عماد الدين حسين
علينا الاعتراف أن إثيوبيا نجحت فيما خططت له.
صحيح أنه نجاح مخلوط بالمكر وسوء النية واللؤم والكذب والمماطلة، لكن عالم السياسة لا يعترف إلا بالغاية، ولا ينظر أبدا إلى الوسيلة حتى لو كانت دنيئة.
فى اللحظة التى أعلن فيها آبى أحمد رئيس الوزراء الإثيوبى خلال القمة الإفريقية المصغرة ليل الثلاثاء الماضى بأن بلاده أنهت الملء الأول لسد النهضة، فهو كان يعلن نسف كل الاتفاقيات القديمة التى تمنع بلاده من إقامة سدود أو التأثير على حصة مصر والأهم التصرف الأحادى المنفرد، خلافا لكل الاتفاقات والمبادئ القديمة والجديدة.
إثيوبيا لم تتصرف بحسن نية أبدا، هى فقط نجحت فى اكتساب عداوة كل المصريين تقريبا، بسبب طريقتها الماكرة فى التفاوض منذ تسع سنوات تقريبا.
إثيوبيا تكشف كل يوم عن نواياها، وآخرها ما فعله وزير خارجيتها جيدو اندارجاشيو حينما كتب على تويتر صباح الأربعاء الماضى يقول: سابقا كان النيل يتدفق والآن أصبح فى بحيرة منها ستحصل إثيوبيا على تنميتها المنشودة. فى الحقيقة.. النيل لنا.
هذا ما كتبه اندارجاشيو باللغة الأمهرية وهو كلام واضح لا لبس فيه، حتى نفيق جميعا من أوهام تراهن على حسن نية إثيوبيا.
آبى أحمد نجح بمهارة فى العامين الأخيرين فى تخدير القارة الإفريقية والعالم أجمع وإظهار نفسه بأنه حمامة السلام حتى حصل على جائزة نوبل للسلام باعتباره الرجل الذى يقوم بإطفاء الحرائق فى بلده وإقليمه، بل ويتوسط لصنع السلام فى الصومال وجيبوتى والسودان وإرتيريا.
الدبلوماسية الإثيوبية نجحت فى تصدير صورة خاطئة وظالمة عن مصر فى الخارج، بل وصل الأمر إلى تصوير الأزمة باعتبارها صراعا بين العرب والأفارقة، أو بين البيض والسود، وكأننا نحن المصريين لسنا أفارقة، أو أن وجوهنا كلها بيضاء وعيوننا زرقاء!
وصل التلفيق والخداع منتهاه حينما استغل بعض الإثيوبيين الناشطين فى أمريكا عبارة حياة السود مهمة الخاصة بجورج فلويد ومقاومة العنصرية فى أمريكا، للربط بينها وبين ما اعتبروه مقاومة إثيوبية للهيمنة المصرية على النيل.
ولعب السيناتور جيسى جكسون دورا خطيرا وسلبيا فى الترويج لوجهة النظر الإثيوبية.
الدبلوماسية الإثيوبية دشنت فى الأيام الأخيرة العديد من الحملات الإعلامية على وسائل التواصل الاجتماعى، ليس فى إثيوبيا فقط، ولكن فى الخارج خصوصا أمريكا وأوروبا عنوانها الرئيسى السد لنا.. والنيل لنا.
آبى أحمد نجح إلى حد كبير فى صرف انتباه غالبية مواطنيه الناقمين على سياساته الداخلية، وعلى فشله فى مواجهة هيمنة عرقية التيجراى على عرقية الأورومو، بحيث يوحد الجميع تحت راية مواجهة مصر. وكان واضحا أنه وخلال القمة الإفريقية الأخيرة استخدم اسم آباى فى تسمية النيل الأزرق، بمعنى الأب أو المانح.
هم نجحوا فى استغلال الظروف السياسية الدولية والإقليمية بمهارة شديدة حتى وصلوا إلى تلك اللحظة الفارقة التى كانوا يحلمون بها منذ سنوات طويلة، وربما منذ 200 عام كما قال أحدهم بعد إعلان اكتمال الملء الأول للسد. تلك اللحظة التى يفرضون فيها على مصر تصوراتهم، ويقولون لها إن هذا النهر نهرنا نفعل فيه ما نشاء، بل وصل الأمر لقول أحدهم مخاطبا مصر: لقد استمتعتم بالنهر طوال الفترات الماضية، خصوصا بعد إنشاء السد العالى وحان الوقت لكى نفعل مثلكم بعد أن أقمنا سد النهضة.
هم لا يريدون تصديق أننا من دون النهر نموت حرفيا، فى حين أن لديهم أنهارا عديدة وتهطل عليهم 950 مليار متر مكعب سنويا نحصل منها فقط على 55 مليارا، وهى نصف احتياجاتنا الفعلية والأطرف أنها نصف ما تحصل عليه مواشيهم ومراعيهم كما قال وزير الرى محمد عبدالعاطى قبل أيام!
مرة أخرى القضية لم تنته بعد والمشوار طويل. مطلوب أن نواجه كل الأكاذيب والدعاية الإثيوبية السوداء، وأن نستمر فى مد اليد بالسلام والتعاون والمودة والصداقة، لكن إذا أصروا على منطقهم وغيهم فليكن شعارنا: وعلى الباغى تدور الدوائر.