بمناسبة قرب احتفال الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ببداية صوم الميلاد ، قدم الكاتب “كيرلس كمال عطا الله” مقطع فيديو مصورًا يتحدث فيه عن تاريخ البابا ابرام بن زرعة السرياني ومعجزة الجبل المقطم وصوم الميلاد المجيد ،وقصة صوم الثلاث أيام تذكار معجزة نقل الجبل.
وعبر قناته الخاصة بموقع اليوتيوب” حكاوي قبطية”، وهي خدمة تحت إشراف الأنبا إيلاريون، أسقف قطاع غرب الإسكندرية حكي “كيرلس” يقول: “الكنيسة القبطية كنيسة عريقة امتزجت بحب الوطن و تأثرت بالأحداث التي مر بها الوطن وكانت جزء لا يتجزأ من الوطن وبأحداثه لذلك علينا عندما نتعرف على سيرة بطريرك من بطاركة الكنيسة نتعرف على الأوضاع التي مرت بها مصر وما تأثير ذلك على الكنيسة، وما قامت به الكنيسة من الدور الوطني لحبها لهذا الوطن.
بالاضافة أن من خلال دراستنا لسيرة هذا الأب الموقر تجعلنا نطلق عليه لقب (الأب المصلح)، لما قام به من أعمال أصلاح داخل الكنيسة القبطية في فترة كانت من أصعب الفترات التي مرت على الكنيسة.
وضع مصر :-
كانت مصر في ذلك الوقت تخضع تحت حكم الخلافة العباسية التي أصابها الضعف والهوان وسيطر عليها القادة الترك وبدأت الدويلات المستقلة في الظهور بجانب ظهور دويلات أخري كانت تخضع شكلياً أو صورياً للعباسيين وكان في مصر الدولة الأخشيدية التي تبعت الخلافة العباسية شكلياً، وبعد موت الأستاذ كافور الأخشيدي تدهور حال البلاد المصرية جداً فنقص ماء النيل وترتب عليه ارتفاع الأسعار والغلاء الشديد وانتشر بعد ذلك الوباء الفتاك وكانت الأحوال من سئ لاسوء بجانب الصراعات على الحكم فساعد كل هذه الظروف علي الفاطميين أن يحققوا حلم السيطرة على مصر وفتحها وبالفعل تمكن جوهر الصقلي قائد الخليفة الفاطمي المعز لدين الله أن يفتح مصر ويحولها لدار خلافة فاطمية ويقوم بنهضة إصلاحية في البلاد وبناء القاهرة والجامع الأزهر ويهيئ الأوضاع للخليفة المعز.
وضع الكنيسة المصرية القبطية الأرثوذكسية في ذلك الوقت :-
تأثرت الكنيسة القبطية بالظروف والأحداث التي عاصرتها الكنيسة سواء من المجاعات وفرض الضرائب الكثيرة علي البابا أو وللأسف تأثر بعض أكابر الأقباط والأراخنة بعادات غير المسيحيين التي تنافي تعاليم الكتاب المقدس ومن هذه الأوضاع التي مرت علي الكنيسة هي :-
.السيمونية :-
السيمونية هي شراء الرتب الكهنوتية بالمال حيث كان الأب البطريرك يأخذ مبلغ من المال من الشخص الذي يريد أن يكون أسقفاً أو الذي سيتم رسامته حتى يستطيع البابا أن يسدد جزء من احتياجات والتزامات البطريركية الكثيرة، كما أن الأسقف بعد رسامته كان يأخذ من الكهنة والشمامسة المال قبل رسامته لكي يستطيع أن يسدد احتياجات الأسقفية وكان كثيراً في هذه الفترة يتم رسامة من معه المال أكثر من أحقيته لهذا المنصب الجليل، كما أن الأساقفة قد وضعوا نظام حتي يستطيعوا أن يحصلوا به على المال إلا وهي ” الديارية” وهي مبلغ معين من المال يدفعه الشعب للإنفاق على الأديرة.
وكان سبب ظهور السيمونية هي أن في زمان البابا خائيل الثالث البطريرك 56 ” يسميه البعض (ميخائيل الأول) ” في عهد أحمد بن طولون أن أحد الأساقفة المشلوحين ( أسقف سخا ) ذهب لأحمد بن طولون وأوشي بالبابا بأن معه مال كثير فقام أحمد بن طولون بطلب مبلغ كبير من البابا لأنه كان يريد أن يمول حملته لسوريا ولكن لم يكن مع البابا شيئاً ليعطيه أياه فأخذه بن طولون وسجنه لمدة عام حتي أستطاع الأراخنة أن يتوسطوا ويخرجون البابا علي شرط أن يدفع البابا عشرين ألف ديناراً علي مرتين فهنا لجأ البابا لبيع كثير من الأوقاف وأملاك الكنيسة فقد باع أوقاف الكنيسة في الإسكندرية ويعتقد البعض أنه باع مقره في الإسكندرية وباع كثير من الأوقاف التي كانت كنيسة الإسكندرية تعتمد عليه في الأنفاق على أحتياجاتها بعد أن تعهد لكهنة الإسكندرية بدفع مبلع ألف دينار سنوياً ليصرفوا به على أحتياجات الكنيسة ” وصارت بعد ذلك عادة بأن كهنة الإسكندرية كانوا يحصلون من الشخص الذي سوف يُرسم بطريرك جديداً بدفع هذه القيمة من المال سنوياً ثم خفضت بعد ذلك ل خمسمائة دينار ” كما قام البابا خائيل ببيع أرض كانت مخصصة للمقابر وباع كنيسة في مصر القديمة لليهود هي هيكل عزرا حالياً في مصر القديمة كل هذا لكي يسد المبلغ الذي فرضه عليه أحمد بن طولون كما لجئ بعد ذلك ” للسيمونية” حتي يحصل علي المال من الرسامات ليسد أحتياجات الكنيسة، وقد ظهر بعض البطاركة حاربت هذه السيمونية كما سوف نذكر في سيرة البابا أبرام بن زرعة السرياني.
