ألقى الرئيس عبدالفتاح السيسي كلمة خلال مشاركته، اليوم الجمعة، في أعمال القمة الروسية- الإفريقية الثانية، المُنعقِدة في مدينة سان بطرسبرج الروسية، مؤكدًا أن القمة تأتي في ظرفٍ دوليّ بالغ التعقيد، كما طرح الرئيس السيسي رؤية مصر بشأن الظرف الدولي الراهن، وأهم المحاور التي يجب التركيز عليها.
وجاء في نص كلمته: "أود في البداية أن أعرب للرئيس (بوتين) عن تقديرنا البالغ لحفاوة الترحيب وكرم الضيافة، ويُسعدني أن أتواجد اليوم في الدورة الثانية للقمة الروسية الإفريقية، التي تشرفت إلى جانب الرئيس (بوتين) بإطلاق نُسختها الأولى بشكل مُشترك عام ۲۰۱۹، خلال رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي، حيث صاغ هذا المسار إطارًا مؤسسيًا مُستدامًا، يليق بحجم وعُمق الشراكة التاريخية، التي تجمع بين الدول الإفريقية وروسيا".
وأضاف: "تأتي قمتنا اليوم في ظرفٍ دوليِّ بالغ التعقيد، ومُناخٍ عام يتسم بدرجة عالية من الاستقطاب، والتغيرات التي باتت تمس القواعد الرئيسية التي بُنِيِّ على أساسها نظامنا الدولي بمفهومه الحديث، وتقف دولنا الإفريقية في خضّم ذلك لتواجه عددًا ضخمًا من التحديات التي لا تؤثر فقط على قدرتها على استكمال مسارها التنموي، وإنما تُهدد مُحددات أمنها، وحقوق الأجيال المقبلة، بحيث باتت شعوبنا تتساءل بشكلٍ مشروع عما لدينا من أدوات وما نقوم به من إجراءات للتصدي لهذه التحديات، وتأمين مستقبل آمن لهم".
وأكد الرئيس السيسي: "إن مصر كانت دومًا رائدة وسبَّاقة في انتهاج مسار السلام.. سلام الأقوياء القائم على الحق والعدل والتوازن، فكان هو خيارها الاستراتيجي الذي حملت لواء نشر ثقافته، إيماناً منها بقوة المنطق لا منطق القوة، وبأن العالم يتسع للجميع".
وتابع: "اسمحوا لي من هذا المنبر، وبمناسبة قمتنا اليوم، أن أطرح عليكم رؤية مصر بشأن الظرف الدولي الراهن، وكذا أهم المحاور التي نُقدر أهمية التركيز عليها كأساس لتعميق التعاون القائم تحت مظلة شراكتنا الاستراتيجية؛ أولاً: إن الدول الإفريقية ذات سيادة وإرادة مستقلة وفاعلة في مجتمعها الدولي.. تنشد السلم والأمن، وتبحث عن التنمية المستدامة التي تحقق مصالح شعوبها أولاً، ويتعين أن تبقى بمنأى عن مساعي الاستقطاب في الصراعات القائمة.
ثانيًا: إن صياغة حلول مستدامة للصراعات القائمة في عالمنا اليوم يتعين أن تتأسس على أهداف ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة، ومبادئ القانون الدولي بما في ذلك التسوية السلمية للنزاعات، والحفاظ على سيادة الدول ووحدة أراضيها، بجانب ضرورة التعامل مع جذور ومسببات الأزمات، لا سيما تلك المتعلقة بمحددات الأمن القومي للدول، وكذا أهمية الامتناع عن استخدام الأدوات المختلفة لإذكاء الصراع وتعميق حالة الاستقطاب، ومن بين ذلك توظيف العقوبات الاقتصادية خارج آليات النظام الدولي متعدد الأطراف.
ثالثًا: ضرورة الأخذ في الاعتبار احتياجات الدول النامية، وعلى رأسها دول القارة الإفريقية، فيما يتعلق بالتداعيات شديدة الوطأة على اقتصاداتها جراء الصراعات والتحديات القائمة، وبالتحديد في محاور الأمن الغذائي، وسلاسل الإمداد وارتفاع أسعار الطاقة، وأؤكد في هذا الشأن أهمية إيجاد حلول عاجلة لتوفير الغذاء والأسمدة بأسعار تساعد إفريقيا على تجاوز هذه الأزمة، مع البحث عن آليات تمويل مبتكرة تدعم النظم الزراعية والغذائية في إفريقيا، وإنني لأتطلع للتوصل لحل توافقي بشأن اتفاقية تصدير الحبوب يأخذ في الاعتبار مطالب كافة الأطراف ومصالحهم ويضع حداً للارتفاع المستمر في أسعار الحبوب.
رابعًا: تحتم التطورات الدولية المتلاحقة وتداعياتها التي باتت تمس كافة أرجاء عالمنا وجود صوت إفريقي مؤثر وفعال داخل المحافل الدولية القائمة، وبما يعمل على إيصال موقف الدول الإفريقية ويحقق القدر المطلوب من التوازن عند مناقشة القضايا ذات التأثير المباشر على مصالحها.. وإنني أعرب هنا عن تطلع مصر لأن تحظى المطالب الإفريقية في إطار مجموعة العشرين، وكذا مساعي إصلاح المؤسسات التمويلية الدولية، بدعم الشريك والصديق الروسي".
وأشار الرئيس السيسي، في كلمته، إلى "إن الوثائق التي ستصدر عن قمتنا اليوم تثبت وبحق عمق العلاقات الاستراتيجية والروابط المهمة التي تجمع دولنا الإفريقية بالجانب الروسي، فضلاً عن الآفاق الواسعة لتعزيز العلاقات القائمة بيننا، لا سيما في المجالات محل الاهتمام المشترك وعلى رأسها تعزيز السلم والأمن ومكافحة مهدداته، وكذا تفعيل مسارات التنمية الاقتصادية، بالتركيز على قطاعات البنية التحتية والتصنيع الزراعي والتحول الصناعي، بالاستفادة من التكنولوجيا الروسية، هذا بالإضافة لتعزيز الصلات الثقافية والروابط التاريخية بين شعوبنا".
وأوضح: "إنني أؤكد في هذا الصدد التزام مصر باستمرار انخراطها بشكل جاد ومخلص في جهود تعميق شراكتنا الاستراتيجية، إيمانًا بالفرص ومساحات التعاون الواسعة القائمة في إطارها، وذلك من خلال تسخير الأدوات والإمكانات المصرية، على المستوى الوطني، عبر تفعيل التعاون القائم بين الشركات المصرية ونظيرتها الروسية، في المجالات ذات الاهتمام المشترك، وعلى المُستوى القاري من خلال رئاسة مصر للجنة التوجيهية لرؤساء دول وحكومات وكالة الاتحاد الإفريقي للتنمية (النيباد)، وكذا ريادة ملف إعادة الإعمار والتنمية فيما بعد الصراعات على مستوى الاتحاد الإفريقي، لتدعيم جهود تعزيز السلم والأمن وتحقيق التنمية".
واختتم الرئيس كلمته: "أتقدم بالشكر مرة أخرى لروسيا ولفخامة الرئيس (بوتين) على عقد هذا المحفل، وأعرب عن التطلع لاستمرار التنسيق في إطار الشراكة المحورية القائمة بيننا، متمنيًا للشعب الروسي وكافة الشعوب الإفريقية دوام التقدم والازدهار".