منذ أن لقى رئيس مجموعة فاجنر العسكرية الروسية الخاصة يفغيني بريغوجين حتفه، في حادث تحطم طائرة وقع يوم الأربعاء الماضي، تدور تساؤلات حول مستقبل المجموعة التي كانت تلعب دورا مهما في توسيع نفوذ روسيا في أفريقيا، وتعد أفريقيا منطقة استراتيجية بالنسبة لروسيا، التي تسعى لتحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية في القارة السمراء، وكسر العزلة التي فرضت عليها بسبب غزوها لأوكرانيا.
وكانت فاجنر تقدم خدماتها العسكرية للحكومات والجماعات الموالية لروسيا في عدة دول أفريقية، مثل جمهورية أفريقيا الوسطى، ومالي، والنيجر، والسودان، وليبيا، وساهمت في تأمين إجراء استفتاء في جمهورية أفريقيا الوسطى، ودعم جهود مكافحة الإرهاب في مالي، والتدخل في الصراعات المسلحة في النيجر والسودان وليبيا.
وكان بريغوجين يشكل رابطة قوية بين المجموعة والكرملين، حيث كان يحظى بثقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولكن مع مصرع زعيمها، هل ستستطيع فاجنر مواصلة نشاطها في أفريقيا؟ هذا ما يختلف فيه المحللون والخبراء.
فبعضهم يرون أن روسيا ستجد بديلا عن بريغوجين، وستحافظ على نشاط فاجنر في أفريقيا لخدمة مصالحها، وبعضهم يعتقد أن قائد فاجنر كان له علاقات شخصية عمیقة مع قادة أفارقة وأن استبداله سیکون أمرًا صعبًا.
ولقد أثارت أنشطة فاجنر انزعاج الغرب، الذی حذر مرارًا من خطورة تأثیر المجموعة على استقرار المنطقة، وفی هذا الإطار، دعت السفیرة الأمريكية فی الأمم المتحدة لیندا توماس غرینفیلد الدول الأفریقیة إلى إدانة وجود وأنشطة فاغنر، وقالت إنها “تعمل على زعزعة الاستقرار”.
البحث عن خليفة لبريغوجين
مع مصرع يفغيني بريغوجين، رئيس مجموعة فاجنر العسكرية الروسية الخاصة، تواجه روسيا تحديات في الحفاظ على الوجود الروسي القوي في أفريقيا، الذي كان بريغوجين يلعب دورا محوريا في تأسيسه.
وقال لو أوزبورن، الباحث في مشروع “أول آیز أون فاجنر” المختص في مراقبة المجموعة الروسية وأنشطتها، إن قادة المجموعة العسكرية الروسية الخاصة “بنوا علاقات في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى ویعرفون تضاریس المنطقة”.
وأضاف أوزبورن لـ"رويترز"، أن قادة فاجنر یتمتعون بعلاقات طیبة فی أفریقیا ویمکنهم تمریرها لمنافس روسی آخر، وأشار إلى أن شرکات عسکریة روسیة أخرى، مثل “ریدوت” و “کونفوی”، قد أعربت مؤخرً عن رغبتها في القیام بأعمال تجارية في أفریقیا.
ولكن هل ستستطيع هذه الشركات استبدال فاجنر؟ هذا ما يشكك فيه عباس غالياموف، كاتب خطابات بوتین السابق.
وقال غالیاموف لـ"رويترز" إن “القیادة الروسیة كانت تحتاج إلى بعض الوقت لإنشاء قنوات وآليات جديدة للسيطرة على المشاريع التي كان یدیرها بریغوجین، مضيفًا أنه “لیس من المؤکد أن تکون قد نجحت في ذلك، وأن الکرملین قد یخسر بعضا من تلك المشاریع”.
وكانت وزارة الدفاع البریطانی قد علقت على خبر مصرع بریغوجین في تحطم الطائرة التي كانت تقله و7 آخرین من قادة فاغنر، بالقول إن “وفاة بریغوجین سیکون لها حتمً تأثیر کبیر على استقرار مجموعة فاغنر”.
