الأنبا موسى يكتب .. تنسيق الطاقات
02.12.2018 00:43
Articles مقالات
المصري اليوم
الأنبا موسى يكتب .. تنسيق الطاقات
حجم الخط
المصري اليوم

بقلم الأنبا موسى

دخل أحد الأصدقاء إلى مكتبى، يحمل شريط فيديو، وطلب منى أن أشاهد هذا الشريط الذى لا يستغرق سوى عشر دقائق. فأحضرنا تليفزيونًا صغيرًا، وشاهدنا الشريط معًا.. فماذا كان يحوى؟

 

مدير شركة كبرى على مكتبه وحوله أربعة أجهزة تليفون، وهو متوتر وفى غاية العصبية، يرفع سماعة تلو الأخرى، ويقطع المكالمة فى التليفون الأول، ليرد على الثانى، فيرن جرس التليفون الثالث، ليستأذن من محدثه السابق، ويتحدث إلى صاحب التليفون الجديد... إلخ.. وهكذا فى توتر مستمر.

 

وإذ بأحد مساعديه يدخل ليسأله فى شىء يخص العمل.. ولكن المدير يشخط فيه طالبًا منه الحضور فى وقت آخر.. ثم يدخل ثانٍ وثالثٍ ورابع.. ثم تتصل به زوجته فيعتذر لها عن التأخر عن الغداء لكثرة العمل.. وهكذا.

 

إلى أن زاره صديق عزيز ورآه فى هذه الحالة، فطلب منه أن يسكت أجراس التليفون لمدة خمس دقائق، قال له فيها: يجب أن توزع الأعمال على مسؤولى قطاعات وتشرح لكل منهم عمله، وهو بالتالى يجتمع بمساعديه، ويضع الخطة اللازمة فى هذا القطاع.. وهكذا فى بقية القطاعات.. ثم تجتمع أنت بمسؤولى القطاعات مرة أسبوعيًا.. يطرح كل واحد خطته وكيفية التنفيذ.. ثم المتابعة.. ولا تحمل أنت الحمل كله.. وبمجرد أن فعل المدير ذلك، نراه هادئًا مبتسمًا، يتابع العمل دون توتر، ثم يتحدث مع زوجته بهدوء حول زيارة أو رحلة.. إلخ. وهذا ما يسميه علماء الإدارة: التفويض (Delegation).

 

1- أهمية التفويض

 

من أهم أساسيات العمل فى كل المجالات: الروحية والعلمانية، مبدأ التفويض، أى تكليف أناس بمسؤوليات، يضعون خططًا لها، ثم يقومون بتنفيذها، مع متابعة جماعية للعمل.

 

والحقيقة أن هذه الفكرة مأخوذة أساسًا من الكتاب المقدس، حين جاء يثرون لزيارة موسى النبى، ورأى أن موسى جلس ليقضى للشعب، فوقف الشعب عند موسى من الصباح إلى المساء، فقال له: مَا هَذَا الأَمْرُ الَّذِى أَنْتَ صَانِعٌ لِلشَّعْبِ؟ مَا بَالُكَ جَالِسًا وَحْدَكَ وَجَمِيعُ الشَّعْبِ وَاقِفٌ عِنْدَكَ مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى الْمَسَاءِ؟. قال موسى: إِنَّ الشَّعْبَ يَأْتِى إِلَىَّ لِيَسْأَلَ اللهَ. إِذَا كَانَ لَهُمْ دَعْوَى يَأْتُونَ إِلَىَّ فَأَقْضِى بَيْنَ الرَّجُلِ وَصَاحِبِهِ، وَأُعَرِّفُهُمْ فَرَائِضَ اللهِ وَشَرَائِعَهُ. فقال يثرون: لَيْسَ جَيِّدًا الأَمْرُ الَّذِى أَنْتَ صَانِعٌ.. إِنَّكَ تَكِلُّ أَنْتَ وَهَذَا الشَّعْبُ الَّذِى مَعَكَ جَمِيعًا، لأَنَّ الأَمْرَ أَعْظَمُ مِنْكَ. لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصْنَعَهُ وَحْدَكَ. اَلآنَ اسْمَعْ لِصَوْتِى فَأَنْصَحَكَ. فَلْيَكُنِ اللهُ مَعَكَ. كُنْ أَنْتَ لِلشَّعْبِ أَمَامَ اللهِ، وَقَدِّمْ أَنْتَ الدَّعَاوِىَ إِلَى اللهِ، وَعَلِّمْهُمُ الْفَرَائِضَ وَالشَّرَائِعَ، وَعَرِّفْهُمُ الطَّرِيقَ الَّذِى يَسْلُكُونَهُ، وَالْعَمَلَ الَّذِى يَعْمَلُونَهُ. وَأَنْتَ تَنْظُرُ مِنْ جَمِيعِ الشَّعْبِ ذَوِى قُدْرَةٍ خَائِفِينَ اللهَ، أُمَنَاءَ مُبْغِضِينَ الرّشْوَةَ، وَتُقِيمُهُمْ عَلَيْهِمْ رُؤَسَاءَ أُلُوفٍ، وَرُؤَسَاءَ مِئَاتٍ، وَرُؤَسَاءَ خَمَاسِينَ، وَرُؤَسَاءَ عَشَرَاتٍ، فَيَقْضُونَ لِلشَّعْبِ كُلَّ حِينٍ. وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ الدَّعَاوِى الْكَبِيرَةِ يَجِيئُونَ بِهَا إِلَيْكَ، وَكُلَّ الدَّعَاوِى الصَّغِيرَةِ يَقْضُونَ هُمْ فِيهَا. وَخَفِّفْ عَنْ نَفْسِكَ، فَهُمْ يَحْمِلُونَ مَعَكَ. إِنْ فَعَلْتَ هَذَا الأَمْرَ وَأَوْصَاكَ اللهُ تَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ. وَكُلُّ هَذَا الشَّعْبِ أَيْضًا يَأْتِى إِلَى مَكَانِهِ بِالسَّلاَمِ. (خر 14:18-23).

