ألقى قداسة البابا تواضروس الثاني، عظة في القداس عقب تدشين كنيسة مارمرقس المعادي، قال فيها:
باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين.
تحل علينا نعمته ورحمته وبركته من الآن وإلى الأبد آمين.
إخريستوس آنيستي.. أليثوس آنيستي
المسيح قام.. بالحقيقة قام
إنجيل هذا الصباح هو الأحد الثالث في الخمسين المقدسة، رحلة الخمسين هي الأيام التي نحتفل فيها بالقيامة وتمتد إلى خمسين يومًا. فعيد القيامة كأنه يوم أحد طويل يمتد باتساع سبعة أسابيع واليوم الخمسين هو يوم حلول الروح القدس، والخمسين المقدسة هي التي نحتفل فيها بالقيامة، ولكي نفهم مقدار وعظمة القيامة؛ فنحن نحتفل بعيد الميلاد لمدة ستة أيام، ونحتفل بعيد الغطاس لمدة ثلاثة أيام، وأما عيد القيامة فنحتفل به لمدة خمسين يومًا. والخمسون يومًا مقسمون إلى آحاد، كل يوم أحد هو محطة تظهر طبيعة الرحلة.
الأحد الأول: يسمى بأحد الإيمان أو الأحد الجديد (أحد توما)، وهو الأحد الذي يُعلن فيه إيمان توما ويصرخ قائلًا: “ربي وإلهي”، ويسمى بأحد الإيمان لأن الرحلة مع السيد المسيح تحتاج إلى إيمان قوى.
الأحد الثاني: السيد المسيح هو خبز الحياة، أي رحلة تحتاج إلى خبز، فخبزنا في رحلة حياتنا هو مسيحنا.
الأحد الثالث: السيد المسيح ماء الحياة، أي رحلة تحتاج إلى ماء.
الأحد الرابع: هو أحد النور، أي رحلة تحتاج إلى نور في الطريق.
الأحد الخامس: هو أحد الطريق، أي رحلة تحتاج إلى خريطة للسير بها.
الأحد السادس: هو أحد الفرح، أي رحلة تسبب فرحًا للإنسان.
الأحد السابع: هو أحد حلول الروح القدس.
وأحد اليوم هو أحد المسيح ماء الحياة، الكنيسة تختار مقابلة السيد المسيح مع المرأة السامرية ونصلي بها ثلاثة مرات في السنة.
المرة الأولى: في الأحد الرابع في الصوم الكبير، ويسمى بأحد “النُّص” (منتصف الصوم) ويكون الهدف من قراءتها في هذه المناسبة من أجل التوبة، فهي تابت وبشرت مدينتها.
المرة الثانية: في الأحد الثالث من الخمسين المقدسة، نركز على ماء الحياة.
المرة الثالثة: في السجدة الثالثة يوم حلول الروح القدس التي تُصلي مساءًا.
واليوم هو الأحد الثالث من الخمسين المقدسة نُركز على ماء الحياة كما حدث السيد المسيح المرأة السامرية عنه، الماء هو سائل الحياة، فإذا وجدت المياه وجدت الحياة والتركيبة الكيمائية للمياه هي التركيبة الأساسية للحياة.
تاريخ المياه في الكتاب المقدس هو تاريخ طويل جدًّا، فأول مرة نسمع عن المياه كانت مدمرة في الطوفان، ونسمع عن المياه المطهرة في المرحضة (في خيمة الاجتماع)، أما السيد المسيح فيتكلم عن نوع جديد من المياه هي المياه المحيية التي تُعطي حياة للإنسان.
السيد المسيح وهو على الصليب قال:”أَنَا عَطْشَانُ” ، فهو عطشان لنفوسنا التائبة “طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ” (مت ٥: ٦)، و نستبدل كلمة “البر” بـ”المسيح” فتكون: طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى المسيح، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ، فصار الإنسان له احتياج ليس فقط للماء العادي ولكن أيضًا للماء المحيي الذي يعطي حياة، كما يقول المزمور الأول “فَيَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ مَجَارِي الْمِيَاه “(مز ١: ٣). فالمياه الجارية مقصود بها مياه النعمة الجارية. وكما يقول داود في مزموره “كَمَا يَشْتَاقُ الإِيَّلُ إِلَى جَدَاوِلِ الْمِيَاهِ، هكَذَا تَشْتَاقُ نَفْسِي إِلَيْكَ يَا اللهُ.” (مز ٤٢: ١)، فنربط بين المياه والاشتياق لله.