2.المقر البابوي :-
نكتشف من سيرة البابا خائيل الثالث أن القلاية البطريركية في الإسكندرية ” المقر” قد باعه البابا وبدأ كثير من البطاركة خلال هذه الفترة يسكنون في الأرياف حتي أن البابا مينا الثاني الواحد وستين في أخر أيامه كان مقيم في محلة دانيال في إحدى قرى الوجهة البحري وقد بني هناك كنيسة على اسم مارمرقس وكانت تساعده سيده ثرية هناك فكثير من البطاركة خلال هذه الفترة تنقلوا في الوجهة البحري، ومن خلال ذلك علينا أن نعرف أن المقر البابوي لا يرتبط بمكان بل يعد المقر البابوي هو حيث يسكن ويستقر البابا أينما كان ومن قراءة التاريخ نتعرف أن كنيسة بوكاليا كانت هي أول مقر للكنيسة القبطية وبسبب الأضطهاد كان البطاركة يتركون مقرتهم ويختبئون، كذلك في الأضطهاد الخلقيدوني بعد أن احتل الروم البيزنطين علي كنائس الأقباط نجد أن ثلاث من البطاركة قد أتخذوا من دير الزجاج مقراً بابوياً ومع مطلع القرن السادس أصبح دير أبو مقار مقراً للكنيسة وخلال العصر العباسي وحتي العصر الفاطمي ظل الكرسي يتنقل في الوجهة البحري خصوصاً في منطقة دميرة ومحلة دانيال كما أن هناك بعض البطاركة أقاموا في دمروا في المحلة الكبري ، حتي جاء البابا خرستوذلوس السادس والستون ونقل المقر البابوي لمصر القديمة في الكنيسة المعلقة وكان ذلك في فترة الخلافة الفاطمية ويعتبر البابا آبرام بن زرعة والبابا زخارياس أول من دفنوا من البطاركة في مصر.
٣.التسري :-
تأثر أكابر الأقباط والأعيان بعادة التسري وهي اتخاذ نساء غير زوجاتهم مثل الأمراء والأكابر وكانت هذه العادة لا توافق تعاليم المقدس وقد حارب كثير من البطاركة هذه العادة .
٤.أختيار البطريرك :-
كان هناك عادة متبعة داخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في أختيار البطريرك وهذه العادة هي عادة كانت تسمى ( النوبة ) حيث أن المجموعة التي كانت تختار البطريرك كانت بالتناوب ما بين مجموعة السكندريين من كهنة وأراخنة الإسكندرية ومجموعة أهل مصر ورهبان دير أبو مقار وكان مجموعة منهم يختاروا مرة والمجموعة الأخرى تختار المرأة التي يليها، وكان هناك عدة طرق في أختيارهم للبطريرك مثل أن يقع أتفاقهم على شخص معين ويأخذ أعلي الأصوات (طريقة الإجماع ) أما الطريقة الأخرى فهي أختيار البطريرك لشخص قبل نياحته بأنه الذي سيخلفه على الكرسي ( طريقة التنبؤ )، أو يلجوأ للقرعة الهيكلية أو تحدث أعجوبة تشير لشخص معين يتم ترشيحه، ونلاحظ أن خلال فترة الفاطميين قد أختاروا البطريرك من خلال هذه الطرق فقد أختاروا كلاً من (البابا آبرام بن زرعة ال٦٢ والبابا فيلوثاؤس ال ٦٣ و البابا خرستوذولوس ال ٦٦ والبابا ميخائيل الرابع ال ٦٨ والبابا مقار الثاني ال ٦٩ والبابا يوحنا الخامس ال ٧٢) كل هؤلاء تم اختيارهم عن طريق إجماع الآراء عليهم.
ونجد أن تمت القرعة الهيكلية وقت اختيار البابا ميخائيل الخامس ال ٧١ وتمت نبوئه البطريرك فيما سوف يخلفه في عهد أختيار البابا كيرلس الثانى ٦٧ والبابا غبريال الثاني بن تريرك ال ٧٠ وتمت الأعجوبة وأشارت لأختيار البابا زخارياس ال ٦٤.
أن الخلافة الفاطمية استمرت في مصر حوالي ٢٠٥ سنة جلس خلالها حوالي ١١ بطريرك من البابا آبرام بن زرعة السرياني ال ٦٢ حتي البابا يوحنا الخامس ال ٧٢، وحكم خلالها مصر حوالي ١١ خليفة فاطمي شيعي وكانت هذه الفترة تعد العصر الذهبي للأقباط ،نالوا خلال هذه الفترة المكانة المرموقة في الدولة مثل منصب الوزارة مثل أبو اليمن قزمان بن مينا أول وزير مسيحي تولي إدارة القدس وبقيرة الرشيدي والوزير فهد بن أبراهيم في عهد الحاكم بأمر الله، كما سوف نذكر سيرتهم بالتفصيل لاحقاً.
البابا آبرام بن زرعة السرياني :-
أصله وحياته الأولى :-
كان آبرام بن زرعه سرياني الجنس عمل بالتجارة وكان كثير التردد على مصر للتجارة ونتيجه لعمله كان من الأغنياء وكان التجار من أعلى طبقات المجتمع، ورغم غناه الكثير إلا أنه كان شديد التصدق والعطف على المحتاجين والأرامل كثير الأهتمام بأخوة الرب وصار أسمه معروف في مصر، حيث يذكر عنه يوحنا بن ساويرس أنه كان في مصعبة بمصر ( غالباً التي حدثت أواخر أيام كافور الأخشيد وأشتدت بعد موته حيث انخفض منسوب مياه النيل وانتشر الوباء وساءت أحوال البلاد جداً حتي مجئ جوهر الصقلي ودخول الفاطميين) ففي أثناء هذه الفترة الصعبة كان آبرام بن زرعة يوزع يومياً ثلاثة آلاف رطل خبز ( الرطل حوالي ٤٥٣ جرام _~ نصف كيلو بما يعال ١٥٠٠ كيلو خبز) كما أنه أوقف بيته في مصر القديمة ليكون في خدمة المحتاجين كما عين وكلاء للاهتمام بشئون أخوة الرب وكان يرسل للمحتاجين الحنطة والدقيق وكل لوازمهم وله أعمال خير كثيرة جداً فقد زاع صيته في مصر جداً بسبب محبته للخير وللفقراء.
