□ أبونا فيكتور نصر كاهن كنيسة مار مرقس بمونتريال في حوار عن أبيه الروحي:
○ وضع بأمانة وحزم أسس الخدمة الروحية في مونتريال .. وتتلمذ علي يديه أكثر من 30 راهبا وقسا
○ حياته ومضات حب و بذل و عطاء ..مشرقة بنور المسيح ..متطلعة باشتياق إلى مسكن الرب إذ لم يستطع ضعف الجسد أن يضعف روابط الحب بينه وبين المذبح
○ أمين كان أمينا في الوقت والمال والصلاة وكل الممارسات .. ومنهجه في الإرشاد الروحي جعله منارة للفكر الكنسي وإضاءة لنور المسيح و مجد إنجيل الملكوت في حياة الكثيرين
○ عشق افتقاد شعب الكنيسة جسد المسيح .. بذل الجهد والصلاة والإرشاد للحفاظ علي تماسك البيوت
○ خدم 5 سنوات الكنيسة في مصر .. قبل أن يأتي لكندا ليخدم في كنيسة مونتريال 37 سنة
(مت 25: 20): فَجَاءَ الَّذِي أَخَذَ الْخَمْسَ وَزَنَاتٍ وَقَدَّمَ خَمْسَ وَزَنَاتٍ أُخَرَ قَائِلاً: يَا سَيِّدُ، خَمْسَ وَزَنَاتٍ سَلَّمْتَنِي. هُوَذَا خَمْسُ وَزَنَاتٍ أُخَرُ رَبِحْتُهَا فَوْقَهَا.
جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي، حفظت الأيمان، وأخيرا قد وضع لي إكليل البر، الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل. في مشهد مهيب ارتدي فيه المشاركون الملابس البيضاء، رغم مشاعر الحزن، التي لم تسيطر فقط علي كنيسة مار مرقس بمونتريال في كندا، وإنما علي كل كنائس المدينة، ودع الآلاف علي مدار يومين أبينا المحبوب المتواضع ملاك كنيسة مار مرقس بمونتريال، أبينا القمص بيشوي سعد، الذي انتقل إلى الأمجاد السماوية بعد أن أكمل أيام خدمته، وتربت علي يديه الطاهرتين آلاف الأسر والأبناء والبنات، من شعب كنيسة مار مرقس بمونتريال وغيرهم من أبناء الكنائس الأخرى.
كان وجه أبينا المحبوب، الأبيض المضئ كضوء الشمس ،يشبه وجه الملائكة، سلام ونعمة الرب يسوع المسيح كانت تكسوه دائما. وفي وقوفه بخشوع و سكون تام في الهيكل أثناء القداس الإلهي أيقونة ترسم ملامح الوجود في حضرة الثالوث القدوس و صفوف السمائيين.
و كانت هذه كلمات قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية في رسالة تعزية، قال فيها قداسته: المسيح يعزيكم في هذا الكاهن الوقور، صاحب الخدمة الهادية والثمر الوفير والمحبوب من بداية الكهنوت، وما قبلة، وبركة مونتريال وكل شعبها المبارك. خالص تعزياتي لأسرته الفاضلة، ولكل الآباء والشعب، عالما أنه ترك لأجلكم مثالا يحتذي به في الخدمة والإخلاص والتفاني والإلتزام.
جموع غفيرة قامت بإلقاء نظرة الوداع، ونوال بركة جسد أبينا المحبوب القمص بيشوي سعد علي مدار يومين، ليتم نقل جسده الطاهر إلى موضعه يوم 14 يوليو 2017، في يوم ذكري القديس العظيم الأنبا بيشوي حبيب مخلصنا الصالح.