تحالفات فاجنر مستمرة
من جانبه، يرى طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية، أن من المرجح أن يستمر تحالفات فاجنر في أفريقيا على الأقل في المدى القصير.
وأضاف أن هذه التحالفات ضرورية لاستمرار عمليات فاجنر في القارة، ومع ذلك، فمن الممكن أن تواجه هذه التحالفات تحديات في المستقبل، خاصة في ظل غياب قائد قوي مثل بريغوجين.
أما بالنسبة لرد الغرب على تواجد روسيا أو فاجنر في ليبيا، فمن المرجح أن يواصل الغرب الضغط على روسيا للانسحاب من البلاد.
وأوضح أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى اعتبرت تواجد روسيا في ليبيا غير قانوني، وهددوا بفرض عقوبات على روسيا إذا لم تنسحب.
وأضاف أن هناك عدة سيناريوهات محتملة لمستقبل دور روسيا في إفريقيا، الأول هو أن تستمر روسيا في توسيع نفوذها في أفريقيا، على الرغم من مقتل قائد فاجنر.
وتقوم روسيا بتعيين قائد جديد لفاجنر، وتواصل دعمها للحكومات والميليشيات الموالية لها في القارة.
السيناريو الثاني، تتراجع روسيا عن توسعها في أفريقيا، وتركز بدلاً من ذلك على الحفاظ على مصالحها الحالية في القارة.
فتقوم روسيا بتقليص حجم عمليات فاجنر في أفريقيا، وتركز بدلاً من ذلك على مجالات التعاون الاقتصادية والثقافية.
السيناريو الثالث، تتوقف روسيا تمامًا عن التدخل في أفريقيا، فتقوم روسيا بانسحاب كامل لفاغنر من القارة، وتعلن أنها ستلتزم بسياسة الحياد في أفريقيا، وهو السيناريو الأبعد خاصة مع الاهتمام التي تظهره القيادة الروسية ناحية إفريقيا.
موسكو لن تتراجع
في السياق ذاته، يقول المحلل السياسي الليبي أحمد المهدوي ستعمل فاجنر في في إفريقيا بقيادة جديدة فالأمر لا يرتبط بشخص واحد، فالقضية ترتبط بالأولويات وبالتحديد في غرب إفريقيا والمناطق الموازية لها.
وأضاف المهدوي، نحن أمام مرحلة جديدة للتحركات الروسية في القارة الافريقية سواء في جنوب ليبيا او مناطق التماس في السودان وغيرهم.
اعتقد تركيز "فاجنر" خلال الفترة القادمة هو التواجد ولن يكون هناك انحسار أو تراجع عن الاستراتيجية الروسية لهذه المناطق الهامة.
لذلك الحديث هنا عن انسحابات او خروج هو أمرًا لن يحدث، بل العكس صحيح ستكثف فاجنر في ظل قيادتها الجديدة من تواجدها.
موسكو كانت مستعدة
من جانبها نشرت تقارير إعلامية غربية أن بوتين كان مستعد للتخلص من بريغوجين، حيث أكد الصحفي الأمريكي بينو برينغر صاحب سيناريو الفيلم الوثائقي صعود فاجنر، أن الرئيس الروسي رتب عملية انتقال قيادة فاجنر قبل أن يأمر بالتخلص منه.
وأضافت برينغر، أن بوتين اختار الجنرال أندريه أفريانوف، وهو ضابط مخابرات روسي سابق، لخلافة بريغوجين في قيادة فاغنر. وذكرت أن أفريانوف كان يدير وحدة سرية تختص في تنفيذ عمليات اغتيال في الخارج، والمعروفة باسم "الوحدة 29155".
وأثار مقتل بريغوجين ردود فعل متباينة بين أعضاء فاغنر، حيث عبر البعض عن غضبهم من الطريقة التي تم بها التخلص من زعيمهم، والبعض الآخر عن تأييدهم