محمد الباز يكتب «الأيام الحاسمة 1»: 22 يونيو قادة القوات المسلحة يقدمون روشتة إنقاذ.. ومرسى يصر على موقفه
28.04.2022 14:36
اهم اخبار مصر Egypt News
الدستور
محمد الباز يكتب «الأيام الحاسمة 1»: 22 يونيو قادة القوات المسلحة يقدمون روشتة إنقاذ.. ومرسى يصر على موقفه
حجم الخط
الدستور

جماعة الإخوان استطاعت أن تعزل مرسى عن الواقع بتقارير مغلوطة عن حقيقة الحشد لـ30 يونيو

لم يعترف مرسى بتقارير تقدير الموقف التى قدمها له قادة الجيش عن حالة الغليان فى الشارع

اعتقد البعض أن توصيفى لـ«الاختيار ٣» بأنه ليس مجرد مسلسل درامى، بل عمل توثيقى ضخم يسعى إلى حماية وحراسة الذاكرة الوطنية، به كثير من المبالغة. 

لكننى وبعد عرض الحلقة ٢٦ التى تسجل وقائع اللقاء التاريخى الذى جرى بين وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسى، والدكتور سعد الكتاتنى، رئيس حزب الحرية والعدالة، وخيرت الشاطر، نائب مرشد الجماعة، تأكدت أن ما ذهبت إليه كان صحيحًا ودقيقًا بدرجة كبيرة. 

جرت هذه المقابلة يوم ٢٥ يونيو ٢٠١٣... وأعتقد أنها كانت نقطة فاصلة ليس فى العلاقة بين جماعة الإخوان والقوات المسلحة فقط، ولكن فى تاريخ الوطن كله. 

ولأن الأيام التى سبقت اليوم العظيم ٣ يوليو، شهدت أحداثًا عظيمة كان لها الدور الأكبر فى حسم ثورة المصريين على الجماعة الإرهابية، فقد رأيت أن نسير سويًا يومًا بيوم. 

فتوثيق الأحداث يحتاج مزيدًا من الجهد. 

وإذا كان «الاختيار ٣» فتح لنا بابًا واسعًا للحديث، فلا بد أن نضع أمام مَن شهد ونسى، وأمام مَن لم يشهد ويريد أن يعرف، وأمام مَن ينكر، الوقائع كما جرت، ليس من باب التوجيه لغاية معينة، ولكن لأننا يجب أن نعرف، وبعدها ليختار كل منا الطريق الذى يسير فيه. 

وقبل أن تعتقد أننا سنبدأ معًا بيوم ٢٤ يونيو، اليوم الذى جرت فيه المواجهة الكبرى،

سأقول لك إن هناك من الأحداث ما مهّد لهذا اليوم، وأعتقد أن لقاء قادة القوات المسلحة بمحمد مرسى كان الحدث الذى دفع جماعة الإخوان إلى أن تطلب لقاء وزير الدفاع... وهو اللقاء الذى شاهد المصريون بعضًا منه واستمعوا إلى جزء مما جرى فيه. 

اليوم هو ٢٢ يونيو ٢٠١٣.

صباح هذا اليوم كان الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع، يجتمع بأعضاء القيادة العامة بالقوات المسلحة. 

كانت أعصاب المواطنين مشدودة إلى حدها الأقصى. 

وكانت التقارير الخارجة من الشارع تشير إلى أن حالة الغليان تقترب من ذروتها، تحديدًا بعد حركة المحافظين التى أعلنها مرسى فى ١٧ يونيو ٢٠١٣، وأثارت حالة كبيرة من الغضب، وصلت إلى منع المواطنين، فى عدد من المحافظات، المحافظين الجدد من الدخول إلى مقار عملهم، بعد أن أغلقوا باب دواوين المحافظات بالجنازير. 

كان الخط الأساسى للنقاش فى اجتماع ٢٢ يونيو هو استعراض الموقف الاستراتيجى فى البلاد. 

