم وثقافة وحكمة وحسن إدارة، جعلت من إمارة الشارقة نموذجا وصرحا يشار له بالبنان، في إطار اتحاد عربي ناجح متمثلا بدولة الإمارات العربية المتحدة، وما تشهده من رخاء وتقدم وازدهار».
وتابع الأمير تركي الفيصل، أنّنا نعيش في عالم واحد رغم كل ما واجهته البشرية من ويلات، وهذه الحقيقة متجسّدة بشكل جلي في ما يعيشه عالمنا اليوم من تقدم في مختلف المجالات، وفي ظل عولمة اقتصادية ومالية وإعلامية، فرضت تشابك مصالح العالم وتداخل فضاءاته المختلفة حتى أصبح عالما واحدا، وليس أدل على ذلك أكثر مما أكدته جائحة كورونا، التي لم تميّز بين البشر والدول والقارات ولم تعترف بالحدود السياسية والطبيعية القائمة بين الدول، إنّ وحدانية عالمنا تحتم علينا أن نسعى دائما إلى العمل، على أن يكون تقدم عالمنا وتواصلنا محكوم بما يحقق مصلحة الإنسان الذي هو غاية بنفسها.
إدارة تحولات النظام الدولي القائم لصياغة نظام جديد
وأضاف الفيصل، أنّ التحدي الأكبر اليوم أمام العالم، هو إدارة التحولات الجارية في النظام الدولي القائم بهدف صياغة نظام دولي جديد، وإعادة هيكلته ليعبر عن موازين القوى الدولية القائمة، ويستوعب المتغيرات العالمية في المستويات كافة، بما يستجيب لتطلعات دول العالم في إيجاد نظام دولي عادل يوفر بيئة استراتيجية للدول لتكيف سياساتها بما يحفظ مصالحها الخاصة، ويوجد عالم يسوده الأمن والاستقرار.
ولفت رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، إلى أنّ الفشل في مواجهة هذا التحدي سيقود إلى صراعات دولية، العالم في غنى عنها، وتهدد ما أنجزته البشرية خلال العقود الماضية من إنجازات في كافة المجالات بما في ذلك مستقبل العولمة. ونحن اليوم على حافة تحول قد يعيدنا إلى الصراع بين الدول العظمى يهدد إنجازاتنا البشرية.
كلمة أمين عام جامعة الدول العربية
من جانبه، قال أحمد أبوالغيط، أمين عام جامعة الدول العربية، خلال كلمته في حفل الافتتاح: «انطلق المنتدى في عام 2012 بفضل رؤية حكيمة وجهود مدروسة، ليشكل حلقة مهمة في مسار التغيير الذي ننشده جميعا، وأظن أنّ هذا التاريخ له دلالة مهمة، فمن بعد الأحداث العاصفة في 2011، التي أفضت إلى ما أفضت إليه من أزمات ما زلنا نعاني منها إلى اليوم في أكثر من مكان بعالمنا العربي، أقول إنّ هذه الأحداث مثلت دافعا لإعادة النظر والتفكير، فجزء كبيرٌ من المشكلات كان ناجما عن حالة غير صحيّة من الانفصال بين الحكومات والشعوب».
المعرفة تضع الناس والحكومات في قاربٍ واحد
وأضاف أبوالغيط، أنّ إشراك الشعوب يبدأ بإشاعة المعرفة بحجم التحديات وعمق المشكلات التي يواجهها المجتمع، وليس صحيحا أنّ هذه المعرفة تشيع اليأس أو تضعف شعبية الحكومات، بل الصحيح أنّها تضع الناس والحكومات في قاربٍ واحد، وتعيد تشكيل الخطاب السياسي على أساس من الواقع القائم، وليس الوعي الزائف أو الشعارات الكاذبة.
وعن تأثير الأزمة الصحية العالمية على مكانة ودور الاتصال الحكومي، قال أمين عام جامعة الدول العربية: «رأينا جميعا ما كشفت عنه تجربة كوفيد-19 في العامين الماضيين، من تأثير الاتصال الحكومي الناجح في أداء الحكومات في وقت الأزمة، فقد صار واضحا أنّ الحكومات التي تتمتع بقنوات مفتوحة مع شعوبها، وثقة متبادلة بينها وبين الجمهور، تمكنت من إدارة الأزمة على نحوٍ أفضل، ومن قراءة الواقع بصورة أكثر دقة، ومن تأدية واجبها في التوجيه والضبط والتوعية على نحو أسرع وأكثر كفاءة».
