تمثل القضية السكانية، في الوقت الراهن تحديًا أمام الدول باختلاف أنظمتها المتقدمة منها والنامية، بصورة تفرض ضرورة التصدي لها ومواجهتها؛ لما لها من آثار اقتصادية واجتماعية وثقافية تقف عائقًا أمام التنمية، مضيفاً أنَّ الفهم الجيد للسكان وتغيراتهم دائمًا أمرًا ضرورياً في معالجة العديد من التحديات الكبرى التي نواجهها اليوم، وذلك وفق تقرير معلوماتي أصدَره مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء.
7.8 مليارات نسمة عدد سكان العالم.. 6,6 مليارات منهم في الدول الأقل دخلا
وفي تقريره، أشار مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، في تقريره إلى المشهد العالمي لإحصاءات النمو السكاني، حيث أكّد أنَّه وفقاً لتقديرات المكتب المرجعي للسكان (Population Reference Bureau) فقد بلغ عدد سكان العالم نحو 7,8 مليارات نسمة في منتصف عام 2021، يتركز نحو 6,6 مليارات نسمة منهم في الدول الأقل دخلًا مقارنة بـ1,3 مليار نسمة يتركزون في الدول ذات الدخل المرتفع، ومن المتوقع أن يبلغ عدد سـكان العالم 9,7 مليارات نسمة بحلول منتصف عام 2050، ثم يصل بعد ذلك إلى 11,2 مليار نسمة بحلول عام 2100.
معدل الزيادة الطبيعية على مستوى العالم 1% في 2020
وفي عام 2020، بلغ معدل الزيادة الطبيعية على مستوى العالم (1%)، ويتجه المعدل في معظم الدول الأكثر تقدمًا إلى الصفر وأحيانًا يكون بالسالب في دول مثل ألمانيا (- 0,3%) واليابان (- 0,4%)، في حين يرتفع المعدل في الدول الفقيرة مثل النيجر ليصل إلى (3.7%).
المشهد الإقليمي والعالمي لقضية السكان.. تحدي أمام الدول والتنمية
ووفقًا لتقرير صادر عن شعبة السكان التابعة لإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة في يونيو 2019، فإن 9 بلدان فقط ستشكل أكثر من نصف النمو المتوقع لسكان العالم، وهذه الدول بترتيب النمو هي: «الهند، ثم نيجيريا، وباكستان، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وإثيوبيا، وجمهورية تنزانيا المتحدة، وإندونيسيا، ومصر، ثم الولايات المتحدة الأمريكية»، ويتوقع التقرير أنَّ تتفوق الهند على الصين، لتصبح أكبر بلد في العالم من حيث عدد السكان في حوالي عام 2027.
ووفقاً لسيناريو متوسط للتغير السكاني مستقبلاً في العالم اعتمادًا على مستويات خصوبة وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للسكان خلال عام 2006، فإنه من المتوقع أن يرتفع عدد سكان العالم إلى 8 مليارات بحلول عام 2025 وأن يصل إلى 9,2 مليارات بحلول عام 2050، حيث تصل الخصوبة إلى 2,0 طفل لكل امرأة.
توقعات باستمرار النمو السكاني على مستوى العالم
ومن المرجح أنَّ يستمر النمو السكاني في العالم في البلدان الأقل نموًا، وستستمر آسيا في احتوائها على غالبية شعوب العالم، وستحصل إفريقيا على نصيب أكبر مما لديها في الوقت الحاضر، وقد أرجعت منظمة الأمم المتحدة السبب في هذا النمو الكبير إلى زيادة عدد الأفراد الذين يبلغون سن الإنجاب، وقد صاحب ذلك تغيرات كبيرة في معدلات الخصوبة، فضًلا عن زيادة التحضر وتسارع الهجرة، وقد تكون لهذه الاتجاهات آثار بعيدة المدى على الأجيال المقبلة.
وتتوقع الأمم المتحدة أنَّ النمو السكاني يمكن أن ينتهي في الجزء الأخير من هذا القرن، وذلك في حالة استخدام وسائل تنظيم الأسرة عالميًا بشكل أساسي، هذا بالإضافة إلى التشجيع على عدم إنجاب أكثر من طفلين، وفي ظل هذا السيناريو، فإنه من المتوقع أن يصل عدد السكان إلى 9 مليارات نسمة بحلول نهاية القرن وبمعدل نمو منخفض.
وأشار مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، إلى أنَّ هناك عدة عوامل تؤثر بشكل مباشر على النمو السكاني، وهي معدلات الخصوبة، وزيادة التعمير السكاني (أي زيادة متوسط العمر المتوقع)، والزواج المبكر، والهجرة الدولية.