تحدث فى هذا الاجتماع رئيس الأركان الفريق صدقى صبحى، واللواء محمود حجازى الذى كان وقتها مديرًا للمخابرات الحربية، واللواء محمد العصار الذى كان وقتها مساعدًا لوزير الدفاع، وبدا أن قيادات القوات المسلحة وقادة الأفرع الرئيسية الذين حضروا الاجتماع أجمعوا على أن يكون هناك موقف واضح ومحدد، فالمؤسسة العسكرية التى تحمل على كتفيها مسئولية الحفاظ على استقرار البلاد مسئولة عن أمن الشعب وأمانه. 

أبلغ وزير الدفاع قائد الحرس الجمهورى وقتها اللواء محمد زكى بأن القادة العسكريين سيحضرون إلى قصر الاتحادية للاجتماع مع الرئيس لمناقشة الوضع العام فى البلاد. 

لم تكن الساعة قد تجازوت الثالثة عصرًا، عندما سأل محمد مرسى قائد الحرس الجمهورى عن سبب حضور القادة ووزير الدفاع.

كان قلقًا جدًا، سأله: إيه الحكاية... وهمّ عاوزين إيه؟

خفف اللواء زكى من الأمر. 

قال له: الأمر لا يدعو إلى القلق... القادة جاءوا ليتحدثوا معك ويتشاوروا فى أمور أعتقد أنها مهمة وتحتاج إلى النقاش. 

توتر محمد مرسى فيما يبدو، وقلقه من مثل هذه المواجهات أنساه أن يرحب بوزير الدفاع الترحيب اللائق، سأل على الفور: خير يا جماعة... إيه اللى حصل؟ 

لخص الفريق أول عبدالفتاح السيسى الأمر كله، قال لمرسى إن الأوضاع خطيرة فى البلاد، وإنها تسير من سيئ إلى أسوأ، وإن قادة القوات المسلحة جاءوا إليه لينقلوا له ما جرى بأمانة وصدق، لأنهم لا يريدون أن تصل الأمور إلى النقطة التى لا يمكن الرجوع عنها بعد ذلك. 

رد مرسى بأنه يعرف ما يحدث فى البلاد جيدًا، وكل ما يجرى أن هناك من لا يريدون الخير لمصر، وهؤلاء لا يترددون فى أن يصطنعوا الأزمات حتى لا تقف مصر على قدميها، وأنه لن يسمح بذلك، وسوف يتصدى له بكل قوة. 

كان السيسى فيما رواه لمرسى أمينًا جدًا، أشار إلى أن كل التقارير التى ترصد أوضاع الشارع المصرى، وتشير إلى أن مظاهرات ٣٠ يونيو لن تكون عابرة أبدًا، بل إن ملايين المصريين سيشاركون فيها. 

نظر مرسى متشككًا، فما لديه من معلومات حصل عليها من جهاز مخابرات الإخوان، الذى كان يديره خيرت الشاطر، تقول إنه لا ملايين ولا يحزنون. 

استطاعت هذه التقارير أن تضع مرسى فى عزلة تامة، فتعامل مع كل ما قيل له على أنه محاولة لحصاره من قادة القوات المسلحة، وأنهم يبالغون فى الحديث عن الخطر الذى لم يكن يرى منه شيئًا، أو هكذا أراده الإخوان.

لم يتوقف السيسى عندما رأى نظرة التشكك فى عين محمد مرسى، قال له إنه يمكن أن ينتهى كل هذا القلق لو تجاوب مع المطالب الشعبية التى هى معقولة ومحددة، وكانت حتى هذا الوقت لا تزيد على تغيير حكومة هشام قنديل، والنظر فى مواد الدستور المعيبة، وعزل النائب العام الإخوانى، والتفاهم الكامل بينه وبين القوى السياسية. 

بدلًا من أن يستمع مرسى إلى ما يقوله له قادة القوات المسلحة قال لهم: أنا رئيس مصر المنتخب، ولا أقبل أن يفرض أحد علىّ أى شروط. 