داوود النبي يضع أمامنا مقياسًا لكل منا، هل لدينا هذا الاشتياق؟، وهل هذا الاشتياق حاضر عندنا باستمرار؟، هل لديك الإحساس الكامل أنه لا يرويك ولا يفرحك إلا الله؟ فمن المؤكد إن جميعنا قد أحس بشعور الاشتياق لله.
فلكي ما تشتاق وتعيش وترتوي من ماء الحياة، لديك ثلاثة مجالات:
المجال الأول: هو كلمة الله المقدسة في إنجيله الذي يروي الإنسان ويشعره بالشبع، فتختلف طرقنا في قراءة الإنجيل، فمنا من يقرأ للدراسة ومنا من يقرأ لكي يفهم ويعيش ويرتوي وكأن كلمة الله كُتبت خصيصًا لأجله كما في المزمور الأول “وَفِي نَامُوسِهِ يَلْهَجُ نَهَارًا وَلَيْلًا” (مز ١: ٢). كلمة الله الحية المقروءة في كل البيوت هي التي تروي النفوس فكما هو مكتوب “عِنْدَ كَثْرَةِ هُمُومِي فِي دَاخِلِي، تَعْزِيَاتُكَ تُلَذِّذُ نَفْسِي.” (مز ٩٤: ١٩).
فماء الحياة الذي يتكلم عنه السيد المسيح للمرأة السامرية اليوم هو أحد روافد الحياة التي يشبع منها الإنسان، فهو كلمة الله المقدسة، إنجيلك وأنت تقرأه يكون وسيلة صلاة وجهاد روحي والماء يُطهر ويُنقى الإنسان، فأول مجال نأخذ منه ماء الحياة هو الكلمة المقدسة.
المجال الثاني: هو ممارسة الأسرار المقدسة بوعي، مثل سر التوبة والاعتراف وسر التناول، وهذا ما نسميه بمجاري المياه. فمن خلال ممارسة الأسرار نأخذ ماء الحياة الذي يُشعرك بالشبع والارتواء.
المجال الثالث: هو مجال الخدمة، فهو مجال الخروج من الأنانية، مثال المرأة السامرية التي كانت لديها شعور الانانية ولكن عندما شبعت بالسيد المسيح “فَتَرَكَتِ الْمَرْأَةُ جَرَّتَهَا” وتركت الارضيات وذهبت تكرز وتخدم أهل مدينتها، وصارت أمامنا كقديسة. وبعد أن طلب أهل السامرة من السيد المسيح أن يمكث معهم، “فقَالُوا لِلْمَرْأَةِ: «إِنَّنَا لَسْنَا بَعْدُ بِسَبَبِ كَلاَمِكِ نُؤْمِنُ، لأَنَّنَا نَحْنُ قَدْ سَمِعْنَا وَنَعْلَمُ أَنَّ هذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ الْمَسِيحُ مُخَلِّصُ الْعَالَمِ” (يو 4٤ ٤٢). فـأول من أطلق كلمة “مخلص العالم” على المسيح هم أهل السامرة، والسبب كان خدمة المرأة السامرية لهم، فالخدمة هي مجال الخروج من الانانية.
فهذا هو أحد المسيح ماء الحياة، فنتعرف على ماء الحياة من خلال:
١- الكلمة المقدسة.
٢- ممارسة الأسرار المقدسة.
٣- الخدمة المقدسة.
ومن خلال هذه الثلاثة مجالات، يشبع الإنسان ويختبر اختبار داود النبي “كَمَا يَشْتَاقُ الإِيَّلُ إِلَى جَدَاوِلِ الْمِيَاهِ، هكَذَا تَشْتَاقُ نَفْسِي إِلَيْكَ يَا اللهُ.” (مز ٤٢: ١).
اليوم هو يوم فرح، فهذا القداس هو الأول الذي أصليه بالكنيسة، ونأخذ بركة القديس مارمرقس الرسول وبركة نيافة أنبا دانيال وبركة الآباء المطارنة والأساقفة الحاضرين معنا والكهنة والشمامسة وكل الشعب، ونفرح بكنيستكم الجميلة، وندشن بعض المذابح بها وبعض أيقونات الشرقية، فيوم التدشين يكون يوم فرح فهو متناسب اليوم مع المرأة السامرية التي شبعت من ماء الحياة.
يباركنا مسيحنا بكل بركة روحية ويحفظكم في سلام الله ويعطينا دائمًا أن نمجده، له كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد. آمين.