كما أن لحسن تجارته سهلت عليه دخول قصر الخليفة الفاطمي وينال رضاه وأستحسانه من أجل تجارته.
عشان آبرام حياة العفاف وكان بتولاً رغم أن آل ـ بوتشر في كتابها ذكرت أنه متزوجاً إلا أنه لم يذكر أحد غيرها من المراجع هذه المعلومة الغير صحيحة.
وفي أحد المرات ذهب لدير أبو مقار ومضى لمغارات الآباء ليتبارك منهم وهناك تقابل مع أب معه اثنين من الرهبان فباركه هذا الأب وأخذه ومال به وقال له أنه يرى فوقه صخرة عظيمة وكانت هذه إشارة ونبوءة لأنه سيصير بطريركاً ويحمل مسئولية الكنيسة.
اختياره بطريركاً :-
خلى الكرسي المرقسي بعد البابا مينا الثاني ال 61 مدة تتراوح ما بين السنة ل سنتين ثم أجتمع بعد ذلك الأساقفة مع الأراخنة في كنيسة القديس سرجيوس وواخس بقصر الشمع (كنيسة أبو سرجة مصر القديمة) وذلك قبل الأحتفال بعيد الميلاد المجيد ولم يصلوا لاتفاق لأختيار البطريرك وأثناء ذلك دخل إلى الكنيسة التاجر ابرام بن زرعة الذي كانت ذقنه طويله ومنظره يشع روحانيه فأشار أحد الأراخنة إلى أحد الأساقفة وقال أنتم تطلبون من يصلح للبطريركية وهوذا الله بعث من يصلح لذلك وأشار على آبرام وقد أستحسن باقي الأساقفة هذا الاختيار وقرروا علي رسامته بطريركاً فقام أحد الأراخنة من أصدقائه ونادي عليه كأنه يريد أن يتكلم معه في أمر ما وجاء به ناحية الأساقفة فصاح الجميع مستحق مستحق وربطوه بالحديد وصاروا به للإسكندرية كالعادة لرسامته هناك وتمت رسامته في يوم الأحد(هناك أختلاف في سنة الرسامة بين المصادر) باسم (آبرام بن زرعة السرياني البطريرك 62).
علاقة الكنيسة القبطية بالكنيسة السريانية :-
ننتهز هذه الفرصة ونتكلم معكم عن علاقة الكنيسة القبطية بالكنيسة السريانية والترابط والمحبة المتبادلة بين الكنيستين.
رغم ما سببه مجمع خلقيدونية من جرح عميق وشرخ داخل الكنيسة الجامعة الرسولية إلا أنه جعل روابط العلاقات تقوي بين الكنيستين القبطية والسريانية اللاتين رفضوا قرارات هذا المجمع المشئوم وصارت بينهم وحدة في الإيمان والعقيدة وتأثرت الكنيستين ببعضهما البعض في الصلوات والطقوس والمصطلحات والتراث، كما نجد أن بعد هذا المجمع ظهرت عادة كانت موجودة ولكن أصبحت أكثر ممارسة بعد مجمع خلقيدونية إلا وهي رسائل المحبة بين البطريركين القبطي والسرياني بعد رسامة بطريرك جديد على كل كنيسة حيث أعتاد البطريرك الجديد على أن يكتب رسالة المحبة ويوضح فيها إيمانه لأخوة وشريكه في الخدمة البطريرك الأخر ويشرح فيها الإيمان الأرثوذكسي السليم وقبول الكنيسة الأخري في الشركة الرسولية وقد حفظ لدينا مجموعة من هذه الرسائل في كتاب يسمى ( اعتراف الآباء ) يحتوي على رسائل من عهد البابا كيرلس الأول الـ24 وحتى عهد البابا خريستوذولوس ال 66 المتنيح سنة 1077م حيث لم تنتظم هذه الرسائل بعد ذلك نظراً للظروف والأوضاع التي مرت بها البلاد من حروب وصراعات.
كما نجد جلوس بعض السريان علي الكرسي المرقسي والعكس رسامة بعض الاقباط علي بطريركية السريان فقد جلس البطريرك بولس الثاني ( 550 : 575 م ) على كرسي أنطاكية والبطريرك ثيؤدور القبطي الذي ترهب في دير القديس توما سنة 649م وقد جلس 18 سنة على كرسي أنطاكية، كما نجد أن هناك من السريان من جلسوا على السدة المرقسية وهم ( البابا دميانوس الأول ال 35 من سنة 563 : 598 م غير أن العلاقات بين الكنيستين كانت متوترة و البابا سيمون الأول الـ42 من سنة 692 : 700 م وبعد نياحة هذا البابا خلي الكرسي 4 سنوات فنجد أن الأرخن أثناسيوس الرهاوي السرياني وكان متولي الخراج آنذاك الاهتمام والمراعاة بشئون الكنائس وتوسط لدى والي مصر عبد العزيز بن مروان لكي يعين الأنبا غريغوريوس أسقف مصر العليا بالقيام بأعمال البطريرك حتى يُرسم بطريرك جديد كما جلس التاجر السرياني علي الكرسي المرقسي وهو البابا إبرام بن زرعة السرياني ال 62 وأخيراً البابا مرقس الثالث بن زرعة السرياني ال 73 من 1157 : 1180 م كما يوجد البابا غبريال الثالث البطريرك الـ 77 ( 1268: 1271) والبابا يؤانس العاشر ال 85 ( 1363 : 1369) يؤانس المؤتمن الشامي.
