بعد عشرات السنين سيسألون ليونيل ميسى، ذلك الرجل المعجزة الذى فاز بـ٨ «كرات ذهبية»: سيد «ليو».. أيها أغلى وأقرب إلى قلبك؟، وبلا أى شك سيجيب: «إنها الثامنة»، تلك التى اقترنت بألوان بلادى الأرجنتين، وكان سببها الرئيسى عودة أمجاد «راقصى التانجو» من جديد، عبر التتويج بكأس العالم الحلم فى قطر.
تلك التى دفعت ثمنها سنوات من التشكيك والتقليل والنقد اللاذع، وجعلتنى أعانى أصعب درجات الاكتئاب والضيق والاختناق، حينما تلقيت أصعب سؤال فى حياتى من ابنى الأصغر: «أبى.. لماذا يكرهونك هنا فى الأرجنتين؟!».
حقق إنجاز مونديال قطر مع مجموعة من الشباب المغمورين
ارتباط «ميسى» بالأرجنتين وأهلها حالة خاصة واستثنائية، تصيبك حالة الحب التى ربطتهما فى مونديال الدوحة بقشعريرة فى كل جسدك، فملاعب كرة القدم عبر تاريخها الطويل، لم تشهد أغنيات وهتافات للاعب بروعة ما فعله الجيل الحالى مع «ليو» فى قطر.
أذكر ليلة أهدر «ميسى» ركلة جزاء أمام بولندا، كيف استقبل الجمهور ضياع الكرة، عبر هتافات سمع صداها سكان الدول المجاورة لقطر من مدى قوة الحناجر التى صرخت بأعلى صوت بهتافها الشهير: «ميسى.. ميسى.. ميسى».
كانت كل الآمال معلقة بهذا الرجل، ليس فقط فى مونديال قطر، بل منذ برز نجمه، فهو المسئول الأول والأخير عن نتائج الأرجنتين، لا اتحاد كرة ولا أجهزة فنية، ولا حتى نجوم كبار جاوروه فى فترات سابقة، فقط «ليونيل» هو من يُحاسب ويتحمل المسئولية.
وأنت تستمع لأغنيتهم الشهيرة لـ«ميسى» على أنغام «التانجو»، وفى المشهد تلك الرقصات المبدعة والوجوه المتحفزة والأصوات المتحمسة، ستشعر بالندم، فقط لأنك لم تتعلم الإسبانية كى تفهم ما يقولونه.. لكن من المؤكد أن المعنى سيصلك وسترقص رفقتهم.
ما أروع تلك العلاقة التى كانت تستحق أن تنتهى بمونديال يكسوه علم الأرجنتين، و«كرة ذهبية» تدخل دولاب بطلها الأول ليونيل ميسى.
شكك البعض فى أن «الكرة الذهبية» الأخيرة غير مستحقة، واعتبروا أن موسم «ميسى» لم يكن فيه أى إنجاز يُذكر غير مونديال الدوحة، وكأن المونديال بطولة سهلة وميسرة، ورغم أنه حققها رفقة مجموعة من اللاعبين الشباب لم يكن يعرف العالم منهم غير عدد قليل، ولم تضم القائمة لاعبين ينشطون فى الـ«توب فور» بإنجلترا مثلًا، أو برشلونة ومدريد فى إسبانيا.
صحيح أنهم لاعبون جيدون، لكن الغالبية منهم والأكثر فاعلية شباب فى بداية الطريق، لا يمتلكون أى خبرات للتعامل مع مثل هذه الظروف... إنزو فيرناندز الذى يخطو شهوره الأولى حينها فى بنفيكا البرتغالى، وجوليان ألفاريز بديل «هالاند» فى السيتى، والذى لم يلعب أساسيًا وقتها، لا فى ناديه ولا المنتخب مع بداية البطولة، وجوارهما دى ماريا، الذى جاوز ٣٥ عامًا ويلعب لعبته الأخيرة، ثم ماك ليستر لاعب برايتون.. وعدا تلك الأسماء، فإن جميع اللاعبين ينخرطون فى أندية وسط أو دوريات أقل، ولا يمكنك التعويل عليهم أبدًا.
بالنظر إلى قائمة أفضل ١٠ لاعبين هذا الموسم، ستجد مفارقة غريبة، بطل العالم الأرجنتين حضر بـ«ميسى» ومعه لاعب واحد فقط هو «ألفاريز»، والأخير انضم إلى القائمة بفعل ناديه «السيتى»، الذى فاز بكل شىء، واستحوذ وحده على نصف القائمة.