 

وهكذا استراح موسى والشعب، وسارت أمور القضاء والمنازعات فى سلام ويسر.

 

دروس من هذه القصة:

 

لاشك أننا نستطيع أن نستخرج دروسًا كثيرة من هذه القصة الجميلة، منها:

 

1- أن القائد الفردى يتعب ويتعب الآخرين، ويعطل العمل. أما القائد الجماعى الذى يكتشف الطاقات، ويوظفها وينسقها، فإنه يستريح ويريح الآخرين.

 

2- القائد الفردى يحبط طاقات من حوله، أما القائد الجماعى، فيفجر الطاقات، ويجعلها تعمل بقوة.

 

3- الإدارة علم كنسى أصلاً، فكلمة Administration وهى أصلاً لاتينية، مكونة من مقطعين هما: =to Ad، minister serve = أى يخدم.. وكلمة minister يمكن أن تعنى راعيًا خادمًا، وممكن أن تعنى وزيرًا.

 

4- التفويض Delegation معروف منذ القِدَم، وجوهر أساسى من معطيات الإدارة أن يعطى القائد بعض سلطاته إلى الصف الثانى، وهكذا يتحقق ما يلى:

 

أ- يستريح القائد من زحمة العمل، فيستطيع التفكير والتخطيط والتعامل بهدوء.

 

ب- يربى القائد صفوفًا من المساعدين: الصف الثانى والصف الثالث، فيكون قائدًا ولودًا ومثمرًا.

 

ج- ينتشر العمل بصورة أكبر بسبب كثرة الطاقات العاملة.

 

د- يستمر العمل بنفس القوة حتى لو غاب القائد لظرف ما، أو تركه نهائيًا، وذلك بسبب عدم اعتماد العمل كليًا على شخص واحد.

 

5- أهمية التعليم والإعداد الجيد للقادة، كما طلب يثرون من موسى النبى، أن يختار أناسًا ويدربهم، ويشرح لهم الفرائض الإلهية، وكيفية تصريف الأمور.

 

6- أن يتابع القائد القادة المساعدين، حتى لا ينحرف أحد منهم، أو يستغل نفوذه، أو يحابى بالوجوه، أو يأخذ رشوة، أو يعوق الآخرين.

 

7- أن ينسق القائد عمل القادة المساعدين، حتى لا تحدث تقاطعات فى العمل، فتكون هناك مواعيد قضاء لرؤساء الألوف، غير تلك التى لرؤساء المئات والخماسين والعشرات.. وحتى لا تحدث ازدواجية فى المواعيد والمسؤوليات، أو تعطيل فى مختلف النشاطات المطلوبة.

 

2- أهمية التنسيق

 

تنبع أهمية التنسيق من ضرورة توقع تقاطعها معًا، أثناء العمل، وربما بسبب الحماس الزائد. وهذا التقاطع سوف يجهض العمل كله، حينما نضيف أرقامًا إلى أرقام، ثم نطرح من المجموع رقمًا أكبر، فتكون النتيجة سلبية!.

 

مثال: 7 + 9 + 15 + 14 + 20100=35

 

إن تنسيق الطاقات أمر جوهرى، حتى لا يحدث فاقد فى الطاقة، أو تقاطعات معطلة، أو إلغاء إحدى الطاقات لطاقة أخرى. وهكذا يمضى العمل فى سلام وسلاسة، ويأتى بالثمار المطلوبة. وهكذا يعمل الجميع فى تناغم روحى، وإثمار مستمر، بنعمة الله...

 

* أسقف الشباب

 

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية

اترك تعليقا
تعليقات
Comments not found for this news.