ألقى قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية اليوم؛ كلمة خلال تدشينه لكنيسة السيدة العذراء والقديسة فيرينا بزيورخ السويسرية؛ وتحدث قداسه خلالها عن القديسة فيرينا وعن حياة البابا أثناسيوس الرسولي؛ وبدأ قداسته كلمته قائلاً:
“خريستوس آنيستي- آليثوس آنيستي”، المسيح قام- بالحقيقة قام”
هذا يوم فرح نفرح فيه بتدشين هذه الكنيسة في هذه البلدة المحبة للمسيح، يوم فرح وذلك ما تكلمت معكم في طقس التدشين بصورة عامة والكنيسة تحمل اسم القديسة مريم العذراء أمنا وفخر جنسنا، وتحمل أيضًا اسم القديسة فيرينا، وهي قديسة مصرية ولكنها معروفة في بلاد سويسرا منذ زمن بعيد مع الكتيبة الطيبية.
وربما يذكر التاريخ سيرة هذه القديسة المصرية ومعها القديس موريس والكتيبة إلا أنهم لم يكونوا معروفين لنا حتي زار الأنبا صموئيل الأسقف العام للخدمات، الذي رسمه البابا كيرلس عام ١٩٦٢، إلى هنا في زيارة وطُلب منه أن يلقي محاضرة عن هذه القديسة، فطلب من الدكتور سمير جرجس أن يحضر المراجع، لأن المراجع عن هذه القديسة لم تكن متاحة باللغات المعروفة فقد كانت متاحة باللغة اللاتينية، وألقى محاضرة وبدأت سيرة القديسة تعرف.
حتي جاء نيافة الأنبا سيرابيون مطران لوس أنجلوس، وهو معنا اليوم، وبدأ يخدم هنا في مناطق كثيرة في سويسرا وبدأ ينشر سيرة هذه القديسة وكانت أول كنيسة لها بمصر في أسقفية الخدمات؛ عندما كان نيافة الأنبا سيرابيون أسقف الخدمات وبدأت تنتشر السيرة.
67-1
واليوم تدشين الكنيسة وسوف أتكلم معكم عن القديس الذي سوف نحتفل به غدًا حامى الإيمان القويم ولأننا تكلمنا عن سيرة القديسة فيرينا المصرية؛ فسوف نتكلم عن القديس أثناسيوس العظيم في البطاركة وهو صاحب تاريخ مجيد امتد إلي ما يقارب نصف القرن، كلمة أثناسيوس معناها الخالد ولد سنة ٢٩٨ وتنيح سنة ٣٧٣ وعاش حوالي ٧٥ سنة منها ٤٧ سنة بطريركًا للكنيسة.
كانت خدمته طويلة، خدمة عميقة وعرف ببدايته المبكرة عندما كان شماسًا وحضر مع البابا ألكسندروس، رقم ١٩، مجمع نيقية وظهر نبوغه وبراعته وحبه، ولكن قبل هذا الظهور كانت القصة المشهورة جدًّا أنه وهو على شاطئ البحر شاهده البابا يلعب وسط الأولاد، ورأى فيه روح النبوغ المبكر وبدأ في رعايته وتربيته وكانت النتيجة انه صار شماسًا خاصًّا وبعد ذلك صار البطريرك الـ٢٠ التالي للبابا ألكسندروس. نتعلم من هذا أنه حتى لعب أطفالنا يمكن أن نستفيد به.
ذهب القديس أثناسيوس مع البابا ألكسندروس إلى مجمع نيقية وحضر صياغة قانون الإيمان، وكان له الفضل الكبير في التعبير وفي المصطلحات اللاهوتية العميقة التي استخدمت في تحديد الأيمان المسيحي في صورة قانون الإيمان الذي نصليه ونحن واقفين لأنه صلاة قبل أن يكون قانونًا وأريد أن اتحدث عن بعض ملاحظات على خدمته الجميلة.
١- من أوائل الآباء الذين اهتموا ببناء الكنائس، وأشهر كنيسة بنيت في زمنه هي الموجودة في منطقة الآثار بدير مارمينا (المدينة المرمرية التي كانت كلها بالرخام) وكان يأتي لها الناس من كل أنحاء العالم لزيارتها، وهي التي استوحينا منها شكل كاتدرائية الميلاد في العاصمة الإدارية الجديدة أخذنا منها التصميم الأثري القديم وكما كانت الكنيسة القديمة بلا عمدان وأيضًا الجديدة ليس بها عمدان برغم مساحتها الكبيرة التي تستوعب ١٠٠٠٠ شخص (وهي تعتبر أكبر كنيسة في أفريقيا والشرق الأوسط كله)، فالقديس أثناسيوس الرسولي هو صاحب فكرة بداية بناء الكنائس في زمنه، وقبلها كانوا يصلوا في المغائر والمقابر وشقوق الأرض والمزارع ولم يكن هناك كنيسة ثابتة، وأول ملاحظة في خدمة القديس أثناسيوس اهتمامه ببناء الكنائس لأن الكنيسة بيت الله تجمعنا، ووجود كنيسة ثابتة تجعل الإنسان ينمو في حضن الله ولا يضيع أبدًا.
