
تحتفل مصر والقوات المسلحة في الرابع عشر من شهر أكتوبر من كل عام، بعيد القوات الجوية ، ذلك اليوم الذي سطر فيه نسور مصر، ملحمة وطنية وعسكرية كانت ولا تزال تدرس حتى الآن في كبرى المعاهد العسكرية العالمية.
ففي الرابع عشر من شهر أكتوبر عام 73، ظن العدو الإٍسرائيلي أنه بإمكانه أن يصول ويجول فى سمائنا الغالية، دون أن يجد من يردعه، فحدث ما لم يدر بخلده، حيث كان الرد عنيفًا ومزلزلًا، ليفقده توازنه وتتحطم آماله.
فتحطمت آمال العدو الإسرائيلي في ذلك اليوم في أطول معركة جوية في العصر الحديث، حيث لقنت "معركة المنصورة الجوية"، العدو، أعظم الدروس، وبرهنت على مدى الجاهزية والكفاءة العالية لنسور الجو، الذين تصدوا ببراعة وجسارة لتلك الهجمة الشرسة قبل أن تصل طائراته لأهدافها رغم تفوقها «الكمى والنوعى».
وكانت المفاجأة الصادمة لهم حين قام نسور الجو وبتوظيف أمثلٍ لما لديهم من إمكانيات بالإشتباك فى معارك جوية مع طائراته لأكثر من 53 دقيقة وبمشاركة أكثر من 150 طائرة من الجانبين فى معركة جوية هي الأطول فى تاريخ الحروب الحديثة تكبد فيها العدو خسائر فادحة، وصلت إلى 18 طائرة، بالإضافة إلى عجز باقى طائراته عن مواصلة القتال فلاذوا بالفرار تجنبًا لمزيد من الخسائر.
تطويرالقوات الجوية
إن تطوير القوات الجوية يعتبر من الإجراءات التى تحتاج إلى تخطيط طويل المدى لأنه يتأثر بمجموعة من العوامل والإعتبارات منها المتغيرات الدولية والإقليمية بالمنطقة وتأثيرها على الأمن القومى المصرى والعربى، كذلك طبيعة وحجم العدائيات والتهديدات التى تواجهها الدولة والمستجدات التى تطرأ عليها، أيضًا طبيعة وحجم المهام المستقبلية للقوات الجوية، كما يؤثر الموقف الإقتصادى للدولة على تطوير القوات الجوية تأثيراً مباشراً، وأخيراً الظروف السياسية التى تمر بها الدولة سواء على المستوى الإقليمى أو الدولى.
ولكى يساهم التطوير فى تحقيق أهدافه فإنه من الضرورى تحقيق مطلبين أساسيين، هما تحقيق التفوق النوعى والكمى أو على الأقل القدرة على إحداث خسائر فى العدو غير مقبولة لديه، وتحقيق الفاعلية للقوات الجوية لتنفيذ كافة المهام المكلفة بها.
الطرازات الجديدة التي دخلت الخدمة بالقوات الجوية
في إطار حرص القيادة العامة للقوات المسلحة على التحديث المستمر لقدرات وإمكانيات القوات الجوية ، لدورها الحيوي في منظومة الدفاع المصرية، فقد تم دعم القوات الجوية بالعديد من الطرازات الحديثة، ومن مصادر متعددة وفق إستراتيجية مصر في تنويع مصادر السلاح.
وفى هذا المجال، حصلت مصر على الطائرات متعددة المهام "الرافال - ميج ٢٩"، والتى تعد من أحدث طائرات الجيل الرابع، لما تملكه من نظم تسليح وإمكانيات فنية وقتالية عالية، كما تم تدعيم القوات الجوية بعدد كبير من الهليكوبتر المسلح الهجومية من طراز كاموف، وعدد من أنظمة الطائرات الموجهة المسلحة بدون طيار، وطائرات النقل من طراز "كاسا - اليوشن 76"، بالإضافة لتدبير كافة أنواع الصواريخ والذخائر والمساعدات الفنية والأرضية الخاصة بالطائرات بما يتناسب مع متطلباتنا العملياتية ليصبح لدينا منظومة متكاملة من أحدث الطائرات متعددة المهام والنقل والإنذار المبكر والإستطلاع والهليكوبتر الهجومى والمسلح والخدمة العامة من مختلف دول العالم .