فعلاقات والمواقف كثيرة بين الأقباط والسريان يطول شرحها ولكننا أردنا أن نذكر لمحة لنوضح مدى الترابط والوحدة والمحبة بينهم البعض واعتبارهم كنائس شقيقة في الإيمان والوحدة.
أعماله في البطريركية :-
نستطيع أن نعتبر هذا الأب بأنه أب مصلح بالحقيقة حيث أنه عمل بغيرة وحرارة روحية لأحياء الفضائل المسيحية ومحاربة الشرور التي أنتشرت في ذلك الوقت في الكنيسة نتيجة تأثر المسيحيين بعادات خاطئة من غير المسيحيين.
فكان أول شئ يقوم به هو توزيع جزء كبير من أمواله علي الفقراء والمحتاجين كما دفع لكهنة الإسكندرية المبلغ المقرر على البطريرك ( ١٠٠٠ دينار ) وقام بإلغاء السيمونية ومنع رسامة أي أحد بالمال فكان يصرف على الكنيسة من ماله الخاص.
تمتع بعلاقة قوية مع الخليفة المعز لدين الله الفاطمي كما كان الخليفة يحضره إليه ويستشيره في بعض الأمور، وحدث مرة أن كان للخليفة واحد من رجاله يدعي يعقوب بن كلس اليهودي الذي أسلم وصديقه موسي اليهودي طبيب المعز حقدوا على مودة المعز للبابا فطلبوا من المعز أن يدخلوا في جدال مع البابا ليثبتوا أن دين البابا غير صحيح حيث أن المعز كان يحب المناظرات ويستضيف الشعراء والفقهاء لداره ويسمع شعرهم ومناظرات الفقهاء فوافق الخليفة علي ذلك وحتي لا يضع البابا في موقف محرج سمح له بأحضار احد معه أذا أراد البابا بذلك وبالفعل حضر البابا ومعه الأنبا ساويرس بن المقفع واحد من علماء اللاهوت في ذلك العصر أسقف الأشمونيين وقد حاور يعقوب بن كلس وموسي صديقي وأحرجوهما أمام الخليفة حيث ذكر لهم أنبا ساويرس أن اليهود شعب غبي لا يفهم متعتمد علي قول إشعياء النبي ” اَلثَّوْرُ يَعْرِفُ قَانِيَهُ وَالْحِمَارُ مِعْلَفَ صَاحِبِهِ، أَمَّا إِسْرَائِيلُ فَلاَ يَعْرِفُ. شَعْبِي لاَ يَفْهَمُ».” ( إش ١ : ٣ ) وأحرجهم أمام الخليفة فجعلهم في ضيق شديد وحاولوا أن يتصيدوا للبابا ليوقعوا به حتي أحضروا للمعز الآيه التي تقول لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ، وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ.” ( مت ١٧ : ٢٠ ) فأعجب الخليفة بهذه الآية وطلب من البابا أن يعرف صحة هذه الآية فقاله له البابا أن هذه الآية صحيحة فطلب منه الخليفة آن ينقل الجبل المقطم ليتأكد أن إيمان المسيحية سليم ( وأختلف رواية هذه القصة بين المؤرخين والكتاب ولكننا سنوردها لاحقاً).
أهتم هذا البابا ببناء الكنائس وتعميرها وتجديدها وقد حصل من المعز علي أمر تجديد كنيسة الشهيد مرقوريوس ( أبو مرقوره ) حيث تحولت لمخزن للقصب وعندما شرع ببنائها منعه المتعصبيين من تجديدها رغم أمر الخليفة فأمر الخليفة عند علمه بذلك بمجموعة من الجند يذهبوا إلى موقع الكنيسة ليبدوا في تجديدها حيث إن الخليفة قد أعطي البابا مبلغ من المال من خزينة الدولة ليجدد الكنيسة ولكن البابا رفض ذلك شاكراً الخليفة وفضل أن بناء الكنيسة يكون علي عاتق أبناء الكنيسة ، كما أن البابا عمر كثير من كنائس الإسكندرية حيث فرغت كل الأموال التي معه حتى لم يستطع أن يوفي للإسكندريين المبلغ المطلوب منه سنوياً حتى استطاع أن يتفاوض معهم وأنزل قيمة المبلغ من ١٠٠٠ دينار سنوياً ل ٥٠٠ دينار سنوياً.
يذكر عن هذا البابا أن أحد أكابر الأقباط ويدعي ( أبو اليمن قزمان بن مينا ) قد عينه المعز والي الخراج لفلسطين كان قبل أن يسافر قد أودع لدي البابا كل ثروته وقيمتها ( تسعمائة ألف دينار) طلب من البابا أذا لم يعد من هناك يقوم بتوزيع هذه الأموال على المحتاجين وبالفعل سافر أبو اليمن لكن قام هناك حرب القرامطة على منطقة فلسطين فقام أبو اليمن بتخبئه مال الخراج في أحد الأديرة هناك وبسبب حقد أبن كلس علي قزمان بن مينا فقد وشى به لدى المعز بأنه قد تعاون مع القرامطة وأعطاهم أموال الخراج فغضب المعز جداً علي قزمان وأمر بالقبض على عائلته وإلقائهم في السجن ولما لم يسمع البابا شيئاً عن قزمان ظن أنه مات فقام بتوزيع كل ماله على المحتاجين لكن عاد قزمان مرة أخرى واستطاع توضيح براءته لدى الخليفة فسامحه وأفرج عن عائلته وعاد لمكانته فذهب ليسأل البابا عن أمواله فأخبره البابا أنه ظن أنه أصابه مكروة هناك فقام بتوزيع ماله على المحتاجين ففرح قزمان جداً ولم يغضب على البابا.