النمو السكاني في الدول النامية يتراوح بين 2 إلى 4%
وهناك علاقة بين النمو السكاني والتنمية، فوفقًا لرؤية البنك الدولي التي تقوم على أساس أن النمو السكاني المتسارع في الدول النامية بمعدل 2% أو أكثر (يعمل كأداة كابحة للتنمية)، فهو يرى أنَّه في ظل ظروف معينة سيكون النمو السكاني مفيدًا، حيث أدت النسبة المعتدلة للنمو السكاني في أوروبا واليابان وأمريكا الشمالية إلى تشجيع الابتكارات وتقليل المخاطرة في الاستثمارات، كما أنَّ زيادة الإنفاق على التعليم رفعت من قيمة القوى العاملة، ولكن البنك الدولي رأى أن تلك الظروف لا تنطبق حالياً على الدول النامية، وذلك للأسباب التالية:
- إن النمو السكاني الحالي في الدول النامية يسير بسرعة كبيرة، ففي أوروبا وأمريكا الشمالية لم يتجاوز 1,5% سنويا، أما في الدول النامية حاليا فهو يتراوح بين 2 إلى 4%.
- لم يعد الآن ممكنا للهجرة الدولية كبيرة الحجم نحو الأراضي غير المأهولة أن توفر أسواقًا للعمالة الفائضة، على عكس ما كان عليه الأمر في القرن التاسع عشر في أوروبا.
- لم يعد بإمكان الدول النامية ذات النمو السكاني السريع توسيع هامش الزراعة ليشمل الأراضي غير المستعملة.
كما تناول المركز العائد الديموجرافي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حيث أشار أنه وفقًا لتقرير صادر عن منظمة اليونيسيف (UNICEF) في أغسطس 2019، فمن المتوقع زيادة عدد السكان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بأكثر من الضعف خلال النصف الأول من القرن الحادي والعشرين، وستنتقل نسبة كبيرة وغير مسبوقة من سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى الفترة الأكثر إنتاجية في حياتهم؛ مما يهيئ فرصة تحقيق عائد ديموجرافي ونمو اقتصادي تحفّزه التغيرات الديموجرافية التي تشهدها المنطقة، ومن المتوقع أن تشهد المنطقة أدنى نسبة إعالة فيها خلال الفترة (2018- 2040).
ويشكل الأطفال والشباب (0-24 سنة) في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حاليا حوالي نصف سكان المنطقة، وهم قادرون على أن يكونوا عناصر تغيير فيها، وقادرون على العمل لتحقيق مستقبل أكثر ازدهارًا واستقرارًا لهم ولمجتمعاتهم.
آليات مواجهة النمو السكاني وكيفية التعامل معها
وأوضح مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، في نهاية التقرير آليات مواجهة النمو السكاني وكيفية التعامل معها، مشيراً إلى أن المكتب المرجعي للسكان (Population Reference Bureau) بواشنطن، قد وضع عدد من السياسات الأكثر فعالية في الحد من النمو السكاني، ومنها:
- ضرورة التوعية المستمرة لتنظيم الأسرة، من خلال إعداد برامج منظمة لإتاحة معلومات وخدمات تنظيم الأسرة على نطاق واسع، وتكثيف الحملات الإرشادية بمختلف أنواعها وأشكالها الإعلامية والتثقيفية.
- اتباع برامج تنظيم الأسرة، حيث تكون برامج تنظيم الأسرة أكثر نجاحًا عندما يدعمها قادة المجتمع، وأولئك الأشخاص الذين لديهم تأثير قوي على عملية صنع القرار.
- ضرورة تبني المجتمع لبرنامج طموح لتنظيم الأسرة في إطار برامج التنمية الشاملة، متضمنًا برامج متكاملة تحقق نتائج أكثر إيجابية، سواء بالنسبة لمستويات التنمية أو السيطرة على النمو السكاني.
- ضرورة الاستثمار في النساء من خلال توفير التعليم والصحة والخدمات الأخرى؛ مما يساعد على توسيع فرصهن وتقليل اعتمادهن على الأطفال للحصول على المكانة والدعم، أو استخدام الأطفال كمصدر رزق.
- ضرورة ربط وسائل تنظيم الأسرة بحملات رعاية صحة الأم، مع التركيز على المحافظات؛ حيث توجد بها معدَّلات استخدام منخفضة لوسائل تنظيم الأسرة.
- رفع كفاءة خدمات تنظيم الأسرة المتاحة في العيادات الحكومية والخاصة، وذلك عن طريق التدريب لمقدمي الخدمة، حتى يتسنَّى لهم إعطاء المعلومات والاستشارات السليمة.
- ضرورة إعطاء اهتمام مضاعف للريف بوجه عام وريف الوجه القبلي بصورة خاصة، وذلك فيما يتعلق تحديدًا بخدمات الصحة، والصحة الإنجابية، وتنظيم الأسرة.
- ضرورة تفعيل قانون السن عند الزواج، وعدم الاعتداد بالزواج غير الموثَّق حال انعقاده، وعقاب كل الأطراف ذات العلاقة بزواج الأطفال، خاصة في الريف.
- تطوير السياسات والبرامج التي تسهم في إقناع النساء وأزواجهن بالاكتفاء بإنجاب طفلين بغض النظر عن نوع الطفل، مع التوعية بمزايا إنجاب طفلين فقط، وتعزيز المساواة بين الجنسين.