تخيل أن «السيتى» حضر أقوى من بطل المونديال، وتخيل بطل العالم يحضر بلاعب واحد فقط، فكيف يمكنك تصنيفهم قبل المونديال ومعظمهم أسماء غير معروفة؟
كان التكتيك المنضبط لمنتخب الأرجنتين هو السبب الرئيسى للانتصار، مع جودة وكفاءة وعبقرية ليونيل ميسى، الذى أدار مجموعة لاعبين شباب، وآخرين لا يمكنك تصنيفهم بين الكبار.
كانت بطولة إعجازية، وسيذكر التاريخ أن «ميسى» حقق أصعب كأس عالم ممكنة، فى وقت تفرط فيه منتخبات أوروبا المكتظة بالنجوم، والتى تستطيع تكوين منتخبين لا منتخب واحد، ويمكنك النظر إلى إنجلترا وفرنسا على وجه التحديد للتأكد من ذلك.
- تأثيره مع «التانجو» أكبر بكثير من هالاند مع السيتى
إذا نظرت إلى منافس «ميسى»، ستجد إيرلينج هالاند بأثر أقل بكثير من نجم الأرجنتين، صحيح حقق الثلاثية التاريخية، لكن البطل لم يكن «هالاند»، بل المجموعة كلها بتكتيك «جوارديولا» هى البطل.
جوارديولا ذاته قال: «هالاند يحتاج للمجموعة لكى يسجل أهدافه، بينما ميسى ليس بحاجة إلى أحد».
حينما غاب كيفين دى بروين وبرناندو سيلفا مطلع هذا الموسم، خفت نجم «هالاند» وتراجعت أرقامه كثيرًا، وهذا يعكس بدرجة كبيرة أثر اللاعب المرتبط بالآخرين.
فى الموسم الماضى، خلال جولتى قبل نهائى دورى أبطال أوروبا، ثم النهائى أمام إنتر ميلان، وهما المحطتان الأهم فى الموسم، لم يسجل إيرلينج هالاند. صحيح أنه لعب دورًا تكتيكيًا، لكن الأهداف التى يرى البعض أنها يجب أن تكون سببًا لتتويجه بـ«الكرة الذهبية» لم تحضر فى الوقت المناسب، وحضرت أكثر حينما كان يفوز «السيتى» بخماسيات وسداسيات، فى مباريات حُسمت مبكرًا.
«هالاند» نفسه، الذى فاز بجائزة «أفضل هداف»، لم يُبد أى اعتراض أو حزن، بل كان فى قمة السعادة بتتويجه بهذه الجائزة، ليقينه الكامل بأن ليونيل ميسى استحق «الكرة الذهبية».
سيعود «هالاند» هذا الموسم ليبدأ رحلة تحدٍ جديد نحو «الكرة الذهبية» الحلم، لكن منتخب بلاده النرويج قد يقف عائقًا أمامه، لأنه من الوارد ألا يتواجد فى «اليورو».
كما أن منافسيه «مبابى» و«بلينجهام»، وحتى زميله فى الفريق جوليان ألفاريز، لديهم حظوظ أكبر، لأن أحدهم قد يعانق بطولة قارية، سواء «اليورو» أو «كوبا أمريكا».
ستكون منافسة شرسة للغاية هذا الموسم بين الرباعى، وستكون المحددات هى الأرقام الفردية، التى يستطيع «هالاند» التغلب فيها، ثم البطولات الجماعية، وجميعهم أقرب إلى الدورى المحلى، ثم دورى أبطال أوروبا، سترجح كفة أحدهم على الآخر، و«اليورو» كذلك سيكون لها دور كبير فى تفضيل أحدهم، إذا تساوت وتقاربت الأرقام مع الأندية.
«بلينجهام» يقدم بداية تاريخية مع ريال مدريد، يتصدر قائمة الهدافين، وكل شىء فى «الميرنجى» قائم عليه، حسم «الكلاسيكو» الأخير ببراعته وحده، وها هو قريب من لقب الهداف، وكذلك «الليجا» أقرب إلى مدريد، ثم مع منتخب بلاده إنجلترا هو مرشح أول إلى جوار «فرنسا مبابى»، لذلك فإن تفريط «هالاند» فى دورى الأبطال هذا الموسم يعنى خروجه من سباق «الكرة الذهبية»، فلا سبيل له للبقاء والتنافس سواها.