
في الوقت الذي تشتعل فيه جبهات السياسة الدولية من غزة إلى كييف، يواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتماد على مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف، الذي صار يوصف داخل واشنطن بـ«رجل المهمات المستحيلة».
ووفق تقرير موسع نشرته مجلة «فورين بوليس»، فإن ويتكوف، الذي بدأ مهمته كمبعوث للشرق الأوسط، أصبح اليوم يلعب أدوارًا تتجاوز حدود منصبه، حتى بات يُنظر إليه من قبل بعض الدوائر الأمريكية كوزير خارجية فعلي لإدارة ترامب، يفاوض في ملفات تمتد من الحرب الروسية الأوكرانية إلى البرنامج النووي الإيراني، مرورًا بالأزمة المشتعلة في غزة.
زيارة حاسمة لموسكو
هذا الأسبوع، حط ويتكوف في موسكو للمرة الخامسة منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض في يناير الماضي، لعقد لقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في إطار مسعى أمريكي للتوصل إلى اتفاق سلام بين موسكو وكييف.
ترامب، الذي دخل ولايته الثانية واثقًا من قدرته على إنهاء الحرب سريعًا، بدأ يفقد صبره مع بوتين، خاصة مع استمرار القصف الروسي على المدن الأوكرانية.
وجاءت الزيارة قبل مهلة نهائية حددها ترامب لوقف الحرب، مهددًا بفرض عقوبات جديدة إذا لم يحدث تقدّم.
ورغم إعلان ترامب عن «تقدّم كبير» في المحادثات، إلا أن مؤشرات الاختراق الفعلي بدت غائبة، ومن المتوقع المضي في فرض العقوبات الإضافية.
موسكو، من جانبها، تدفع باتجاه عقد لقاء مباشر بين ترامب وبوتين، لكن لم يُعرف بعد إن كان ذلك سيحدث. والنتيجة المؤقتة: السلام في أوكرانيا ما زال بعيد المنال.
سجل مختلط في الملفات الشائكة
وحقق ويتكوف بعض النجاحات التكتيكية، مثل الوساطة لوقف إطلاق نار استمر ستة أسابيع في غزة مطلع العام، لكن هذا الهدوء انهار في مارس، وفشلت كل محاولاته اللاحقة لإحيائه. كما لعب دورًا مهمًا في ترتيب هدنة مع الحوثيين في اليمن، والإفراج عن أمريكي معتقل في روسيا، وأسير إسرائيلي أمريكي كان محتجزًا لدى حماس.
عائلات الأسرى في إسرائيل أشادت باهتمامه وحرصه على متابعة قضيتهم، إذ أكد لهم في لقاء أخير أنه يعمل على خطة لإنهاء الحرب في غزة وضمان الإفراج عن جميع المحتجزين. لكن إعلان حكومة بنيامين نتنياهو خططًا لاحتلال القطاع بالكامل جعل احتمالات إنهاء الصراع في المدى القريب شبه معدومة، مع تزايد المخاوف على حياة الرهائن.
في الملف الإيراني، كُلف ويتكوف بقيادة المفاوضات النووية، لكن الأمور تعقدت بعدما شنت إسرائيل حربًا استمرت 12 يومًا ضد طهران، انتهت بقصف أمريكي لمواقع نووية إيرانية، لتتعثر المحادثات مجددًا وسط غموض حول إمكانية عودتها لمسارها.
جدل حول الكفاءة والخلفية
مهمة ويتكوف تثير الجدل في واشنطن، ليس فقط لضخامة الملفات التي يتولاها، بل أيضًا لأن خلفيته المهنية لا تمت للدبلوماسية بصلة؛ فهو رجل أعمال في مجال العقارات بلا خبرة حكومية أو سياسية سابقة.
منتقدوه يحذرون من أنه «يتجاوز قدراته» وأن قضايا بهذا التعقيد كان ينبغي أن يتولاها دبلوماسيون محترفون. وهناك مخاوف من أنه يقع بسهولة تحت تأثير بوتين، خاصة مع ترديده أحيانًا لروايات قريبة من الخطاب الروسي.
لكن ترامب يرى في ويتكوف «صانع صفقات» بارع، ويعتمد عليه بشكل استثنائي، وهو ما يعكس ميل الرئيس الأمريكي لتفضيل الولاء الشخصي على الخبرة الفنية، ورغبته في كسر تقاليد واشنطن الراسخة.
مع ذلك، طبيعة ترامب المتقلبة وسجله في الإطاحة بكبار مساعديه تثير التساؤل: إلى متى سيصبر على ويتكوف إذا استمر غياب الإنجازات الكبرى، خصوصًا في ملف أوكرانيا؟
أصوات تحذير
تورّي تاوسيغ، الباحثة البارزة في «المجلس الأطلسي»، قالت لمجلة «فورين بوليسي»: «الضغط على الرئيس بوتين مستمر، وترامب يحاول تصعيده.. لكن هذه خامس زيارة لويتكوف إلى موسكو، وأعتقد أن الضغط بات عليه هو أيضًا للعودة بشيء ملموس».
ويتحرك ستيف ويتكوف وفقًا للمجلة، في مسرح سياسي شديد التعقيد، محاولًا إطفاء حرائق متعددة في وقت واحد، لكن حصيلة جهوده حتى الآن تبدو متأرجحة بين نجاحات مؤقتة وإخفاقات مستمرة. وبينما يراهن ترامب على قدرته كـ«صانع صفقات» لإنجاز ما عجز عنه آخرون، تبقى الملفات الكبرى، من أوكرانيا إلى إيران، مفتوحة على كل الاحتمالات.