إعداد وتأهيل مقاتلى القوات الجوية وطلبة الكلية الجوية
إن التدريب هو العنصر الفعال فى تطوير خطط العمليات وفكر الإستخدام لتحقيق مهام القوات الجوية، والتدريب فى القوات الجوية يتم على عدة مراحل تبدأ بالكلية الجوية والتى تعتبر حجر الأساس لضخ دماء جديدة من الطيارين والجويين داخل صفوف القوات الجوية، وتستخدم الكلية الجوية أحدث الوسائل والمعامل ومحاكيات الطيران بهدف تطوير العملية التعليمية وتدريس أحدث المناهج فى العالم ويتم ذلك فى جناح المعرفة داخل الكلية والذى يتلقى فيه الطلاب المحاضرات والمناهج النظرية.
فضلاً عن وجود محاكيات لأحدث طائرات التدريب فى العالم ومحاكيات الإقتراب الرادارى لمواكبة التكنولوجيا المتسارعة، كما يتم إعداد الطالب نفسياً وبدنياً بواسطة متخصصين وبأحدث الأجهزة والمعدات لتحقيق أعلى معدلات الأداء التى يتطلبها الطيران فى المراحل المختلفة داخل الكلية، وبعد التخرج منها للعمل داخل التشكيلات.
وتم إنشاء مدرسة معلمى طيران هليكوبتر تتيح للضباط مدرسين الطيران قسم هليكوبتر أن يكون معلم طيران مؤهل خريج مدرسة معلمى الطيران، كما حصلت الكلية على المركز الأول في مسابقة جودة التعليم، وكذلك إعتماد الكلية مجال الجودة وحصول على 5 شهادات أيزو معتمدة فى مجال الجودة أيزو ٩٠٠١ في إدارة نظام الجودة ، وأيزو ١٤٠٠1 نظام البيئة ، وأيزو ٤٥٠٠1 للسلامة والصحة المهنية ، وأيزو 2٢٠٠٠ فى سلامة الغذاء ، وأيزو 2١٠٠1 أنظمة إدارة جودة المنشآت التعليمية.
وإستكمالا لمنظومة التدريب والتأهيل يأتى معهد دراسات الحرب الجوية الذى يضاهى أفضل معاهد الحرب الجوية فى العالم لتأهيل الضباط فى مختلف التخصصات، وأيضا مراكز إعداد الفنيين لتأهيل وإعداد كوادر فنية على مستوى عال من الكفاءة للتعامل مع الطائرات والمعدات الحديثة ، إلى جانب التأهيل التخصصى الذى يتم داخل التشكيلات للتدريب على فنون القتال الحديثة فى ظل التقدم الهائل للطائرات وأنظمة التسليح المتطورة.
التأمين الفني والهندسي والطبي
تمتلك القوات الجوية منظومة عمل فنية تضمن لها المحافظة على التأمين الفنى للطائرات والمعدات، بحيث تعمل جهات التأمين الفنى بالقوات الجوية من خلال الإدارة المتكاملة لأنشطة التخطيط والتأمين الفني والبحوث والتطورات الفنية وفق منظومة من الجودة الشاملة بتقديم الدعم الفني المتكامل لجميع طرازات طائرات القوات الجوية من "عمرة طائرات - مد العمر الفنى - إصلاح رئيسى ومتوسط وتقنيات موسعة - تصنيع أجزاء ومعايرة أجهزة الإختبار".
مع التطوير المستمر لزيادة قدراتها القتالية وتزويدها بالأجهزة الملاحية والرادارية الحديثة لمضاهاة أحدث طائرات القتال، بالإضافة إلى الإشتراك مع باقى أجهزة القوات الجوية فى مراحل التدبير والتحديث والتطوير للمعدات الجوية وأنظمة التسليح مع تحقيق الإستعداد القتالى الدائم والمستمر بكفاءة عالية أثناء العمليات.