أدرك القادة أنهم أمام من لا يعى على الإطلاق ما يجرى من حوله، وعليه فلا أقل من أن يضعوه أمام مسئوليته، على الأقل من أجل إثبات أنهم قدموا كل ما لديهم من نصح. 

استمع محمد مرسى فى هذا الاجتماع لكلام خطير عن احتمالات انهيار الدولة ومؤسساتها إذا استمر فى سياساته، وإذا ظل سمحًا ومتسامحًا مع أعضاء جماعته الذين كانوا يتصرفون فى البلد وكأنه عزبة خاصة بهم، لكن الكلام لم يكن مجديًا معه. 

رد مرسى على القادة بأنهم يحمّلون الرئيس المسئولية كاملة وكأنه هو المتسبب فى كل ذلك، دون أن يحمّلوا من اعتبرهم المحرضين على الفوضى أى جانب من جوانب المسئولية. 

هاجم مرسى فى هذا الاجتماع الإعلام الذى وصفه بأنه فاسد، وحّمل الأمر على رجال الأعمال، الذين تعامل معهم على أنهم يشكلون لوبى يحاول تعويقه عن أداء مهمته، وانقض على جبهة الإنقاذ، التى كان يطلق عليها دائمًا «جبهة الخراب» ويحمّلها مسئولية كل ما يحدث فى مصر، دون أن ينظر ولو من باب مراجعة النفس إلى ما يقوم به هو وجماعته، ومسئولية ذلك عن الفوضى التى يشهدها الشارع المصرى. 

أدرك وزير الدفاع أن النقاش مع محمد مرسى ليس مجديًا أبدًا، فقرر فيما يبدو أن ينتهى الاجتماع، لكن قبل أن يرحل ترك تقريرًا رسميًا فيه تقدير موقف دقيق عن الأوضاع، وبه توصيات محددة مع تنفيذها يمكن أن تستقر الأوضاع فى البلاد إلى مدى بعيد. 

كانت التوصيات التى جاءت فى التقرير هى: 

أولًا: المطالبة بتغيير فورى لحكومة هشام قنديل بسبب فشلها وعجزها، وتشكيل حكومة جديدة برئاسة شخصية وطنية مستقلة لإدارة الأوضاع الحالية فى البلاد. 

ثانيًا: أن يصدر قرار فورى من الرئيس بعزل النائب العام المستشار طلعت عبدالله. 

ثالثًا: أن يعهد لمجلس القضاء الأعلى بترشيح ثلاث شخصيات قضائية مقبولة يختار الرئيس من بينها نائبًا عامًا جديدًا. 

رابعًا: أن تشكل لجنة محايدة من كبار أساتذة القانون الدستورى والشخصيات العامة لإجراء تعديلات دستورية تتوافق عليها القوى الوطنية فى البلاد. 

خامسًا: أن يُصدر الرئيس قرارًا بتجميد العمل بالمواد المرفوضة، ويعرض الأمر على الاستفتاء العام فى فترة زمنية معقولة. 

سادسًا: يوافق الرئيس على إجراء استفتاء جماهيرى على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وأن تتولى لجنة قضائية الإشراف على هذا الاستفتاء. 

لم يعترف محمد مرسى بهذا التقرير، اعتبر ما قاله القادة أمرًا لا يخصه على الإطلاق، ولما وجدهم مستائين من رد فعله، قال لهم إنه سيدرس الموقف، لكن الفريق أول عبدالفتاح السيسى اعترض طريقه، وقال له إنه لا وقت للدراسة، فالأمور تقف على حافة الخطر. 

فى نفس اليوم ٢٢ يونيو كانت جماعة الإخوان قد أصدرت بيانًا وصفت فيه المظاهرات التى حشدت المشاركين فيها فى ميدان رابعة العدوية بأنها ستكون الشرارة الأولى للثورة الإسلامية فى مصر والمنطقة، ونصحت المعترضين على حكم محمد مرسى أن يعودوا إلى رشدهم وعدم الوقوف فى طريق الاستنفار الذى بدأه الشعب من ميدان رابعة لأنه سيسحقهم ويرمى بهم فى مزبلة التاريخ. 

