حقوق الإنسان فى المسيحية.. الهدف المطلوب! .. بقلم الأنبا موسى
17.05.2020 06:28
Articles مقالات
المصرى اليوم
حقوق الإنسان فى المسيحية.. الهدف المطلوب! .. بقلم الأنبا موسى
حجم الخط
المصرى اليوم

بقلم الأنبا موسى

ذكرنا فى العدد الماضى مقدمة عن:

 

1- من هو الإنسان؟ 2- الإنسان مخلوق على صورة الله. 3- مكونات الطبيعة الإنسانية.

 

كان من المهم أن نستغرق فى هذه المقدمة قبل أن نتعرف على حقوق الإنسان فى الدين، فهى أوسع وأعلى بكثير من حقوق الإنسان كما نعرفها فى ميثاق الأمم المتحدة.. ومن هذه الحقوق ما يلى:

 

أولاً: الحق فى الوجود:

 

1- فنحن نؤمن أننا بإلهنا العظيم نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ (أعمال الرسل 28:17)..

 

- فالحياة هى عطية الله للإنسان فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ (يوحنا 4:1).

 

- والحركة هى عطية الله من خلال الصحة، ونقصد بالحركة مفهومها الشامل: حركة الروح نحو الله، وحركة العقل نحو الاستنارة بنوره، والتفكير السديد، وحركة النفس بالحب نحو الآخرين، وحركة الجسد حين يسعى الإنسان فى الأرض.

 

- أما الوجود (Existence)، فمعناه أن الإنسان له خصوصية الاتصال بالإلهيات، وقد قال عنه سليمان الحكيم: جَعَلَ الأَبَدِيَّةَ فِى قَلْبِهِمِ، الَّتِى بِلاَهَا لاَ يُدْرِكُ الإِنْسَانُ الْعَمَلَ الَّذِى يَعْمَلُهُ اللَّهُ مِنَ الْبِدَايَةِ إِلَى النِّهَايَةِ (جامعة 11:3). بمعنى أن الإنسان المؤمن، يعرف معنى وجوده، ويدرك عمل الله فى الكون، ويفهم أن الْعَالَمِينَ أُتْقِنَتْ بِكَلِمَةِ اللهِ (عبرانيين 3:11)، وأن الله سلط الإنسان على الأرض وما فيها، وأنه صنيعة يد الله العظيم، ومن هنا يدرك سر وجوده، كخليقة لله على الأرض، جاء ليصنع مشيئة الله، ويمجد اسمه القدوس، وبعد أن تنتهى رحلته بسلام يرجع الإنسان إلى خالقه الخالد، أبدية سعيدة.

 

2- والإنسان المؤمن يرفض المذاهب الملحدة الوجودية: والتى تقول إن: هذا الوجود لا طائل منه (سارتر) أو إن هذه الحياة تستحق الانتحار، ولكنى لا أفضل ذلك (ألبير كامى). كما يرفض مذهب العبث لدى صامويل بيكيت الذى كان يقول: إن الإنسان يخرج من ظلمة الرحم، إلى ظلمة الأرض، ثم إلى ظلمة القبر، وذلك لأنه لم يستنر بنور الإيمان، فيعرف أن الله هو نور السموات والأرض، وأنه الَّذِى وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ الْمَوْتِ، سَاكِنًا فِى نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ، الَّذِى لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ

 

أَنْ يَرَاهُ (تيموثاوس الأولى 16:6)، وأن مصير الإنسان، بعد أن يترك كثافة الجسد وعالم الخطيئة، أن يدخل إلى أنوار الأبدية السعيدة.

 

ثانيًا: الحق فى الأبدية:

 

- فإن كان ميثاق حقوق الإنسان يتحدث عن حقوقه على الأرض، فإن الأديان أعطت للإنسان الحق فى ميراث الخلود، والحياة مع الله إلى الأبد، فى الملكوت السعيد. وذلك بالطبع إذا استخدم الإنسان حريته المتاحة له، استخدامًا حسنًا، وعاش الإيمان مع العمل الصالح، ومجاهدة النفس ضد الإثم والخطيئة مَا الْمَنْفَعَةُ يَا إِخْوَتِى إِنْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّ لَهُ إِيمَانًا وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ، هَلْ يَقْدِرُ الإِيمَانُ أَنْ يُخَلِّصَهُ؟ إِنْ كَانَ أَخٌ وَأُخْتٌ عُرْيَانَيْنِ وَمُعْتَازَيْنِ لِلْقُوتِ الْيَوْمِىِّ، فَقَالَ لَهُمَا أَحَدُكُمُ: امْضِيَا بِسَلاَمٍ، اسْتَدْفِئَا وَاشْبَعَا، وَلَكِنْ لَمْ تُعْطُوهُمَا حَاجَاتِ الْجَسَدِ، فَمَا الْمَنْفَعَةُ؟ هَكَذَا الإِيمَانُ أَيْضًا، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْمَالٌ، مَيِّتٌ فِى ذَاتِهِ (يعقوب 14:2-17).