حارب البابا مشكلة التسري الذي انتشرت بين أكابر الأقباط وشدد عليهم جداً وحرم المخالفين فأطاع الجميع البابا وتخلوا عن النساء السراري ما عدا شخص تعنت ورفض أن يطيع البابا وقد نصحه البابا مرة وأثنين ولكنه لم يطع فقرر البابا الذهاب لمنزله حتى يخجل منه ويربح نفسه فوصل البابا لمنزله وظل يقرع بابه لمدة ساعتين ولم يشاء هذا الشخص أن يفتح للبابا فنفض البابا غبار نعل رجليه وقال دمه علي رأسه وتركه فأنكسرت عتبه بيت هذا الرجل ومات في نفس اليوم لكن كان هناك رجل آخر يدعى ( أبا السرور) تضايق من البابا بسبب نهي البابا للأعيان عن موضوع السراري فقرر أن يقوم بتسميم البابا وبالفعل استطاع تسميمه.
نياحته :-
ونتيجة لذلك يتنيح البابا بعد أن جلس على الكرسي حوالي ثلاث سنوات ونصف خدم فيها بأمانة واتضاع وعند موته لم يكن معه من المال أي شئ يذكر حيث كان قد وزع كله ماله ومال قزمان بن مينا لخدمة الفقراء وتعمير الكنائس وكان أول من يدفن في مصر.
معجزة الجبل المقطم :-
اختلفت وتنوعت الروايات حول معجزة نقل جبل المقطم وكثرت الأقاويل حول هذه المعجزة ولكننا سنذكر أقدم من ذكر هذه المعجزة والتي منها تناقلها المؤرخين.
في كتاب يوحنا بن ساويرس إعداد وتحقيق أ / شريف رمزي يذكر في هذا الكتاب إشارة هامة جداً لمعجزة الجبل المقطم حيث يذكر عن يوحنا بن ساويرس الكاتب المصري أن حكى له شخص يدعى يحيى بن جبريل الكاتب بما جرى من معجزة نقل الجبل قائلاً ( وحكي لي يحي ابن جبريل الكاتب أنه كان حاضراً بمجلس البطريرك أنبا أبرام السرياني المعروف بابن زرعة البطريرك بمصر والإسكندرية ، وقد أعاد علي جماعة من كان هناك حاضراً من كاتب ورئيس – ما جرى له مع الملك المعز المغربي لما التمس منه عمل الآية التي منح المسيح تبارك المؤمنين به فعلها عند خلوص الإيمان وارتفاع الشكوك، من نقل الجبل من موضعه فاستدعاه البطريرك فلم يفعل ، وجزم عليه فسأله الإمهال ومضى فصلي ثلاثة أيام بلياليها ولم يطعم ولم ينم فيها. وإنه بعد ذلك ترأي له شخص فأمره بالمضي إلى كنيسة السيدة المعروفة بالمعلقة بمصر فمن يلقاه يأخذه معه ليقضي حاجته. فلما مضى لقي إنساناً يستقي الماء ويفرقها على المساكين وأنه كان أعور فتعلق به فأعلم البطريرك أنه قد عَلِم حاجته وصعد إلي القاهرة بدلجة وإن المعز خرج من قصره إلي الجبل ومعه عبد الله والعزيز وتميم بنوه فنزل البطريرك واستقبل الشرق مصلياً ومعه ذلك الرجل فارتفع الجبل ورؤيت الشمس مشرقة من تحته و تدكدك الجبل فرجع المعز ومن معه خائفين مما رأوه” هذا ما ورده يوحنا بن ساويرس في كتابه العلم والعمل مما سمعه من يحيي بن جبريل الكاتب الذي كان شاهد عيان لهذه الحادثة ويرجح الأستاذ شريف رمزي في كتابه بإثبات أن يوحنا بن ساويرس كان في زمن البابا زخارياس البطريرك ال 64 ويعتبر هذه أقدم شهادة لهذه المعجزة.
والشهادة الثانية التي لدينا وتعد الشهادة التي نقل منها أقدم المؤرخين هي الشهادة الموجودة في كتاب سيرة البيعة المنسوبة خطأناً لساويرس بن المقفع الذي حضر المعجزة بنفسه وهو الذي كان سبباً في عمل اليهود هذه المكيدة للبابا وللأقباط بسبب أحراج هذا الأسقف ليعقوب بن كلس وصديقه الطبيب موسي ولكن حسب كتاب أعجوبة نقل جبل المقطم يذكر هذا الكتاب أن من أرخ لهذه المعجزة هو الاسقف ميخائيل اسقف تنيس وقد أرخ لهذه المعجزةسنة 1051م أي بعد حدوثها ب 70 سنة خلال كتابته لسيرة البابا أبرام بن زرعة السرياني حيث أن هذا الأسقف قد تناول سيرة 10 بطاركة من أول البابا شنوده الأول ال 55 حتي البابا شنوده الثاني ال 65 وقد كان البابا شنوده الثاني هو من قام برسامة ميخائيل هذا أسقفاً حيث يذكر هذا الأسقف المعجزة بهذه الصورة ” كان يوجد علاقة طيبة بين البابا ابرام بن زرعة والمعز لدين الله الفاطمي لكن بسبب الوزير اليهودي يعقوب بن كلس أوجد للخليفة الآية التي تقول ” لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ، وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ.” (مت 17: 20)
وحسب سيرة البيعة كان أمر الخليفة قاطع بأن البابا لو لم يقم بهذا الأمر سوف يبيد النصارى كلهم عن بكرة أبيهم من الملاحظ أن النقل الشفهي لعب دور مهم في معجزة جبل المقطم حيث أن مخطوط سيرة البيعة لم تذكر أسم الجبل ولا اسم الرجل الذي كان سبب هذه المعجزة بل ذكر عن أنه رجل دباغ.
ويذكر كتاب سير البطاركة للأنبا يوساب أسقف فوه أن البابا عندما كان يسجد ويقف كان الجبل يقف معهم وعند السجود كان الجبل يعود مرة أخرى”.