أبونا المتنيح القمص بيشوي سعد، يعد أحد أعمدة الكنيسة القبطية بمصر و بلاد المهجر، وللتعرف علي السيرة الذاتية ودوره الروحي في حياة الآلاف، نجري الحوار التالي مع أبونا فيكتور نصر، كاهن كنيسة مار مرقس بمونتريال، وأحد الأبناء الروحيين لأبونا بيشوي سعد. وكانت تفاصيل الحوار علي النحو التالي:
○ نبذة تاريخية
ولد أمين إسحق سعد في 15 نوفمير 1931 في أسيوط، والده هو القمص اسحق سعد ووالدته تاسوني عفيفة صالح. تخرج من جامعة الإسكندرية و عمل مدرسا و تزوج من إيزيس توفيق، ثم في 13 أبريل عام 1975 رسمه مثلث الرحمات المتنيح البابا شنودة الثالث قسا علي مذبح كنيسة مارجرجس بجزيرة بدران بشبرا بإسم أبونا بيشوي، واستمر في الخدمة هناك مدة خمس سنوات.
أخذ أبونا بيشوي على عاتقه منذ فجر خدمته أن يكتب سيىرته السماوية المسجلة علي صفحات الزمن بأحرف تصنع شهادة أمام أبيه السماوي بفيض المحبة و ثمر البر، إذ سرت في الخدمة كما ذكر أستاذ نصحي ناروز أحد أبنائه الروحيين بكنيسة مارجرجس روح جديد و نهضة روحية ملتهبة فيما امتاز أبونا بيشوي بالجدية و الأمانة في وداعة و حب و بذل نفسه في كل خدمة و مع كل إنسان.
أرسل قداسة البابا شنودة أبونا بيشوي للخدمة في مونتريال بكندا في 12 نوفمبر عام 1980 مصطحبا معه زوجته الفاضلة و ابنائه الثلاثة ماجد وعماد وسامي (حاليا أبونا بيشوي فيلوباتير، الراهب في دير القديس العظيم مار مرقس الرسول والأنبا صموئيل المعترف في دولة جنوب أفريقيا).
○ وضع أسس الخدمة .. مدرسة أبونا بيشوي
أحب الخدمة والكنيسة بكل ما يملك مبتدئا بنفسه و ملبيا لنداء الروح القدس الذي يلح على كل واحد منا توبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم لكي تأتي أوقات الفرج من وجه الرب (أع 19:3) وبذل وقتا ومجهودا كبيرا في وضع أسس الخدمة وتعميق جذورها الأرثوذكسية فلقبت الخدمة في كنيسة مار مرقس مونتريال بمدرسة أبونا بيشوي. وتتلمذ علي يديه أكثر من ثلاثين راهبا وقسا في مونتريال و العديد من المدن والبلاد المحيطة.
○ أمين .. أمينا في الخدمة والوقت والمال والصلاة .
أبونا بيشوي قبل الكهنوت حمل اسم أمين اسحق سعد، حقا أمينا كان إذ دفع بفضيلة الأمانة إلى أعلى درجاتهاالأمانة في الوقت، في المال، الأمانة في الصلاة وكل الممارسات الروحية، والأمانة في تكريم القديسين في أعيادهم وصلوات العشيات، والأمانة في التعليم والإرشادفي افتقاد الرعية و نشر كلمة المسيح.
○ الإرشاد الروحي .. منارة للفكر ونور المسيح
وأكثر من كل هذا فصل كامل من حياة أبونا بيشوي، هو الإرشاد الروحي والكنسي، حيث كان يشغل حيزا كبيرا من فكره الرعوي، وكان يسلك في حياته بهذا المنهج والتدبير، المؤسس علي الكتاب المقدس وفكر الآباء. فالذي مزج بحكمة بين حياة التأمل و الصلاة و سكب النفس أمام الله و بين الخدمة و الجهد و العرق كان قادرا على الفيض من ملء الروح على الكثيرين.
وعيه إذا بالأمور الروحية وبالخبرة العملية جعل من إرشاده للمعترفين والملتجئين إليه طالبين الإرشاد منارة للفكر الكنسي، إضاءة لنور المسيح في حياة الكثيرين..اذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله
○ حكمة سمائية وأمور خفية وشفافية خاصة
حكمة أبينا المحبوب بيشوي، هي حكمة سمائية من فوق طاهره، ثم مسالمة، مترفقة، مذعنة، مملوءة رحمة و أثمارا صالحة، عديمة البر و الرياء تستوحي مداركها من أعماق الصلاة، والتأملات، وجلسات الخلوة الروحية، التي كان يقضيها بانتظام ودقة شديدة، وهذه الحكمة رسمت مسارا واضحا للسلوك المسيحي علي مستوى الأسرة وعلي مستوى الفرد. كان يتسم أبونا الحبيب أبونا بيشوي بشفافية خاصة، شهد بها كل من تعامل معه ومعرفته بأمور خفية كثيرة بسبب شفافيته.