٢- الملحوظة الثانية أنه كان يهتم أن يحول الأشياء الوثنية إلى صورة مسيحية وكان هناك البرابي الهياكل الوثنية ويحولها لكنائس مسيحية مثل دير الأنبا شنودة في سوهاج كان معبدًا وثنيًّا فرعونيًّا وتحول إلى دير، وصار فيما بعد دير الأنبا شنوده رئيس المتوحدين وصار من أشهر الأديرة. وكانوا يحتفلوا احتفالًا كبيرًا بالعجل آبيس حوله القديس للاحتفال بعيد الملاك ميخائيل، وهذا يظهر الفكر الجيد في تنصير العمل، وأيضًا من الأعياد المشهورة عيد الربيع الذى نحتفل به في 21مارس كل عام ويسمي عيد الطبيعة دائمًا يأتي في فترة الصوم الكبير ومن زمن القديس أثناسيوس تحول هذا العيد إلى اليوم التالي لعيد القيامة وأخذ الملامح الدينية حيث نخرج للخضرة لأن الفردوس فتح أمامنا والقيامة بعد الموت وكذلك المأكولات الموسمية بدأ ربطها بالمعاني الروحية.
٣- الملحوظة الثالثة هي نبوغه المبكر، حيث وضع كتابين من أهم الكتب التي تدرس في المعرفة اللاهوتية، هما كتابي “ضد الوثنيين” و”تجسد الكلمة” وترجما للغات كثيرة ويدرسا في كليات اللاهوت وفي فصول الخدمة.
٤- وأيضًا في زمن القديس أثناسيوس الرسولي أول مرة يرسم من الرهبان أساقفة، وهو من قام بهذا العمل ونظم العمل الكهنوتي من رتبة المطران حتى رتبة الشماس، ونظم العمل الكهنوتي في الكنيسة ووضع الكتب التي ساعدت أن يزيد الوعظ والتعليم بداخل الكنيسة
٥- والعمل العظيم الذي عمله القديس أثناسيوس الرسولي هو عندما حضر في مجمع نيقية سنة ٣٣٥ (وكلمة مجمع بمعني مؤتمر دولي يضم قادة الكنائس) وناقش القضية الخطيرة هرطقة آريوس، آريوس كان قسًّا في الإسكندرية وكان يعلم بأن هنالك فرق كبير بين “المسيح” و”الله” وهو وسيط ليس إلهًا كاملًا أو إنسانًا كاملًا، ونشر تعليمه وكان فصيح اللسان. وانعقد المجمع ليناقش البدعة، وكانت أكبر بدعة هزت كيان الكنيسة، وكانت النتيجة بعد المناقشات مع آريوس أن وضع المجمع قانون الإيمان وبعد ذلك وضعت تكملة قانون الإيمان والمقدمة وصار الإيمان مصاغًا في هذه الصورة القانونية السليمة وبهذه الطريقة انتشر الإيمان القويم، ويسمى أثناسيوس “أسقف الأساقفة” ويقول القديس غريغوريوس النزينزي: “عندما أمتدح الفضيلة أمتدح القديس أثناسيوس” و”إذا استمعت لكلمة من فم أثناسيوس ولم يكن معك ورقة لتكتبه فاكتبه علي قميصك”
القديس أثناسيوس تعرض للنفى ٥ مرات وأُبعد عن كرسيه واحتمل آلامًا شديدة، وحدثت معه معجزات كثيرة، وآثاره مازالت موجودة ونحتفل في ١٥ مايو وهو شهر مليء باحتفالات القديسين
الحقيقة أنا فرحان بتدشين الكنيسة ويعيش أنبا جابرييل ويعمر وأبونا إيسيذورس والآباء الذين يخدموا معه، ونيافة الأنبا سيرابيون جاء مخصوص من لوس أنجلوس ليحضر ثمرة كبيرة لخدمة بدأها سنة ١٩٨٣، ومعنا الآباء الأحباء نيافة الأنبا أرساني ونيافة الأنبا مارك ونيافة الأنبا لوقا ونيافة الأنبا أنطونيو ونيافة أنبا جيوفاني والأنبا جابربيل والآباء الأحباء قادمين من إيطاليا ومن فرنسا وألمانيا والمجر ومناطق كثيرة
اليوم هو يوم فرح ويجب أن نحفظ هذا اليوم كل مرة وأنتم طيبين
اللي يتربى جوة حضن الكنيسة لا يضيع في المجتمع، الكنيسة ليست مبنى، الكنيسة في الحياة الكنسية والحياة الروحية والعيش داخل الكنيسة هو أقوى صمام أمان بالنسبة لأولادنا الذين ينمون في مجتمع مختلف عن مجتمعنا مصر، ولذلك اهتمامكم بالكنيسة وحضوركم باستمرار شيء مهم لحياتكم ومهم لكل أب وأم لكي تعيشوا في حضن العناية الإلهية، ربنا يحفظكم ويبارك حياتكم ودائمًا فرحانين بعمل حلو في الكنيسة وبعمل جميل في خدمة مباركة لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد آمين.