كلمة الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية
بدوره، أكد الدكتور نايف الحجرف، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، أنّ التواصل الحكومي الفعال لا يمكن أن تتحقق أهدافه دون أن يكون الإعلام الخاص رافدا له ومساندا في إيصال رسالته، فالأهداف الوطنية الكبرى وتحقيقها وحمايتها هي مسؤولية الجميع، والوقوف في وجه المشككين والمثبطين بأهمية الاتصال الحكومي ودوره البنّاء هي مسؤولية وطنية للذود عن ثوابت ومقدرات أي مجتمع، ولا يمكن لذلك أن يتحقق دون وجود ميثاق يحكم الفضاء المفتوح، وينظم ما يحتويه من أخبار ومعلومات اختلط فيه الغث والسمين، وأصبح المتلقي في حيرة من يصدق.
الحجرف: التشكيك والتربص أضاع جهود حكومات دول العالم وهي تكافح وباء كورونا
وأضاف الحجرف: «لعل لنا في جائحة كورونا وما مر به العالم خلال العام 2020 خير عبرة ودليل، فما بين مشكك ومتربص وما بين مسوق لنظرية المؤامرة ومؤمن بها، ضاعت جهود حكومات دول العالم وهي تكافح هذا الوباء، وتم التقليل من جهود العاملين في الصفوف الأمامية من قبل أصوات استغلت الفضاء المفتوح غير المنظم، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة، بحيث أصبح الفضاء المفتوح غير المنظم مصدر المعلومة الموثوق لدى عدد كبير جدا من المتلقين والعامة، ولا يقل تأثيره أيضا على النخب والمطلعين، الأمر الذي فرض على الجهات الرسمية والمؤسسات الكبرى إنشاء حسابات في منصات التواصل الاجتماعي للتفاعل مع ما يطرح من خلالها بل والعمل على مدار الساعة لمتابعتها.
كلمة مدير عام المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة
وأشار سعادة طارق سعيد علاي، مدير عام المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، في كلمته خلال الافتتاح، إلى أنّ الدورة الحالية للمنتدى تنعقد بعد أزمة صحية عالمية سبّبت تحولات حادة في شكل الحياة الذي اعتدنا عليها، ووضعت أكثر من 4 مليارات إنسان حول العالم في الحجر المنزلي بنهاية العام الماضي، وغيّرت أنماط العمل والتعليم وشكل الترفيه وصناعة المحتوى وطبيعة العلاقة بين الأفراد والمؤسسات والمجتمعات، مؤكدا أنّ هذه الحقائق تضع الاتصال الحكومي أمام أسئلة جوهريّة تطرحها منصة المنتدى الدولي للاتصال الحكومي.
استثمار التجارب الحيّة المختلفة للوصول إلى أفضل النتائج
وأوضح علاي أهمية استثمار التجارب الحيّة المختلفة من أجل الوصول إلى أفضل النتائج، مستعرضا تجربة دولة الإمارات الرائدة، قائلا: «خلال أقل من 50 عاما وصلنا إلى مراكز متقدمة على المؤشرات التنموية العالمية، وفي المدة نفسها وصل مشروع الشارقة للعالمية، وترك آثاره في مسيرة المنطقة وشعوب العالم أجمع، وكل هذه المنجزات تعود للكثير من العوامل، ومن أبرزها التعلم من التجربة الحيّة، وهو العامل الذي تستند إليه الدورة العاشرة للمنتدى».
وأوضح مدير عام المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، أنّ شعار المنتدى (دروس الماضيْ وتطلعات المستقبل)، يضع الحاضرَ في محور الفعل والاهتمام، لأنَ دروس الماضي تقاس بأثرها في الحاضر، وتطلعاتَ المستقبل تصنَع الآن في هذه اللحظة الحاضرة.
وتخلّل حفل الافتتاح عرض فيلم مرئي يعكس أهمية الاتصال الحكومي، ودوره في نقل الصور والأحداث المتنوعة في مشاعر الفرح والحزن والتضامن، وغيرها من الأحداث التي أثرت في العالم كافة.
وتجوّل الشيخ سلطان بن أحمد بن سلطان القاسمي نائب حاكم الشارقة، والحضور، بعد حفل الافتتاح في أروقة المنتدى، واطلع على الفعاليات المصاحبة، كما تفقد أجنحة عدد من الجهات والمؤسسات والدوائر المشاركة.
وتجمع الدورة العاشرة للمنتدى 79 خبيرا في الاتصال من 11 دولة عربية وأجنبية، يشاركون في 31 فعالية تتوزع بين 7 جلسات حوارية و5 خطابات ملهمة و7 ورش تدريبية و12 منصة تفاعلية، بهدف مناقشة آليات إدارة الأزمات بأساليب اتصال مبتكرة ومعاصرة، وتحديد مستقبل خطاب الحكومات للجمهور وحجم الشراكة التي تجمعهم في صناعة القرار، والتركيز على التجارب التاريخية في الاتصال الحكومي، وأهم المحطات الماضية وصولا إلى الحاضر وما رافقه من تحولات ليستشرف المنتدى بعد 10 أعوام على انعقاده مستقبل الاتصال الحكومي إقليميا وعالميا.