البيان خرج من اجتماع عقده مجلس شورى الإخوان بمقر المركز العام للجماعة بالمقطم، لبحث سبل دعم رئيس الجمهورية فى مواجهة مظاهرات ٣٠ يونيو، وبالقرب من المقطم أعلن قادة الاعتصام، الذى بدأ فى ميدان رابعة العدوية فى اليوم السابق الجمعة ٢١ يونيو، عن أن عناصر جماعة الإخوان الذين قدموا من محافظات مصر المختلفة، سيبقون فى أماكنهم حتى ما بعد ٣٠ يونيو استعدادًا للدفاع عن قصر الاتحادية إذا ما وقعت محاولة لاقتحامه من قبل قوى الثورة المضادة. 

وفى مساء ٢٢ يونيو كان محمد مرسى يشارك مع اتحاد المهندسين العرب احتفاله بيوبيله الذهبى، وفى كلمته فى الاحتفال خالف الحقيقة بشكل كامل عندما قال إن مليونية «لا للعنف» التى نظمتها جماعة الإخوان فى منصة رابعة كانت سلمية وتعكس وعى المصريين وتمسكهم بثورتهم وتؤكد رفض الشعب المصرى للعنف، وأكد مرسى أن عقارب الساعة لا يمكن أن تعود إلى الوراء، ومن يظن ذلك فهو واهم. 

وجه محمد مرسى رسالة إلى أعضاء جبهة الإنقاذ الذين كان يتعامل معهم على أنهم من يحرضون الشارع ضده، قال فيها: نرفض أن يعمل أى فصيل مهما كانت قوته على الأرض أن يفرض توجهه ورأيه على الآخرين. 

التقطت جبهة الإنقاذ رسالة محمد مرسى، فأصدرت بيانًا ردت من خلاله عليه، رفضت فيه ادعاء سلمية تظاهرات رابعة، لأنه مناف تمامًا للحقيقة، واستنكرت الجبهة إشادة رئيس الجمهورية بما حدث فى منصة رابعة، ونبهته إلى أن وسائل الإعلام المحلية والعالمية وصفت ما حدث بأنه إهدار لكرامة الوطن ودعوة صريحة لبدء حملة من العنف والإرهاب. 

أخذت جبهة الإنقاذ كذلك على محمد مرسى عدم اعتراضه على دعوات الكراهية والتحريض على العنف والدعوة لإشعال الفتنة الطائفية التى جرت على ألسنة المشاركين فى مليونية المنصة بشكل صريح، وأنكرت عليه وقوفه فى صف واحد مع من يحرضون على تقسيم مصر بين مؤيد ومعارض، وهو ما يعنى أن الرئيس يفتح الطريق أمام حرب أهلية فى مصر. 

أدرك محمد مرسى الرسالة التى تقصدها جبهة الإنقاذ، فأصدرت رئاسة الجمهورية بيانًا قالت فيه إن الرئيس يعكف مع جميع الأجهزة الأمنية والسيادية بحث خطط تأمين المواطنين خلال التظاهرات التى يعتزمون القيام بها، وإنه سيوجه كلمة للأمة قبل يوم الأحد ٣٠ يونيو يعلن فيها عن موقفه النهائى من المظاهرات والفعاليات التى ستنظم فى ذلك اليوم، كما سيقدم كشف حساب لما تم إنجازه فى عامه الأول على المستويين الداخلى والخارجى. 

حاول بيان الرئاسة أن يخدع المواطنين، عندما نفى وجود أى خلافات بين مؤسسة الرئاسة والقوات المسلحة، ووصف من يرددون مثل هذه الأقاويل بأنهم يهدفون إلى إحداث وقيعة بين الطرفين لشق الصف الموحد، ولتصوير الموقف على أنه محاربة من جانب القوات المسلحة للمشروع الإسلامى، بينما هو توافق تام بين الطرفين دفع الرئيس إلى عدم إعلان حالة الطوارئ رغم أن الضرورة المرحلية كانت تتطلب ذلك.

اترك تعليقا
تعليقات
Comments not found for this news.