ومن قصته تناقلت هذه المعجزة لباقي الكتاب والمؤرخين الأقباط لكن قد أضاف البعض عليها بعض التعديلات، ومن هذه الأختلافات كان الآتي ” أما وحسب كتاب السنكسار المطبوع سنة 1912م وهو أسمه الصادق الأمين في أخبار القديسين الجزء الاول القمص فيلوثاوس المقاري القس ميخائيل المقاري الطبعة الأولى سنة 1912م قال إن الجبل حدثت فيه زلزلة عظيمة ألقت الرعب في قلب الخليقة وقلوب أصحابه فسقط كثيرين منهم الأرض
خلال كتب المراجع القديمة والسابقة كانت الأحداث تدور حول التالي يأما أن الجبل تقطع وصعد أفقياً ثم عاد لمكانه مرة أخري أو حدثت زلزلة عظيمة أخافت السلطان.
في عام 1935م في عهد البابا يؤانس التاسع عشر قام القمص أرمانيوس حبشي البرماوي السرياني واصدروا كتاب سنكسار ذكر فيه أن كلما قاموا من السجود تحرك الجبل وقال كلما صاروا ارتفع الجبل أمامهم ومن هذا السنكسار أخذ كثير من طبع كتب السنكسارات فيما بعد”.
وهنا أريد أن أوضح بعض النقاط الهامة بخصوص هذه المشكلة واللغط السنوي الذي يحدث بسببها في كل سنة وقت صوم الميلاد.
كيفية دراسة التاريخ :- ( هذه النقطة هامة لتحليل كثير من المواقف التاريخية )
دراسة التاريخ أمر هام جداً وعلينا أن نسلمه للأجيال القادمة بدون مبالغات أو إضافات فعلينا في دراسة التاريخ أن نحقق التاريخ ونحقق الوقائع التاريخية مهما كانت لأن التاريخ ليس كتاباً مقدساً وليس كتابه معصومين من الخطأ فعلينا أن ننهج طريقة علمية في دراسة التاريخ[1] فعلينا أن نتبع الآتي:-
1.الاعتماد على أكثر من مرجع في قرائتنا للتاريخ.
2.فصل التاريخ عن الفلكلور الشعبي[2] .
3.الرجوع للمصادر الأصلية التي كانت بادئة في تأريخ الأحداث. ( لذلك اعتمدنا في هذه القصة على أقدم ما كُتب فيها وليس على المراجع الحديثة).
4.قراءة الأحداث التاريخية بطريقة غير مباشرة من مصادر تشير للأحداث بشكل غير مباشر.
الإيمان المسيحي :-
الإيمان المسيحي لا يُبني على المعجزات ولا يتركز صحة الإيمان على الروايات التاريخية سواء صحت أو لم تصح لأن المؤرخين أناس غير معصومين من الخطأ يصيبون ويخطئون وطبيعي أن ينقلوا من مصادر غير صحيحة أو يسمعوا من بعض الرواة الغير مدققين في الأحداث.
كما يزعم البعض أنه عندما يثبت أن معجزة نقل جبل المقطم ليس حقيقة فأنه بالتالي قد ضرب المسيحية فى مقتل وأن دينهم ليس بحق والدليل أنهم يحكون الأساطير:-
وفي الحقيقة أن المسيحية ليست مبنية علي المعجزات وحدوثها بل أساس المسيحية هو الإيمان بأن السيد المسيح هو الإله المتجسد وهو المخلص الذي خلصنا من خطايانا وكما عرف بولس الرسول الإيمان هو الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى ، كما أوضح بولس الرسول أن تبشيره لم يكن حتى بالكلام الفلسفي المقنع بل قال لأهل كورنثوس أن كلامه وكرازته لم يكونا بكلام حكمة إنسانية بل ببرهان الروح والقوة 1كو 2 :4 فلم يعتمد الرسل والكارزين علي صنع المعجزات في نشر الإيمان بل اعتمدوا على قوة الروح في نشر الكرازة ويحكي بستان الرهبان لموقفين للأنبا باخوميوس يوضح ما أقول
يحكي عن الأنبا باخوميوس أب الشركة أنه جاء أحد الهراطقة لتلاميذه طالبين منهم أن يأتوا بالأنبا باخوميوس لكي يتحدوه بالمشي على الماء مثل ما يشموا على اليابسة وإذا فعل ذلك فإنه يكون رجل قديس وقريب من الله، ولما أعلم تلاميذ أنبا باخوميوس القديس بهذا عنفهم قائلاً أن هذه الأقوال بعيدة عن الله وأنه يريد أن يعبر بحر ودينونة هذا العالم بدون أن يغرق في الخطايا.
وموقف أخر طلب الأخوة من الأنبا باخوميوس أن يصلى من أجلهم كى ينالوا موهبة عمل المعجزات فقال لهم
إن رأيتم عابد وثن و أنرتم أمامه الطريق الذي يقوده إلي معرفة الله تكونون قد أحييتم ميت
و إذا رددتم أحد المبتدعين في الدين إلي الأيمان المستقيم تكونون قد فتحتم عيني أعمى
و إذا جعلتم من البخيل كريماً تكونون قد شفيتم يداً يابسة
و إذا حولتم الكسلان إلي النشاط تكونون قد منحتم الشفاء لمقعد مفلوج
و إذا حولتم الغضوب إلي وديع تكونون قد أخرجتم شيطاناً
هل هناك شئ يطمع الإنسان أن يناله أعظم من هذا؟
إذا أكمل الإنسان جميع الحسنات وفي قلبه حقد على أخيـه ، فهـو غـريب عـن اللــه
وهذا يوضح أن الأقباط لا يحتاجون لأساطير لكي يبرهنوا أو يوضحوا صدق إيمانهم لأن هذا الموضوع بعيد كل البعد عنهم سواء حدثت المعجزة أو لم تحدث فهذا لم يؤثر في صحة العقيدة المسيحية أو فى ما كتبه الكتاب المقدس.
