أربعاء أيوب ،وهو رابع أيام أسبوع الآلآم – الأسبوع الأخير من الصوم الكبير_ ، وتتذكر الكنيسة القبطية فى هذا اليوم تشاور التلميذ الخائن يهوذا مع اليهود لتسليمهم السيد المسيح، وقد ارتبط هذا اليوم ونسب إلى ايوب النبى وهناك وجهة نظر لتفسير هذا الارتباط ، احدهما تمثل وجهة النظر الدينية ، حيث تقرأ فى الصلوات الكنسية التى تقام فى مساء هذا اليوم قصة أيوب كما ذكرها العهد القديم (التوراة) ، و ترمز قصة هذا البار الى السيد المسيح ، فى الآلآم والتجارب وايضاً فى النهاية السعيدة ،لذا ينسب هذا اليوم له فيقال أربعاء أيوب ،أما وجهة النظر الأخرى فتعتمد على الاعتماد الشعبى السائد بأن أيوب اغتسل مدلكاً جسده بنبات أخضر الرعرع ،فشفى من أمراضه ،وكان ذلك فى يوم الأربعاء هذا فنسب له وهو ما يعرف لدى الجماعة الشعبية بقصة ايوب المصرى والذى جمعها زكريا الحجاوى وقدمتها خضرة محمد خضر بصوتها على الايقاع المعروف بايقاع أيوب .
واعتادت مجتمعات البحث وخاصة الريفية بالاحتفال بهذا اليوم بالاغتسال والتدليك بنبات الرعرع وايضا يقوم بعض الشباب بالاغتسال ويغطس فى النيل، ويقوم البعض الآخر بغسل وجهه فقط باستخدام الأعشاب الخضر أو الموجودة على الشاطىء ،أما الأغلبية من الناس فيغتسلون فى المنزل مستخدمين نبات الرعرع أو النعناع احياناً الذى يوضع فى الماء المستخدم فى الاغتسال ولابد أن يرش ماء الاغتسال، داخل المنزل وخاصة أمام الأبواب مستخدمين فى هذا فروع النبات الأخضر يغمس (يتغطس) فى الماء.
وتحرص الجماعات القبطية على أداء هذه الممارسة وتمسكهم بها ولعل ذلك يرجع إلى احساسهم بمشاركة ايوب افراحه بالشفاء بعد طول مرض أو كأنهم بعد هذا الاغتسال وبهذا العشب يطلبون الشفاء من أمراضهم واستكمال الصحة الجيدة ،كما حدث مع ايوب وهذا ليس شفاء جسدياً فقط بل شفاء معنوى ،شفاء بمعنى التخلص ليس من المرض ولكن من الذنوب ولعل استخدام رموز لها مكانتها الشعبية بدعم هذا الاعتقاد يقويه، كما انهم لا يتخلصون من الماء بسهولة فهو يرش فى المنزل ليبقى اطول فترة ممكنة فيه طلباً لقوته وفاعليته الصحية ،كما يرسو هذا الماء داخل الأبواب حفاظاً على وقايته من الأمراض التى تأتى أو تدخل عن طريقها خوفاً ايضاً عن المس وكأن الماء تعويذه تلقى عند أبواب البيت فتصنع دخول الأمراض والأرواح الشريرة اليه فالأبواب منافذ لدخول كل شىء الى البيت بما فيها الأمراض والروح الشريرة ،وهذا النبات يسميه العامة رعرع أو (رعريع) أيوب ويرى البعض أن تحريف بما ورد فى قراطيس الطب العربى لكلمة عرعر، وفى الحقيقة أن الكلمة العربية تحريف للكلمة المصرية رع – رع وهو اسم متكرر كنداء للاله رع .