○ كان حريصا على افتقاد شعب الكنيسة
لم تمثل المسافات الجغرافية أي عائقا يمنعه من افتقاد وزيارة أي من أبناء الكنيسة، ولم يكن ينتظر أن يطلب منه أحد زيارته، وكان يسرع بافتقاد أسر المهاجرين الجدد، مقدما لهم أبوة حانية وصورة الراعي، يبدأ زيارته بقراءة الكتاب المقدس ويعرض عليهم برامج الكنيسة الروحية وخدماتها وأنشطتها، جاذبا إياهم للالتصاق بالكنيسة جسد المسيح.
○ الحفاظ علي تماسك البيوت المسيحية من الانقسامات
أبونا بيشوي لم يترك بيتا تشوبه الانقسامات العائلية، بين الزوجين، أو الوالدين والأبناء، إلا ويبذل كل جهد مع الصلاة وارجاع البعيدين، وجذب أعينهم نحو المسيح والكنيسة والأسرار المقدسة. وإرشاده الروحي كتابي بالحق، مبني علي الصلاة والصوم، ووداعة قلبه تترك علي لسانه كلمات رقيقة مملوءة بالمحبة، تجذب كل نفس متضايقة إلى سماع صوت المسيح.
○ نموذج حي لعمل الروح القدس في الكنيسة
أبونا بيشوي انغمس إلى عمق الأسرار الكنسية ببصيرة روحية و وعي كنسي كبير تاركا خلفه نموذج حي لعمل الروح القدس المستمر في الكنيسة. ففي تلاوته للصلوات الليتورجية كان يحرص علي قراءتها بصوت واضح شارحا المعني إذا لزم الأمر، مؤكدا على عصب الأرثوذكسية ألا و هو التقليد الذي هو صلبها و حياتها، حقا فإن التقليد الأرثوذكسي حياة مسيحية موروثة و ليس فكرا، فالحياة في المسيح لا تشيخ ولا تتبدل. فكان يعلمنا كثيرا المنهج الأرثوذكسي القائم على الخبرة التي تسبق المعرفة: فالحضور إلى الكنيسة و المشاركة في القداس و ممارسة الأسرار و حياة التوبة و معاشرة الاتقياء و الأمثلة الحية هي الأساس التي تنطلق منه المعرفة فمن كلماته المستوحاة من فكر الكنيسة: لا معرفة بدون ممارسة و لا تعليم بدون عمل مسبق و لا مناقشة إلا بعد تذوق.
○ كان حازما وأمينا في وضع أسس الخدمة الروحية
كان أبونا بيشوي في وضعه لأسس الخدمة الروحية في الكنيسة، يمتاز أيضا بالحزم، وعدم ترك ثغرات في البناء الروحي للخادم يتسلل منها عدو الخير كالثعالب الصغيرة، التي تفسد الكروم، فكان لا يسمح للخادم الروحي، الذي دعي من المسيح للخدمة في كرمه، أن يتلفح بزينة العالم، أو يكون مهذارا أو يذهب لأماكن اللهو تلك التي يغيب عنها المسيح، تجنبا منه لأي عثرات في حياة المخدومكان شديد التأكيد على ضرورة نقاوة صورة خادم المسيح في أعين المخدومين.