تضارب التواريخ :-
أدعي البعض أن هناك تضارب فى تواريخ هذه القصة وأن المعز لدين الله الخليفة الفاطمي قد مات قبل حدوث هذه حوالي فى سنة 975 م وأن المعجزة حدثت في سنة 979م كما أن البابا أبرام بن زرعه قد تنيح سنة 978م وهذه التواريخ توضح أسطورية المعجزة.
لكن الباحث الجيد فى علم التاريخ سيعلم جيداً أن كل هذه التواريخ تقريبية وذلك لأن زمن التأريخ في هذا العصر كان وحسب المؤرخين المسلمين كانوا يؤرخون بالهجري بالإضافة إلى أن تاريخ وفاة المعز غير معروفة وغير منطقية كما أن من أخر تاريخ وفاته على حسب السنة الأولى من ملك أبنه كما أن الأقباط وحتى الآن يعتمدون على التقويم القبطي في صلواتهم و تذكار نياحة القديسين وأن التاريخ الميلادي لم يكن معمولاً به في هذه العصور بل عُمل بالتقويم الميلادي فى مصر وأعتمد هذا التقويم كان في عهد الخديوي إسماعيل عندما أراد الانفتاح على العالم الأوروبي ومحاكاة حياتهم في كثير من النواحي الاجتماعية والثقافية وعندما أراد المؤرخين المحدثين أن يحولوا تاريخ هذه المعجزة للتقويم الميلادي أصاب الكثير منهم الخطأ لعدم وجود وسائل حديثة لاحتساب وتحديد هذه الواقعة بدقة.
هناك دليل آخر على فرق التاريخ هو تاريخ وفاة البابا هو 979م حسب التاريخ اليولياني ويعادي 975م بالتوقيت الغريغوري وهو واحد السبب الرئيسي لاختلاف التواريخ والأدق
عيد الميلاد المجيد وصوم الميلاد :-
يرتبط الانبا ابرام بن زرعة السرياني بصوم الميلاد بما فيها صوم الثلاث ايام تذكار معجزة نقل جبل المقطم لذلك وجب علينا أن نوضح تاريخ عيد الميلاد وتاريخ صوم الميلاد وحقيقة صيام الثلاث أيام تذكار المعجزة.
تاريخ عيد الميلاد المجيد :-
من خلال دراسة الليتروجية والأبحاث التي قدموها علماء الليتروجية نجد أنه لم يوجد ذكر لعيد الميلاد خلال أول ثلاث قرون في المسيحية بل كان تركيز الكنيسة آنذاك على الصوم الأربعيني وعيد القيامة المجيد وعيد الغطاس ( الظهور الألهي )، لكن وبسبب الغنوسيين وأعتبارهم أن الجسد شر ورفضهم لتجسد المسيح وأعتبارهم أن ميلاد المسيحي الحقيقي تم في يوم عماد المسيح علي يد يوحنا المعمدان بدأت الكنيسة تهتم بهذا الأمر وتأكد علي أهمية الأحتفال بعيد الميلاد لتحافظ علي العقيدة السليمة وترسخها في أذهان ونفوس المؤمنيين وبدأت تحتفل بهذا العيد مع عيد الغطاس في 11 طوبة وكان عيداُ مزدوجاً كما ورد ذلك في كتابات يوحنا كاسيان، بدأ يظهر الفصل بين العيدين في زمن البابا كيرلس الأول عامود الدين (412: 444) وذلك بسبب هرطقة النسطور الذي رفض أن تدعي العذراء والدة الاله كما أنه أعتبرأن يسوع كان إنسان عادي حل عليه أقنوم الأبن وقت العماد لذلك يرجح أن أول من أحتفل بعيد الميلاد في مصر كان البابا كيرلس الأول بعد مجمع أفسس الأول سنة 431م بسبب الحفاظ علي العقيدة السليمة وأن هذا العيد يرسخ ميلاد الله الكلمة وتسجده لأجل خلاص البشرية وما يؤكد ذلك أن في قوانين البابا ثاوفيلس لم يذكر عيد الميلاد لكن تم ذكر عيد الميلاد في عظة للأنبا بولس أسقف حمص حول عظة ألقاها يوم أن زار زار مصر سنة 432م في عيد الميلاد في زمن البابا كيرلس الاول وتثبت هذا العيد منذ ذلك الوقت خصوصاً يوم 29 كهيك وهذا ما أثبته الأشارات التاريخية مثل عظة البابا دميانوس الأول في أواخر القرن السادس وأوائل السابع وما قال الأنبا بنيامين الاول ال 38 عن الصلاة العظيمة التي أقامها في الإسكندرية بمناسبة عيد الميلاد ووجود وثائق ليتروجية تختص بهذا العيد من قطع وتسابيح ترجع لنهاية القرن الخامس وبداية السادس فعيد الميلاد مستقر في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية من زمن البابا كيرلس الاول خصوصاً بعد مجمع أفسس الأول 431م أي في أواخر النصف الأول من القرن الخامس الميلادي، وكانوا بيحتفلوا به في يوم 29 كيهك وهذا اليوم ثابت حتي الآن.
صوم الميلاد المجيد :-
أول نص قانوني في الكنيسة القبطية بصوم الميلاد كان في قوانين البابا خريستوذولس ال 66 حيث نص قانونه رقم ” 18 ” ” وكذلك صوم الميلاد المقدس، يكون من عيد مار مينا في الخامس
عشر من هاتور إلى التاسع والعشرين من كيهك. وإن وافق عيد الميلاد الشريف، يوم أربعاء أو يوم جمعة، فأفطروا فيه، ولا يصوموا بالجملة”.ونكتشف من ذلك القانون أن مدة الصوم حوالي 43 يوم حيث يتم الأحتفال بالعيد يوم 29 كيهك.
