يحتفل المصريون في يوم 21 مارس من كل عام بحلول عيد الأم، وهي مناسبة يحييها كل مصري على وجه البسيطة، يتبادل خلالها المحتفلون الهدايا مع أمهاتهم.
الأمومة الروحية
وفي عيد الأم، يؤمن الأقباط بالأمومة الروحية، حيث يعتبرون أن القديسات هن أمهاتهم الروحيات، حيث تملأ سير القديسات جميع كنائس العالم، بينما تعتبر للقديسات المصريات سيرة خاصة ومحبة خاصة في قلوب الجميع، بل وفضل خاص على جميع بلدان العالم، لاسيما القديسة دميانة التي كانت أما مثالية لأربعين فتاة عذراء.
شيدت أول دير نسائي في العالم كله
وقال الباحث مينا لويس المتخصص في التاريخ الكنسي في تصريح خاص، إن الشهيدة المصرية "دميانة" دفعت حياتها ثمنًا للاعتراف بالإيمان المسيحي ورفض عبادة الأصنام، في القرن الثالث الميلادي، وذلك بعدما شيدت أول دير نسائي في العالم كله، لتصل "مصر" بذلك إلى الصدارة في الشأن الرهباني، حيث كان أول راهب في العالم مصري الجنسية وهو الملياردير المصري أنطونيوس الكبير، والذي ولد في بني سويف، وكذلك أول راهبة أيضًا وهي دميانة ابنة والى "البرلس".
وديرها المقام بمنطقة البراري، والذي يضم عدد كبير من الراهبات القبطيات الأرثوذكس، اللواتي يرتدين الزي الأسود، ويعتكفن في ديرهن طوال العام ، متفرغات للصوم والصلاة فقط، بالإضافة إلى العمل الذي يخصص لكل منهن.
كما يشرف على ذلك الدير أحد كبار مطارنة الكنيسة، وهو الأنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ، ويستقبل الدير في تلك الاحتفالات أفواجًا يُقدر عدد الزوار بها بعشرات الألوف الذين يحضرون لنوال بركة الشهيدة المصرية، والإيفاء بالنذور وطلب الطلبات.
حياتها
التاريخ الكنسي كشف عن حياة أول فتاة تتفرغ للصوم والصلاة في العالم، حيث ولدت دميانة ابنة الوالي مرقس، والي منطقة البرلس والزعفران، في أواخر القرن الثالث الميلادي، من والدين مسيحيين، في عصر اشتدت فيه عبادة الوثن والصنم والشرك بالله، إلا أنه بعد فترة من إتمامها العام الأول توفيت والدتها، لتكمل بقية عمرها يتيمة الأم، وفي سن الثامن عشرة، وبعدما رفضت "دميانة" الزواج بشكل رسمي، بنى لها والدها الوالي، قصرًا كبيرًا في منطقة الزعفران، لتتفرغ فيه للعبادة والصوم والصلوات، ولم يكن الأمر مقتصرًا على "دميانة" فحسب، بل ضم ذلك القصر 40 فتاة أخرى جميعهن من العذراوات اللواتي لم يعرفن الرجال، حيث كون الواحد والأربعون فتاة فريقًا تفرغ تمامًا للصوم والصلاة والعبادة، برئاسة "دميانة" ابنة مرقس والي البرلس.
والدها أنكر الإيمان المسيحي بالاستجابة للامبراطور "دقلديانوس"
يؤكد التاريخ الكنسي للكنيسة المصرية، أن "مرقس" والي البرلس، ووالد "دميانة" التي تحتفل الكنيسة بها في شهر مايو من كل عام، أنكر الإيمان المسيحي بالاستجابة للإمبراطور "دقلديانوس"- وهو أشهر أباطرة الرومان في اضطهاد المسيحيين في ذلك العصر، حيث سالت على يديه دماء ما يقرب من مليون مسيحي- من خلال تقديم البخور إلى الآلهة الوثنية المصنوعة من حجر.
إلا أن ابنته "دميانة" خرجت من اعتكافها وتفرغها الدائم للصلوات، لتلتقيه لتدفعه للعدول عن قراره الأخير وإعلان ايمانه بالمسيحية، حتى وان تسبب ذلك في موته، حيث وبحسب التاريخ الكنسي، أرسلت دميانة لوالدها رسالة نصية كانت كالاتي: "كنت أود أن أسمع خبر موتك عن أن تترك الإله الحقيقي"، كما قالت له: "اعلم يا والدي أنك إذا تماديت في هذا الطغيان لست أعرفك وسأكون بريئة منك هنا وأمام عرش الديان حيث لا يكون لك نصيب في الميراث الأبدي الذي أعده الله لمحبيه وحافظي عهده"، وأضافت: "إن أصررت على جحدك للإله الحقيقي، فأنت لست بأبي ولا أنا ابنتك".
عودة والدها إلى الإيمان
تعنيف دميانة لوالدها، جاء كالصاعقة عليه، لاسيما وأن ضميره كان يؤرقه بعدما انكر الإيمان المسيحي، وبخر للأوثان استجابة للإمبراطور الروماني دقلديانوس، الأمر الذي دفعه للعدول عن موقفه سريعًا وإعلان تمسكه بالإيمان المسيحي، مما ترتب عليه قطع رأسه، وعلم الإمبراطور دقلديانوس أن ابنة مرقس هي السبب في كل ما حدث فأمر بالقبض عليها، فحذرت الأربعون فتاة اللواتي كن معها في القصر، وطلبت من الخائفات منهن بالهرب، إلا أنهن أصررن على البقاء معها.
أكدت كتب التاريخ الكنسي، أن دميانة تعرضت لعدة عذابات لإجبارها على ترك الإيمان المسيحي، على سبيل المثال العصر في معصرة حديدية تُسمى "الهنبازين"، وسلخ الجلد، والكي بالجير والخل، وقلع العينين وكسر الجمجمة، وتمشيط الجسم بأمشاط حديدية، وأخيرًا قطعت رقبتها هي والأربعون فتاة المصاحبات لها في قصرها المخصص للصلاة والصوم.
وبناء عليه فإن الكنيسة المصرية وكذلك عدد من الكنائس العالمية، يحتفي بسيرة دميانة المصرية جدًا كونها صمدت في وجه كل تلك العذابات، على الرغم من أنها امرأة ولا تتمتع بقوة الجسد إلا أنه تمتعت بقوة الإيمان، ولم تضعف مثل الكثير من الرجال في عصرها، واحتملت المشقات إلى أن قطع رأسها