ثانيا : فى مجال التأمين الهندسى :
تتمثل أعمال التأمين الهندسى للقوات الجوية فى تجهيز مسرح العمليات لضمان إستمرار تدريب وعمل القوات الجوية فى السلم والحرب، ووقايتها أثناء تمركزها وإنتشارها ، ويتطلب ذلك الإحتفاظ بدرجة إستعداد وكفاءة عالية لعناصر المهندسين العسكريين بالقواعد الجوية والمطارات لتكون قادرة على إحباط محاولات العدو التى تستهدف تعطيل أو تدمير القواعد الجوية والمطارات وتتمثل هذه الأعمال فى إنشاء ورفع كفاءة الممرات والدشم وهناجر الصيانة للطائرات والمعدات ، بالإضافة إلى المنشآت الإدارية.
ثالثا : فى مجال التأمين الطبى
توفر القوات الجوية الرعاية الطبية الشاملة للضباط وضباط الصف والجنود وكذا القيام بالكشف الطبى على الطلبة الجدد المتقدمين للإلتحاق بالكلية الجوية، وتتم الرعاية الطبية بواسطة أطباء متخصصين ذو كفاءة عالية مستخدمين أحدث الأجهزة الطبية فى جميع التخصصات وكذا أطقم إدارية وتمريض على مستوى فني وإدارى مميز، كما يقوم معهد طب الطيران والفضاء بالتدريب الفسيولوجى للطيارين لتحسين الآداء الفسيولوجى لهم.
وينفذ المعهد بعض المهام الإختبارية للطلبة المتقدمين للإلتحاق بالكلية الجوية بأحدث الأجهزة المخصصة لذلك مثل أجهزة الطارد المركزى ومحاكى الطيران وغرف الضغط المنخفض لإنتقاء أفضل العناصر القادرة على تنفيذ المهام المطلوبة.
تدريبات جوية مشتركة
نتيجة رفع القدرات القتالية وتسليح القوات الجوية بأحدث معدات القتال، سعت الدول الشقيقة والصديقة إلى تنفيذ تدريبات مشتركة داخل أو خارج حدود الدولة وتم البعض منها فى توقيتات متزامنة وشملت مدارس عسكرية متنوعة بصورة تؤكد قدرة القوات الجوية على تنفيذ أى تدريب بكل مهارة وكفاءة قتالية عالية.
ومن تلك التدريبات التدريب المشترك مع الدول الشقيقة (فيصل مع الجانب السعودى - عين جالوت مع الجانب الأردنى - اليرموك مع الجانب الكويتى - زايد مع الجانب الإماراتى) ودول صديقة مثل تدريب النجم الساطع مع الجانب الأمريكى والبريطانى والفرنسى والايطالى - كليوباترا مع الجانب الفرنسى - ميدوزا مع الجانب اليونانى".
وفى إطار تلك التدريبات يتم الإستفادة من تبادل الخبرات ومهارات القتال المتنوعة مما يزيد من قدراتنا القتالية على مختلف الإتجاهات وتقوم القوات الجوية بتنفيذ مجهود جوى كبير خلال هذه التدريبات حتى تحقق أقصى إستفادة فى جميع التدريبات المختلفة، بالإضافة إلى متابعة ما يتخذه الجانب الأخر من إجراءات للتحضير والإعداد وتنفيذ إدارة أعمال القتال للخروج بالدروس المستفادة وتعميمها على القوات الجوية ، وكانت قواتنا الجوية دائماً محل تقدير الدول المشاركة وظهر ذلك في رغبة العديد من الدول في المشاركة فى هذه التدريبات لنقل الخبرات المصرية إليها.
القوات الجوية والحرب على الإرهاب
في إطار حرص القيادة السياسية على استمرار الحرب على الإرهاب حتى يتم إقتلاع جذوره، وتأكيدها الدائم على أن مواجهة الإرهاب بجسم وقوة باتت واجبة على المستويات كافة من خلال إستراتيجية شاملة، ومن هذا المنطق أصبحت الحرب على الإرهاب من المهام المستحدثة التى تم تكليف القوات الجوية بها بالاشتراك مع أفرع القوات المسلحة.
إشتملت على طلعات مهاجمة البؤر الإرهابية وإحباط الكثير من عمليات التسلل والتهريب عبر الحدود على مختلف الإتجاهات الاستراتيجية ، وقد ظهر هذا الدور جلياً خلال عملية حق الشهيد فى سيناء ، ونظراً لتصاعد التهديدات المؤثرة على الأمن القومى المصرى، قامت القوات الجوية بتنفيذ عمليات خارج حدود الدولة عندما قامت بضرب معاقل داعش في ليبيا والمشاركة فى التحالف العربى بعملية عاصفة الحزم وإعادة الأمل، ولا تزال القوات الجوية تقوم بتنفيذ مهامها في القضاء على الإرهاب داخل وخارج حدود الوطن وعلى مدار الساعة.