○ حياة التوبة .. حياة مشرقة بنور المسيح
كان يحمل في ضميره بوعي شديد قوة و مفاعيل آيات الكتاب المقدس، إذ كان يعُلم كل ما يعمل به. فكانت حياة أبونا بيشوي مشرقة بنور المسيح، يحيا حياة التوبة، فيقود الجميع للتوبة، عاش بالصدق والبذل والتفاني وإراحة الآخرين، ولم يبال بالسهر أو تعب الجسد، إنما بذل نفسه، كمثال سيده، في حب عظيم لرعيته. ولم يفتر أن يصلي طويلا لأجل كل أمر يخص الكنيسة الإكليروس والشعب- ويضع علي المذبح المقدس كل أمر حالت يد البشر دون حله.
○ يحيا بمبادئ المحبة والدقة في فحص كل أمر
استطاع أبونا بيشوي أن يحيا بمبادئ المحبة، فنراه يحتمل كل شئ، ويصبر علي كل شيئ، ولا يقبح ولا يظن السوء، ولا يجرح مشاعر أحد صغيرا كان أم كبيرا، ولا يندفع في الحكم علي الآخرين، إنما بوداعة كبيرة، واتضاع قلب، كان يحمل علي كتفيه، الخراف ويقودهم إلى صليب المسيح.
امتاز أبونا بيشوي بالدقة المتناهية في الفحص عن كل أمر، وإعادة صياغة أى كلمات في أحاديث الخدام تبدو غير صحيحة في التعليم. وكان يبادر بإلقاء اللوم علي نفسه، كأنه مقصرا في شرح الكتاب المقدس أو العقيدة كما يجب.
أبونا بيشوي امتاز بالنظام الشديد، وترتيب قراءاته، ومكتبته وصلواته، وكتاباته، بشكل نموذجي، جعل كل من يبحث عن موضوع يجد عند أبونا بيشوي ما يفيده.
○ في سنوات مرضه: كان ينشد مراحمك يا إلهي
وفي الأيام الأخيرة، قبل رحيله إلى سماء المجد، ارتفعت أنظار أبونا بيشوي إلى علو السموات، فكان مسبحا، وشاكرا لرب المجد يسوع المسيح، وطالبا من الجميع أن يصلوا لأجله، وعينيه مرفوعتان إلى عرش النعمة، مصليا لأجلنا جميعا أن يفتقدنا الله بنعمته، وهو ينشد مراحمك يا إلهي.
○ نقاوة القلب ومجد الله يري في الإنسان الحي
اتسمت فترة مرضه بصورة جديدة لنقاوة القلب، كعملية مستمرة في ضمير أبونا بيشوي، إذ رأيناه ممتدا برأسه ليقبل أيادي كل من انحني لتقبيل يديه، غير مفرقا بين كبير وصغير، بل ناظرا في وجه كل إنسان، وكأنه يري صورة المسيح فيه.
حقا كما قال القديس إيرينيئوس أن مجد الله يري في الإنسان الحي. وكان لا يزال منشغلا بأمور الخدمة في الكنيسة، فكان يسأل الكثيرين من الكهنة والشمامسة والخدام، عن كفاءة الخدمات الروحية، وبعض الأمور الإدارية.
○ بين اليوبيل الذهبي لمار مرقس وتذكار الأنبا بيشوي .. وعيد السيدة العذراء
ومن العجيب أن يرحل هذا العملاق الروحي، في اليوبيل الذهبي، السنة الخمسين، علي تأسيس كنيسة مار مرقس، وكأنه يتوج الكنيسة بجهاد حسن، وإكماله للسعي، محتفلا في السماء بثمر خدمة عظيمة مع الآباء الرسل، الذي احتفلوا يوم عيدهم الخامس من شهر أبيب 1733 للشهداء، وهو نفس يوم رحيل أبينا المحبوب.
وشاءت العناية الإلهية أن يكون يوم صلاة الجناز علي جسده الطاهرهو عيد شفيعه، الذي حمل اسمه، القديس العظيم الأنبا بيشوي، كوكب البرية وحبيب مخلصنا الصالح. ولكي تكثر تعزياتنا يكون يوم ذكري الأربعين، هو عيد السيدة العذراء مريم.
بركة أبينا القديس، أبونا بيشوي، وصلواته تشفع فينا، وتسند الكنيسة، وتقود الجميع إلى حياة التوبة والسير علي أثره.