 

لذلك فالإنسان المؤمن يهتم بأن يعيش حياته الأرضية بسلام، متمتعًا بكل حقوقه، ولكنه مشغول- بالأكثر- بحياته الأبدية، فهى الأبقى والأمجد!!

 

اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا.. هذا هو المبدأ السليم للإنسان المؤمن.. يتمسك بحقوقه الأرضية، ويجتهد لينال حقه الأبدى. وقد قال السيد المسيح: لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ أَوْ مَاذَا يُعْطِى الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟ (مرقس 36:8-37).

 

ثالثًا: الحق فى الرعاية الإلهية:

 

- يقول إلهنا العظيم للإنسان المحدود البسيط:

 

- لاَ تَخَفْ لأَنِّى مَعَكَ (تكوين 24:26).

 

- فِى الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ (يوحنا 33:16).

 

- تَعَالَوْا إِلَىَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِى الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ (متى 28:11).

 

- لذلك يهتف الإنسان المؤمن:

 

- إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟ (رومية 31:8).

 

- إِذَا سِرْتُ فِى وَادِى ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِى (مزمور 4:23).

 

- الرَّبُّ لِى فَلاَ أَخَافُ. مَاذَا يَصْنَعُ بِى الإِنْسَانُ؟ (مزمور 6:118).

 

- طَيِّبٌ هُوَ الرَّبُّ للَّذِينَ يَتَرَجُّونَهُ، لِلنَّفْسِ الَّتِى تَطْلُبُهُ (مراثى إرميا 25:3).

 

- الإنسان المؤمن يعرف أنه فى عالم يسود فيه الظلم والسحق والعدوان، ويوسوس فيه الشيطان للبشر ليرتكبوا المعاصى، ويدوسوا الحقوق: ولكنه يعرف أيضًا أن إلهنا العظيم بار وعادل، يرفض الظلم ويعاقب عليه، فهو الذى قال لليهود قديمًا، ولا شك أنه مازال يقول حتى الآن: وَيْلٌ لِلأُمَّةِ الْخَاطِئَةِ، الشَّعْبِ الثَّقِيلِ الإِثْمِ، نَسْلِ فَاعِلِى الشَّرِّ، أَوْلاَدِ مُفْسِدِينَ! تَرَكُوا الرَّبَّ، اسْتَهَانُوا بِقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ، ارْتَدُّوا إِلَى وَرَاءٍ.. تَزْدَادُونَ زَيَغَانًا! كُلُّ الرَّأْسِ مَرِيضٌ، وَكُلُّ الْقَلْبِ سَقِيمٌ... لَسْتُ أُطِيقُ الإِثْمَ وَالاِعْتِكَافَ.. (أى أن يعتكف الإنسان وكأنه يصلى ويتأمل فى الإلهيات، بينما هو يرتكب الآثام

 

فى نفس الوقت).

 

فَحِينَ تَبْسُطُونَ أَيْدِيكُمْ أَسْتُرُ عَيْنَيَّ عَنْكُمْ، وَإِنْ كَثَّرْتُمُ الصَّلاَةَ لاَ أَسْمَعُ. أَيْدِيكُمْ مَلآنَةٌ دَمًا. اِغْتَسِلُوا. تَنَقُّوا. اعْزِلُوا شَرَّ أَفْعَالِكُمْ مِنْ أَمَامِ عَيْنَيَّ. كُفُّوا عَنْ فِعْلِ الشَّرِّ. تَعَلَّمُوا فِعْلَ الْخَيْرِ. اطْلُبُوا الْحَقَّ. انْصِفُوا الْمَظْلُومَ. اقْضُوا لِلْيَتِيمِ. حَامُوا عَنِ الأَرْمَلَةِ (إشعياء 4:1-17).. وهذه هى وصية الرب لنا جميعًا.

 

إن الدين ليس أفيونًا للشعوب، كما ادعى الماركسيون، بل هو إكسير الحياة، وصلابة الإيمان، وهو الدرع الواقية للإنسان، فى مواجهة ظلم الإنسان لأخيه الإنسان!!

 

وتعاليم الدين دائمًا فى اتجاه نشر الخير بين البشر، ونشر المحبة والسلام، وإعطاء الحقوق لأصحابها.

 

هذا هو التدين الحقيقى، الذى نحتاجه اليوم، وكل يوم.. للحديث بقية.

 

* أسقف الشباب العام

 

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية

 

اترك تعليقا
تعليقات
Comments not found for this news.