خدمة المجتمع المدنى
تقوم القوات الجوية تقوم بدور مهم لصالح أجهزة الدولة والقطاع المدنى لما لها من قدرة على رد الفعل السريع فى مواجهة الكوارث الطبيعية ، فتكون دائماً فى طليعة الأجهزة التى تبادر بالتدخل السريع فى مواجهة الكوارث الطبيعية وإستطلاع المناطق المنكوبة والمعزولة لتحديد حجم الخسائر وتنفيذ أعمال الإخلاء للجرحى والمصابين والنقل السريع والإمداد بمواد الإغاثة للمتضررين وكذلك مكافحة الحرائق بالهليكوبترات ومراقبة شواطئنا ومياهنا الإقليمية من التلوث الناتج عن السفن.
كما تشارك قواتنا الجوية بطائراتها فى مجال البحث والإنقاذ والإسعاف الطائر والإخلاء الطبى ومكافحة الزراعات المخدرة وهناك تنسيق كامل بين وزارة الداخلية متمثلة في "إدارة مكافحة المخدرات" والقوات الجوية وبالتعاون مع قوات حرس الحدود، كما تقوم بتنفيذ مشاريع التصوير المساحى لصالح هيئات ووزارات الدولة اللازمة لأعمال التنمية الزراعية / التخطيط العمرانى / النقل والطرق ، كما تقوم القوات الجوية بنقل مواد الإغاثة إلى الدول المتضررة من الكوارث الطبيعية.
القوات الجوية وموجهة فيروس كورونا المستجد
فيروس كورونا المستجد "كوفيد – ١٩" أصبح هو التهديد الأكبر الذى يواجه كافة الدول على مستوى العالم، لذلك، اتخذت القوات الجوية ضمن منظومة القوات المسلحة خطوات جادة منذ بداية ظهور الفيروس للحد من إنتشاره، وإتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية للوقاية من إنتشاره بجميع وحدات القوات الجوية بالعديد من الإجراءات للحفاظ على الفرد المقاتل.
ومن أبرز هذه الإجراءات بث الوعى لدى "الضباط - الطلبة - الدرجات الأخرى" بمدى خطورة التهاون فى إتخاذ الإجراءات الاحترازية، كذلك توقيع الفحص الطبى لجميع مقاتلى القوات الجوية قبل الدخول إلى وحداتهم، وتوفير أماكن عزل مجهزة بجميع وحدات القوات الجوية، كما تم تجهيز المستشفيات بحيث تكون قادرة على تقديم الرعاية الطبية اللازمة للحالات التي يتم إكتشافها.
أسر الشهداء
إن الوفاء ورد الجميل هو صفة أصيلة داخل القوات الجوية عن طريق الإهتمام بأبناء وأسر الشهداء في لمسة وفاء لمن ضحوا بأرواحهم لرفعة وطنهم الغالي، لذا أنشأت القوات الجوية منظومة خاصة بأسر الشهداء لتحقيق التواصل معهم بشكل مستمر وتقديم العون لهم فى جميع المجالات المختلفة داخل القوات المسلحة أو بالقطاع المدنى.
كما تقوم القوات الجوية بإستخراج البطاقات العلاجية لأسر الشهداء ومتابعة حالتهم الصحية بشكل كامل بمستشفى القوات الجوية وتوالى القوات الجوية الإهتمام بشكل خاص بإستخراج كارنيهات العضوية لـ "دار القوات الجوية – نوادى القوات المسلحة"، كما تقوم بترشيح أسر الشهداء لأداء فريضة الحج ومناسك العمرة ضمن بعثة إدارة الشئون المعنوية.
ويتجلى الوفاء والعرفان بالجميل من القوات الجوية بعدم نسيان دعوة أسر الشهداء فى إحتفالات القوات الجوية بالمناسبات المختلفة ليعلموا علم اليقين أن الدور الذى قام به شهداؤنا الأبرار لا ينسى أبداً مهما مرت الأيام والسنين فهم من قدموا أغلى ما لديهم ليحيا وطننا الغالى مصر فى أمان وعزة وكرامة.