لكن قديماً وبعد فصل عيد الميلاد عن الغطاس كان يصوم يوم واحد وهو يوم البرامون المقدس ثم في زمن الأسقف ساويرس بن المقفع يذكر أن هناك صوم قبل عيد الميلاد ولكن لم يحدد مدته وذلك في القرن العاشر الميلادي أي في زمن مقارب لزمن البابا أبرام بن زرعة السرياني ثم نكتشف بعد ذلك أنه دخل صوم شهر كيهك ومن خلال كتابات بن كبر في القرن الرابع عشر نجد إشارة أن أهل مصر والوجهة البحري ألتزموا بما وضعه البابا خريستوذولوس في قانونه بخصوص صوم الميلاد أما اهل الصعيد فكانوا يصومون صوم شهر كيهك فقد وغالباً كانت عادتهم المتبعة آنذاك حيث أن قانون البابا خريستوذلوس بخصوص صوم الميلاد أخذ فترة حتي تم تثبيته في الكنيسة.
حث أن الكنيسة القبطية تمتعت بتنوع كبير وغناء في ليتروجيتها وصلوتها ولم تعرف التوحيد إلا في زمن قريب جداً حيث صار كلاً من الوجهة القبلي والبحري متحد في طقس واحد وصلوات واحدة.
صوم الثلاث أيام تذكار معجزة نقل الجبل :-
هناك بحث مقدم من الأستاذ شريف رمزي أشار فيه إلي أن اول من ربط بين ثلاثة أيام التي تمت إضافتهم لصوم الميلاد كانت مرتبطة بـ معجزة نقل الجبل كان الأنبا إيسذورس أسقف دير البراموس في كتاب الخريدة النفيسة حيث ذكر ( “ومن مأثره أنه ألحق بصوم الميلاد ثلاثة أيام بعد أن كان يصام أربعين يوما فقط، وسبب هذه الزيادة الحادثة الشهيرة المتواترة، حادثة نقل الجبل المقطم، وقد كان فرضها على الكنيسة حين أرغم على نقله، فجعلها تذكارا لهذه الحادثة وفريضة لكي يقي الله البيعة من مثل هذه المحنة ولا يعرضها لمثلها في المستقبل”).
ومن هذا الأسقف نقلها القمص يوحنا سلامة في كتابه اللآلئ النفيسة في شرح طقوس ومعتقدات الكنيسة الجزء الثاني ثم نقلها بعد ذلك القس منسي يوحنا في كتاب تاريخ بطاركة الكنيسة القبطية وغيرهم من مؤرخي الكنيسة ، ولكن في أصل الصوم لم يرتبط هذه الثلاث أيام بنقل الجبل حيث عندما فرضت البابا خريستوذولوس الـ 66 في قوانيه فرضة 43 يوم ولم يعلل زيادة الثلاثة أيام تذكار لمعجزة نقل الجبل المقطم كما لم يوضحها البابا كيرلس الثاني البطريرك 67 من بعده في قوانينه بل لم يدقق على مدة صوم الميلاد كما يشير الباحث شريف رمزي أن صوم الثلاث ايام لم يصومه الأقباط جميعاً في كل أنحاء مصر بل صامه الرهبان والأساقفة الذين كانوا بجوار البابا في الكنيسة المعلقة وسمعوا بهذه الحادثة ولكنه لم يفرض علي جموع الشعب.
تعليق شخصي :-
وعلي كلاً أن إيمانا بالسيد المسيح ووعوده أمر لا غبار عليه فهو الذي قال كما أمنت يكون لك فنحن نثق في وعوده ونثق أنه إله يصنع المستحيلات وقادر علي كل شئ حتي ولو تشير أي كتب أو مراجع غير مسيحية للحادثة وتناقلنا هذه الحادثة من مصادرنا القبطية فقط فلنا ثقة وإيمان أنه ( “وَالْقَادِرُ أَنْ يَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، أَكْثَرَ جِدًّا مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ، بِحَسَبِ الْقُوَّةِ الَّتِي تَعْمَلُ فِينَا،” (أف 3: 20))فلنا ثقة ورجاء فيه يفوق كل عقل وحتي لو فسر الأباء صوم الميلاد بهذه النظرة فهذا لكي يعلموا الشعب قوة وفاعلية الإيمان ولكننا في هذا البحث اردنا أن نوضح الحقائق التاريخية التي قد تكون غائبة عند البعض.
المراجع :-
تاريخ بطاركة الكنيسة المصرية المعروف بسيرة البيعة المقدسة لساويرس بن المقفع الملجد الثاني الجزء الثاني القاهرة 1948.
تاريخ الأمة القبطية وكنيستها ا.ل.بوتشر طبعة مكتبة الرسالة 2022
كتاب التواريخ ابو شاكر بن الراهب د. صموئيل قزمان
بطاركة الكنيسة القبطية في العصر الإسلامي مارك سوانسون
الكرسي البابوي عبر العصور القس روفائيل واصف ، ومقال للاستاذ ماجد كامل مجلة حكاوي قبطية
الكرسي البابوي عبر العصور القس روفائيل واصف ، ومقال للاستاذ ماجد كامل مجلة حكاوي قبطية
يوحنا بن ساويرس الكاتب المصري دراسة وتحقيق شريف رمزي يونيو ٢٠٢١
أعجوبة نقل جبل المقطم إعداد شريف رمزي
الاحتفال بعيد الميلاد المجيد أقدم الوثائق الليتروجية المصرية بيشوي رمزي ويصا مجلة مدرسة الأسكندرية
مراحل التطور الليتورجي لزمن التهيئة لعيد الميلاد الاب أثناسيوس المقاري 2 أكتوبر 2014
ثلاثة أيام صوم الميلاد وعلاقتهم بأعجوبة نقل الجبل المقطم الاستاذ شريف رمزي عدد 26 -2019 مجلة مدرسة الإسكندرية
قوانين بطاركة الكنيسة القبطية في العصور الوسطي الاب اثناسيوس المقاري الطبعة لاولي يوليو 2010.