تعيد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مثل هذا اليوم 12 من الشهر المبارك (كيهك) بتذكار نياحة الأب العظيم الأنبا هدرا أسقف مدينة أسوان .
ولد من أبوين مسيحيين، فربياه وعلماه مخافة الرب منذ صغره، ولما بلغ ثماني عشرة سنة أحب والداه أن يزوجاه من إحدى قريباته، ولكنه امتنع بحجة المرض، حتى إذا كان صباح ذلك اليوم، ذهب إلى الكنيسة مبكرًا، وصلى مع الجماعة وطلب من السيد المسيح أن يسمعه من أقوال الكتب المقدسة ما يتفق وما في قلبه، فسمع ما استراح إليه، ولما خرج من الكنيسة رأى ميتًا محمولًا ذاهبين به إلى المقبرة، فسار مع المشيعين، وكان يحدث نفسه، قائلًا:”اسمع يا هدرا، ليس هذا الذي قد مات، ولكنك أنت الذي قد مت عن هذا العالم الزائل”، ولما وصلوا ودفنوا الميت، لم يعد إلى بيته بل التحق بالدير وأقام مع الرهبان، ولما سمع أقاربه وأصدقاؤه أتوا إليه وقالوا له “إنك بعملك هذا تجلب علينا الحزن، كما تؤلم قلب خطيبتك، وأنت تستطيع إن تعبد الله في أي مكان شئت” وإذ لم يفلحوا في إرجاعه عن رأيه عادوا والحزن يملأ قلوبهم على فراقه.
أما هو فقد اندفع في عبادة حارة، ونسك عظيم وصوم دائم، وصلوات متواترة، ومطانيات عديدة. وكان في أيام القديس بيمين، فتتلمذ له، وكان يسترشد بتعاليمه وقدرته الصالحة، وبعد ذلك بثماني سنين طلب أن ينفرد في البرية، وإذ سمحوا له، انطلق حتى عثر على مغارة فسكن فيها، وطلب من القديس بيمين أن يطلع على سيرة القديس العظيم الأنبا أنطونيوس أب الرهبان ليتعلم منها قتال العدو الشرير، ومكث هناك أيامًا كثيرة يجاهد ضد إبليس وجنوده، وكان الشيطان يجربه كثيرًا، فمن ذلك أنه ظهر له وبيده سيف مسلول يريد قطع يديه، فصرخ القديس إلى الرب، فغاب عنه الشيطان في الحال، وفي أحد الأيام خرج من مغارته، ولما عاد وجد تنينا عظيما داخلها ، فصلى إلى الرب، قائلًا: “يا ربي وسيدي إن كانت هذه إرادتك إن اسكن مع هذا الوحش فلتكن، ثم تطلع إلى التنين فوجده مقطعًا إلى ثلاثة أجزاء. وكان في حرب دائمة مع الشياطين، لا ينام الليل ولا يستقر بالنهار، وكان الرب يخلصه منها.
وأخيرًا حبس نفسه في قلايته، وكانوا يأتون إليه بالمرضى والمصابين بالأرواح النجسة، فيصلي على زيت ويدهنهم به فيبرأون في الحال، وكانت الأرواح النجسة تصرخ، قائلة: “ويلاه منك يا هدرا، أحرقتنا صلواتك وطردتنا من البراري”، ومرة أتى إليه رهبان من الشام وسألوه عن مسائل غامضة في الكتب المقدسة، ففسر لهم معانيها، فاعجبوا بعلمه، قائلين :”لقد طفنا جبالًا وأديرة كثيرة، وزرنا معلمين وفلاسفة، فلم نجد من يفسر لنا هذه المسائل كما يفسرها لنا هذا القديس”، ولما تنيح أسقف مدينة أسوان ذهب بعض من شعبها إلى الدير ، وهناك اجتمعوا بالرهبان الذين حضروا من الشام، وهؤلاء قد اثنوا لهم على القديس هدرا، فذهبوا إليه وأخذوه رغما عنه وسافروا إلى الإسكندرية ورسمه لهم الأنبا ثاؤفيلس بابا الإسكندرية أسقفا عليهم، وما إن جلس على كرسيه حتى عكف على وعظ شعبه وتعليمه طرق الحياة، وقد صنع آيات كثيرة، وكمل حياته بسيرة حسنة، ثم تنيح بسلام.
وفيما يلي عرض صور نادرة لدير القديس الأنبا هدرا الأثري غرب النيل بأسوان، وجدير بالذكر ان هذه الصور الفوتوغرافية ترجع إلى عام ١٩١٢م .
صور لدير القديس الأنبا هدرا الأثري بغرب النيل بأسوان