وهنا بهذا المعنى تعنى رع – رع أيوب يا إله أيوب ، وهذا النبات المصرى القديم عثر العلماء على حبة بين الهدايا الجنائزية فى مقابر طيبة والدير البحرى وتوجد عينات منه فى برلين وفكرة الاستحمام بنبات أو التدليك بزينة هو فكرة أصيلة فى التقاليد المصرية القديمة، ولا يزال الاحتفال بأربعاء أيوب بالعريش المصرية ،حيث المعتقد الشعبى بأنه البحر الذى اغتسل منه أيوب قائمة ، ويزور مصريون كثيرون هذه المنطقة يوم أربعاء أيوب لكى يستحموا به آخذين معهم بعض نباتات الرعرع أو يشترونها من البدو الذين يزرعونها خصيصاً لهذا الغرض ،وهو بيعه على مصريين مسيحيين ومسلمين من أجل ممارسة هذا الطقس كى ينالوا بركة الشفاء وغسل مراضهم الجسدية والمعنوية ،ايضاً فالماء أحد العناصر الهامة والشهيرة فى المعتقد الشعبى فهو رمز الطهارة والنقاء والبداية والميلاد الجديد وايضاً رمز الحياة والاغتسال به هو أهم مفردات الطهارة من الذنوب قبل التعميد فى المسيحية والوضوء فى الإسلام ،وقد عرفت الحضارات القديمة أهمية الماء والنار فهما وسيلتا التطهير لدى معظم الحضارات القديمة والمجتمعات البدائية والثقافات الشعبية ايضاً والنبات بما فيه من خضره يرمز الى الخير والنماء والخصوبة المنجدة وتلك الرموز التى تعطيها الثقافة الشعبية أهمية كبيرة خير معين لاثبات هذه العادة بل واكسبتها القوة والاستمرار فى الممارسة .
يحتفل الأقباط فى يوم أربعاء أيوب بظهور بشائر زراعات القمح فى شكل سنابل رقيقة خضراء أو “سيل القمح” فيحتفلون بها أو يشركونها فى الاحتفال لتصنع منها عروسة القمح .
(والعروسة عامة للاخصاب تنامى المحصول ووفرته وكانت العاده لتقدم كقربان القوى الخفية ايماناً بقوتها وخوفاً من بطشها كما كانت تقدم كتعويذه ووقاية من العين الحاسدة وهذا ما اكتسبته الثقافة الشعبية فى عمل عروسة من ورق ووخزها (خرمها) بالابر من عين فلان وأم فلان بل يصل بنا تتابع العادة الى قدماء المصريين، فقد كانت من العادات المألوفة التى تقام للاله Rnnouter اله الحصاد عادى حزمة من سنابل القمح وسوقه فى احتفال كبير تقدم فيه بواكير المحاصيل يعرف بعيد نتريت وليس غريباً أن تحتفل مصر القديمة “سلة غلال العالم القديم” بأهم محاصيلها القمح، وليس غريباً أن يتم الاحتفال من خلال المارسات الشعبية فى حالة من التواصل الثقافى من قدماء المصريين والمصريين المحدثين وتشكل عروسة القمح من باكورة المحصول فتقطف سنابل القمح الخضراء الغضة من نهايات اطرافها ،ثم نصف متجاورة ونثنى نهايات السوف لنجد مع بعضها البعض مكونه شكلاً مستطيلاً يشبه المشط تتدلى منه السنابل وبهذا التشكيل فهى توحى بالهيئة الآدمية ،فالسوق فى الوضع الأفقى تمثل اليدين والسنابل تكون هيئة الجسم ومكان التعليق يرمز الى الرأس وهى بذلك تشبه علامة حيث الهيروغليفية ،علامة حتب تعنى الخير والرحمة وايضاً قربان الرضا ،وهنا يمكن أن ندرك ملامح الشبه بين عروسة القمح ومجدولية السعف فكل منهما يحتفل به فى أوقات قريبة من الآخر وكل منهما يتم التخلص منه مع قدوم العام الجديد وحرقه فى النار .
_فريك أربعاء أيوب:
لا يقتصر دور القمح فى يوم أربعاء أيوب على عمل العروسة فقط وانما ايضاً يكون ضيفاً وشريكاً على موائد الطعام فى هذا اليوم ،وإن لم يتوفر فى البيت فيطلبونه ممن لديه “شوية فريك عشان اربع” ،ورغم أن الفريك يؤكل فى أيام السنة دون شرط فإنه فى يوم أربعاء أيوب يكون الطعام الأساسى كما يقول المثل الشعبى “اتارى الفريك محشى فريك” ،والفريك ما هو إلا سنابل القمح الخضراء التى لم تجف بعد ،وعليه يكون هذا الوقت هو أنسب الأوقات لهذه الحبوب ، كما توجد نوع من المسليات “أكل” لكنه ليس بشهرة الفريك معروف بإسم طقطقة القمح ويوضع كحبات على النار دون أن يطبخ بل يكون مثل الذرة حين يصنع منه الفشار وهذا ليس طعام ولكن نوع من التسلية مثل اللب أو السودانى .
المصدر:كتاب “مقدمة فى الفولكلور القبطى” لـ عصام ستاتى